ولربّ سائلٍ يسأل من هو رشيد كورد ؟ أقول: ومن لايعرف رشيد كرد في طول كردستان وعرضها وطولها .. اسمه: رشيد بن محمد رشو هو من مواليد عام 1910. في قرية روشات التابعة لولاية ديريك ( جيايي مازي- جبل مازي )... والدته زين خالد ..في كردستان الشمالية وفي قريته روشات نال شهادة المرحلة الابتدائية.. ثمّ أجبر على الانتقال إلى كلّ من ماردين لدراسة المرحلة الإعدادية وحصل على الشهادة الإعدادية بامتياز، حيث كان من القلائل جدّاً في قريته ينال هذا القسط الوافر من العلم ،ثمّ تقدّم بطلباته إلى معهد دار المعلّمين ، ونتيجة لتفوّقه تمّ قبوله في قونييه كان ذلك في عام 1930 .. وفي تلك الحقبة من الزمن وقعت أحداث جسام في تاريخ المنطقة والعالم بداية ونهاية الحرب العالمية الأولى. نجاح ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمي، انهيار إمبراطورية الرجل المريض، ومعاهدتي سيفر ولوزان.. وآثارهما على الشأن الكرديّ في كردستان الشمالية، وأثرهما في اندلاع ثورة الشيخ سعيد،وثورة آرارات وجميع هذه الأحداث الجسام تركت بصماتها في حياة الشابّ رشيد كرد اللاحقة الطبقية والوطنية، ولكن في دار المعلّمين كانت ولادة المناضل الثوريّ ، الذي قرّر أن يقف في صفّ المظلومين طبقيّاً .. وطنيّاً.. قوميّاً.. إنسانيّاً. وقف ضدّ الشوفينيّة والكماليّة كمناضل شيوعيّ محبّ للسلام والديمقراطية ، لذلك كان دائماً تحت المراقبة وتنتظره السجون والمعتقلات .. هو ذا الشابّ اليافع المناضل رشيد كرد، وخلال وجوده في دار المعلّمين وبسبب نشاطه تمّ اعتقاله وأودع السجن، ولكنّه وبطريقة ما استطاع الفرار من سجنه وظلّ ملاحقاً متوارياً، هنا وهناك ، إلى أن تمكّنت السلطات من القبض عليه مجدّداً وأودع السجن ثانية ، حيث صدر بحقّه حكماً بالإعدام .. نعم. عقوبة الإعدام شنقاً حتى الموت صدرت بحق المناضل رشيد كرد،ويقال أن ذويه كانت أحوالهم المادية جيدة ولذلك دفعوا مبالغ طائلة كرشاوي للجهات المسؤولة للحفاظ على رأس رشيد وتمكينه من الهرب ثانية ، وكحالة جميع الوطنيين المطلوبين من السلطات التركية لابدّ من التوجّه واللجوء إلى كردستان الجنوبيّة .. خرج رشيد كرد من كردستان الشمالية عام 1940 محكوماً بالإعدام، وإلى كردستان الجنوبيّة لتكون : الملاحقات ..والسجون والتعذيب ... والجوع .. حتّى الموت ..جزءاً من حياته.. وإلى قرية تعلك التابعة لناحية الدرباسيّة ، وفي عام 1946 اتّخذ قرارا ًبالعودة إلى مسقط رأسه لأنّه كان تاركاً وراءه ، ( خاتون .. وقواعد اللغة الكرديّة ).. وبعد وصوله سرّاً وبشهر إلى هناك يهيّئ زوجته خاتون للرحيل إلى الجنوب قائلاً لها : "خذي الكتاب ياخاتون واذهبي إلى سوريا ، وإذا تمكّنت من الوصول إلى قرية تعلك ومعك الكتاب فستكونين قد أنقذت حياتي ".. وبعد ذلك استقرّ به المقام في مدينة عامودا، ولماذا.؟ لأنّ عامودا كانت مركز وملجأ المناضلين والثوريّين وحتّى للزعامات الكرديّة الفارّين من البطش التركيّ خاصّة بعد فشل الثورات الكرديّة المتتالية والمتلاحقة . وكانت عامودا مركزاً لكلّ النشاطات السياسيّة والثقافيّة في المنطقة كلّها ، ومن هنا فطبيعيّ أن يستقرّ رشيد كرد في عامودا ويجد فيها عوضه المنشود .. كثيرة هي الأسماء الوطنيّة الجليلة التي لعبت دوراً كبيراً في عامودا في سبيل القضيّة الكرديّة ومنهم رشيد كرد .. عمل في السياسة والثقافة ، وفي تلك الفترة قام جلادت بدرخان بإصدار جريدته ( هوار .. ثم .. روناهي ) في دمشق .. أمّا كاميران بدرخان فقد قام بإصدار جريدته ( روجا نوه . ثم . ستير ) في بيروت .. كان رشيد كرد مشاركاً في جريدتي هوار و روجا نوه .. ونشر في جريدة ( ريا تزه ) مجموعة قصائد تحت اسم ( جوني رش ).. أمّا ديوانه ( كروان – القافلة ).. فقد طبع في السويد وأعيد طبعه في استانبول. كتب رشيد القصّة والشعر ولكنّه أبدع لغويّاً في اللهجة الكرمانجيّة في قواعد اللغة الكرديّة .. الطبعة الأولى عام 1956 – دمشق – مطبعة كرم .. والطبعة الثانية عام 1990 – لبنان – كوما كاوا .. أمّا الطبعة الثالثة فهي بموافقة وزارة الإعلام في سوريا – دار الزمان – تحت اسم قواعد اللغة الكرديّة عام 2006.. ( رشاد محمد علي ) حسب ما ورد اسمه في سجلاّت الأحوال المدنيّة في عامودا – هذا الاسم الذي ما عرفه أحد قطّ به.. وإنما بقي اسمه أبداً رشيد كرد ).. وفي مدينته عامودا وفي عام 1948 انتسب إلى صفوف الحزب الشيوعيّ السوريّ غير آبه بما سيلاقيه.. كان ذلك في بدايات أعوام الانقلابات العسكريّة في سوريا، بدايات الدكتاتوريّات العسكريّة في سوريا، هذه الدكتاتوريّات التي ماعرفت سوى ملاحقة الشيوعيّين والوطنيّين والزجّ بهم في أعماق السجون والمعتقلات وتعرّضهم لأبشع أشكال التعذيب والتنكيل الجسديّ، وهو يتحدّى الموت ، ويسلك طريق السائرين إلى الموت لأجل أن تبقى راية المستضعفين في الأرض خفّاقة، ولأجل حقوق شعبه الكرديّ في هويّته القوميّة.. في أعوام حكومات الانقلابات حسني الزعيم وسامي الحنّاوي وأديب الشيشكلي ، كان نصيب رشيد كرد أن يكون نزيل سجن تدمر العسكريّ ، يعتقل ويحاكم ويخلى سبيله عدّة مرّات ، لعدم وجود أيّ دليل ضدّه ، والدليل في ذلك الوقت هو ضبط منشورات معه، ولكن في مزّة كانت هناك عدّة فلقات من الشرطة ثمّ يحوّل إلى المحكمة، لم يشاهد نور الشمس بحرّيّة إلاّ في السنوات التي سمّيت بالعصر الذهبيّ في سوريا، وعندما ركضت البرجوازيّة السوريّة طالبة النجدة من البرجوازيّة المصرية من الطوفان الشيوعيّ الذي لابدّ أنّه مستلم السلطة إذا لم يوضع له حدّ بالوحدة السورية المصريّة . في 31/12/ 1958 توارى الرفيق رشيد كرد عن الأنظار ملاحقاً من قبل المكتب الثاني، ونتيجة لإصرارهم على اعتقاله، هنا جاءه القرار من قيادة الحزب باللجوء إلى العراق، وفعلاً ينفّذ قرار الحزب ويدخل إلى الأراضي العراقيّة سرّاً، وهناك أكثر من رواية في ظروف اعتقاله، مايلبث أن يكشف أمره فيلقى القبض عليه ويسلَّم إلى سلطات الوحدة ، إلى مخابرات عبد الحميد السرّاج سيئة الصيت ، المكتب الثاني في مدينة القامشلي.. وفي القامشلي عذّب بوحشيّة لاحدود لها، حيث كان يربط بالسلاسل إلى جذع شجرة ويتمّ تعذيبه .. ومن ثمّ تمّ ترحيله مخفوراً برفقة شرطيّ إلى سجن المزّة وفي الطريق تعرف الشرطيّ على الرفيق رشيد ، وكم أسعده أنّ الرفيق رشيد يجيد اللغة التركيّة، لأنّ والده يتقن اللغة التركيّة .كان الشرطي من مدينة دمشق نفسها ، تعاطف الشرطيّ معه فقام بفكّ الكلبجة من يديه ، وعامله معاملة حسنة ، وبوصولهم إلى دمشق أخذه إلى بيته وعرّفه على والده ، الذي تعاطف أيضاً معه ، وأكرمه غاية الإكرام وبات ليلته في بيتهم مرتاحاً من عناء السفر ، وفي الصباح كان الرجل قد أقنع ولده الشرطيّ بهروب رشيد في الشارع بعد أن يوقعه رشيد أرضاً ويهرب ولكن إباء الرفيق رشيد وإنسانيّته بحرصه على هذا الإنسان الذي احترمه وكرّمه، لأنّه كان يدرك أنّه ماذا سيحلّ بالشرطيّ بعد هروبه، حتّى أنّ الشرطيّ ووالده قد رضيا حتّى بالتسريح ، والمحاكمة بالرغم من معرفته ماذا سيحصل له في سجن المزّة ، وهذه الحادثة ذكّرتنا تماماً بما حصل معه في تركيا عند اعتقاله للمرّة الثانية في( ديريكا جايي مازي – ديرك جبل مازي) عندما أخذ مخفوراً من ديريك إلى قونييه كانت الكلبجة في يده والأخرى في يد الشرطيّ وسيراً على الأقدام ، كان الطريق إلزاميّاً في ممرّ جبليّ ضيّق للغاية لايمكن أن يمرّ منه إلاّ شخص واحد ، ويستحيل مرورهما بأيادي مكبلة ، ممّا كان يجب فكّ القيد وبشكل جانبيّ حتّى يستطيعا المرور، عندها وقع الشرطيّ في حيرة من أمره ، عندها عاهده الرفيق رشيد كرد بأن لا يهرب، سار الشرطيّ أمامه وهو خلفه ، وبحركة بسيطة كان يمكن أن يرميه ويهرب ولكنّ أخلاقيّته أبت عليه أن ينكث بعهده أوّلاً وأن يغدر بالشرطيّ ثانياً.. وها نحن نجده يرفض فرصة نادرة ورفض أن يهرب من هذا الشرطيّ الذي أكرمه فالطريق واستضافه في بيته ، هذه هي أخلاقيّة القائد الحقيقيّ.. وهذه المرّة نزيل سجن المزّة أقذر سجون الوطن على الإطلاق ، ظلّ في سجن المزّة من شهر تمّوز عام 1959 وإلى قبيل نهايات عام 1961 تقريباً.. الشيوعيّون الصامدون بعناد لايعرف الحدود، وبتضحيات ندر في التاريخ البشريّ مثيلاً لها، تحمّلوا جميع تفنّناتهم وفاشيّتهم في أشكال التعذيب المبتكرة ، حتّى وصل إلى درجة إذابة أجسادهم في الأسيد، كما حصل مع الرفيق البطل فرج الله الحلو .. الشيوعيّون الـ( 83 ) الصامدون حتّى النهاية ، هؤلاء الذين يقول عنهم الرفيق خالد بكداش: " لقد دخل الشيوعيّون السجون بالآلاف ، وظلّوا بالمئات ، والذين صمدوا لايتعدّون الـ ( 83 – 84 ) شيوعياً " . و في سجن المزة له ألف حكاية وحكاية.. رشيد كرديه في الشجاعة والصمود النادرين .. وعلى سبيل المثال لا الحصر.. كان أكبر الجميع سنّاً وصموده كان فولاذيّاً ، لم تلن له عزيمة ولا لوى قامته الباسقة جلاّد أو سجّان، ولا كسر من شوكته جميع أساليب التعذيب وحشية.. ليصبح رمزاً أبيّاً من رموز الشيوعيّين الصامدين أمام عنجهيّة وصلف الأساليب المتفنّنة من البرابرة الطغاة في المنطقة كلّها.. ومن هنا سمّي بطل المزّة بجدارة البطل المستحقّ لوسام الشرف هذا .. فعندما كان الضعف يتسرّب إلى نفس أحد الرفاق ، إلى صلابته ، إلى معنويّاته ، كان الرفيق رشيد يذهب بدلاً عنه ليأخذ قسطه من التعذيب ، فترتفع المعنويّات ،وتتماسك الصلابة .. وقيل على لسان أحد رفاقه في المزّة (الرفيق ديب قطيره ) عندما كان يضعف الرفيق رشيد كرد جسديّاً نتيجة تحدّيه المتواصل ،وتعذيبهم المتواصل، وينادي الجلاّدون باسمه كان الرفيق عبد الوهاب رشواني ( أبو سعيد ) يذهب نيابة عنه ليأخذ عنه علقة ذلك اليوم.. اكتشفوا أنّ عدم صدور أنّة واحدة منهم كتحدّ لتعذيبهم والتفنّن فيه يزيد من وحشيّتهم ، ومن صلفهم، فوضعوا تكتيكاً جديداً ملائماً لحالة الجلاّدين النفسيّة والسيكولوجيّة.. فاتّفقوا أنّه بمجرّد أن تبدأ آلة التعذيب فعلها، يبدأ صراخهم المفتعل..وبذلك حصلوا على طريقة للتخفيف من مرارة التعذيب الرهيب .. ومن الطرف التي دعونا نسمّيها بالسياسية، التي حدثت معه في سجن المزّة أنّهم - ومن كانوا هم - كانوا من خير مثقّفي، وعلماء، وأدباء، وفنّاني، ومدرّسي، وسياسيّي، وأمل، ومستقبل الوطن، في عهد الوحدة المشؤوم ..في عهد عبد الحميد السراج .. في عهد الحيطان لها آذان.. مرّغت كرامة الوطن بزجّ شرف الوطن ممرّغاً في أقذر سجون الوطن، في أقذر آلة استخباراتيّة تصفويّة . ألم يصفّى جسدياً الرفيق فرج الله الحلو في هذا السجن بإذابة جسده بعد تصفيته جسديّاً في الأسيد.. هذا السجن الذي على حيطانه الملطَّخة بدماء أحرار الوطن وشرفائه ..
رشيد كرد وسجن المزّة كان نصيبي، لاحقاً أنّ عدداً من رموز الصمود من ال( 83 ) شيوعيّاً في المزّة، هم أساتذة عظام لأكثر من جيل منّا نحن خرّيجو دار المعلّمين في الحسكة من رفاق رشيد كرد في سجن المزّة المنفيّين إلى محافظة الحسكة ومنهم : - محي الدين بحبوح أستاذ الرياضيات..ممتاز البحره أستاذ الفنون..عبد الله. أستاذ العربي أستاذ الاجتماعيات. الأستاذ الثاني لمادة الرياضيات .. - وأسماء تخونني الذاكرة ، فعذراً منهم على خيانة ذاكرتي لأسمائهم الجليلة والعظيمة الخالدة .. الذين كنّا نسمّيهم نحن الطلاّب الشيوعيّين في دار المعلّمين بالحسكة .. ( خرّيجو المزّة .. ). كلّهم أحنوا هاماتهم للرفيق رشيد كرد ، بطلهم في سجن المزّة.. كانوا يقولون إنّ التعذيب ( كوم ) وبذاءة لسان هذا السجّان ومسبّاته القذرة ( كوم آخر).. وكيف الحال وقد استخدم السرّاج سجّاناً لا يمتّ إلى الإنسانيّة ؟. وما الحل مع هذا الغول يا رفيق رشيد؟ التعذيب أرحم بكثير من شتائمه المقذعة !. هؤلاء هم سجّانو نظام الوحدة المبجّلة .. وبعد تفكير، وتفكير، وتفكير ..وأيّام من التفكير.. والعمل الدؤوب .. أقنع الرفيق رشيد السجّان بأن يجلب معه دفتراً وقلم رصاص ومحّاية ..ليحرّره من أمّيّته .. ويصبح مثقّفاً مثلهم .. تناوب على تعليم السجّان الرفيق رشيد..والمدرّسون..والمعلّمون..والمهندسون..والأطباء.. والصيادلة .. والفنانون ..وعلماء النفس ..وعلماء الآثار.. وعلماء البيئة..وعلماء الطبيعة .. وعلماء الذرة .. وعلماء العلماء.. فما استطاعوا أن يعلموه حرفاً ، ولا رقماً... طبعاً ارتاحوا من شتائمه فترة التعليم الميْئوسة هذه.المستحيلة هذه..وأخيراً يضرب القلم والدفتر بالأرض قائلاً: - (... ) أخت الغلم .. الغلم وأهل الغلم تحت إيدي .. وبقي القلم وأهل القلم تحت أيادي هكذا سجّان ياعبد الحميد السرّاج.. ومن مواقفه البطوليّة في سجن المزّة وما وصفته إحدى قصائده في ديوانه ( كروان ) . كان هناك سجّان سكّير ومحشّش، وأثناء مناوبته ، يدخل إحدى المهاجع ويتحرّش بالرفاق ويسمعهم الكلام البذيء، وفي إحدى المرّات دخل إلى المهجع الذي فيه الرفيق رشيد كرد، سكراناً مطفياً ، يتطاير الشرر من عينيه وفي يده كرباج ضخم .. ولكنّ الرفيق رشيد كرد تصدّى له وهو يعلم علم اليقين ماذا ينتظره فيما بعد ، وردّ عليه مدافعاً عن الشيوعيّة ، مدافعاً عن الاتّحاد السوفياتيّ ، مندّداً بالأمريكان والدائرين في فلكهم ، كان أزلامه وراءه ، وبإشارة بسيطة منه انهالوا ضرباً وركلاً وبصقاً ، وقادوه أمامهم إلى غرفة التعذيب.. وما أكثر الصور المشرقة الساطعة لصمود رفاق المزّة ..رشيد كرد ، ورفاق رشيد كرد .. بقي في هذا السجن المقيت طيلة أيّام الوحدة السوريّة المصريّة التي لا أعاد الله ذكرها حتّى انهيارها الموضوعيّ ، ولماذا ؟. لأنّها قامت على أسس خاطئة قضت عليها هذه الأسس ذاتها. ولأنّهم رجعيّون وشوفينيّون ، وبضع جزمات عسكريّة، يعلم الله كيف أصبحوا ضباطاً..حكموا البلد والولد والتلد..وكيف ؟ . بلغة السجون والمعتقلات والتصفيات الجسديّة ..وما فشروا أن يركعوا المناضلين.. وماركعوا .. وبقيت شعلة رشيد متّقدة أبداً ، وهاهو التاريخ يسطّره بأحرف من نار .. ونور .. خرج رشيد كرد أخيراً من سجن المزّة.. في أوائل شهر تشرين الأول عام 1961 بعد قيام حركة الانفصال التي قادها اللواء الركن عبد الكريم زهر الدين . خرج البطل..تحيط به أكاليل الغار من كلّ حدب وصوب.. يلفّه العلم الأحمر القاني بمنجله ومطرقته ..يلفّه العلم الكرديّ بألوانه المحبّبة .. وأهلاً بك أيّها النسر الشيوعي المحلق بجناحيه عالياً في السموات السبع..والوطن..والحزب..والشعب.. يعلو بك .. يابن ولادة كردية في ذرا جبال ديريكا جايي مازي..أنجبت رشيداً كردياً..وألف رشيد.. ورشيد.. بوركت أيّها البطن الكرديّ في خير ما أنجبت..بوركت أيّها البطن الكرديّ.. في خير ما أنجبت كرديّاً شيوعيّاً.. أهلاًً بك أيّها النسر الشيوعيّ الكرديّ وأنت تجسّد العلاقة الدياليكتيكيّة بين ماهو قوميّ وما هو أمميّ.. بين ماهو وطنيّ وماهو شيوعيّ .. بين علاقة الإنسان بالإنسان .. أيّها النسر الشيوعيّ الكردي لم تستطع أن تكون إلاّ نفسك ولذلك كان اسمك رشيد كرد .. وما كان ممكناً إلاّ أن يكون رشيد كرد ..وهنيئاً لنا برشيد كرد .. وأعانقك يارشيد كرد.. ولأنه كان رشيد كرد.. إذاً فهو .. خلية النحل الحزبيّة النشيطة . درج اسمه في قائمة المطلوب القبض عليه حيّاً أو ميتاً رشيد كرد ..
رشيد كرد في عهد ميشيل عفلق
ميشيل عفلق هذا الفاشيّ الذي جاء وصمّم على أن يطبّق تجربته في العراق على الشيوعيّين السوريّين ، عبر حمّامات الدم لتصفية الحزب نهائيّاً، ولكنّ عفلقاً خسئ في نهاية المطاف .. وفي عهده توارى رشيد كرد عن الأنظار، وبقي فترة لابأس بها ملاحقاً من مكان إلى آخر ، ونتيجة للكبسات والإلحاح في طلبه كان ذلك في عام 1963 عام ميشيل عفلق الذي كان في ذهنه وأيديولوجيّته المعادية للشيوعيّة تطبيق وصفته العراقيّة في سوريا، وذلك بتصفية الحزب الشيوعيّ السوريّ ، وحمّامات دمه العفلقيّة للشيوعيّين السوريّين .. قدره أن يكون محكوماً بالإعدام . بالموت . بالاعتقال.. وفي هذه المرة يأتيه القرار من الحزب، و يكون قرار الحزب : يارفيق رشيد تسلّل إلى لبنان وسيتدبّر الرفاق هناك أمرك. تسلّل عبر الحدود المتاخمة لحمص وشمّر عن ساقيه ليجتاز النهر حاملاً حذاءه في يديه؛ ملكيّته الوحيدة في ذلك اليوم. تصوّروا أن يملك مناضل حذاءه فقط..في بداية عهد ميشيل عفلق توارى عن الأنظار، وظلّ هناك لمدّة عام تقريباً، وفي هذا العام اللبنانيّ عاش أسعد أيّام حياته النادرة جدّاً جدّاً .. ورغم ذلك كان يجد نفسه يسوعاً .. يملك العالم كلّه ويربح نفسه .. بوركت أيّها اليسوع الشيوعيّ .. أما قال الراهب ( أدي ) في صلاة صبيحة الأحد عام 1974 في كنيسة السريان الأرثوذكس في عامودا ، كارل ماركس واليسوع توْءَمان .. دعوا إلى إنصاف المضطهدين..دعوا إلى السلام بين بني البشر.. دعوا إلى التكافل الاجتماعي .. دعوا أن لا ينام إنسان وجاره إلى جانبه جوعان .. أيا رسول المضطهدين إلى لبنان .. إلى بيروت .. حولاً .. وبعض الحول .. ويأمره الحزب بعد عام 1965بالعودة إلى الوطن .. ويعود .. هو في قلب الأتون دائماً.. هو ابن الأتون .. قدَّ من صخر صلد.. يا بسيط البسطاء .. يا آخر من شبعت . ويا آخر من نمت . يا آخر من شربت . يا أول من ذهبت إلى السجون والمعتقلات..يا أول من عرفت طعم الكهرباء، والكبل الرباعيّ، وقلع الأظافر، والتنويم القسريّ بجسد عار على لوح مسامير..في وطن مستباح ومباح .. رشيد كرد سليل السجون ..رشيد كرد سليل المعتقلات.. رشيد كرد سليل العذابات.. من سجن إلى سجن .. ومن عذاب إلى عذاب .. ومن تشرّد إلى تشرّد ..ومن جوع إلى جوع.. وعذاب الزوجة والولد.. وتشرّد وجوع الزوجة والولد .. وإثر عودته من بيروت كان اعتقال رسول البائسين رشيد كرد ليبقى قابعاً أشهراً عدّة في انفراديّة مظلمة، رطبة، معاملاًً بكلّ وحشيّة ..
حكاية مرض رشيد كرد بمرض تشمّع الكبد
يعتبر رشيد كرد مع يوسف حرسان ، أول معتقلَين شيوعيّين في عامودا عام 1948 الذي هو تاريخ انتساب رشيد كرد إلى الحزب في عهد الديكتاتور حسني الزعيم حيث اعتقلا وعذّبا في مدينة القامشلي ، ثم أُخذا مخفورين إلى السجن العسكريّ في دير الزور، ثمّ إلى السجن العسكريّ في صحراء تدمر .. وبقيا فيه لمدّة ستّة أشهر .. وهناك في السجن أصيب بمرض التهاب الكبد الذي استفحل وتطوّر معه عام 1967 ودون أن يحسّ أو يعلم بأنّ المرض يتمكّن منه طيلة هذه الأعوام ، حيث اكتشف في هذا العام أهم أعراض هذا المرض الرهيب وهو تورّم القدمين ، وخاصّة بعد عودته من زيارته الاطّلاعية إلى أرمينيا السوفيتيّة، فأرسله الحزب فورا ًإلى رومانيا للعلاج وكان ذلك في خريف عام ، 1967 في مستشفى اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعيّ الرومانيّ، وهنا أيضاً كما رواها الرفيق ديب قطيره، في حديقة. كان الرفيق رشيد اجتماعيّاً تعرّف على امرأة وأخذ يحادثها.. (( سألها: - هل أنت متزوّجة ؟.. - نعم أنا متزوّجة .. - وماذا يعمل زوجك ؟.. - هو جنرال في الجيش الرومانيّ .. - هل زوجك شيوعيّ ؟.. - لا زوجي ليس شيوعيّاً .. - إذاً رغم أنّني إنسان عاديّ وبسيط فأنا أكثر وعياً من زوجك ..لأنّني شيوعيّ .. - فقط لأنّك شيوعيّ .. - نعم لأنّ زوجك ليس لا بوعيي ، ولا بتطوّري ، ولذلك أنا أكثر وعياً منه ..)) فهل تلاحظون مدى عظمة وعمق فكر رشيد كرد ...؟!!! وبقي للعلاج لمدّة شهر ولكن دون فائدة لأنّ المرض قد تمكّن منه وأدّى إلى وفاته في 20 كانون الثاني عام 1968 تعب كثيراً في أيّامه الأخيرة ، كان يعيش حالة حزن دائم ، وكثيراً ما كرّر وعيناه دامعتان .. بأنّه سيموت ولم ير الاشتراكيّة والشيوعيّة.. كثيراً ما كرّر اشتياقه إلى موطنه ( ديريكا جايي مازي ).. وأمنيته بالذهاب إليها .. رشيد كرد وحرب ونكسة الخامس من حزيران عام 1967 في حرب حزيران 1967 توجّه إلى مكتب مدير ناحية عامودا يوسف طحطوح الذي كان بينه وبين الحزب معركة علي فرو وطلب منه تسليمه السلاح للدفاع عن الوطن في حال الاعتداء عليه من تركيا ،أصيب يوسف طحطوح بصعقة كهربائيّة وقال : أأنت رشيد كرد، وتريد أن تدافع عن الوطن.. أدرك عندها بفطنته بأنّ يوسف طحطوح ليس في ذهنه سوى ماهو غير صحيح عنه وعن منظمة عامودا بشكل مسبق، أو حقن بها دماغه هنا في عامودا فقال : نعم أنا رشيد كرد أدفع ، والدفاع عن الوطن واجب وطنيّ من الدرجة الأولى لكلّ شيوعي، وبعد نقاش طويل ومستفيض غيّر مدير الناحية كلّ سلوكيّته تجاه الشيوعيّين ، وأصبح مقرّباً كثيراً من الحزب .. فقال: أنت كبير في السنّ ومريض ، أليس لديك ابن نعطيه السلاح .. فقال : نعم لدي ابن في الصفّ العاشر ولديه أيضاً رفاق، وعلى إثرها تطوّع جميع الشيوعيّين في الجيش الشعبيّ لحراسة وحماية مدينتهم من أيّ عدوان تركيّ .. بدأ الاجتماع الأوّل للمتطوّعين في ساحة مدرسة الغزالي في أرتال حاشدة، وشكّل كلّ ثلاثة شيوعيّين دوريّة، وجميع الدوريّات كانت برئاسة رشيد كرد ..
معارك رشيد كرد الطبقية كان لرشيد كرد شرف الإشراف والقيادة في عامودا المقارعة على مرّ تاريخها لأهمّ المعارك الطبقيّة التي تنفرد بها دون سواها من المدن .. معارك طبقيّة في زمن ليس زمنها ، ومكان ليس مكانها .. وأناس لم يكونوا مهيّئين لها .. معارك طبقيّة وسياسيّة شرسة.. قادها مباشرة رشيد كرد بشجاعة وحنكة القائد السياسي المغوار.. وأهم هذه المعارك المحتدمة.. بل وحتّى الدمويّة والتي عاصرتها شخصياً وعشتها.. وعشناها وكان لنا شرف الاشتراك في بعضها في عامودا وريفها تحت قيادة المعلّم والقائد رشيد كرد .. -معركة علي فرو ..تلك المعركة التي لازالت رصاصة مدير ناحية عامودا يوسف طحطوح تركن في قلب القلب من صدر( عابدو )؛ذلك الشيوعيّ الذي تحدّى بصدره رصاص مسدسه.. تمسّك الفلاّحون الشيوعيّون بأرضهم .. ولم يمت، والرصاصة باقية في متحف قفصه الصدريّ منذ أوائل الستّينات وحتّى اليوم ... وعلى هدي معركة علي فرو كان رشيد كرد نبراسنا .. في معركة عامودا.. وذلك التحدّي الذي عاشته منظّمة عامودا ورشيد كرد قبلتها في التخطيط لأعنف معركة طبقيّة عرفتها الجزيرة كلّها، لا ولربّما سوريا كلّها..عبر رموز الإقطاع حين ذاك ..فكان رشيد كرد ذلك القائد الميدانيّ الملهم الذي كان في إتقانه لفنّ قيادة الشارع الطبقيّ في أحلك معارك الشوارع الطبقيّة حينذاك..
تميّز رشيد كرد : أبلغ مافيه هي الشجاعة..سموّه يكمن في الحبّ بكافّة أنواعه وأشكاله..ولكلّ من حوله..حبّه للرفاق..حبه لعائلته..حبه لأهله في كردستان الشماليّة..حبّه للناس جميعاً... هذا وقد فرض احترامه و نفسه على العدوّ قبل الصديق .. كان يحبّ مساعدة الآخرين من جميع النواحي .. كان متعلّقاً تعلّقاً لا يوصف بالعلم، ويشجّع الرفاق والآخرين على التعلّم.. وكان يفتح الدورات الدراسيّة المجّانيّة للرفاق الشيوعيّين في مادّتي الرياضيّات واللغة الفرنسيّة .. لأنّه كان أديباً في الكرديّة، والتركيّة، ومتمكّناً في اللغة الفرنسيّة، ومجيداً في اللغة العربيّة ، وملمّاً إلماماً لا بأس به في اللغة الإنكليزيّة .. كانت كافّة فئات الشعب في عامودا بمختلف انتماءاتها السياسيّة وشرائحها الطبقيّة والدينيّة تحترمه وتلبّي حاجاته إذا طلبها منهم من أجل الحزب، ومثالنا على ذلك في زيارة وفد الجزيرة إلى الرفيق خالد بكداش عام1966 فقد أخذ أجرة رفاق الوفد من أغنياء عامودا وآغواتها .. كان مرحاً لأبعد الحدود .. مزوحاً لأبعد الحدود.. محبّاً للنكتة .. كان محبّاً للشباب متفهّماً عمرهم ، سلوكيّتهم ، تفكيرهم ، ملبّياً مطاليبهم في طلب العلم ويعتبر مؤسّس منظّمة اتّحاد الشباب الديمقراطيّ في عامودا.. كانت لهجة وكلامه بلغة كرمانجيّة فصيحة تماماً، من النادر أن تجد فيها كلمة عربيّة أو تركيّة كانت لهجة ( ديريكا جايي مازي – ديريك جبل مازي ) الكرمانجيّة الفصحى، ومن هنا كان سرّ إعطاء رشيد كرد رائعته " قواعد اللغة الكردية " في سنّ شبابه المبكر ..
من سيرة الملاحَق العلنيّ رشيد كرد
... ذات مرة كان مختبئاً في بيت أحد الرفاق ، وقد علمت والدة أحد الرفاق المعتقلين بوجوده هناك ، ذهبت إليه وعندما وجدته في الفراش لتقول له بتهكّمٍ واستهزاء : - عفارم يارشيد كرد ، تنام تحت لحاف دافئ ، وابني رازح هناك في السجن .. في الحال رمى اللحاف جانباً وخرج إلى الشارع .. دار في السوق دورة كاملة أمام الناس .. عاد إلى البيت مودّعاً أولاده وانتقل إلى مكان آخر.. ولكنه لم يعتقل ، لم يكن في ذهن الأجهزة أنّ رشيد كرد سيتجوّل في سوق عامودا في وضح النهار .. ... ذات مرّة كان مختبئاً في داره وانقطع من الدخّان فطلب من ابنه أن يذهب ويجلب له علبة دخّان من دكّان حنا هيلونه الذي كان يتعامل معه بالدين، فرفض ابنه الذهاب، بالرغم من إلحاحه، فما كان منه إلاّ أن لبس ثيابه وخرج بنفسه إلى دكّان هيلونه وأخذ منه حاجته من الدخّان، وفوق ذلك ذهب إلى الحلاّق، فحلق شعره وذقنه وعاد إلى بيته مودّعاً إلى بيت سرّيّ آخر .. ذات مرّة كان مختبئاً في بيته، طرقت الشرطة الباب فخرجت ابنته، سألها الشرطة أين والدك؟ فقالت: لهم والدي في البيت.. فاعتقلته الشرطة، وبعد علقة تعذيب، وعرض على القضاء أفرج عنه وعاد إلى البيت .. فما كان منه إلاّ أن قال لابنته .. - مرّة أخرى ( لاتفسدي ) على والدك إن جاءت الأجهزة تسأل عني ..
رشيد كرد والحزب " رشيد كرد ذلك القائد الذي أتقن وأجاد في كلّ فنون وصنوف قيادة المضطهدين، طبقيّاً ، وقوميّاً، وأمميّاً ، وإنسانيّاً.. القائد الشيوعيّ الذي أصبح منسيّاً اليوم حتّى في ذاكرة بعض رفاقه الذين أبخسوه عذاباته .. سجونه.. معتقلاته .. تناسوه وأرادوا أن يقسروا ذاكرتنا على نسيانه .. ولكن ذاكرة الشيوعيّين الحقيقيّين ستكون عصيّة على ذلك ، لأنّه كان بطل المزّة أقذر سجون وطني على الإطلاق .. وسيبقى في وجداننا وضمائرنا بطل المزّة أبداً.. فعظماء أيّ شعب سيبقون- يقيناً – خالدين في وجدان وذاكرة شعوبهم وأحزابهم وشرفائهم أبداً. كتاب عامودا تحترق ص22 " .. وهو رشيد كرد رسول البؤساء في الأرض الكردية .. وهو لايملك من الدنيا كلّها سوى ذلك الراتب الشحيح الذي لم يشبعه وعائلته أبداً .. ورغم ذلك عاش حياته وعائلته جوعاً حقيقيّاً..أصبح مزمناً على مدى السنوات..ودون أن يتحسّن أبداً .. وكان ذلك يعرضه لخلافات، وحتّى توتّرات داخليّة إن وجد في ذلك البيت.. أنا الذي لمست مراراً وتكراراً.. ويا ليتني لم ألمس ذلك لأنّها تركت في أعماقي ( عاهة اسمها الغصّة ) بالرغم من كلّ هذا الزمن.. أنا الذي لمس وأحسّ بدموع المارد ..المارد الذي تحدّى كلّ الديكتاتوريّات..ولقمة العيال أشد فتكاً..ورغم ذلك قاوم حتى اللقمة الشحيحة تلك..ولأنّه كان بهذا الوضوح الطبقيّ في سمات الكادر الشيوعيّ فقد جُنِّب .. فقد همِّش سياسيّاً . قالوا عن لينين هو بسيط كالحقيقة ..وما المانع وهو اللينينيّ المجرّب أن يكون بسيطاً كالحقيقة ذاتها ... رشيد كرد كان مدافعاً عنيداً بهدوء عن سياسة حزبه .. واضحاً في شيوعيته كنور الشمس .. مدافعاً عن قيم الاشتراكية ، عن قيم الشيوعية أسمى القيم ، كمحاور مقنع .. رشيد كرد خير من وفق في علاقة دياليكتيكية ماركسية لينينية بين ماهو وطني وقومي.. وبين ماهو قومي وأممي .. فكان جديراً بوطنيته .. جديراً بقوميته .. جديراً بأمميّته .. وطنيّاً حقيقيّاً استنفر للدفاع عن الوطن ضدّ أيّ اعتداء خارجي.. ضدّ جميع الديكتاتوريات.. المتعاقبة على سوريا ..وما سمّي بعصر الانقلابات..ضدّ جميع الأحلاف الاستعمارية المتآمرة على الوطن.. من حلف بغداد..إلى الهلال الخصيب..إلى مبدأ أيزنهاور..إلى النقطة الرابعة .. وكان كردي قريته روشات.. في دريكا جايي مازي .. هو كرديّ اعتقاله وسجنه في السنة الأخيرة من دار المعلّمين في قونيه .. هو الكرديّ المحكوم عليه بالإعدام لدفاعه عن أفكاره النبيلة.. لوقوفه ككرديّ ضدّ الشوفينيّة الطورانيّة الأتاتوركيّة .. هو المبدع في قاموسه قواعد اللغة الكرديّة .. رشيد كرد وجد نفسه كغيره من الشيوعيين الأكراد، الذين وجدوا قوميّتهم وقومية آبائهم وأجدادهم كرديّة من خلال الحزب الشيوعيّ السوريّ.. ولا مساومة عندهم فيها " .. ولماذا الانكماش والتقلّص ،( وضبضبة الذات ) ؟.. جاء في أزمة الحزب مع رياض الترك على صفحات مجلّة (الصياد اللبنانية).. حاربوا خالد بكداش لأنّه كرديّ .. وفي مجلة النهج : الفرنسيون يعتقلون الرفيق خالد بكداش ويقولون له : كرديّ ولابس بيجامه.. نعم خالد بكداش كرديّ ولا حرج ..ورشيد كرد كرديّ ولاحرج ..وأنا أعتزّ بكرديّتي ولاحرج. لأنهّا قومية المظلومين ، والمسحوقين.. والمضطهَدين.. " ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم هم الوارثين " .. ... آية قرآنية معلّقة على صدر حائط في بيت الحزب ، علّقها الرفيق خالد نفسه .. فكان رشيد كرد في الحزب الشيوعيّ السوريّ لساناً وجسداً وفكراً شيوعيّاً كرديّاً شيوعيّاً .. وكان هذا حيزاً لايستهان به من اضطهاد رشيد كرد في حزبه.. وما عرف رشيد في ذلك مساومة أبداً ...
الحوار الأخير
أنفق جلّ عمره في السجون والمعتقلات .. تحت التعذيب .. حتى أسقم جسده ..حتى غلب السقم الصحة .. حتى أصبح المارد رهين سقمه .. فما عاد يفيده التطور الطبي لكل المنظومة الاشتراكية ..والنسر يعود بعد كلّ علاج بدون جناحين .. قتلته السجون والمعتقلات ..وقضى عليه التعذيب الدائم والمزمن لكل العهود في سوريا..فمات رشيد كرد قرباناً على مذابح ذلك الثوريّ الحالم في وطن ينتفي فيه الجور القوميّ.. والطبقيّ.. وأغمض العينين باكياً ودموعه تملأ مآقيه .. يسأله مراد يوسف عضو المكتب السياسي في ذلك الوقت؟. - يارفيق رشيد أنت من علّمتنا الإيمان بالمستقبل .. الإيمان بالغد المشرق لامحالة .. الإيمان بفجر جديد .. الإيمان بأن الاشتراكية هي مستقبل البشرية الأكيد.. - أبكي يارفيق لأنّني سأموت ، وأعرف أنّني أحتضَر ، ولن أجد بأمّ عيني الاشتراكية ،أجد بأم عيني الشيوعية ، وهذا ما يجعلني أبكي حسرة.. وأغمض عينيه ..وغفا.. رقد رقدته الأبدية .. غفا .. رقد .. غفا ورقد بطل المزة .. عذراً منك أيها الرفيق المسجّى .. حيث ترقد بسلام .. ونحن من لانعرف السلام والاطمئنان .. وكلّنا إيمان بحتميّة فناء المادّة المتحوّلة .. ولكنّه الإيمان بأنّ مداميك بنى هذه الحياة هي من حصيلة جهود الإنسانيّة كلّها، ونحن نعيش ونحسّ بالمقرّبين منا ..الأحبّة إلى نفوسنا وقلوبنا ..
وسقط الفارس رشيد كرد فوق مدفعه
يصادف يوم / 20/ كانون الثاني / 2006 الذكرى الثامنة والثلاثون لرحيل القائد الشيوعي رشيد كرد وتوقف قلبه الكبير عن الخفقان الساعة الخامسة من صباح ذلك اليوم .. القائد الشيوعي الذي قيل فيه : ( رفيقنا رشيد كرد خدم الحزب وهو حي وخدمه وهو ميت ) لأنّه لأوّل مرة في تاريخ منظّمة الجزيرة يشهد وداعاً شعبياً جماهيريّاً حاشداً ورسميّاً يسير في مقدّمة موكب جنازته وفد قيادة الحزب واللجنة المنطقية وكافّة الفعاليات الرسمية الحزبية الحكومية متمثلة في مدير ناحية عامودا ووفد حزب البعث والأحزاب الكردية على ساحة الجزيرة، وأكاليل الورود باسم اللجنة المركزية للحزب ، واللجنة المنطقية ، وفرعية عامودا، و بعض الأكاليل الأخرى .. فكان وداعاً لائقاً بعظمة قائد مثل رشيد كرد .. كانت أكبر جنازة عرفها تاريخ عامودا .. أطول جنازة عرفها تاريخ عامودا.. من الجامع الكبير وحتّى ما بعد البلدية .. وفي المقبرة توافد المواطنون منكل صوب وحدب ، جموع غفيرة كأنّه يوم الحشر .. تمّ إلقاء كلمتين على المقبرة الأولى لقيادة الحزب وألقاها عضو اللجنة المركزية رمو شيخو.. وأهم ما جاء فيها : ( عاش رشيد كرد فقيراً ... ومات رشيد كرد فقيراً )، وألقيت بعدها كلمة منظّمة عامودا . وبعد مراسيم الدفن ، كانت مراسيم العزاء على مدى سبعة أيام بلياليها .. كانت أياماً شتائيّة جميلة بثلجها المنهمر، وبشمسها الذي بعث الدفء في أيّام كانونيّة رائعة . لم يبق في عامودا كلّها شخصية اعتبارية وحكومية وحزبية إلاّ وقامت بتقديم التعازي للمنظّمة، وكذلك لم يبق فرداً واحداً في عامودا إلاّ وجاء معزياً المنظّمة بفقيدها، والجميع اعتبروا أنفسهم من أصحاب العزاء لأنّ رشيد كرد كان رشيدهم جميعاً كما وأمّ دار التعزية من جميع مدن الجزيرة ، وأصدقاء ورفاق الفقيد من جميع المحافظات السورية وخاصّة رفاق المزة الأشاوس ..
حكايتي مع القائد الوطنيّ الكرديّ والأمميّ رشيد كرد
وهكذا كنت من الأحبة على قلب ونفس القائد الشيوعي رشيد كرد وهنا تبدأ حكايتي معه.. فقد عشت مدركاً.. أكثر من عام من حكم الجنرالات الانقلابيّين في سوريا ولمست ، ولامست كلاحة نظامهم من خلال المداهمات لبيتنا..المظاهر المسلحة داخل وحول هذا البيت..فوق سطحنا وأسطح المنازل المجاورة ..وبنادقهم المشرعة في أياديهم .. مصوبة .. تطويق كامل ..والوقت لحيظات الشروق .. والأطفال يفتحون أعينهم من على عرزيلاتهم لاستقبال يوم جديد..ولكن ليس على منظر العسكر الكريهة إذا كانوا حماة للطغاة والمستبدين ، والفاشيين.. وصور الرجال وهم يفرّون من الكبسات على هذا البيت.. انطبعت صورة الرفيق رشيد كرد في ذاكرتي ووجداني بأنّه كان دائم الحماس.. في إيمانه بقضيّة المضطهدين طبقيّاً وقوميّاًً.. وكان دائم الاختباء في هذا العهد المقيت.. يظهر في بيتنا كلّ عدة أيّام عندما تنام أعين العسس .. تنام الأعين المراقبه والملاحقه .. حينها أدركت بوعي مبكر جداً عظمة الأمر الجلل الذي يحمله على كاهله هذا الرجل العظيم المتكلم ..المرح..المحبّ لمن حوله.. البسيط مع الصغار.. الواثق بنفسه وبالمستقبل .. كان كلما جاء إلينا مداعباً شعري بحنان لا يوصف : - يارفيق حسن ألن تكون معنا ورفيقنا بعد سنوات. - نعم أنا معكم .. - برافو، أيّها الرجل هكذا بدأت بدايات وعيي لمحيطي السياسي برشيد كرد وجكرخوين وسليمان حاج حسن ومجيد دريعي .. وفي عام 1954 ليظهر رشيد كرد إلى النور.. كانت مهمّتي المفضلة وقتها أن أحمل المنشفة والصابون وإبريق الماء الساخن بعد كلّ وجبة كهذه.. أمّا الرفيق سليمان حاج حسن عندما كان يلج الصالون يقول لي منادياً حتى تسمعه جدّتي مستفزّاً : - مرحباً يارفيق حسن كيف حالك ؟. تردّ عليه جدّتي قائلة : - ألا تخجل من نفسك، أنت ابن الأكابر، طولك ، عمامتك ، وتقول له لهذا الطفل يارفيق.. - ياخالتي والله سيكون رفيقنا، إن شاء الله ستجدين ذلك بأمّ عينيك..وستسمعينه بأذنيك .. وأنا لا أريد أن أقول إنّ الرفيق رشيد كرد إلاّ أنّه : .. كان ثوريّاً حقيقيّاً .. لم يكن رغم ( برعميّة ) سنّي عندي شيء اسمه الخوف ولا من الجان كما كان يروّجونه في حارة طفولتنا. أتذكّر بدقّة لامتناهية أوّل مرّة أصبحت فيها دليلاً للقائد الشيوعي رشيد كرد في تنقّلاته المغامرة تلك إلى بيته ، إلى زوجته خاتون .. عامودا كانت رغم أعمدة الكهرباء المبعثرة ،هنا وهناك ، كانت تعيش ليلاً ثلاثة أرباع العتمة لقلة عدد الأضواء من جهة ، وعدم تغيير التالف منها إلاّ في السنة مرّة .. تسير في الشارع ولا تكاد تبصر إلا أمتاراً قليلة ، كان الرفيق رشيد كرد مشتاق إلى عائلته. أتقنني رشيد كرد أسلوباً كفاحياً منذ نعومة أظفاري وكان ذلك بداية انخراطي في صفوف المدافعين عن المضطهدين طبقياً وقومياً ووطنياً وإنسانياً بشكل عملي ، وعلى أرض الواقع.. كانت عامودا مدينة عصرية التخطيط ، أو عفواً مدينة فرنسيّة التخطيط.. على الأغلب ، تقف في بداية أو نهاية شارع ما ، فتشاهد طرفه الآخر .. شمالاً ، جنوباً .. شرقاً، غرباً.. هكذا فكّر المستعمرون الفرنسيّون ..إمّا تحضّراً منهم لإعطائنا مدناً جميلة ، مخطّطة ، أو ليسهل عليهم مراقبة أيّ تحرّك فيها.. في هذا الجوّ شبه المعتم كنت أتقدّمه شارعاً فشارع، وعندما أتأكّد من خلوّ الشارع ألقي له حجراً وهذا يدل على خلو الشارع والأمان له، أما عندما كنت أجد أحداً أنتظر حتى يغيب هذا الأحد، وإذا توجّه هذا الأحد باتجاه الرفيق رشيد وحتّى لايعرفه يضع وجهه باتجاه الحائط متشاغلاً فيدير هذا الآخر أيضاً وجهه بالاتّجاه المعاكس، والبعض يتمتم بكلمات مبهمة والتي يقيناً كانت شتائم ، وهكذا شارع آخر ، وشارعاً فشارع حتّى نصل إلى بيته، وهكذا الأمر في طريق العودة، يمكث في البيت وقتاً لابأس به، أخبّئ نفسي وراء الباب، مراقباً حركة الشارع، حتّى مغادرته، والعودة ،إلى بيتنا بنفس أسلوب الذهاب ، وتتكرّر الزيارات أسبوعيّاً وطبعاً بعد منتصف الليل بكثير.. كان يمسّد شعري بفرح في نهاية كلّ مهمّة قائلاً: بوركت يارفيقي العزيز، وذات مرة أضاف إلى بوركت، ذات يوم يجب أن تكتب وتقول في كتابتك ،إنّ رشيد كرد قد وجدني خير دليل له في ديكتاتوريّة الشيشكلي، وبأنّني أتقنت قيامي بمهمّتي هذه .. ومع بدايات العصر الذهبي ما انقطع مجيئه إلى بيتنا وعلاقته مع والدي بقيت حميميّة بالرغم من ابتعاده عن الحزب أيام الوحدة السورية المصرية.. وعندما ترفعت إلى الصف الأول الإعداديّ أواخر عام 1961 أو بدايات 1962كان ذلك بعد انهيار نظام الوحدة وفي عهد الانفصال ، دعاني عن طريق أحد الرفاق إلى بيته ، وعندما دخلت كان يجلس بجانبه الرفيق ديبو إلياس قائلاً وسائلاً : سألتك أكثر من مرّة فقبلت أن تكون شيوعيّاً.. فقلت : له هذا صحيح ولن أكون إلاّ شيوعيّاً. قال: إذاً اعتبر نفسك بعد أن تكتب طلب الانتساب عضواً في صفوف الحزب الشيوعي السوري تدخل عندها الرفيق ديبو . قائلاً: يارفيق رشيد لازال صغيراً على انتسابه للحزب . ردّ عليه .. قائلاً: يا رفيق ديبو من قام وعمل منذ سنوات دليلاً ناجحاً للملاحَقين الشيوعيّين ليس صغيراً على الانتساب للحزب، كما وانه من أسرة شيوعيّة ، وأخيراً طالباً في المرحلة الإعدادية .. لم يعلّق الرفيق ديبو ولا بكلمة واحدة.. ولكنّه حقيقة عبس .. أحضر ورقة وقلماً.. اكتب يا رفيق طلب انتسابك للحزب .. وبعد كتابة الطلب مباشرة قال: يارفيق طلبك مقبول لأنّنا -الرفيق ديبو وأنا- نزكّيك ومبروك عضويتك في الحزب الشيوعي السوري .. قلتها شكراً يارفيق والسعادة والشرف يغمرانني أن طلب انتسابي للحزب الشيوعي السوري يقدم على أيادي القائد الشيوعي رشيد كرد.. السعادة والشرف يغمرانني أن الموافقة على قبولي عضواً في الحزب الشيوعي السوري كان بموافقة القائد الشيوعي رشيد كرد .. السعادة والشرف يغمرانني أن يحضر القائد الشيوعي رشيد كرد أول اجتماع لفرقتي الأولى في الحزب .. والسعادة والشرف يغمرانني لأنّه كان لي هذه الحكاية التي لا تذكر في غنى حياة القائد الشيوعي رشيد كرد.. *** أيّها الشرفاء في كلّ بقعة كرديّة.. ذكرى رشيد كرد الثامنة والثلاثون تناديكم .. لتوقدوا الشموع .. شموع الوفاء ، شموع الإجلال.. على ضريح القائد الرشيد .. عظماؤنا ينادونا.. فهل نبخسهم حقّهم .. فالواجب ينادي المثقفين الوطنيين والتقدّميين إلى جمع النتاج الأدبيّ لرشيد كرد في جميع الأصقاع والأرجاء، أينما كان هذا النتاج والأدب..والبحث عن مرجع يتبنّى هذا العمل الكبير والعظيم .. والواجب ينادي المثقّفين الوطنيين والتقدميين إلى إحياء ذكرى رشيد كرد كلّ عام بمختلف الفعاليّات ..