من ذاكرة عيادتي
تيهان بطانة الرحم لمريضة في المنطقة السفلى لجلد البطن بعد إجراء عملية فتح البطن والرحم لإنهاء الحمل لديها .
أحيلت المريضة لعيادتي في شارع المشجر من قبل الزميل الدكتور خليل الكبيسي أخصائي الباطنية والقلبية في مستشفى الكرامة التعليمي كانت المريضة تتعالج من قبله في عيادته لإصابتها بإعاقة وتشوهات ولادية في تكوين خمسة أجزاء من القلب لديها تسمى الحالة
Pentalogy of fallot
المريضة أعلمته بأن لديها وحسب تشخيص طبيبتها في الموصل عقدة ليفية كبيرة في رحمها تسبب لها آلاماً شديدة أحياناً وعند إدخالها الى صالة العمليات في مستشفى الموصل الجمهوري لإجراء عملية أستئصال الورم الليفي من رحمها رفض الطبيب المخدر إعطائها التخدير العام بسبب مشكلة القلب حتى لايتسبب في قتلها . فارسلها الزميل د. خليل الكبيسي لي لمساعدتها إن تمكنت من ذلك .
بدأت أستفساراتي معها حول تاريخ نشوء هذا الورم تبين بأن المريضة في بداية زواجها ولسنين عديدة مضت حدث لديها حمل وبسبب مشكلة القلب لديها وسوء حالتها الصحية في شهرها الخامس للحمل ، قررت لجنة من الأطباء إنهاء حملها من خلال فتح البطن بعملية تسمى Hystorotomy
أي فتح الرحم وإجراء عملية تفريغ الرحم من الحمل ومعها عملية عقد الأنابيب الرحيمة لمنع الحمل بصورة دائمية لديها ولمنع مخاطره على صحتها . وبعده بسنين ظهرت هذه العقدة في منطقة أسفل البطن .وتبين من استجوابها بأن الدورة الشهرية لديها ترافقها آلام شديدة خاصة في منطقة الورم .
لدى الفحص السريري للمريضة تبين أن لديها جميع الأعراض والمواصفات التي تؤكد خلل القلب الخلقي الولادي وتؤكد ماشخصه د. خليل الكبيسي في تقريره لي .
كانت المريضة نحيلة الجسم ورؤية الورم وكبر حجمه في منطقة أسفل البطن كان واضحاً حتى قبل فحصه . لأن الجلد الذي يغطيه يختلف عن لون الجلد الذي يحيطه حيث كان يميل الى اللون الداكن أي مزيج من اللون الأزرق والأحمر . عند اللمس كان صلباً كقطعة عظم شكله كان بيضوياً طويلاً على أمتدادالمنطقة بين السرة وأسفل البطن بحجم 10 سم طول × 5سم عرض ، ثابتاً لايتحرك بأي إتجاه .الفحص الداخلي للمريضةأظهر ان الورم ليس له علاقة او اتصال مباشر بالرحم . حجم الرحم والمبيضين لديها كان طبيعيا ليس فيهما أورام أو عقد ليفية . تأكدت بأن الورم الوحيد لديها موجود تحت الجلد وله علاقة بطبقات الجلد .
ربطت معلوماتي مع بعضها خاصة علاقةالورم بعملية فتح البطن لإنهاء حملها والورم حصل فيه نمو تدريجي وأصبح يكبر شهراً بعد شهر وعلى مدى سنين وصل إلى حجمه لليوم ، وآلامها تزداد أيام الدورة الشهرية . كان تشخيصي لها بأن الورم له علاقة ببطانة الرحم كما نسميها تيهان بطانة الرحم الذي أنتشرت خلايا منه أثناء عملية فتح البطن والرحم لإنهاء الحمل الى منطقة الورم .
هذه الخلايا نمت وتأثرت بالهرمونات التي تفرز شهرياً من قبل المبيضين ولحصول النزف الدموي الشهري فيها كما تتأثر بطانة الرحم شهرياً وتحدث الدورة الشهرية لكن هنا ينحبس الدم ويخزن بين طبقات الجلد وتسبب لها الآلام مع آلام الدورة الشهرية . ولتكرار هذه الإضافة القليلة من دم الدورة الشهرية في تلك المنطقة سبب هذا الورم وأدى الى هذه النتيجة . هذا كان تشخيصي الأولي . أو لربما التشخيص يكون ورم في عضلة البطن في تلك المنطقة . والحكم الأخير هو التحليل النسيجي بعد إزالته بالعملية . أرسلت المريضة الى طبيبة السونر بعد تثبيت ملاحظاتي وجاءتني النتيجة عدم وجود ورم ليفي في الرحم لكن وجود ورم متكلس في جلد البطن . أوضحت كل شيئ للمريضة وكيف سأساعدها بإزالته تحت التخدير الموضعي في مستشفى الكرامة التعليمي أتصلت بالزميل الدكتور خليل الكبيسي أعلمته بكل التفاصيل . شكرني وأثنى على محاولتي الجادة لمساعدة المريضة .
أدخلتها في الردهة التي كانت بمسؤوليتي في مستشفى الكرامة التعليمي وبعد إجراء جميع المتعلقات التي تحتاجها في عمليتها أعلمت المخدر بحاجتي لوجوده في صالة العمليات كخط ثان لأنني سأباشر في إجرائي العملية تحت التخدير الموضعي ولكن مساعدته ستكون بتعويضها بالأوكسجين وبعض المهدئات التي سوف تحتاجها لتقليل الإنفعال والخوف والخفقان لديها . حضر الطبيب المخدر وممرضة العمليات وكانت قد أعدت جميع المستلزمات الضرورية للتخدير الموضعي . والمساعدة معي كانت المقيمة القدمى الدكتورة شاهيناز نوزاد . تهيئنا نحن الثلاثة بلبس ملابس العمليات كاب على الرأس وماسك على الوجه منطقة الأنف والفم وتغسيل وتعقيم الأيادي ثم لبس الصدرية المعقمة والكفوف المعقمة . عقمنا بعدها منطقة العملية لبطن المريضة باليود المخفف وأعطيتها التخدير الموضعي بطريقة زرق أبر تحتوي على مادة التخدير الموضعي حول الورم وتحته وفوقه وجميع مناطقه Infiltration method
سألتها مراراً إذا كانت تشعر بألم حين بدأت برفق بجرح المكان . نفت كلياً تحسسها بالألم وأكدت عليها بأن تخبرني في أي مرحلة تشعر بالآلام لتزويد المنطقة بجرع أخرى للتخدير الموضعي عند الحاجة . بدأت بفتح الجلد الخارجي فوق الورم بخط مستقيم مساوٍ لطول الورم أو أكثر بقليل وفصلته من جوانب الورم ثم بدأت بقص الورم الذي كان موجوداًفي منطقة subcutaneous tissue بين الجلد وطبقة Rectus Sheath النسيج الرابط الليفي الذي يغلف عضلات البطن فوق منطقة البريتوان كان الورم متكلساً وصعوبة قصه بالمقص لذا طول العملية كنت أحاول إزالته بالمشرط الجراحي وبصعوبة ، وكأنما كنت أقص نسيج العظم . إزالته كانت بشكل قطع صغيرة لكني أزلتها بالكامل حسب نظرة العين المجردة كما نقول . حاولت توقيف أي نقطة نزف تحت الجلد كانت مرئية وحاولت تقريب النسيج المتبقي من ال Subcutaneous tissue بخياطته تحت الجلد ثم خياطة الجلد وتعقيمهه وتضميده بإتقان .
أرسلت جميع القطع المزالة للورم من قبلي إلى التحليل النسيجي وكانت النتيجة كما توقعت منذ البداية تيهان بطانة الرحم ونسميه ( Endometriosis )
والتي كانت تحت الجلد بعد ظهور نتيجة التحليل والتأكد من التشخيص ولمنع نموه مجدداً أعطيتها علاج - primolut - N على شكل حبوب تستخدم وهو هرمون البروجستيرون وأعلمت د. خليل الكبيسي بضرورة أستعمال المريضة لهذا الدواء يومياً وبأستمرار لمدة 6 أشهر لنحقق ضموراً مؤكداً في الخلايا الباقية من بطانة الرحم والغير مرئية في منطقة الجرح والذي هو إحدى أنواع المعالجات المستخدمة لمرض تيهان بطانة الرحم . أردت أخذ موافقته لأنه طبيبها المعالج لمرضها المتعلق بالمشاكل الصحية لديها كونها مصابة بالتشوهات الخلقية الولادية والخماسية لتكوين القلب . وافق الزميل الدكتور خليل الكبيسي على العلاج الهرموني وأكد لي بأنه لايشكل خطراً على القلب في حالتها المرضية وشكرني جداً لمساعدة المريضة.
الدكتورة ڤيان نجار