نجاة الكنز
اليوم أتصلت بوالدتي هاتفياً كعادتي لأسال عن صحتها وصحة والدي كونهم تعديا عمر التسعين وبعد أن علمت منها بأنهما يتمتعان بصحة جيدة حاولت أن أدردش معها بكلام جميل وقصص قصيرة وطريفة لأدعها تستمتع وتنشغل بها كوني بعيدة بعض الشيئ عنهم وأنني أزورهم بين الفينة والأخرى لمساعدتهما حيث نتشارك نحن الأخوة والأخوات بتلك الزيارات المنظمة بيننا كي لايُتركا وحدهما.
المكالمة الهاتفية مع والدتي كانت مميزة اليوم لسردها الذكي والمحكم لأحداث مرت عليها ولإكتشافي بقاء ذاكرتها بنفس القوة السابقة دون أن تؤثر عليها سنين العمر مما دعتني في قمة السعادة والفخر لأنني أبنتها .
تكلمت والدتي عن وقت كانت هي غافلة عما صدر فيها من تعليمات وقوانين لمنع أخذ الذهب خارج العراق وكان يعتبر تهريباً عدا بعض القطع الصغيرة والمسموح بها كحلقة أو محبس وعقوبة تهريب الذهب عدا مصادرته كانت قاسية .
والدتي ووالدي وصلتهما دعوة مقابلة من السفارة السويدية في عمان بعد طلبهما زيارة شقيقتي ناسك حيث كانت مقيمة في السويد منذ فترة طويلة . وكان وقتها مسموح لكل شخص يسافر إلى عمان بأخذ مبلغ خمسين دولار فقط معه . وإذا بهما يخضعان للتفتيش في إحدى السيطرات العراقية الموجودة في الطريق بين العراق وعمان وكانت والدتي تحمل معها كل ذهبها وبعض القطع الجديدة كهدايا لشقيقتي ناسك وبناتها . وعندما علمت والدتي بممنوعية حمل الذهب مع المسافرين أرتعبت ولم تعلم كيف تتصرف وسألت والدي إن كان لديه حلاً فقال لها أرميه وإذهبي للتفتيش لكنها خافت أن يراها أحدهم عندما ترميه . لدى وصولها لغرفة التفتيش سبقتها للدخول إمرأة معها طفل صغير حيث أخذ الطفل بالبكاء الهستيري ولم تتمكن أم الطفل لأكثر من ربع ساعة إسكاته رفعت المسؤولة عن تفتيش النساء رأسها لإنزعاجها من بكاء الطفل لتقول لوالدتي لاحاجة لتفتيشك حجية تستطيعين الرجوع للسيارة لأنك لاتتمكنين من الوقوف طويلاً . خرجت والدتي فرحانة لاتصدق نفسها بأن بكاء الطفل أنقذها من كارثة عظيمة كانت تنتظرها هي ووالدي والتي تهيأت له مرغمة . وبعد سماع إعفائها من التفتيش أتجهت مسرعة للسيارة لتخبر والدي بما حدث حيث هو الآخر كان في صدمة شديدة لخطأ والدتي وأخذها للذهب دون علمه . بقت والدتي لليوم تذكر الحادثة ومعاناتها وكيف حماها الله بجعل الطفل يبكي في تلك اللحظة بطريقة هستيرية ولم يسكت وتسبب في أنقاذها من الورطة التي واجهتها هي ووالدي . وصلت بعدها إلى عمان مع ذهبها وهداياها من الذهب ومنها إلى السويد .
د. فيان النجار/ بقلمي