1 قراءة دقيقة
حسان أيو قراءة "الحرب" لويجي بيرانديللو

"الحرب" لويجي بيرانديللو أديب إيطالي ، ولد في جزيرة صقلية عام ١٨٦٧،مات سنة ١٩٣٦. كتب ٣٠٠ قصة قصيرة، ٦ روايات . نال سنة ١٩٣٤ نوبل أي قبل وفاته بسنتين. كُتبت قصة "الحرب" ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبالرغم من ذلك نراها تصلح لكلّ زمان ومكان لما تحمله في طيّاتها من تأثير على الإنسان، حيث لم يسلم من شرها أحد، فهناك الذي سرقت منه الحرب حبيبًا أو عزيزًا، وشرذمت العائلات وشردتها. إنّ الحرب مدمّرة، ولها تداعيات على الأصعدة النفسية والاقتصادية والروحية تطال الإنسانية، وتترك علامات استفهام كثيرة حول الأوطان والحروب من أجلها. هل يستحقّ الوطن كلّ هذه التضحيات ؟ وأيّ وطن؟ ولمن الأولوية فيه للحجر أم البشر؟ وهل يستحقّ أن نقدّم أولادنا ضحايا في سبيله؟ الوطن الذي من أبسط حقوق أبنائه عليه أن يؤمّن لهم الأمن والاستقرار النفسيّ. لقد جرت أحداث القصّة في عربة قطار، في حوار عن الوطن، الأولاد، والموت، الحرب. أسئلة كثيرة تثيرها هذه القصة المفعمة بالألم الإنسانيّ الذي لا ينتهي. اخلاص فرنسيس من مداخلة الأستاذ حسان ايو المدرب في منظمات حقوق الإنسان في لندن حول النص القصصي (الحرب) للكاتب الإيطالي (لويجي بيرانديللو) والتي تحدث فيها عن تأثير الحروب - وخاصة الحرب السورية - على المدنيين وآثارها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية عبر محاولة إسقاط أحداث قصة (الحرب) لدى بيرانديللو على الواقع اليومي المعاش سورياً.. "المداخلة" الحروب تسبب الآلام و تحمل معها العنف والإيذاء الجسدي، و لا يمكن التخفيف من آثارها و هذا ما يحاول مجموعة من الأشخاص ضمن عربة قطار و عبر نقاشات طويلة... الحرب يعني الصراع و الصراع يولد العنف، و ذاك العنف يترك اثاره النفسية السلبية السيئة على البشر و خاصة المدنيين و منهم الأطفال و النساء و الشيوخ، حيث يتعرض الأطفال للموت و للإيذاء الجسدي و النفسي و خاصة في غياب الأب، و المرأة أيضا تكون أكثر عرضة للعنف و للاغتصاب اللفظي و الجسدي العنيف مما يترك آثارا قاسية على نفسية الأم الزوجة او الأخت، أو ربما الطفلة. و بذلك تترك الحرب ندوبا و اثارا من الصعب امحاءها او إزالتها و علاجها على المدى القريب، فالحرب تعني الموت و الدمار و النزوح و التهجير القسرية و الحرمان من الأمن و من التعليم و من حق الحياة و العيش بأمان، و بكرامة انسانية لائقة، تتناول قصة بيرانديللو حالة الحرب و فقدان الأبناء، و ضرورة بقاء الوطن عاليا شامخا بعيد عن سلطة الاحتلال و العبودية، و ان الواجب يحتم على الآباء إرسال أبناءهم لجبهات الحرب و دون ابطاء او ادون ندم، لأن الوطن يستحق ذلك فالوطن هو خبزهم و دون وطن لا خبز لهم و حتما سيتضورون جوعا و كمدا، ففي إحدى محاور القصة يجنح أحدهم بأن الوطن ضرورة قصوى و لا يهم موت الابن و ان كان وحيدا او لا، و يجزم اخر بأن موت احد الأبناء أشد الما و فظاعة من فقدان الابن الوحيد، و هكذا ينسون امر الحرب و يبدؤون في اكتشاف و تعرية معنى الحزن و الموت، لكن في نهاية القصة نكتشف انهم لم يكونوا صادقين و ان فقدان الأبناء كارثة و مأساة كبيرة تستحق البكاء و الدموع و النحيب. و مما كان يجادلون فيه كان اقرب إلى أساليب علم الاجتماع الفردي او علم النفس الذي يحاول الفرد ان يقنع نفسه بعدم اهمية الأمور العظيمة و ينجرف مع تيار المجتمع، و هذا ما يكتشفه الإنسان في آخر المطاف بأنه كان يعيش وهما و كذبة كبرى صدقها قبل غيره و انها انطلت عليه كما على غيره، و هذا ما نجده جليا أمام اقتناع المرأة بضألة مشكلتها ام فداحة و خسائر الآخرين و يبدو أنها صدقت فكرة البطولة و الدفاع المستميت من أجل الوطن، فكما يقال من يرى مصيبة غيره تصغر في عينيه مصيبته، عبر قصة الحرب نجد ان الكاتب اختصر مساحات الألم ضمن عربة قطار صغيرة، و من هذا المنطلق اريد ان أوضح قليلا عن الآثار السلبية التي تنتج عن الحرب و توضيح بعض العلاقات القانونية العامة في مجال بيان رأي حقوق الإنسان خلال النزاعات العنيف و الأعمال القتالية في الحروب، فحس الاعراف الدولية و القوانين و المواثيق الدولية و المتعارف عليها في حقل القانون الإنساني الدولي و عبر اتفاقيات جنيف الأربعة و التي تبقى سارية المفعول ليس في اوقات الحرب وحدها وإنما في أوقات السلم أيضا، التي عليها تقع مسؤولية حماية المدنيين وخاصة الأطفال و النساء و الشيوخ كبار السن و تأمين حياة كريمة للإنسان و الحفاظ على اهم حق له إلا وهو حق الحياة، لكنها للأسف لم تطبق على أرض الواقع وبقيت نصوصا نبيلة لم يطبق منها الا القليل. فالأطفال هم الأكثر بؤسا و تهميشا و تأثرا بالحرب ثم تأتي النساء و نتيجة فقدان الزوج او اختفاء قسرا فإنها قد تتعرض للاغتصاب و العنف و للخطف وهو ما يترك اثاره العميقة في حياة الأسرة او المجتمع لاحقا، و كبار السن لهم متطلبات حياة خاصة يحرمون منها أثناء المنازعات القتالية و اشتداد العمليات العسكرية و العنف في مكان ما من العالم، فتبدأ حالات النزوح و فقدان الأمان و التعليم و فرص العمل و تنسف البنية التحتية للمجتمعات، فأقسى ما يمكن رصده هو للإيذاء الجسدي و الذي قد يصل للموت او للإيذاء النفسي الذي يصعب معالجته بفترات قصيرة، و الموضوع طويل و لا تحتمل مجرد مداخلة تفاعلية مع أحداث قصة قصيرة تتناول جزءا من مأساة الحروب و تناول الآثار السلبية التي تنتجها الحرب و تلقى بظلالها القاتمة و الكئيبة على المجتمع و الأفراد، فالموضوع طويل و معقد و يتطلب أوقاتا عن كيفية علاج الأوضاع النفسية الناشئة و تعويض الضحايا و تحقيق العدالة الانتقالية و توثيق جميع الحالات القاسية و حسب جدول و قاعدة بيانات دقيقة، و للعلم أكرر بأن معالجة الحالات النفسية و الاجتماعية تتطلب جهودا جبارة و جدية، و أوقاتا طويلة التغلب على بعض جوابها القاسية، و اخيرا و الجدير بالذكر ان القصة الحالية التي هي محور نقاشنا هذه الليلة و رغم بعدها المكاني و الزماني عن الحرب السورية او اي حرب يمكن لها اتنشب لاحقا يمكننا اسقاطها عبر حالة الحرب الراهنة و بكثير من تفاصيلها الحزينة و الموجعة.. لا يمكن التخفيف من آثار الحروب الا ببناء مجتمعات قادرة على حماية السلم الأهلي والمدني.. وإحلال السلام داخل أوطانها وفي العالم... حسان ايو بريطانيا مدرب معتمد في مجال حقوق الانسان

تم عمل هذا الموقع بواسطة