{{total_min} min xwend
الحلقة الثالثة والعشرون (الجزء الأول من عهد الرئيس عبد السلام عارف)

زوزان صالح اليوسفي


الحلقة الثالثة والعشرون (الجزء الأول من عهد الرئيس عبد السلام عارف)
بقلم: زوزان صالح اليوسفي
 أدركت في النهاية إنها مجرد لعبة الأمم لا أكثر ولا أقل..!! زوزان صالح اليوسفي

ذكرت في الحلقة السابقة عن حضور الأستاذ فؤاد عارف إلى مقر الإذاعة بعد نداء من الإنقلابيين للأستاذ فؤاد عارف عبر إذاعة بغداد ثم أتصال فؤاد عارف بكل من الأستاذين صالح اليوسفي وشوكت عقراوي للحضور إلى الإذاعة، ثم طلب الإنقلابيين منهم رفع برقية تأييد للإنقلاب، كانت هذه الأحداث في يوم 8 شباط/ فبراير 1963.
  أما في اليوم التالي فيذكر الأستاذ فؤاد عارف قائلاً: (( في صبيحة اليوم التالي 9 شباط 1963 جاءت سيارة لأخذي إلى دار الإذاعة قالوا لي: سيأتي عبد الكريم قاسم مستسلماً وسنعدمهُ.. قلت: لا أستطيع أن أرى هذا المنظر.. أعتذرت وعدت إلى البيت(1))).

 من خلال أولى الجلسات الحوار بين الأنقلابيين وبين صالح اليوسفي بعد تولي عبد السلام عارف عرش الجمهورية.. جرى حوار بين كل من عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وصالح السعدي من جهة وبين المناضل صالح اليوسفي من جهة أخرى.. يذكر المناضل صالح اليوسفي للرئيس البكر(2): (( أتذكر جيداً ما دار بيني وبين السيد عبد السلام من حديث حينما أعترض على مضمون صيغة البرقية التي حررتها وتأكيده بضرورة خلوها من ذكر تسمية الثورة الكردية أو ذكر الحكم الذاتي أومن ذكر الحزب الديمقراطي الكوردستاني و ما أعتبرهُ  عبد السلام عارف من أن تلك التسميات تُحرج قيادة الثورة، وإصراري بتفنيد مزاعمه على أساس أن ذلك يُعزز مركز القيادة وليس العكس، وأن مثل هذا التصور يثير المزيد من مخاوف الحركة التحررية الكردية وحزبها ليقف في موقف سلبي أزائها بدلاً عن موقفها الإيجابي بالإضافة إلى مجازفتنا بحياتنا بتأييد حركتهم – وفي هذا الأثناء دافع سيادتكم عن وجهة نظري – وقلتم: ( إن مطالبة الشعب الكوردي وحزبه بالحكم الذاتي من عِداد حقوقه المشروعة ولا داعي للأعتراض على ذلك بل ينبغي علينا أن نتعاطف على مثل هذا المطلب، وأما الحزب الديمقراطي الكوردستاني فهو حزب صديق يقود الحركة التحررية الكردية التي حاولنا سوية التعاون مع بعضنا البعض وإلى حد الإسهام في مثل هذه الأنتفاضة وأتفق مع وجهة نظر الأستاذ صالح بأن البرقية بالصيغة المحررة دعم أكيد لموقفنا ونحن نقدره على ذلك).. ودخل السيد علي السعدي في الموضوع بقوله: (أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني حزب طليعي صديق يقود حركة القومية الثانية في البلاد ويطالب بحق شعبه المشروع في الحكم الذاتي فليس هناك أي إحراج للقيادة بل بالعكس إنه أول حزب قومي ذو نفوذ واسع يُبرهن على جديته وصدقه للتعاون والتضامن معنا ونحن في أحرج المواقف -  إن الأخ صالح اليوسفي قد يُضحي بمسؤوليته ويجازف بحياته في مثل هذا الموقف المشرف وهو موضع تقديرنا...)
ويستمر صالح اليوسفي.. وهكذا تم إعلان موقفنا التأييدي لأنتفاضتكم فرددتها الإذاعات العالمية وأجهزتها الإعلامية كم أنها حدد موقف الحركة الكردية وحزبها وجردتها من موقف التصدي والتأرجح نحو موقف الدعم المشفوع بالحذر.
أما الشيوعيين فقد جن جنونهم حينذاك وحاولوا تبرير أندحارهم ومجازفتهم الطائشة بسبب موقفي المناوىء لهم وشرعوا يطلقون التهديدات ومع ذلك حاولت الدفاع عنهم وعدم التنكيل بهم كشوعيين بل في نطاق ضيق بالنسبة لمن يثبت قيامه الفعلي يعادي الأنتفاضة علناً ومع ذلك كنت أناشدكم بأتخاذ جانب التسامح مع الجميع.
قمت بما تمليه عليّ عقيدتي ولم يهمني لومة لائم بل كنت أؤمن بمبدأ حاولت تحقيقه ولا أزال أؤمن به، وإن كنت لم أغفل قط ثقل المصاعب والمضاعفات التي لا بد من أن تعترض في مسالكها الوعرة نظراً لظروف وطبيعة تكوين أنتفاضتكم والسلطة الحديثة المشحونتين ببعض التيارات الشوفينية من جهة، وطبيعة وتركيب وظروف وأوضاع قيادة الحركة الكردية من جهة أخرى، وكثرة أعداء الجانبين من المغرضين والمنتفعين والحاقدين في الداخل والخارج الذين يتربصون للإيقاع بينهما – ولكن على ذوي المبادئ الصادقة أن يكافحوا من أجلها ولا عبرة من نجاحهم أو فشلهم فلا يحكم عليهم بالنتائج سلباً وإيجاباً - لذا فقد كنت مرتاح البال والضمير لكوني حاولت بحرص وإخلاص ردم هوة عميقة بين الحركتين القوميتين.
وفتحت بينهما جميع أبواب الثقة والتضامن على مصراعها – ولكن ثقل حمم الترسبات والمضاعفات والأطماع والمصالح الفردية والحزبية والداخلية والخارجية وتصعيد قوى الهدم والتخريب والدس والتآمر وضحالة الوعي الثوري المشحون بالغباء والأستعلاء والمكابرة كلها كانت تترصد للنيل بها وتفوق على قدرتي الضعيفة بأضعاف مضاعفة ومع ذلك لم أنفك من بذل محاولاتي البائسة والحرص الشديد بالأحتفاظ بأي خيط من الأمل مهما كان رفيعاً من أجل تحريك الوضع المتدهور نحو الأحسن أو على الأقل الأبتعاد عن المواجهة فكان آخرها المجازفة بحياتي من أجل التمسك بآخر أطياف الأمل للحيلولة دون تدمير جهودنا المضنية والتي ذهبت أدراج الرياح.....(هنا يشير والدي إلى ما تعرض لهُ من التعذيب النفسي والجسدي بعد أعتقال والدي والوفد المفاوض في نهايات أيار/ مايس 1963 وستأتي التفاصيل عن ذلك في الحلقات القادمة...).
 ويستمر المناضل صالح اليوسفي: ((ومع ذلك فإني والحمد لله أحمل في قفصي الصدري قلباً نقياً طيباً يأبى أن يحمل ضغينة أو حقداً حتى لؤلئك الذين قاموا بإذائي أشد إيذاء فقد غفرت لهم جميعاً عن سوء معاملتهم الطائشة... وكنت أدرك أن مصلحة القوميتين ومبادئهما تتجاوزان وتسموان على ألوف من نزوات التشنجات والأنفعالات الشخصية غير المدركة لمسؤوليتها ومهما جرت عليهما من سيل الفواجع والدماء والدموع فلا بد من لقاءات متواصلة بين طلائعهما مهما كانت الظروف والأوضاع وأستخلاص العبر من تجاربها المريرة)).

 هنا أود أن أعبر الزمن وأشير بإن الإذاعة وفي صباح 8 شباط / فبراير وجهت نداء إلى الأستاذ فؤاد عارف بعد سيطرة الأنقلابيين على الإذاعة.. وإنهم أصلاً طلبوا تأييد الأستاذ فؤاد عارف فقط دون والدي، ولكن الأستاذ فؤاد عارف طلب منهم أن يتم التأييد بوجود مسؤول البارتي في بغداد والذي كان حينها والدي، ربما شعر فؤاد عارف ببعض القلق من تحمل تلك المسؤولية التاريخية لوحده وهو أصلاً مستقل، وقد شرحت التفاصيل في الحلقة السابقة.. كما قد صرح والدي من خلال مذكرته بأنه كان يرسل التقارير بأستمرار للقيادة عبر المراسلين شارحاً فيها الأحداث والأخبار عن تخطيطات القوى المعارضة من القوميين والبعثيين للقيام بهذه المبادرة..! 

 كما ويذكر سيادة مسعود البارزاني: (( مهدت ثورة أيلول لقيام هذا الإنقلاب كما مهدت فيما بعد لإنقلابات أخرى، فقد كانت عامل إضعاف لسائر الحكومات التي أعقبت نظام عبد الكريم قاسم مثلما كانت عاملاً لإضعاف نظامه، كان الإنقلاب حصيلة إتفاق بين حزب البعث والضباط القوميين الناصريين، وقد أتصل هؤلاء بالحزب الديمقراطي الكوردستاني أثناء التحضير للإنقلاب وتعهدوا بأن يحققوا جميع مطاليب الثورة الكوردية بخصوص حقوق الشعب الكردي السياسية وكان حلقة الأتصال الضابط (طاهر يحيى) عن طريق صديقه الضابط الكردي المتقاعد (كريم قرني) الذي قام بدوره بمفاتحة المكتب السياسي للبارتي، وكان مضمون الرسالة التي جاء بها إستعداد المتآمرين لمنح الحكم الذاتي لكردستان العراقية مرتهناً بنجاح الإنقلاب، مقابل مساعدة الثورة بوقف إطلاق النار والكف عن التعرض للجيش إلى غير ذلك مما يتطلبه الموقفمن مساندة أو مساعدة قدر الإمكان، كما طالب الإنقلابيون أيضاً أن ترسل قيادة الثورة برقية تأييد فورية لهم حالما يتأكد نجاح الإنقلاب..(3))).

  كما ذكر أيضاً الأستاذ جلال الطالباني في مذكراته.. عندما سأل.. هل كان لديكم علم بإنقلاب 8 شباط/فبراير وقد كان حينها مع القيادة والزعيم البارزاني(4)..؟
فردّ مام جلال: (( نعم علمنا بذلك، فإتصالاتنا مع الإنقلابيين كانت قائمة عن طريقين مختلفين. الأول عن طريق الضباط الذين سموا أنفسهم بالضباط الأحرار، فقد إتصلوا بالأستاذ إبراهيم أحمد بواسطة كريم قرني وهو ضابط كردي من السليمانية ويرتبط بصداقة قديمة مع طاهر يحيى. وطلب الأستاذ إبراهيم من يحيى إعطاء الكرد حقهم بالحكم الذاتي ووافق يحيى على ذلك. والطريق الآخر كانت الإتصالات بين الحزب العربي الإشتراكي والبارتي، وخاصة بين الأستاذ صالح اليوسفي وعلي صالح السعدي. وكان صالح اليوسفي أبلغهم بنفس مطلبنا وهو الإعتراف بالحكم الذاتي وتحقيق الديمقراطية، وتسليم سلطة كردستان إلى يد حزبنا وأن يكون الملا مصطفى حاكماً عاماً لكردستان))..
 (وحتى عن يوم الإنقلاب) يذكر مام جلال: (( أن ملا مصطفى البارزاني قال له ” تعال... ، فقلت له “ سآتي ولكني أريد حق بشارتي بخبر سأبلغه لكم، قال ملا مصطفى “إذن أسرع.. وما هو الخبر”؟، قلت له ” لقد وقع الإنقلاب فعلا وأطاحوا بعبدالكريم قاسم” وإجتمعوا حول الراديو ليستمعوا إلى الخبر))...!

 على العموم لا أستطيع أن أعلق أكثر من ذلك....! ولكنني فعلاً مستغربة من الأزدواجية في الرأي والقرارات والتخطيطات على مستوى تاريخي..! خاصة حينما تكون مصير أمة على أكتاف قادة من المفترض أن يكونوا على قدر تلك المسؤولية في قرارتهم، وأن يتقبلوا المفاجأت السياسية المباغتة والأحداث الغير متوقعة والمواقف الحرجة وكيفية التعامل معها بدبلوماسية وحكمة ونفس طويل.. وليس كل مَن يعبر عن هواه عن موقف والدي وهو خارج الخط الساخن من الموقع..! ويستنتج حسب مفهومه وأدعائاته الغير منطقية..! ويشعل الفتن في أحرج مرحلة من مراحل تاريخ نضالنا الثوري..! وحينما ينقلب الدور عليه في مثل هذا الموقف المشابه.. يفر من الموقع ومن المسؤولية..!!  
 لقد كان والدي بحكم موقعه ومسؤوليته في تلك الفترة العصيبة (من أعتقاله وسجنه ونفيه وفصلّه وترك عائلته وأطفاله لأكثر من عامين تحت رحمة للأقدار..! ثم أضطراره إلى الأختفاء في مركز النظام الحاكم وعليه أمر إلقاء القبض وربما الإعدام، وهو يؤدي واجبه الوطني.. ويتحمل عبئ أكبر مسؤولية وأخطر موقع حزبي..! 

 أسئلة كثيرة تدور في ذهني ولا أصل إلى نتيجة..! إلا أنني أدركتُ في الأخير وأقتنعت إنها مجرد لعبة الأمم لا أكثر ولا أقل..!!! 

 المصادر:
(1)مذكرات فؤاد عارف – الفصل السادس – ص 197
(2)مقتطفات من مذكرة صالح اليوسفي إلى الرئيس أحمد حسن البكر – إحدى المقتطفات موجودة في التصميم بخط يده.
(3)البارزاني والحركة التحررية الكردية – الجزء الثالث – ثورة أيلول 1961 – 1975 – الفصل السادس – ص 81 – السيد مسعود البارزاني.
 (4)كتاب مذكرات الرئيس جلال الطالباني.






I BUILT MY SITE FOR FREE USING