1 قراءة دقيقة
صباحات المخيم الحزينة.

صباحات المخيم الحزينة.


مع إشراقة الشمس في كل صباح معلنة ولادة يوم جديد ، أبدأ نهاري سائرة في شانزليزيه المخيم بخطى تزداد ثقلا، وروحا يكتنفه الألم، وأنا غارقة في قراءة ما حولي. كل هذا قبل أن تملأ ذرات الغبار المتطايرة من عجلات السيارات العابرة عيناي. لأتابع سيري متمعنة في وجوه المارة ، وعيونهم التي تروي الكثير من القصص .ضحكاتهم يملؤها الامل والألم معا. الصباحات هنا ليست ككل الصباحات. فلا رائحة القهوة التي كانت تفوح من شرفات المنازل تملأ الأجواء، ولا أجراس فيروزية تختلط بنسمات المكان . في هذا الشارع الذي يزدحم بعابريه المسرعين نحو أعمالهم بالرغم من تدني أجورهم وزيادة ساعات العمل التي ترهقهم ، حريصين على أن لا يخسروه..رجال تجاوزوا السبعين تزداد أكفهم خشونة بخشونة أيامهم هذه. شباب في عمر الزهور تركوا حقائبهم المدرسية خلفهم والتي دفنوا بين طيات كتبها أحلامهم الوردية بشهادات جامعية. نساء يتنقلن بين أبواب المنظمات للفوز ببعض المساعدات أو أبواب السفارات لاستكمال أوراقهم للالتحاق بأزواجهن في نزوحهم الثاني بعد أن تركوهن وركبوا أمواج بحار الموت للبحث عن حياة أفضل لأطفالهم ..فتيات لم تتفتح على ثغورهن بعد أزهار الربيع تتسابق أمهاتهن بتزويجهن لأول طارق يتكفل بمعيشتهن ويحمل عنهم عبء تربيتهن ..الكل هنا يسرع الخطى ليحظى بفرصة عمل.في مجالسهم يكثر الحديث عن عمق المعاناة التي مروابها وتجاوزوها ببطولة وصبر وقوة إرادة بتحمل قسوة الظروف. يتحدثون عن البرد والجوع والخوف الدائم من سقوط خيامهم عليهم في يوم عاصف تبدأ أمطاره بالتسرب للداخل بدون استئذان .أو الاحتراق نتيجة ماس كهربائي أو شرارة نار أثناء الطهو..تزاحم للفوز بدخول الحمام، أو لنيل بعض الهبات والمساعدات، والتي كانت لاتخلو من ملاسنات كثيرا ما كانت تنتهي بمشاحنات وشجار. ثم يتابعون وهم فرحين بتحويل خيامهم الى شبه مدينة تملؤها المحلات والمتاجر والمقاهي . فيها يتسامرون ، يتزاورون، يتزوجون، وينجبون الأطفال. نعم جيل جديد ولد هنا في أحضان هذا البؤس الذي يحاولون تجميله والتخفيف منه بشتى الوسائل. ..ملامح هذه الصورة تذكرني بالتغريبة الفلسطينية عندما بدأوا رحلة النزوح واستوطنوا الخيام وبدأوا يألفون حياة الذل فتوحدوا بالمكان وحولوا خيامهم إلى بيوت فمدن وتعالوا في البنيان. هم قالوها قبلنا ..غدا سنعود والأجيال تصغي إلى وقع الخطى عند الإياب..ولم يعودوا ..فماذا عنا نحن هل سنحذوا حذوهم ونألف حياة المقابر ونتابع بتحويل هذه المدافن إلى مدائن تغنينا عن حضن وطن خرجنا منه طائعين أو مكرهين.. 

تم عمل هذا الموقع بواسطة