2 قراءة دقيقة
الأبواب الميتة

#الأبواب الميتة ....(1)

خلف الأبواب المهجورة .
أترقب الحياة وأمضي
أبحث خطاه بين فراغات الغياب ...
لا ضوء ...لا سماء ...
لا صوت يكسر ضعفي ...
فقط عريشة ياسمين تتدلى من ثقوب الباب
ربما لم تكن هنا من قبل ...
وبقايا أوراق ممزقة منثورة هنا وهناك ...
مددت يدي لأقطف ياسمينة ...وإذ دمع سال بين أصابعي ...اربكتني الدهشة
وتسمرت في مكاني ..والتقطت أنفاسي وكأن ظلا يلاحقني نظرت فيما حولي لا شي سوى الفراغ ...تأملت الأوراق الممزقة
حاولت التقاطها ...إنها رسائل ...
في كل قطعة جملة غير منتهية ...
جلست على الأرض...والتقطت واحدة
قرأتها بصوت مرتجف ....(أنتي موتي ....)
رميتها مذعورة ....التقطت قطعة أخرى...
مكتوب بقلم آخر....وقد نزف الحبر عليها فاخفى بعضها ...(لم أكن أعيش ..كنت .....)
هنا تنفست بصعوبة ....أصابني فضول في أن ألملم كل الأوراق ....لكن من كتبها ...
من رماها ....من مزقها ...أيعقل هو
تساؤلات كثيرة اثقبت ذاكرتي حتى عدت أهرول مسرعة في لملمة الأوراق...
ثم عدت أمضي لأغلق الباب واذا بورقة معلقة على عريشة الياسمين ...
حاولت التقاطها ....لكني لم أستطع...
وكأن أحدهم علقها هناك بيده ....
نظرت في أرجاء الغرفة ...وجدت كرسي
فابتسمت وكأني انتصرت على فضولي
أحضرت الكرسي ...ووقفت عليه والتقطت الورقة ...كانت غير تلك الأوراق....مكتوبة بقلم اسود ...
(لا تبحثي عني ....إني حلم )
تسارعت خفقات قلبي ..نزلت مسرعة
ومضيت لا أعرف إلى أين...لكني أريد أن أقرأ المزيد ....وكأن قلبي يريد من اليأس الإكثار ....نظرت إلى بقايا الأوراق وكأني أطمئن إنها في جعبتي وابتسمت للمجهول ....وتساءلت لماذا كل هذا ....



#الأبواب #الميتة (2)

تساءلت بيني وبين نفسي لما كل هذا ...
كان هناك شعور يختلط علي يلمسني بحدة ك سكين لم أعرف لما وكأنني مقبلة على شقاء كبير ...
حاولت أن أسيطر على نفسي ..ورجعت إلى بيتي خائبة مكسورة بهذه التساؤلات الرهيبة ...دخلت غرفتي ووضعت الأوراق على سريري ...جلست على الأرض وأنا أفرد قصاصات الورق ....كان من المستحيل ترتيبها ...تأملتها بعمق وكأني ابحث عن الحقيقة فيها كلمات غير مفهومة كأنها ألغاز ....لكن أين هو ...لما اختفى فجأة ...أيعقل أنه هرب مني ...لكنه يحبني كيف ذلك ....أكان وهما ....
مر هذا اليوم بطيئا ...وبكل لحظة كنت اخرج إلى الشرفة لأرى أن كان قد أتى لكن لا جدوى...ظلام دامس يخيم على أطراف البيت لأول مرة أشعر بالخوف والرهبة وأنا أنظر إلى ذاك البيت الذي كان يشرق لي الحياة في زوايا قلبي ....في المساء أويت إلى فراشي ...وإلى جانبي كان يرقد زوجي غارقا في النوم وهو لا يشعر بكل هذا الصراخ بداخلي ...كنت أشفق عليه احيانا ...وأحيانا أخرى ابرر لنفسي بنفسي ...لكن حبي لعامر كانت الحياة التي اعيشها خارج هذا السجن الكبير مع رجل لا يهتم بشي سوى عمله وماله ....
أردت النوم لكن النوم لم يعرف الطريق إلى عيني ...لوهلة فكرت ان اذهب مجددا إلى بيته ...لكن الخوف منعني ...ومضيت ليلتي والأفكار تدق راسي ...إلى أن سطع نور الفجر ...فاتجهت إلى الشرفة وانا انظر إلى البيت ....لكن لاشي سوى الفراغ ....
ومر الوقت بطيئا ...حاولت أن اشغل نفسي بأي شي ...عبثا أفكار مزعجة ترافقني ...
نظرت إلى زوجي مازال نائما ...فاتجهت إلى المطبخ ...لأعد القهوة ...فاستيقظ هاشم ...ومر الوقت الروتيني للصباح ...
بقراءة الجرائد وشرب القهوة واعداد الفطور .....لأول مرة منذ سنتين شعرت بأن كل شي باهتا ....لربما كان عامر يملأ المكان حياة ....
فقد استأجر بيتنا الخلفي منذ سنتين...ومازلت أتذكر أول لقاء ببننا
وأنا أمد يدي لأعطيه المفتاح وكأن شي ما سقط مني ....


#الابواب #الميتة (3)

وأنا أمد يدي لأعطيه المفتاح وكأن شي سقط مني ....
ودون وعي اتجهت مسرعة إلى الباب الخلفي نظرت إليه وهو يمضي إلى البيت شعرت برجفة في قلبي لا أدري لما ....في مساء ذاك اليوم جاء زوجي وهو معه ...ليعرفني إليه كان يعمل مندوبا في شركة زوجي ...
احترق بيته فماتت زوجته تاركة له طفلة صغيرة فأجره هاشم بيتنا الخلفي الذي كان خاصا لإقامة ضيوفنا ....أما طفلته فكانت تعيش بكنف جدتها ...خاصة أن عامر لم يكن ظروف عمله تسمح له بالتفرغ لها ...
ويوما بعد يوما شعرت إني اتقرب منه بعد أن كان يمضي أكثر أوقاته معنا ...وكثيرا ماكنت اخذ إليه الطعام ...إلى أن فاجئني يوما ونحن في نزهة للنهر ...كان هاشم مشغولا بالصيد وهو كان يعد الشاي
وبينما كنت أحاول أن أساعده قال هامسا
إنت قبس نور مشتعلة حياة ...
لم أدري ماذا أصابني بهذه اللحظة ك شعور أول لقاء وأنا أمد يدي لأعطيه المفتاح ...
نظرت فيما حولي وكأني خشيت أن أحدهم مر وسمع ...ووضعت يدي على قلبي كأني أتأكد أنه بداخلي يا لغبائي وابتسمت إبتسامة خفيفة وكأني أعلمه بإعجابي عما قاله...ومنذ ذاك اليوم وأنا اترقب عودته من العمل برفقة زوجي ...واتوق ليدعوه زوجي إلى الغداء ....أو نذهب بنزهة يوم العطلة ....فقط لأكون معه وبجانبه
ربما كانت خطوة حاسمةلتبدأ فاصلة حد بيني وبين المجهول الذي لا أدرك منتهاه ...
كان يكفيني جدا أن أراه لأشعر بأن الحياة جميلة....وكأن الباب الخلفي هو طريقي إلى جنة الحياة وجمالها ...كنت أشعر باطمئنان داخلي ...وكأنني ولدت من جديد في عيد جديد وعالم آخر...بعيدا عن ضجيج المال والأعمال والحسابات وتلك الأمور المادية العفنة ...كان عامر رومانسيا يحب الحياة ببساطتها ..ويكتب الحرف الجميل الذي كان يستهويني ويميل إلى الوحدة قليلا ونادرا ماكنت أجده رسميا ....
وهنا بدأ الباب الخلفي يفتح لي على مصرعيه أبواب حياة أخرى دافئة ....اهتمام ونظرات وشوق ....لم أكن أشعر بشي خارج هذا الباب الخلفي ...كنت اتسلل خفية لأهرب منه إليه ....تاركة خلفي باب سجن كبير ..كنا نجلس قليلا فيحدثني بصمت عيناه ...ولمسة أصابعه التي تعانق أصابعي
عن مدى حبه لي ....كان صادقا معي بكل شي ...كنت أشعر بكل نفس شوق يبوح بها بتنهيدة ....واحترق بداخلي ....
وكأننا أمام باب عش جميل ستسقطه الرياح في أي لحظة .... ....
ومضت الأيام وحبنا يكبر مع إشراقة كل شمس ...إلى أن أتى هذا اليوم المشؤؤم
حيث أصر هاشم أن أذهب إلى بيت والديه وامكث عدة أيام ...لأنه سيسافر في عمل .....ورضخت لطلبه مرغمة....
ليلتها لم أنم ....اتصل بي عامر وتحادثنا لوقت متأخر ...ولأول مره شعرت بحديثه شيئا غريبا .....لم استطع فهمه



#الأبواب #الميتة (4)

لأول مرة أشعر بحديثه شيئا غريبا لم أستطع فهمه
لربماشعرت ببرودة المكان لوهلة من دونه ...
ومرت أربعة أيام وعامر لم يتصل بي وهاتفه مغلق من ليلتها
فكرت أن أتصل بهاشم ...وفعلا اتصلت به وعرفت أن عامر معه ...وسوف يعودا بعد غد ...فأخبرته إني سأعود غدا للبيت ...
وفي اليوم التالي ذهبت إلى البيت وقلبي يسبق خطاي ....مر ذلك اليوم بطيئا جدا ...ليستقبل الغد بإشراقة نوره ....مضيت أشغل نفسي ليمر هذا الوقت البطيئ ....حتى حل المساء
فتحت نافذتي الخلفية المطلة على غرفته
كان الظلام دامس حزنت في نفسي ..وحاولت الاتصال به ...لكنه كان مشغولا ....عاودت الاتصال به مجددا
الا أن كتب لي ...لا تتصلي ...لست وحدي
سأحادثك لاحقا ...لاتنامي ...أحبك
وهنا شعرت ببعض الراحة رغم شعور غريب كان يتملكني لم أستطع فهمه ...فنمت لم أدري لماذا لم أنتظره...
في الصباح التالي استيقظت على صوت سيارة هاشم ...ركضت مسرعة لاستقبله وأرى عامر ...لكنه لم يكن معه ...وشعرت بحزن ...لكن كيف أسأله ... فكسر ضجيج تساؤلاتي وأخبرني أن عامر سيأتي غدا وكأنه سمع سؤالي ... ...ومرت أيام ثقيلة علي وعامر لا أثر له ....ولم أكن أدري من أسأل وماذا أقول ....إلى أن خطر لي أن أذهب إلى بيته لعله تاركا لي شيئا ...فقمت واخذت نسخة مفتاح البيت وتسللت من الباب الخلفي كنت أشعر بالخوف وأنا أمضي إليه وكأن هوة عميقة ستجرفني إليها...
وها أنا الآن فعلا في هاوية لا أدرك منتهاها
هنا تذكرت الأوراق الممزقة ...فأحضرت الكتاب الذي خبئت فيه الأوراق ...ونثرته مجددا ....
احاول ترتيب الكلمات ...لكن الكلمات لم تكن بقلم واحد ...يبدو أنه كتب بقلمين أحدهم نزف حبره فهذا واضح من الأوراق....لكن حاولت جاهدة ان ارتبها ...
أنا لم أكن أعيش كنت.....
احترق في ....
مازالت تنتظرك
لا تبحثي عني اني حلم
انتي موتي
لحظتي الأخيرة
طفلتي الصغيرة
هذه الأبواب بك خلقت ....
لا تبكي وحدك
أحبك نجواي ...
رحت ك مجنونة أعيد وارتب في هذه الكلمات ...والأفكار تتزاحم في رأسي
بكيت وكأني اريد أن أغرق العالم بدموعي ...ومضيت ثانية لاذهب إلى بيته
لعلي أجد أوراقا أخرى ...



#الابواب #الميتة (5)

ومضيت ثانية لأذهب إلى بيته لعلي أجد أوراقا أخرى
فتحت الباب ونظرت إلى أرجاء البيت لم أجد مايشبع فضولي تقدمت بضع خطوات الى الداخل فأضاءت اشعة الشمس من خلفي أرجاء الغرفة ...كان كل شي كما تركته منذ عدة أيام ...فتشت هنا وهناك لا شي جديد تأملت زوايا البيت والنوافذ ...كنت أشعر بشي ما يسقط من جسدي ك ذاك الشعور الذي رأيت فيه عامر لأول مرة .... فجأة هنا ظهر شخص من خلفي ...ظله اخفى أشعة الشمس قليلا ...دون وعي ركضت إليه إلى أحضانه ودموعي تغطي وجهي ...ك مجنونة أصبحت أهذي وأضرب بيداي على صدره ...وأصرخ
كيف تتركني هكذا ...حبا بالله كيف تتركني عامر ...
وعاودت ارتمي بين أحضانه وأبكي ...إلى قال هامسا ....
لست عامر يانجوى
في هذه اللحظة تخيلت حجم الخيبة التي افقدتني كل حواسي ...لم أفكر في أي شي ...سوى ضياعي من جديد ...لم أتكلم بعدت عنه قليلا وكأنني انتظر نطق الحكم علي ...لكنه تركني ومضى إلى كرسي قريب ...جلس عليه وراح يخرج علبة سجائره ...اخرج سيجارة اشعلها أخذ نفس عميق ورماها ليدوسها بقدميه ...ثم أخرج أخرى واشعلها
وأنا أنتظر والخوف بدأ يزحف إلى جسدي قليلا قليلا ..
فجأة قام باتجاهي وامسكني من شعري بعنف أنفاسه تلتصق بي وقال....هل تحبيه
جاوبيني ...هل تشتاقيه ...كنت لعبته الجميلة ...أظن كانت أنفاسك هذه تحرقه ....
حاولت أن اسيطر على نفسي ولم أتكلم....فصفعني بقوة حتى وقعت أرضا ....تحسست دماءا تسيل من أنفي ..مسحت أنفي بيدي ...فعاد وجلس امامي ...مستطردا ...
هل تحبين عامر ...لماذا لا تتكلمين ...هل تبحثين عنه ...هل تشعرين بغيابه
هنا لم أتمالك نفسي ...فصرخت بوجهه أجل أحبه ...وسأبقى أحبه ...فعاد ك المجنون يصفعني....فاستطردت اقول ....اقتلني...هيا اقتلني
هنا ضحك ضحكة هستيرية وأخرج من جيبه ورقة ....ورماها في وجهي ....قائلا
سأقتلك ...لكن اقرئي رسالته
اخذت الورقة ....فتحتها لأقرأها...
كانت رسالة عامر الممزقة
****حبيبتي لم أجد إلا دموعي ردا على خيبتي ...هذه الأبواب بك خلقت لتدب بها الحياة وتزهر بين ثناياها لذة الشوق
أنا لم أكن أعيش كنت إنتي من اعطيتني الحياة لأولد بك ......لكن أشعر أن الحياة ليست لنا ....لأني أظن أن هاشم قد شك في أمرنا
أحبك نجواي...لحظتي الأخيرة تافهة دونك ...لكن ارجوك لا تبكي وحدك طفلتي الصغيرة مازالت تنتظرك أخبرتها اني أحبك كثيرا ..لا تبحثي عني إني حلم في قلبها سأولد دائمآ ...فأنا في قلبكما يا أجمل خلق الله ... .......
يتبع
زهرة الكشمير



#الأبواب #الميتة (6)

قرأتها مرارا والدموع تتنهد بوجعي ...خيم صمت طويل ...
وضجيج الأفكار يكاد يقتلع رأسي من جسدي ....الا أن قال بسخرية ....أنا مزقت هذه الرسالة لكن يبدو أن عامر وجدها ممزقة فأعاد كتابتها
ياله من أحمق ....وضحك بطريقة اربكتني
نظرت إليه بخوف وقلت أين عامر ...ماذا فعلت به ...
وقمت متجهة إليه بعد أن رميت الورقة أرضا ومسكت من كتفه ورحت اهزه صارخة ...أجبني أين عامر
أجبني
ماكان منه إلا أن دفعني بقوة وضحك بصوت هستيري مرة أخرى ...وهو يصفق بيديه
قائلا أهنئ حبكما كم انتما مخلصين....وراح يتمتم بكلمات غير مفهومة ....ثم اقترب مني وصفعني مرة أخرى وانا واقفة لا حراك ك ثمثال بلا روح كنت مازلت منتظرة ليجاوبني ....أو ربما لم أعد أشعر بالألم الجسدي أكثر مما كنت أشعر بألم في قلبي
فقطع صمت أفكاري قائلا ...
كنت أعرف منذ مدة بعلاقتك مع عامر لست غبيا ....
صمت قليلا ثم استطرد يقول
كنت أحبه كثيرا ...وأحبك
ولكن للأسف دائمآ الضربات المؤلمة تأتي من أقربهم لدينا ....صمت مرة أخرى وراح يشعل سيجارة أخرى... تارة ينفث دخانها في وجهي ...وتارة يرفع رأسه للسماء ويملأ المكان دخانا يكاد يخفي بها ملامحه الثائرة ....
ثم قال ...أنا وعامر ذهبنا سويا إلى النهر لأصارحه بالحقيقة بعد أن طلبت منك أن تذهبي إلى منزل والدي ...وفجاة سقط في النهر وغرق ....لم أستطع إنقاذه للأسف مات
هنا لم أتمالك نفسي وصفعته بكل قوة وجعي ....وقلت تكذب
لقد قتلته .... أعرف أنك قتلته
ورحت أصفعه ك المجنونة وأبكي حتى سقطت أرضا عند قدميه من تعبي ....وأنا اصرخ وجعا ....لماذا ....حبا بالله لماذا ...
كان يجب أن تقتلني أنا ..أنا من يستحق الموت ....فجلس بمحاذاتي على ركبتيه ورفع رأسي قائلا ....
ومن قال إني لم أقتلك ....
أنا هكذا قتلتك أنت ....وقام ضاحكا ....واستطرد يقول لقد دفنته هنا خلف هذا البيت ....لكي تزوريه كل ليلة ك عادتك ........
ومضى وهو يجر ظله وراءه ويضحك

#تمت
أتمنى أن تنال أعجابكم
مع احترامي وتقديري
زهرة الكشمير

تم عمل هذا الموقع بواسطة