مساهمة الأستاذ معروف عازار في مبادرة "معاً في مواجهة خطاب الكراهية بين السوريين" التي اطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي في سوريا.
* معروف عازار
الكراهية منظومة فلسفية أخلاقية ؛ ثقافية ؛ عنفية ؛ وأشد حالات العنف المجتمعي التي تؤدي الى الإحتراب ؛ والتي تستدعيها ؛ وتغذيها حالة االإنقسام والاختلاف في الثقافة والإنتماء بين مكونات المجتمع الواحد وهي حالة لها جذورها في التاريخ الاجتماعي والسياسي والديني لشعوب المنطقة
والتسامح أو التعايش وقبول الآخر ليست مسألة أخلاقية وحسب ... وإنما وطنية وإنسانية في ذاتها تقوم على وعي الإختلاف والتنوع الطبيعي والتاريخي في المجتمع الواحد
والأخلاق ليست أمراً مادياً يتفق عليه كالهواء والماء والنار وإنما هي من طبيعة تشكل المجتمع في الزمان ؛ والمكان ومتحركة في المآل ؛ فأخلاق سكان ؛الصحراء مختلفة عن سكان الجبال ؛ وأخلاق القبيلة مختلفة عن أخلاق مجتمع الكد والشغل ؛ وأخلاق المتدين مختلفة عن أخلاق العلماني فلكل محتمع شخصية تميزه عن غيره من المجتمعات وهذه الشخصيىة المتميزة هي ما يطلق عليها بــ الثقافة
عن التنوع ومآله
عبر الإنتقال التاريخي للبشر من مرحلةِ الى أخرى؛ ومن طورالى آخر…كان التنوع، والتداخل، وأحياناً الدمج، والصهر، سمةُ من سمات نشوء, وتموضع البشر في الجغرافية، ومن أهم عناصرالتداخل هذه ـــ إضافةَ الى الإنتقال الطبيعي للبشرعبر الجغرافية المفتوحةَ ــــ كانت: أعما ل الغزو … والقرصنة… وتجارة الرقيق… ومن ثم، قيام الإمبراطوريات، وانحسارها، وما استتبع ذلك من أعمال الضم للبشر والجغرافيا معاً
ومع نشوء الدول الحد يثة واستقرارها جغرافياً مع نهايات القرن التاسع عشر بعد حربين عالميتين انتهت تماما موضوعة الصفاء العرقي واللغوي والديني و ما شابه وباتت الدولة الوطنية – الدولة الأمة على مدى القارات الخمس غاية في التنوع بمختلف أشكاله ومسمياته و قائماَ الى اليوم من خلال هجرة الأفراد والجماعات من الجنوب الى الشمال وخاصة إثرما تعرضت له الشعوب ومنها سورية إلى كارثة إنهيار السلم الاجتماعي وظهور الجماعات المسلحة ؛ واشتداد عنف النظام ؛ودمار المدن على نطاق واسع وبشع ؛
إن حالة إقصاء الآخر وتعنيفه في بلدنا، ، وفي عموم بلدان الشرق هي قضية ساخنة لم تحلها بل ساهمت في تعميقها العقائد والنظم التي سادت ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي قامت على شعارات قومية ودينية واشتراكية
والكراهية في ذات الوقت حالة تاريخية متعددة الوجوه والظاهرات يتداخل فيها السياسي ؛ والديني ؛ والمذهبي ؛ والعرقي ؛والقبلي؛والطائفي إلى ما هناك من مفردات تحاجزية يصل ببعضها الأمر إلى تصنيف الآخر المختلف بـ العدو . وليس الصراع السني ــ الشيعي سوى أحد وجوهه الذي لا يزال حاضراً وراهناً ومشتعلاً ....
فعلى الصعيد السياسي … ثمة اضطهاد يطال الجميع في بلدنا السوري تحت مسميات شتى ، يطال الأقليات في أكثره وخاصة الكردية ويطال الأكثرية أيضاً ؛ اضطهاد شمل الجسـد الوطني دون استثناء ، ليفصح النظام عن كونه بنية أمنية مغلقة تمتح شرعيتها من تغييب الدولة والمواطن إلى الدولة السلطة أو التسلطية ؛أو الأمنية سيان ؛ والتسلط لادين له ولا قومية
العقائد بعمومها حالة عنف وكراهية
كانت نهاية القرن الثامن عشر ذروة الصراع بين الفلسفة والكنيسة ؛ الفلسفة بوصفها المنطق لفهم العالم ؛ والكنيسة بوصفها سلطة الله على الأرض و التي تغوّل دورها بارتباطها العضوي مع السلطة ؛ وتجلت نتائج ذاك الصراع بأنه فتح الباب واسعاً لإعادة الاعتبار للمنطق والفكر المطابق للواقع وليس من خارجه و بيّن مفكروا عصر النهضة أن الأفكار الموروثة ؛ والأحكام المسبقة كالدين والخرافة شكل من أشكال نزع المعرفة عن فهم الواقع ؛ الواقع كمتحول في الزمان والمكان . وتكشف ذاك السجال أيضاً عن أن أية أيديولوجيا ليست سوى منظومة من الشعارات والرغبات المتعارضة مع عقل الواقع كما أشار إليه فيما بعد المفكر "الياس مرقص" بقوله " أن للواقع عقل "وفي الراهن الحديث أنعشت الإيدولوجيات الدينية والقومية والشيوعية حالة الكره والتحاجز داخل المجتمع الواحد لما جاءت عليه من شعارات على أنها هي الحق وغيرها الباطل مما هيأ المناخ لتجديد الاستبداد بتلاوين جديدة
الكراهية والإسلام
الكراهية بوصفها التعبير المخفي و العنفي في آن عن إقصاء الآخر المختلف ليست بالطارئة على المجتهع السوري و المجتمعات العربية والإسلامية والشرق أوسطية عموماً وإن خفت حدتها حيناً أو اختفت لبعض الحين هنا أو هناك لكنها سمة لا زالت مستعصية على الحل وتتورم لغياب شرط حلها في ثقافتنا الراهنة التي تتسم بسمة التأخر والتي يكمن جذرها في عمق التاريخ الديني والسياسي والثقافي لمجتمعنا بدءاً من سقيفة بني ساعدة غب وفاة الرسول والتي ما زالت مفاعيلها تتفاعل حتى اليوم بين السنة والشيعة .إلى الجهرسابقاً ومجدداً مع الوهابية بلعن الغرب واعتباره دار حرب وكفر وبغي؛ إلى الدعاء " اللهم شتت شملهم ورمل نساءهم .." و حين سئل الداعية الدكتور "ناصر العمر" على متصفحه هل يجوز أن نفرح للإعصار الذي أصاب أمريكا ؟؟؟ أجاب بثقة :بلى والله نفرح ونسّر فأميركا أمة كافرة باغية
ومن لا معقولية الدين أيضاً التي تشكل إقصاءً للمعرفة والمنطق والعلم فتوى مفتي السعودية الأسبق الأعمى "بن باز " حيث أفتى و قال : أن الأرض لا تدور ..
هذا النهج المعرفي الثقافي للثقافة الإسلاموية المتخثر؛ هذا الفقه القائم على شيطنة العقل وتكفير المختلف .... لا يزال هو عينه يحكم ثقافتنا الدينية والسياسية وهو ذاك عينه الذي يضفي صفة القدسية على "الغزو" تحت مسمى "الفتح" ويضفي صفة الشرعية على المرحلة العثمانية و المملوكية بوصفهما خلافات إسلامية ؛ وهو ذاته لم يكفر الـ "داعشية " بما في ذلك الأزهر كمرجعية دينية بوصفها /أي داعش/ تنطق بالشهادة فنحن إذن إزاء ثقافة ماضوية عمرها قرون تجافي المعقول والعقل والواقع وبات من الضرورة إعادة النظرفيها وتطويق مفاعيلها وإلا نحن إزاء مجتمع حرب يكون فيه العنف سيد الموقف ؛ حرب بين المذاهب الإسلامية وحرب المسلمين مع العصر
الماركسية والعنف لسنا بصدد البحث في منهجيىة وتاريخية النظرية الماركسية بإيجابياتها عن فضل القيمة ؛ والرأسمالية ؛ والأمبريالية ؛ولا بسلبياتها وتحولاتها مع ليننن الذي خالف ماركس في أساسيات منهجه في الانتقال من عالمية الثورة إلى الثورة في الحلقة الأضعف ومن دكتاتورية البروليتاريا إلى تحالف العمال والفلاحين ناهيك عن المرحلة الستالينية وما أعقبها من تداعيات قبل ــ وبعد سقوط الإتحاد السوفييتي الذي عبر سقوطه عن نهاية "خرافة " الإيديولوجيا ولي عنق التطور التاريخي ... وإنما فقط بصدد الإشارة إلى الجانب النظري فيها ــ ناهيك عن الممارسة "الذي يجعلها واحدة من أهم مصادر العنف المجتمعي فوحده مفهوم شعار "دكتاتورية البروليتاريا" يجعلها أشد حالات الإقصاء كمصفوفة نظرية عنفية مولدة للكراهية
القومية والعنف يمكن تعريف القومية بمستويين مختلفين الأول بوصفها هوية مغلقة لجماعة ما دون غيرها؛
والثاني بوصفها صفة قومية تجاه الغير كالفرنسية والأمريكية ... فيما هي في داخلها تجمع عرقيات مختلفة وأمة في ذاتها بجميع مكوناتها الثقا فية والدينية واللغوية والعرقية على السواء من غير تفضيل أو سيادة عرق ما.
في بلداننا أسقط في الممارسة المفهوم الثاني لصلح المفهوم الأول وتشابك الحامل بالمحمول لتفضي الأمور إلى استبداد مغلف بشعارات ثبت عدم نجاعتها والتراث العالمي القومي مذ ظهور النازية مرورأ بالطورانية إلى العربية ألى ما شاء الله من التسمية والنسبة يعد مصدراً من مصادر إنتاج الكراهية حيث اتسمت جميعها بــ بنزعة الأنا وبالتفوق على غيرها وتوظيف ذلك معرفياً و سياسياً في بنية وآليات معقدة من الاستبداد
وهكذا أصبحت؛ وأفصحت القومية عن مصفوفة سياسية استبدادية بامتياز
تجسدت في شكل نظام الحكم ؛ وفي الموقف من المختلف عنها { المانيا واليهود ـــ تركيا والأرمن ـــ سورية والأكراد ـــ مصر والأقباط ..... }