من ذاكرة عيادتي
الوصول للحقائق والإثباتات خلال ممارستي لمهنة الطب .
طرق خفيف على باب غرفتي في عيادتي الخاصة في قضاء زاخو مدينة عشقي ومسقط رأسي سنة 1973 فترة تعييني فيها كطبيبة ولمدة أكثر من سنة كجزء من تدرجي الطبي . سمحت للطارق بالدخول وإذا بأمراة كوردية فاتنة تلبس الزي الكوردي الجميل ثوب طويل ليلاكي شفاف وفضفاض وتحته قماش ليلاكي غير شفاف لمنع رؤية تفاصيل جسدها من القماش الشفاف خاصة صدرها الجميل والمغري والذي جعلته يبرز قليلاً للأمام بواسطة يلك ذو خامة سميكة ولون ذهبي غطى صدرها من الخلف وألتف حول ثدييها من الأمام وكانت قد ربطت الجزء الأيمن من اليلك والأيسر معاً في وسط الصدر من الأمام أسفل الثديين . بدأت المرأة بالتقدم نحوي وكنت جالسة في مقعدي الخاص بخطى واثقة وثابتة وزوجها يتبعها الهوينا بخطى ثقيلة وهادئة .
ما أن وقع نظري عليها رددت مع نفسي يالجمالها كيف صورها الخالق بهذه القامة الممشوقة المتناسقة والطول الجميل حيث قلما تتواجد فتاة بطولها في أغلب مناطقنا الكوردية . وكان وجهها يضاهي جمال البدر عند إكتماله وشعرها الكستنائي الفاتح المنسدل من الأمام عل شكل ظفيرتين ثخينتين الى خصرها الجميل ذو العضلات الملتفة بعد أنسيابه بغنج ودلال على رقبتها الطويلة الملساء البيضاء ونزولاً على كتفيها العريضتين ثم ثدييها البارزتين والنافرتين ليزيد فيهما الإغراء أو ربما لتغطية حلمتي ثدييها التي برزت كنتوئين من ثوبها . أما هالة الجمال الإضافية كانت من الشعيرات الخفيفة الفاتحة اللون والقصيرة الطافرة من تلك الظفائر والمتوزعة بعدم إنتظام على وجنتيها الموردتين وجبينها ومناطق من رقبتها كأجمل ما تراه العين . أنبهرت بكم الجمال التي كانت تملكه هذه الفتاة الكوردية التي حضرت لعيادتي وهي دون مكياج وببساطتها الطبيعية مما دعتني أن أفكر دون وعي مني وأقيس جمالها وهي أمام ناظري وأقارنها بجمال من كنت أعرفهم من ملكات جمال العالم والكون حينها وأقول مع نفسي هذه هي ملكة جمال الكون دون منافس . ثم أنتبهت بأنهم لا يزالون واقفين لتأخري وإنشغالي بالإنبهار من جمالها فدعوتهم للجلوس على الكراسي المتوفرة لجلوس المرضى في غرفتي بعد الإعتذار منهم عن التأخير لأن علامات الإرهاق كانت بادية عليهم لسيرهم مسافات طويلة على الأقدام بسبب قلة وسائل النقل وقتها في زاخو المدينة الكوردية العريقة لإهمالها الشديد من قبل حكام بغداد .
خيم السكوت على الأجواء للحظات قبل بدأي بالسؤال عن سبب مراجعتهم ؟ وبدأت المفاجئة بعدها حيث تكلمت وكانت لحظة إنحناء رأسي وتثبيت نظري على الورقة التي أمامي حيث أستعملها لتسجيل كل ما يخص المرضى فيها من الأسم والعنوان وأسباب المراجعة وأجوبة الإستفسارات ثم نتيجة الفحص الذي أقوم بإجرائه وطلب التحاليل اللازمة وفي النهاية تثبيت التشخيص والعلاج الازم ثم الإحتفاظ بتلك المعلومات الموثقة كمصدر مهم لأقيم إجراءاتي كطبيبة . للوهلة الأولى تخيلت بأن زوجها تكلم لسماعي صوت رجالي لكن عندما رفعت بصري لاحظت بأن هذا صوتها والزوج كان ساكتاً يسمع مثلي سردها وسبب مراجعتها . بدأت بكتابة ملاحظاتي بأن صوتها صوت رجالي
ثم أسهبت هي بالحديث عن سبب مراجعتها ولم تتطرق إلى موضوع الزواج إن كانت فيها صعوبة أو مشاكل أثناء الممارسة الجنسية بينهم كزوجين لكنها ركزت على نقطة واحدة وهو موضوع رغبتها للحمل والإنجاب وقلقها الشديد بعدم حدوث الحمل لديها رغم مرور أكثر من سنة على زواجهما .
أستفسرت من الزوج لأي إضافة لديه أو ملاحظة على أقوال زوجته أجاب بالنفي أي كان مطلبهم واحد وهو تأخر الحمل والإنجاب لدى زوجته . بدأت مع الزوج لطرح بعض الإستفسارات التي توصلني لتشخيص أسباب العقم لديهم من جانبه . فبدأت بالإستفسار منه فيما إذا تعرض في طفولته لمرض النكاف أو عدم نزول مبكر للخصيتين لديه أو وجود دوالي في الخصيتين . ثم سألته عن عمله وأيام تواجده مع زوجته وعدد مرات الممارسة الجنسية لديهم بالأيام والأسابيع . وإذا كان لديه مرض معين عليه أن يعلمني به إجابات الزوج حسب علمه وتذكره كانت جيدة لكن رغم ذلك قررت مع نفسي أن أرسله إلى طبيب للكشف عليه ثم التأكد من إجراء تحليل للسائل المنوي لديه في حالة عدم أكتشاف أي خلل واضح لدى الزوجة بعد إجراء الفحص الطبي الكامل عليها .
ثم بدأت مع الزوجة للإستفسار عن دورتها الشهرية ( الطمث ) تبين بأنها لاتعلم شيئاً عن الموضوع ولم تسمع به وبعد أن شرحت لها ما أقصده كان جوابها النفي أي عدم وجود دورة شهرية لديها وكانت بعمر الثامنة عشر . فقدان الطمث لديها كان مؤشراً سلبياً ثانياً مع خشونة الصوت لديها . بعد أنتهائي من أستفساراتي المكملة لحالتها الصحية من جميع النواحي طلبت من الزوج ترك الغرفة وطلبت منها التهيؤ لإجراء الكشف العام عليها ثم الفحص المهبلي وعند إجرائها وصلت للتشخيص النهائي لحالتها لإكتشافي بأنها في الحقيقة ذكر لكن بهيئة إمرأة فاتنة كيف ؟ سوف أوضح ذلك بالتفصيل . منطقة البظر لديها كانت شبيهة بالعضو الذكري لكن قصير وبطول 2 سنتيمتر والمهبل مسدود كلياً فقط فيه فجوة قصيرة بطول 2 سنتيمتر والذي تكون من ضغط ودفع المنطقة بقضيب الزوج أثناء ممارسة الجماع مع زوجته ولأكثر من سنة وهو لايعلم بأن العملية بأكملها غير طبيعية والجهاز التناسلي لدى زوجته غير طبيعي .
بعد أكتشافي وجود العضو الذكري لديها رغم قصره وعدم وجود الرحم والمهبل لديها بدأت أفتش عن الخصيتين والتي كانت موجودة وواضحة في أسفل البطن من الجهتين لمنطقة العانة لبقائهما دون نزول الى كيس الخصية أي كيس( الصفن ) . التشخيص ثبت عندي بأنها ذكر وهي تملك الكروموسومات الذكرية بدل الكروموسومات الأنثوية والتي أدت إلى تكوين الخصيتين لديها وهذه بدورها تفرز الهرمون الذكري التستسترون بصورة طبيعية والمسؤول عن إظهار الصفات الذكرية الثانوية بعد أخذها من قبل المستقبلات الخاصة بها للعمل بصورة صحيحة وفعالة والتي لم تظهر لديها مطلقاً . لوجود خلل في مادة مستقبلات الهرمون الذكري لديها . والمستقبلات هي مادة موزعة في كافة أنحاء الجسم عملها أستلام الهرمون الذكري في حالة الذكر والهرمون الأنثوي في حالة الأنثى لإدخالها للخلايا الخاصة وتحفيزها لظهور الصفات الثانوية الخاصة بالجنسين بصورة صحيحة وعلى أكمل وجه في الحالات الطبيعية . ولوجود الخلل لدى هذه المريضة في مستقبلات هرمونها الذكري والتي لم تتمكن من أستقبال هرمونها الذكري فلم تظهر لديها الصفات الذكرية الثانوية وحدى بها الوضع للإبقاء على الشكل الأنثوي لديها . ولأن الشكل الأنثوي هو الشكل الأساس لتكوين البشر عند فقدان الغدد المسؤولة عن الجنس الخصيتين أو المبيضين أو عند وجود خلل في عملهما أو وضيفتهما أو تأثيرهما والدليل العلمي هنا واضح جداً كما هو لدى هذه المريضة الأنثى الفاتنة وهي لاتملك المبيضين وهناك خلل في تأثير وعمل ووظيفة الخصيتين بسبب خلل مستقبلات الهرمون لديها .
أسم الحالة المرضية لدى المريضة في ذلك الوقت ( Testicular Feminizing Syndrom )
بعد تثبيتي للتشخيص السريري الصحيح بقيت في حيرة كيف سأعلم الزوجين دون أن أصدمهم .
واللحظات كانت تمر علي بسرعة وأنا في حيرة من أمري ثم قررت بأن الحل الأمثل لقضيتهم هو إحالة المريضة إلى جهة علمية متطورة لأنها بحاجة ماسة الى جراحة لإزالة الخصيتين لديها لعدم نزولهما الى كيس الصفن وأحتمالية تحويلها الى مرض خبيث وربما تحتاج الى عملية تقصير العضو الذكري لديها أسوة بالبظر لدى النساء وربما تحتاج الى جراحة تصنيع مهبل أطول ليساعد أكثر في موضوع الجماع وممارسة الجنس بين الزوجين وربما يكونون بحاجة الى أطباء نفسانيين لتخفيف الصدمة عليهم وبناء قناعتهم لتقبل الوضع على ماهو عليه بعد إعلامهم بأن الحمل والإنجاب لايتحقق لهم إطلاقاً في هذه الحالة وربما تبني طفل يكون هو الحل الأمثل لهم .
كوني خريجة طب الموصل رأيت الحل يكمن هناك لقرب زاخو من الموصل ولإيماني الشديد بعلم وكفاءة أساتذتي الذين دعوني أشخص هذه الحالة دون رؤية مثيلتها سابقاً وذلك لندرة هذه الحالات ولأدع طلاب المراحل المتقدمة يرون الحالة لدى إحالتها لتساعدهم في تشخيص ومساعدة مثيلاتها في المستقبل .
بحضور الزوج أعلمتها الآتي بأن لديها غدتين أسفل بطنها وكنت أقصد الخصيتين الباقيتين دون نزول ولم أذكر الأسم الحقيقي أمامهم كي لا أصدمهم لكنني وضحت الرأي الطبي الصحيح لهم بأنه في هكذا حالات يجب أن ترفع هذه الغدد بالعملية كي لاتتحول الى مرض خبيث عند الإبقاء عليها دون إزالة . " وهذه حقيقة طبية ثابتة " .وأعلمتها بأن معالجة موضوع العقم لديها موضوع ميؤوس منه في حالتها وربما ستحتاج إلى بعض العمليات التجميلية الأخرى لأعضائها التناسلية لكن هذا يعتمد على قرار وقناعة الأطباء الأخصائيين في المستشفى التعليمي في الموصل لأنه حسب قراري وماتوصلت له هو إحالتك لهم لإكمال المعالجة بالطرق الصحيحة . خيم الحزن على الأجواء لتلقيهم كلامي الخالي من الأمل لطلبهم ومواجهة ماسمعوه من أعباء السفر المتعبة لوضعهم والعمليات التي تنتظرها . وكنت أكثرهم حزناً ومعاناة لأنني كنت على علم أكثر بالحقائق وماينتظرها من الصعوبات والإجراءات ولتوقعاتي الغير سارة للنتيجة النهائية لهذه الفتاة الكوردية الجميلة مع حالتها الميؤوسة لتكون أنثى طبيعية . وجميع الحلول هي ليست بالسهلة من سفرهم للموصل والعمليات الازمة وعدم فهمهم أو تمكنهم من التعبير باللغة العربية التي سيواجهونها في الموصل كلها أمور غاية في الصعوبة إضافة للمصاريف وعدم وجود من يساعدهم فيها سوى العلاج الطبي الضروري لحالتها والذي سيجريه الأطباء الأخصائيين فيها . وكان حزني عليها أيضاً مما ستواجهه من متاعب في حياتها كأنثى غير طبيعية وذلك لعدم مفهومية من يعيش معها ويحيط بها وعدم تقديرهم لحالتها الخاصة ومعاناتها النفسية بسبب حالتها الشاذه وهي تعيش في مجتمع غير متطور ومن الصعب عليه وضع الحلول لأبسط الأمور فيه فكيف مع حلول هكذا موضوع غاية في الصعوبة والتعقيد .
الدكتورة ڤيان نجار