(والذي يجهل قراءة عينيك
لن يسمع صوت قلبك أبدا).
"شمس الدين التبريزي"**
إليه...
إلى..
أبي....الراحل في ثنايا العطر
أبي الذي مازال كالغيم
يمطر..
وجهه بحيرة هادئة
تحوم حولها الريح و العصافير
في مكان بعيد
ينزل ثلج بصمت
هناك في مكان بعيد
أبي يعزف نايه
وهو يغري الهواء
من جيبه يطير سرب سنونو
و في عينيه :
ترقص فراشات أجنحتها بيضاء
قلبه فانوس مضيء
ترقص فراشات الرغبة
من نشوة
يداه من ربيع البراري
الأنيقة كالماء
تسقي نباتات الدار
أشتاق إليها...
أصابعه الرشيقة كراقصة باليه
أصابعه التي تتقن نحت الهواء
ترسل الوجع كالأغنيات
ترسم لوحة لم تنتهي
و الحجر صامت بين يديه كبرعم من ترف نبيل
ازميله لم يصدأ
و الحجر في انتظار عاصفة من ضوء
و الرماد بارد
علبة سجائره مرمية هناك
و قهوته قد بردت على الشرفة
فاح عبيرها منذ رشفة أولى
أوراقه تنام في الخزانة
تحرسها زجاجات عطره
كلماته تتسلل خلسة من القصيدة
و النساء في لوحاته
يرتدون الألوان
و يبدؤون الرقص...
وقبل الفجر يعودون إلى اللوحة
و الكلمات تعود ثملة إلى سرير القصيدة
تلتحف أوراقه
و تنام
تنام أمي
و ينام الحجر
و أنا أقرأ كلماتك...
"عبورتي"
(تعالي
نطير سوية كالفراشات
نسبح في هواء المدينة)
الهواء يبكي من حولي
كالرحيل..
صوته كان يشبه الشتاء
حكاياته كانت الحطب
و حروفه دافئة
و هو يصعد سلالم من موسيقى
أمي ما زالت تكوي قمصانك
و أنت لم تكمل اللوحة
تعد لك حقيبة السفر
و أنا أغفو بين سمر الألوان
و نغم الوتر..
لم أكن أعلم أنه سفرك الأخير
تطير كسرب حمام
في سماء عفرين
تطرق باب القصيدة
و طارق يرتب فوضى
الغيم..
و اللهب
فتشعل النار في أوردة تبغك
دخانك يرسم لوحة في هواء الغرفة..
و أنا اللوحة التي لم اكتمل
كنت عصفورة
اصقل لك الناي
و الألوان
اصقل الضوء
و أنت تمضي
فأنكمش كل ليلة
و يتسع الأزرق
في سماء
قلبك
يا أبي.....
عبير دريعي
عامودا