العجوز والثعلب
قصة من الفلكلور الكوردي العريق وواحدة من أجمل القصص المحببة لقلبي التي كان والدي يسردها لنا في طفولتنا أنا وأخوتي وحتى كان يسردها لأحفاده من بعدنا . وتسرد هذه القصة بأسلوب شعري يضيف للقصة حلاوة وجذباً لدى الأطفال المستمعين لها . وبدورنا نسردها لأولادنا وأحفادنا . وهي تعتبر من القصص التعليمية الجميلة التي تنمي قابلية الطفل للتعلم والإستيعاب والتركيز على مجريات الحياة وفهمها على حقيقتها لأن الحياة هي لوحة متكاملة من التفاعل المستمر بين المخلوقات .
كانت هناك إمرأة عجوز لديها الكثير من فراخ الدجاج تعيش عليها وعلى ماتبيع من بيضها ولحمها وكانت تدعهم في المساء في غرفة قريبة من مسكنها وتطلقهم في النهار كي يقتاتون على ما يتوفر لهم من طعام في منطقة دارها ومايحيطه وتحاول في مواسم معينة مساعدة فراخها على التكاثر .
في أحد الأيام داهم ثعلب ماكر غرفة الفراخ وأكل الكثير منها وعندما علمت العجوز ما جرى لفراخها فكرت بوضع مصيدة كي تمنع الأذى عن فراخها فوضعت مادة اللاصق على أرضية مدخل الغرفة كي يلتصق الثعلب بها عند تكرار مداهمته لفراخها وفعلاً داهم الثعلب غرفة الفراخ في الليلة التالية وألتصق بالأرضية دون تمكنه الوصول إلى الفراخ وأكلهم بسبب خطة العجوز الذكية .
تأكدت العجوز عند رؤيته من فعلته الشنيعة وأكله للعديد من فراخها فقامت بقطع ذيله اللاصق وتحرر هو يركض نحو البراري وإذا بأصدقائه الثعالب يستهزئون به ويرددون معاً أغنية "يامقطوع الذيل أين ذيلك .. ما هذا الجرح الأحمر في مؤخرتك قلنا لك مراراً ... لا تذهب لبيوت الناس وتأكل الفراخ " . تكرارهم لتلك الأغنية جعلته يرجع للعجوز ويتوسل بها لإعادة ذيله له .
أستغلت العجوز طلبه لإرجاع خسارتها من أكله لفراخها وعدم تكرار فعلته بمداهمة غرفة الفراخ وأكلهم فوضعت له شرط لإعادة ذيله عن طريق إلزامه جلب قربة كبيرة من حليب الماعز لها . وافق الثعلب وذهب للمعزة يرجوها منحه الحليب الازم للعجوز أجابته المعزة بالموافقة بعد جلبه العشب الأخضر لها . ذهب مسرعاً لجلب العشب الأخضر لكن رآه يابساً ومصفراً . طلبت هي الأخرى من الثعلب إروائها وسقيها بالماء اللازم لتنمو من جديد وتخضر ليأكله الماعز . ذهب الثعلب ليستكشف نبع الماء الذي يروي العشب رأى الماء فيه قد نضب وجفَّ دعا الثعلب من عين الماء المساعدة بتزويده بالماء اللازم . كان طلب نبع الماء جلب الفتيات لتدبكن حول النبع كي يهل فيه الماء ويجري في جدوله ويسقي العشب . أسرع الثعلب الخطا ليعلم فتيات المنطقة بأهمية قيامهن بالدبكة لأجل عودة الماء إلى النبع ومنع جفافه وافقنه على طلبه بشرط أن يجلب لهن الأحذية الازمة للدبكة ذهب الثعلب مسرعاً لصانع الأحذية وطلب منه صناعة الأحذية المطلوبة من الفتيات لأجل الدبكة وعودة الماء للنبع وافق مع شرط حصوله على كمية كبيرة من البيض . ذهب مسرعاً ليطلبها من الدجاجات اللواتي بدورهن طلبن منه الحنطة والشعير لتأكلن وتتمكن من الإباضة ومنحه ما يطلب .
فرح الثعلب وأسرع الخطى للحقول القريبة لعلمه بأن موسم الحصاد قد أنتهى قريباً والحقول فيها بقايا القمح والشعير بات يغني وهو يجمع الكثير منها وقدمها للدجاج بفرح وسرور . بعد أن لقطت الدجاجات القمح والشعير وشبعن تمكنت من التبيض ومنحوا الثعلب كل ما جمعوا له من البيض ركض بها ليمنحها لصانع الأحذية حيث أبتهج بوجود البيض لديه . وقام بصنع العديد من الأحذية لبنات المنطقة اللواتي طرن فرحاً بأرتدائها وأدائهن للعديد من الدبكات الكوردية الرائعة في منطقة نبع الماء مما جعلنها ترتوي بالماء وتجري بقوة في الساقية والعشب الأصفر بعد أرتوائه منها لعدة أيام دب فيه الحياة والخضار وغدا أشهى طعام للمعزة التي بدأت أثداؤها تدر الحليب وبدأ الثعلب بملئ قربته المهيئة بالحليب الطازج ليهديه للعجوز ثمن غلطته لخسارتها وثمن إرجاعها ذيله له .
فرحت العجوز بالحليب الطازج ووفت بوعدها للثعلب وأعادت له ذيله بعد أن زينته بشريط مع جرس ذهبي صغير كي يحدث صوتاً عند مسيره لتعلم به ان خالف وحاول افتراس فراخها . عندما ذهب الثعلب عند أصدقائه الثعالب سألوه ماهذا ومن أين أتيت بهذا الشريط والجرس وأبدوا رغبتهم الشديدة للحصول على مثلهما . فكر الثعلب الماكر وكان مزعوجاً من أستهزائهم به عندما قُطِعَ ذنبه فأخذهم لبئر ماء عميق وقال لهم كل من يقفز في هذا البئر سيحصل على جرس وشريط أحمر في ذيله مما جعل جميع الثعالب تقفز داخل البئر وغرق جميعهم وأنفرد بنفسه الثعلب الماكر
ذو الذيل المقطوع في تلك الحقول والبراري وخلا له الجو .
بقلمي / د . فيان النجار