وجعك يابيروت وجع قلبنا كلنا،، وجعك أدمى قلوبنا يابيروت.
كلام مصاب،، كلام من وسط الركام،، كلام وجع وألم،، هو إبن أصدقاء مقربين عايشته منذ طفولته.
الحدث بكلماته:
أخبركم عن بيروت ولبنان،،
أكثر من نصف ساعة بعد الانفجار بقيت ممددا على الأرض في منزلي لان كل سيارات الاسعاف تستهدف موقع الانفجار،، لا بأس النزيف يتباطأ،، والشعور بالدوران يزول شيئا فشيئا،، والضحايا في المرفأ حالاتهم أخطر من حالتي دون شك،،
زوجتي تضمد جراحي بالقليل المتوفر في المنزل والكثير من التماسك أمام مشهد الجلد المكشوط واللحم الظاهر،، إحدى الجارات تجري الاتصالات لتأمين سيارة اسعاف دون جدوى،،
أعيد الإتصال بوالدي أخبره أني مصاب فيصل بعد بعض الوقت،،
توجهنا غربا لأن المشافي القريبة تغص بالجرحى،، زحمة السيارات في الشوارع تقطع الطريق على سيارات الاسعاف،،
تتوقف سيارة،، تترجل منها فتاة وتتوجه الي وتطرق الزجاج فأنزله،، الدماء كانت ما زالت تقطر من وجهي ورأسي،، تخبرني أنها مسعفة في الصليب الاحمر اللبناني وبإمكانها أن تساعدني،، أشكرها وأخبرها أني متوجه إلى المشفى،، تعود إلى السيارة متوجهة إلى مركز الصليب الأحمر،، لم تكن في السيارة للفرجة،، بل للمساعدة،، الناس للناس يا بيروت،،
قرب جسر الرينغ يحاول أحد راكبي الدراجات النارية عرقلتنا،، أتعجب من طيشه في هذا الظرف،، والدي يومض أضواء سيارته لتنبيهه،، فيدير وجهه صوبنا ويزعق "مازوت على الطريق"،، ليس طائشاً،، بل حريصا على سلامة الآخرين،،
نيمّم جنوبا لأن مشافي العاصمة بلغت أقصى قدرتها،، نصل المشفى،، المصابون يتأوهون على أسرتهم المتحركة المنتشرة في ساحة المشفى تحت سماء الليل،، مشهد الفوضى يبث الرعب في القلوب،، تصل الممرضة،، تحقنني بإبرة الكزاز،، وتضع تحت رأسي بطاقة تحوي المعلومات الخاصة بي،، يصل الطبيب،، يلاحظ الإصابات في وجهي وفي جفني،، يقرر نقلي إلى داخل البناء،، يستلمني فريق آخر،، طبيبان يبدآن بالعمل لتقطيب الجروح في وجهي ورأسي،، ثم طبيبة تتولى أمر وصل أوتار أصابعي،، ثم طبيب يتولى أمر يدي اليسرى،، يعمل الأطباء سوية بمعاونة الممرضين،، كلٌّ يعرف ما عليه فعله تماما،، لا فوضى هنا،، الأدوار واضحة ودقيقة،، يرفض الممرض خروجي قبل أن يصدر بطاقة جديدة غير ملطّخة بالدماء،، هول الكارثة لا تعني التسامح في الآداء.
سنسمع قصصاً كثيرة عن ناس كثر،، هذا المجد من رمادك يا بيروت،، سأعتزّ حين يرى ولدي قيامتك الآتية يا بيروت،، وسأذكّره بهذه القيامة حين يسألني كيف نهض لبنان بعد كل حروبه وحرائقه.