ق.ق.ج:
مرايا
كان قلبه مسكناً مهجوراً تعشش فيه العناكب؛ فأصبح، بعد أن تعرف عليها، عشاً تزقزق فيه العصافير.
وكان، كلما قرر الذهاب إليها، يقف أمام المرآة، يتأمل نفسه: وجهه وعينيه وشعره، وسرعان ما ينقبض قلبه، وتتكدر نفسه، فيسير إليها بخطوات وجلة ومتعثرة.
وما أن ترفع الستارة المزنرة بأهداب طويلة عن مرآة عينيها الساحرة، حتى يزول كل ما تراكم في داخله وينجلي، ليشاهد نفسه فيها : شاباً فتياً وفارساً وسيماً، يمتطي جواداً أبيض، ويتوغل به بعيداً في غابة عينيها.
وفي مرّة، وقف أمام مرآة البيت، فظهرت له ألسنة وأعين وآذان كثيرة، وأحاطت برأسه المشتعل شيباً، ووجهه الذي ازدادت الأخاديد فيه.
وعلى الفور، اطلق صيحة احتجاج قوية، فتحطمت المرآة، وتحولت إلى مسحوق ناعم.
واختفت تلك العيون والآذان والألسن.
وعاد مسرعاً، على جواده الأبيض، إلى غابة عينيها.