1 Minuten Lesezeit
24 Nov
24Nov

جلست في باحة المنزل بانتظار شقيقها، مضت ساعة، ساعتان ولم يخرج من غرفته، قررت الذهاب إليه مجدداً لتُنهي الموضوع، فتحت الباب بهدوء ودخلت دون استئذان لتتفاجأ به نائماً على السرير، قالت في نفسها وهي تنظر إليه: نعم هذه هي قيمتي عندك، لا اعتبار لي. سأنتظرك لأرى ما ستؤول إليه الأمور فقد صبرت طويلاً ولم يبق إلا القليل.
مد يده إلى جيب معطفهِ المهترئ وأخْرَجَ علبة تبغٍ معدنية قديمة دفعها باتجاهها.
- شكراً عمي لا أدخن.
- لِمَ تمتنعين عن هذه اللذة؟ قال الرجل العجوز وهو يُشير بيده إلى لفافة التبغ. على كلٍّ ستندمين لأننا ماضون إلى الموت، فلِم لا نستمتع بهذه الحياة؟
ابتسمتْ وعلى محيّاها شيءٌ من الشفقة على كلام الرجل السبعيني، وقالت: إذاً، لفّ لي واحدة لأشاركك متعة الحياة تلك.
لنستمتع إذاً.. قالها بانتشاء وهو يلف سيجارتين بحركاتٍ مُتثاقلة من إصبعيه الإبهام والسبابة.
أشعل واحدةً للمرأة الأربعينية، والأخرى مرّرها فوق شفتيه وبلّلها بلسانه؛ قبل أن يُشعلها بعودِ كبريتٍ وهو يأخذ نفساً عميقاً بينما نظراته لا تفارق وجهها وكأنه في جلسةٍ مع حبيبته.
ما حكاية شقيقيكِ؟ لِم يتشاجران دائماً؟ قالها العجوز وهو ينفض بعضاً من رماد سيجارته على الأرض.
بسبب المال يا عمي. يتشاجران على الميراث بعدما كانا السبب في موت والدي الذي لم يحتمل شجارهما طوال الوقت، كانا يريدان أن يرثاه حياً، أجابت المرأة وهي تنفخ دخاناً أبيض من بين شفتيها.
نعم يا ابنتي أعلم...!!
والآن بعدما قسّما الميراث وكتبا لي قطعة أرض صغيرة باسمي بناءَ على وصية والدي، يتشاجران على محصول تلك الأرض. بما أنني أعيش في منزل أكبر إخوتي، فإنه يعتبر أن محصول تلك الأرض من حقّه، وهو ما يتسبب في حدوث مشاحنات مستمرة بينه وبين شقيقي الذي يصغره في السن ويطالب هو أيضاً بحصةٍ من تلك الأرض بتحريضٍ من زوجته.
لا أعلم ما عليّ فعله، تعبت كثيراً من هذه الحياة، لم أعد أرغب بالعيش، ليتني متُّ قبل أن أشاهد ما يجري بين شقيقَي، تقول المرأة الأربعينية وهي تُمرّغ سيجارتها في الأرض الترابية قبل أن تحترق بالكامل.
ما بك يا ابنتي لم هذا التشاؤم؟ لمَ لا تطالبين بحقك؟.
إن طالبت بحقوقي سأخسر إخوتي للأبد.. أجابته وعيناها لا تزالان تراقبان السيجارة المُمرّغة في التراب.
إذا كان ما يربطكم ببعض هي تلك الأرض فبئس الارتباط، وإن كان أخواكِ يعطفانِ عليكِ من أجل المال، فليذهبا إلى الجحيم.. قالها العجوز غاضباً.
أفكر في الأمر طوال الوقت، لكن أرغب أن يقتنعا بأن تلك الأرض هي من حقي.
أنتِ أدرى بمصلحتك يا ابنتي، لكن ثقي تماماً أنني سأقف بجانبكِ. قالها العجوز بعد أن منحها قبلةً على جبينها وودعها. وهي الأخرى مضت إلى البيت.
في البيت لا أحد يختلط معها. الأخ دائماً ما يكون في العمل والوقت الذي يكون في البيت، يقضيه جلّه أمام شاشة التلفاز، أما الزوجة فقلما تجالسها وتعتبرها شريكةً غير محببة في المنزل.
أين أخي؟
لم تبالي بها ولم تنظر نحوها، بل قالت بصوتٍ بالكاد يُسمع: إنه في غرفته.
طرقتْ الباب عليه ودخلت .كان جالسا يشاهد نشرة الأخبار.
- أخي أود التحدث إليك في موضوع.
- ألا يتأجل الحديث؟ أجابها الأخ دون أن يلتفت إليها وعيناه لا تفارقان الشاشة المستطيلة.
- كما تريد.. قالتها وغادرت الغرفة.
عادت إلى مكان جلوسها في باحة الدار وهي تفكر في ردة فعلهِ وكيف سيستقبل الأمر؟
بعد هنيهةٍ. خرج من غرفته إلى باحة الدار وطلب منها أن تُحضّر له كأساً من الشاي، أسرعت إلى المطبخ وهي تأمل أن يسألها عن الأمر الذي كانت تريد إخباره إياه، لكنه انشغل بارتشاف الشاي دون أن يحرك ساكناً.
لكنها تشجّعت هذه المرة وآثرت أن تبادر بالحديث.
أخي! ما زلت بانتظارك لتمنحني بعضاً من وقتك لنتحدّث في أمرٍ هام.
رفع رأسه وتأمّل وجهها الخائف، وقال: ماذا هناك؟
الأرض التي كتبها والدي باسمي. وصمتت قليلاً ثم كرّرت مرةً أخرى وتابعت: الأرض التي كتبها والدي باسمي؛ أودّ أن تضعها تحت تصرّفي لأني واعية وبإمكاني إدارة أموري بنفسي.
ما كان من الأخ الأكبر إلا أن رمى كأس الشاي الساخن على وجهها، مسبباً حروقاً لها، قبل أن ينهض ويمسك شعرها ويسحلها في باحة الدار وهو يصرخ عليها:
من علّمك هذا الكلام؟ أخبريني، ما الذي ينقصك؟ أنتِ تأكلين وتلبسين مثلنا وتعيشين معنا، فما حاجتك للأرض؟
كان يصرخ وشعرها المسدل مكوّمٌ بيده اليسرى وباليد الأخرى يصفع وجهها. وهي تصرخ وتقول:
إنه حقي وليس من حقك أن تحرمني منه.
لا بنات عندنا تطالب بحقوقها، عارٌ عليك هذا الكلام، أخبريني من هي البنت التي طالبت بحقها من ميراث والدها، قال ذلك وهو يشد شعرها بقسوةٍ أكثر.
أنا. أنا أريد حقي.
خذيه إن كان باستطاعتك ذلك.
قالها وهو يدفعها دفعةً قوية على الأرض قبل أن يرتطم وجهها بالكرسي المركون في أحد زوايا باحة الدار وتَرَكَها مضرجة بالدم الذي بدأ يسيل من أنفها وفمها.
لن أفتح الموضوع مع شقيقي الآخر، لأنه ليس بأفضل حال من هذا، هكذا أقنعت المرأة الأربعينية نفسها وهي تحاول النهوض.
في الصباح ارتدت ثيابها، اتّجهت إلى حيث يهبّ النسيم.

DIESE WEBSEITE WURDE MIT ERSTELLT