الكاتبة احلام مستغانمي
يقول نزار قباني عن رواية ذاكرة الجسد للشاعرة والكاتبة أحلام مستغانمي:
روايتها دوختني. وأنا نادراً ما أدوخ أمام رواية من الروايات، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون مثلي. ولو ان أحدا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة ويتابع نزار قباني قائلا: "هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها (تكتبني) دون أن تدري لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها وشراسة لا حد لها .. وجنون لا حد له .. الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور بحر الحب وبحر الجنس وبحر الايديولوجيا وبحر الثورة الجزائرية بمنضاليها، ومرتزقيها وأبطالها وقاتليها وسارقيها، هذه الرواية لا تختصر "ذاكرة الجسد" فحسب ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري والحزن الجزائري والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي..." وعندما قلتُ لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي: " لا ترفع صوتك عالياً.. لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها فسوف تجنّ... أجبته: دعها تَجن. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين
اختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، الكاتبة الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي لتصبح فنانة اليونسكو من أجل السلام وحاملة رسالة المنظمة من أجل السلام لمدة عامين، باعتبارها إحدى الكاتبات العربيات الأكثر تأثيراً، ومؤلفاتها من بين الأعمال الأكثر رواجاً في العالم .
أحلام مستغانمي شاعرة وكاتبة جزائرية مُعاصرة، وهي من أكثرِ الكتاب العرب نجاحًا في عصرها. وُلدت في المنفى خلال فترةٍ مليئةٍ بالاضطرابات في الجزائر. الخبرات التي اكتسبتها لكونها ابنة أستاذٍ للغة الفرنسية ومناضل في سبيل الحرية، كونت منظورها الثقافي وأمدتها الوحي لكتاباتها.
كانت من أوائل التلاميذ في المدارس العربية الجديدة في الجزائر، ولذلك اهتمت كثيرًا في قدرتها على الكتابة والتعبير عن نفسها بحرية باستخدام اللغة العربية. عندما لم يعد بمقدور والدها أن يؤمن قوت عائلته، قررت هي أن تعتني بهم، ولكن والدها رفض أن يسمح لها بالعمل. كان يريدها أن تدرس اللغة العربية، وهو الشيء الذي كان قد حارب من أجله. ولكنها بطريقةٍ ما استطاعت القيام بالأمرين معًا.
سُلطت عليها الأضواء في البداية بسبب شعرها العربي الجريء، والذي كان حتى ذلك الحين مقتصرًا على الرجال. لذلك، شكلت كتاباتها الجريئة صدمةً كبيرة في مجتمع الكتّاب الجزائريين. أُجبرت أحلام لاحقًا على إكمال تخرجها خارج الجزائر، وبعدها كتبت أخيرًا أولى رواياتها التي حظيت بمرتبة ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في العالم العربي، حالها حال رواياتها الأربعة اللاحقة. ويرجع الاهتمام الكبير برواياتها إلى خوضها في مأساة الإنسان وأحلامه البائسة.
ولدت أحلام سنة 1953، وهي الابنة البكر لعائلة جزائرية من مدينة قسنطينة. والدها " محمد الشريف " أحد ثوّار المقاومة الجزائرية ، عرف السجون الفرنسيّة بسبب مشاركته في مظاهرات 8 مايو أيار 1945 .
وبعد أن أطلق سراحه سنة 1947 كان قد فقد عمله بالبلديّة, ومع ذلك فإنّه يعتبر محظوظاً إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك -45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات- ، ثم أصبح ملاحقًا من قبل الشرطة الفرنسيّة, بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب الجزائري ، و الذي أدّى إلى ولادة ما هو أكثر أهميّة وخطراً : حزب جبهة التحرير الوطني .
أمه فاطمة الزهراء ثكِلت كل إخوتهِ في مظاهرات 1945 ، وكانت تعيش في ظلال الخشية من أن تفقد آخر أبنائها .
هذه المأساة, لم تكن مصيراً لأسرة المستغانمي فقط ، بل لكلّ الجزائر من خلال ملايين العائلات التي وجدت نفسها ممزّقة تحت وطأة الدمار الذي خلّفه الاستعمار.
بعد أشهر قليلة, توّجه محمد الشريف مع أمّه وزوجته وأحزانه إلى تونس طلباً للأمن .
كانت تونس وقتها مقرًّا لبعض الثوّار كالأمير عبد القادر والمقراني بعد نفيهما. ويجد محمد الشريف نفسه محاطاً - من جديد - بجوٍّ ساخن لا يخلو من النضال, والجهاد بطريقة تختلف عن نضاله السابق ولكن لا تقلّ أهميّة عن الذين يخوضون المعارك.
في هذه الظروف التي كانت تحمل مخاض الثورة, وإرهاصاتها الأولى تولد أحلام في تونس. ولكي تعيش أسرتها, يضطر الوالد للعمل كمدرّس للّغة الفرنسيّة. لأنّه لا يملك تأهيلاً غير تلك اللّغة, لذلك, سوف يبذل الأب كلّ ما بوسعه بعد ذلك, لتتعلَّم ابنته اللغة العربيّة التي مُنع هو من تعلمها.
وبالإضافة إلى عمله, ناضل محمد الشريف في حزب الدستور التونسي محافظًا بذلك على نشاطه النضالي المغاربيّ ضد الاستعمار و كان منزله مركزاً يلتقي فيه المجاهدون الذين يلتحقون بالجبال, أو العائدين للمعالجة في تونس من الإصابات.
بعد الاستقلال ، عاد جميع أفراد الأسرة إلى الوطن. واستقرّ الأب في العاصمة حيث كان يشغل منصب مستشار تقنيّ لدى رئاسة الجمهوريّة, ثم مديراً في وزارة الفلاحة, وأوّل مسؤول عن إدارة وتوزيع الأملاك الشاغرة, والمزارع والأراضي الفلاحيّة التي تركها المعمّرون الفرنسيون بعد مغادرتهم الجزائر. إضافة إلى نشاطه الدائم في اتحاد العمال الجزائريّين, الذي كان أحد ممثليه أثناء حرب التحرير. غير أن حماسه لبناء الجزائر المستقلّة لتوّها, جعله يتطوّع في كل مشروع يساعد في الإسراع في إعمارها. وهكذا إضافة إلى المهمّات التي كان يقوم بها داخليًّا لتفقّد أوضاع الفلاّحين, تطوَّع لإعداد برنامج إذاعي (باللّغة الفرنسيّة) لشرح خطة التسيير الذاتي الفلاحي. ثمّ ساهم في حملة محو الأميّة التي دعا إليها الرئيس أحمد بن بلّة بإشرافه على إعداد كتب لهذه الغاية.
وهكذا نشأت ابنته الكبرى في محيط عائلي يلعب الأب فيه دورًا أساسيًّا. وكانت مقرّبة كثيرًا من أبيها وخالها عزّ الدين الضابط في جيش التحرير الذي كان كأخيها الأكبر. وعبر هاتين الشخصيتين, عاشت كلّ المؤثّرات التي تطرأ على الساحة السياسيّة. و التي كشفت لها عن بعد أعمق, للجرح الجزائري
اختار والدها لها اللغة العربية . تتعلّمها كلغة أساس لتثأر له بها ، فكانت أحلام مع أول فوج للبنات يتابع تعليمه في مدرسة الثعالبيّة, أولى مدرسة معرّبة للبنات في العاصمة. وتنتقل منها إلى ثانوية عائشة أم المؤمنين. لتتخرّج سنة 1971 من كليّة الآداب في الجزائر ضمن أوّل دفعة معرّبة تتخرّج بعد الاستقلال من جامعات الجزائر. وقد أكملت تعليمها حتى نالت شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا .
- سنة 1967إثر انقلاب بومدين واعتقال الرئيس أحمد بن بلّة. وقع الأب مريضًا نتيجة للخلافات "القبليّة" والانقلابات السياسيّة التي أصبح فيها رفاق الأمس ألدّ الأعداء. هذه الأزمة النفسيّة, أو الانهيار العصبيّ الذي أصابه, جعله يفقد صوابه في بعض الأحيان. خاصة بعد تعرّضه لمحاولة اغتيال, مما أدّى إلى الإقامة من حين لآخر في مصحّ عقليّ تابع للجيش الوطني الشعبيّ.
- في تلك السنة كان على أحلام وكانت بنت الثمانية عشر عاماً و أثناء إعدادها لشهادة البكالوريا, كان عليها ان تعمل لتساهم في إعالة إخوتها وعائلة تركها الوالد دون مورد. ولذا خلال ثلاث سنوات كانت أحلام تعدّ وتقدّم برنامجًا يوميًا في الإذاعة الجزائريّة يبثّ في ساعة متأخرّة من المساء تحت عنوان "همسات". وقد لاقت تلك "الوشوشات" الشعريّة نجاحًا كبيرًا تجاوز الحدود الجزائرية الى دول المغرب العربي. وساهمت في ميلاد اسم أحلام مستغانمي الشعريّ, الذي وجد له سندًا في صوتها الإذاعي المميّز وفي مقالات وقصائد كانت تنشرها أحلام في الصحافة الجزائرية.
- أصدرت أول ديوان سنة 1971 في الجزائر تحت عنوان "على مرفأ الأيام " .
- بعد منتصف السبعينات هاجرت أحلام مستغانمي إلى فرنسا ، تزوجت من صحفي لبناني، وتفرّغت حينها لعائلتها وغابت مدة عن الساحة الأدبية العربية .
-في بداية الثمانينات كان قرارها في العودة مجددا إلى الكتابة فشاركت في مجلّة "الحوار" التي كان يصدرها زوجها من باريس ومجلة "التضامن" التي كانت تصدر من لندن، وفي ذلك الوقت حصلت على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون .
- في عام ألف وتسعمائة وثلاث وتسعين بدأ إصدارها للثلاثية الحدث بدءاً بـ " ذاكرة الجسد " وكانت بها أول امرأة جزائرية تؤلف رواية باللغة العربية ... تبعتها " فوضى الحواس عام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين ، " عابر سرير عام ألفين .
سيطرت على أحلام مستغانمي عاطفتها إلى الجزائر وظهر ذلك واضحًا في كتاباتها، فكانت تروي القصص التي مرت بها في حياتها، وكانت تنهي هذه القصص نهاية مأسوية.
تميزت حكايات أحلام مستغانمي أنها كانت حكايات مؤثرة جدًا، وخاصة أنها أول كاتبة جزائرية تكتب رواياتها باللغة العربية، واعتمد الروايات التي كتبتها أحلام مستغانمي للتدريس في المدارس والجامعات.
عملت أحلام مستغانمي أستاذ زائر في العديد من الجامعات في مختلف أنحاء العالم.
مؤلفات أحلام مستغانمي
على مرفأ الأيام في عام 1973
كتابة في لحظة عري.
ذاكرة الجسد عام 1993.
فوضى الحواس في عام 1997.
عابر سبيل 2003.
نسيان دوت كوم 2009.
قلوبهم معنا قنابلهم علينا 2009.
الأسود يليق بيك عام 2012.
ديوان عليك اللهفة
- عن روايتها " ذاكرة الجسد " حازت على جائزة نور ،تمنح لأحسن إبداع نسائي باللغة العربية، منحت لها سنة 1996 من مؤسسة نور بالقاهرة.
- جائزة نجيب محفوظ، للرواية ، منحت لها من قبل الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1998 م
- حازت الرواية " ذاكرة الجسد " أيضا على جائزة "جورج تراباي" الذي يكرّم كل سنة أفضل عمل أدبي كبير منشور في لبنان .
- أدخلت " ذاكرة الجسد " في المقرر التعليمي للعديد من الجامعات الدولية، وفي جامعات عربية أيضا ( السوربون بباريس جامعة ليون، جامعة مريلاند بواشنطن الجامعة الأمريكية ببيروت و القاهرة جامعة عمان بالأردن الجامعة الجزائرية، جامعة سانت ـ جوزيف بيروت....) و أيضا في برنامج الثانوية العامة بلبنان.
- اختارتها صحيفة "الشروق" الجزائرية الشخصية الثقافية لعام ألفين وسبعة .
- وقد سبق للأديبة ان اختارتها المجلة العالمية فوربس الكاتبة العربية الأكثر انتشارا لتجاوز مبيعاتها عتبة المليونين وثلاثمائة ألف نسخة.
- واختارتها مجلة عربيان بزنز العالمية في احصاء سنوي ترصد من خلاله أهم الشخصيات في العالم العربي، مرتين على التوالي في ألفين وستة وألفي سبعة ، من بين أقوى مئة شخصية عربية.