
فيروزُ تغنِّي في قلبي
وتعلِّمني معنى الحبِّ
فيروزُ لأجملُ عاصمةٍ
للعاشقِ في الزمنِ الصعبِ
تغدو وتروحُ كملاكٍ
كالحلمِ..ككوثرِها العذبِ
لم تشدُ لطاغيةٍ أبداً
بل غنَّتْ أحلامَ الشعبِ
الصوتُ لديْها أقمارٌ
تتلألأُ من أجلِ الصبِّ
..
على بحر اللو
لو كنتُ في الجاهليةِ لقلتُ:
على أطلالِ سوريَّا بكائي
فلا أرضي تجفُّ ولا سمائي
***
لو كنتُ شاعراً لقلتُ:
أيُّها الشعرُ لا تغبْ عن فؤادي
هاتِ لي لو بعضَ الثَّرى من بلادي
***
لو كانَ نزار قباني حياً لقالَ:
أحنُّ..أحنُّ إلى بردى
من الشامِ نورُ الحياةِ ابتدا
***
لو كنتُ صنَماً لحطَّمتُني
***
لو كانَ الحبُّ فهيماً لتفاهمتُ معهُ
***
لو نطقَ الجبلُ لقالَ:
ما أغبى هذهِ الريحَ
***
لو تجسَّدَ حبِّي
لكانَ خضمَّاً وكانَ جبلْ
قال الحبُّ : أنا الحبُّ
أدفعُ بالتي هي أحسنُ
قالتِ الحربُ: أنا الحربُ
أدفعُ بالتي هي أسوأُ
كلاهُما يدفعُ بالتي...
وأنا وحدي بينَ فكَّيْ كماشةٍ
...
كالقطيعِ
نُساقُ إلى حتفِنا
كالقطيعِ
انتظرْنا الربيعَ سنينَ سنينَ
ولم نحظَ قطُّ
بأيِّ ربيعِ
بينَ موتينِ
نغدو.. نروحُ
هوَالموتُ حقَّ الجميعِ
بالدِّماءِ نلاقيهِ
ثمَّ نودِّعُهُ بالدُّموعِ
أمَّنا الأرضَ
هل فيكِ متَّسعٌ للمزيدِ
من الموتِ
في ظلِّ هذا الخرابِ المريعِ؟
..
اخترْ موتَكَ أو منفاكْ
مارسْ حريتكَ الشخصيَّةَّ
فاخترْهذا أو ذاكْ
لا تتركْ أحداً يسرقُ ظلَّكَ..
ظلُّكَ آخرُ ما تملكُ..
ظلُّكَ مأواكْ
لا تفتحْ باباً للشوقِ
فإنَّ الشوقَ هلاكْ
أغمضْ عينيكَ
وعضَّ على الجرحِ
سلاحُكَ في هذا الزمنِ الأعمى عيناكْ
عبثاً تبحثُ عن نفسِكَ
في الأفراحِ وفي الأتراحِ
وفي الأحلامِ
وفي الأيامِ
هنا وهناكْ
ما تركُوا لكَ شيْئاً من وطنٍ
سلبُوهُ
اغتصبُوهُ
حتى الإنهاكْ
كن حراً لا عبداً
اقلبْ عاليَها سافلَها دنياكْ
لا وردَ لوردكَ
دربكَ أشواكٌ
أشواكْ
صوتُكَ مغتالٌ وصداكْ
لا تغترَّ بمنْ عاداكْ
فعدوُّكَ شيطانٌ في ثوبِ ملاكْ
..
أحتجُّ على هذا الموتِ الصعبِ
وعلى صانعهِ
وعلى بائعهِ
وعلى حاملهِ
وعلى ناهلهِ
الموتُ مصيبتُنا الكبرى
مَنْ سلَّطَهُ مثلَ الكلبِ
لِمَ لا يتجرَّأُ أن يدنوَ من إسرائيليٍّ
أعلى هامتهِ ريشٌ
وعلى هامتنا روثُ الدبِّ؟؟
أمرٌ لا أفهمُهُ
اشرحْ لي يا ربي
...
كلُّ ما قد بنيتُ انهدمْ
كلُّ ما قد كتبتُ عدمْ
كانَ لي وطنٌ مثلُ قلبي
كبيرٌ... كبيرٌ
بحجمْ الألمْ
كانَ لي وطنٌ
فيهِ من كلِّ زوجٍ بهيجٍ
فأصبحَ لي وطنٌ
من دموعٍ ودمْ
لم أعدْ قادراً أن أعيشْ
لم أعدْ قادراً أن أموتَ
أمامَ جدارِ الخرابِ الأصمْ
ساعتي الحائطيةُ ماشيةُ
ساعتي اليدويةُ ماشيةٌ
وأنا واقفٌ ها هنا
كصنمْ
لم يعدْ لي سوى وطنٍ
من عصافيرَ ميّتةٍ
وأراجيحَ فارغةٍ
آهِ..
طوبى لهذي النعمْ
شوقي
للصباحِ الذي قد تأخَّرَ شوقي
للكتابِ الذي قد وصلتُ إلى نصفهِ
ثم ظلَّ وحيداً غلى بابِ بيتيَ شوقي
للصديقِ الذي زارني كي يناقشني في القصيدةِ شوقي
للهواءِ الذي هبَّ حينَ غيابي شوقي
للسفرجلِ في شجرِ الحوشِ
والتينِ والماءِ في الحنفيةِ
والجارِ وهو يدقُّ على البابِ منتصفَ الليلِ شوقي
للطريقِ الذي قد حفظتُ مصابيحهُ واحداً واحداً
للرغيفِ الذي نصفهُ ناضجٌ
في يدِ الطفلِ
في يدِ امرأةٍ زوجُها غائبٌ في مكانٍ بعيدٍ
وقد ليسَ يرجعُ شوقي
للفقيرِ الذي كان يبحثُ عن عملٍ
للضريرِ الذي كان لا يطلبُ المالَ من أحدٍ
للقبورِ التي لم أزرها
وسوق المواشي
لحلمٍ تبعثرَ مثلي شوقي
للترابِ الذي كان يُخلطُ بالتبنِ
ثم يجفُّ ويجتمعُ الأصدقاءُ
لكي يشربوا الشايَ
تحتَ ظلالِ القصيدةِ شوقي
لأبي
وأخي
ولأمِّي التي لا تكفُّ عن الدمعِ شوقي
للبلادِ التي لم تعدْ تتذكَّرني
للعبادِ الذينَ بقوْا فوقَ الترابِ
وتحتَ الترابِ
والذينَ بلا وطنِ
للعصافيرِ ميتةً
والأراجيحِ فارغةً
والمدارسِ قبلَ تحوُّلها
لملاجئَ مكتظّةِ
والحدائقِ قبلَ تحوُّلها
لمقابرَشعبيَّةٍ
للقصائدِ مرميةً في العراءْ
ولموتِ الشِّعرِ والشُّعراءْ
لستُ أدري
لموتيَ
أم لحياتيَ شوقي ؟
...
من الصفرِ حتى حدودِ الخيالِ
أفتِّشُ عن نجمةٍ في الليالي
أفتِّشُ عنِّي وعن وجْهتي
وحلمي بعيدٌ..بعيدُ المنالِ
ألوذُ وحلميَ معتصماً
من الريحِ عاصفةً بالجبالِ
من الصفرِ ..ما زلتُ مبتدئاً
أفتِّشُ عن ممكنٍ في المحالِ
ولستُ أريدُ سوى نجمةٍ
تُريحُ من الذلِّ..ذلِّ السؤالِ
...
ماضينا أسودُ
حاضرنا أسودُ
غدنا أسودُ
الأسودُ سيِّدُ كلِّ الألوانْ
لكنَّ الموتَ بفطرتهِ
يعرفُ طبعَ الإنسانْ
كرهَ اللونَ الواحدَ
فاختارَ الأبيضَ للأكفانْ
...
إلى امرئِ القيسِ
على وطني أبكي ..على كلِّ أطلالي
قفا نبكِ منْ ذكرى دمارٍ وأهوالِ
أعاقرُ منفايَ البعيدَ وأحتسي
كؤوسَ عذاباتي وأضغاثَ آمالي
مضَتْ سنواتُ العمرِ تطفئُ أنجمي
فلم يبقَ إلا الليلُ في ثوبِهِ البالي
عصافيرُ قلبي لم تزلْ في بكائِها
وفجريَ يأتي دونَ ضِحْكاتِ أطفالِ
أغنِّي لمنْ.. والأرضُ خاويةٌ على
عروشٍ..وعرشُ الحربِ مزَّقَ أوصالي
أغنِّي وفي عينيَّ ألفُ حكايةٍ
وفي القلبِ شلَّالٌ على إثْرِ شلَّالِ
تعكَّرَ صفوُ الكونِ ما عادَ سائغاً
فكلُّ مكانٍ فيهِ مُستودَعٌ خالِ
أشتاقُ إلى ضوءِ الشَّمسِ
ظلماتي عافتْها نفسِي
أشتاقُ إلى زمنٍ حلمٍ
وغدٍ يتلاقى مَعْ أمسِ
فأنا محرومٌ من وطني
محرومٌ حتّى من رمسِي
سنةً ..سنتانِ وقافيتي
ما بينَ المأتمِ والعرسِ
أنشقُّ فأبتلعُ الدُّنيا
وأظلُّ بعيداً عن نفسِي
كلماتي ليسَ لها معنىً
في عالميَ القذرِ النجسِ
فخياناتٌ ما أكثرَها
وبلادٌ توضعُ في الحبسِ
وتجاراتٌ ما أربَحها
لعبيدٍ بيعوا بالبخسِ
وقياداتٌ ما أتفهَها
تنحازُ لرومٍ أوفرسِ
وشعاراتٌ ما أكذبَها
قد صارتْ تصلحُ للرفسِ
ومعارضةٌ ليستْ تُغْني
تيتي تيتي ..نفسي نفسي
وسياساتٌ مستسلمةٌ
لعدوٍّباغِ أوكرسي
دنيا ملأى بحثالاتٍ
أتوجَّسُ منها بالحدسِ
لم يبقَ سوى أنْ أتركَها
كي أرعى بغلي أوتيسي
...
لا أفكِّرُ هذا المساءَ
سوى في ظلامٍ أقلْ
أولستُ جديراً
بأنْ أتسلَّقَ طودَ الأملْ؟
مطرٌ يتسلَّقُ ظلي
ويمنحني الضياءَ الذي اضمحلْ
إنَّ هذا الذي يهبَّ
حنيني
إن هذا الذي الذي يشبُّ
جنوني
إذنْ
لا تسلْ
عن ظلامي الذي أفلْ
فحياتيَ سلسلةٌ من خيالٍ
يحلِّقُ حتى أقاصي الجبلْ
كلُّ..كلُّ الطيورِ تحوِّمُ حولي
أرى في مناقيرِها
كلماتي التي لم تُقلْ
...
بلادي
كيفَ أرفو خطايَ في الأعيادِ
وبلادي متى تصيرُ بلادي
كيف أمضي والكونُ سجنٌ كبيرٌ
وعلى وجهي صفعةُ الجلَّادِ
يا تُرى هلْ سيصبحُ الرملُ تِبراً
أَمِنَ المستحيلِ بَعْثُ رمادي
إنَّ آبائي قدْ تلاشَوْا هباءً
أيُعادُ الهباءُ في أولادي
كم زماناً مضى ونحنُ نغنِّي
لبياضِ الحياةِ رغمَ السَّوادِ
إنَّ سيفي نبا مراراً مراراً
وكبا في الوغى مراراً جوادي
وتلاشَتْ كواكبي ونجومي
غيرَ أنِّي ما زلتُ طوعَ عنادي
أتقرَّى الفجرَ الجميلَ طويلاً
وأنادي في العاشقينَ.. أنادي
وأغنِّي معَ العصافيرِ تتْرى
وألمُّ الأزهارَ من كلِّ وادِ
فإذا بَرْعمَ النهارُ بقلبي
سوفَ أدري بأنَّني في بلادي
..
تغريدات
لم أبتدئْ بعدُ
فكيف أنتهي؟
***
لم تعلمْني الحياةُ إلا الحزنَ
في آخرِ القصيدةِ
***
المرأةُ التي أشرقتْ عليّ
لم تتركْ لي إلا ظلّها
***
ليسَ لي في عالمِ الشعرِ
إلا ما لم أكتبهُ
***
الأرضُ تدورُ
المروحةُ تدورُ
وأنا أدورُ
فلماذا وحدي أدوخُ؟
***
أنا أنتصرُ
عدوي ينتصرُ
فمن ينهزمُ؟
***
شفرةُ الشوقِ فوقَ العنقْ
وعيوني معلّقةٌ
بسرابِ الأفقْ
***
أتيتُ إلى الحياةِ بغيرِرغبهْ
فهذي الحفرةُ السوداءُ صعبهْ
***
كلما سمعتُ العصافيرَ
شعرتُ بعجزي الشعريّ
***
كلما ضقتُ ذرعاً بقلبي اتّسعْ
..
أحتفي بالماءِ أم باللهبِ
أحتفي بالرملِ أم بالذهبِ
كلُّ شيءٍ عابرٌ.. مرتحلٌ
حيثُ لم يبقَ على الأرضِ نبي
وبلادي موتُها منتشرٌ
وجنونٌ ما له من سببِ
يا صحارى التيهِ ..يا موتَ الرؤى
يا نجومَ الحلمِ ..لا لا تغربي
من حدودِ المهدِ حتى لحدِنا
صفقاتٌ في فضاءٍ أجربِ
وخياناتٌ تراءتْ كلُّها
تتهادى في فضاءٍ خلَّبي
في عراقِ الموتِ.. في سوريةٍ
تتوالى من غبيٍّ لغبي
أيُّها العالمُ.. يا مستْنقعاً
أوَلا تبصرُ "عينَ العربِ"؟
أولا تبصرُ "كوباني" التي
غرقتْ في بحرِ كلِّ النوبِ
كلهمْ يبرعُ في لعبتِهِ
وحدَهُ الكرديُّ كبشُ الملعبِ
....
رصاصةٌ واحدةٌ تكفي لقتلي
فلماذا في يديكَ - قاتلي- رصاصتانْ؟
فهل تخافُ عودتي إلى الحياةِ
أيُّها الجبانْ؟
ما بيننا معركةٌ طويلةٌ
ألفُ مكانٍ وزمانْ
لا لنْ تكونَ غيرَ ذكرى رثًّةٍ
للوحشِ لا الإنسانْ
..
رايةٌ منكَّسةٌ
في الوقتِ متَّسعٌ من الموتِ
فلتذهبي في الريحِ يا أنتِ
نايُ الصباحِ مُكسَّرٌ وفمي
ما عادَ يصلحُ غيرَ للصَّمتِ
حولي بقايا الحرفِ منقرضٌ
حتى أنا لا شيْءَ إنْ شئْتِ
أنسى محاصيلي بلا سببٍ
فالوقتُ عندي دونَما وقتِ
معنىً أكونُ وقد أصيرُ سدىً
حيَّاً ولكنْ مثلما ميْتِ
فجري بلا فجرٍ وطيفُ غدي
ناءٍ ولستُ أظنُّه يأتي
هل كنتُ يوماً عاشقاٌ ثمِلاٌ
في الريحِ موعدُنا وهل كنتِ ؟
لا تأمني حزْني ولا فرَحي
إيَّاكِ منْ حبِّي ومنْ مقْتي
أنا مثلُ موجِ النارِ مسْتعرٌ
جودي عليَّ بفائضِ الزَّيْتِ
لا ترْكضي خلفي .. أنا شبحٌ
كلُّ الأماكنِ في الدُّنا بيْتي
لا أستطيعُ معي أنا أبداً
صبراً .. فهلَّا إنَّكِ اسْطَعْتِ
بيني وبينَ الكونِ مثْأَرَةٌ
حتَّى أفرِّغَ فوقَهُ كبْتي
رأيتُ المعرِّي في منامي يقولُ:
أليستْ لديكمْ في الحياةِ عقولُ
دهورٌ لقدْ مرَّتْ على العقلِ غائباً
وما زالَ نورُالجهلُ فيكم يصولُ
لقدْ عميتْ فيكمْ طويلاً بصائرٌ
ولا شيءَ فيكمْ غيرُ هذا يطولُ
هنيئاً مريئاً يا قبائلَ أمَّتي
فعالِمكمْ يطغى عليهِ الجهولُ
ألا ليتني ما جئتُ للكونِ مُرغماً
لكيْ لا أرى شعباً عليَّ يبولُ
مضى ألفُ عامٍ والحياةُ عقيمةٌ
فليسَ بها للعقلِ إلَّا الطلولُ
صحوتُ وفي جسمي جراحٌ عميقةٌ
وفي الروحِ طيفُ الحلمِ ليسَ يزولُ
..
غداً سأتركُ أشعاري على النارِ
لكي تصيرَ رماداً تحتَ أنظاري
غداً سأبقى بلا شعرٍ وقافيةٍ
غداًأدقُّ على الجدرانِ في داري
غدا ستحتفلُ الدنيا بشاعرِها
قد صارَ حراً بلا قيدٍ وأسوارِ
...
إلى جورج جرداق الذي أحبه منذ 1968
ما زلتُ أنتظرُ الذي لا يأتي
ما زلتُ بين َالموتِ والموتِ
كلماتيَ الخرساءُ فارغةٌ
وزمانيَ الثرثارُ في الصمت ِ
إلى دمشقَ
لنا..
أنا وأنتِ
هذا القمرُ الناهضُ
منْ رمادِهِ
لنا بياضُ النورِ
في سوادهِ
لنا الذي يحسدُهُ الفارسُ
وهْوَ مُمسكٌ بسيفِهِ
يهفو إلى جوادِهِ
لنا الزمانُ الحلمُ
والمكانُ مشرفاً
على الربيعِ العذبِ
في بلادِهِ
لنا الحنينُ
واضحاً وغامضاً
وغادياً ورائحاً
على مدى فؤادِهِ
الكونُ ..
كلُّ الكونِ ضاحكٌ لنا
من كائناتهِ إلى جمادِهِ
لنا ..لنا
طفولةُ الحبِّ
إلى أجدادِهِ
لنا بقايا وطنٍ
يئنُّ في أصفادِهِ
لنا العصافيرُ بلا أجنحةٍ
تطيرُ منْ ميلادها النائي
إلى ميلادِهِ
في سبيل الله أوالشيطان
يموت الناس
في سبيل الوطن أوالخيانة
يموت الناس
في سبيل الحرية أوالعبودية
يموت الناس
وما زال الناس يموتون
طيِّب..
أين هي الحياة؟
أتعلَّمُ من عينيكِ الصبرَ
على لهبِ الأشواقِ
أتعلَّم كيفَ أكسِّرُ قافيتي
أخلطُ كلَّ الأوراقِ
فخذيني من يديَ الهشَّةِ
من عالميَ السطحيِّ
إلى الأعماقِ
لولاكِ لرميتُ الشعرَ
لأنَّ الشعرَ بلا عينيكِ
لفي إملاقِ
...
يمشي وصهوتهُ الرياحُ
ويطيرُ والحلمُ الجناحُ
فكأنَّ في أعماقهِ
سرّاً يُباحُ ولا يُباحُ
في الليلِ يحتضنُ الظلامَ
وخلفهُ تعوي الجراحُ
وإليهِ يندفعُ الصَّدى
وعليهِ يستبكي الصباحُ
من هذهِ الكلماتِ ..من
أسوارِها خرجُوا وراحُوا
تركُوا صداهُمْ وحدَهُ
لصداهمُ العالي نُواحُ
لا يرْتوي من سكرِهِ
الكونُ.. كلُّ الكونِ راحُ
لا ينتمي إلا لهُ
يستاءُ إنْ كُبحَ الجماحُ
شُنُّتْ عليهِ معاركٌ
والحبُّ في يدهِ سلاحُ
هو ليسَ حيَّاً ميِّتاً
ما زالَ يسرقُهُ الكفاحُ
....
من وحيِ عينيكِ ينمو النورُ والظلُّ
كأنكِ الأمُّ أمِّي ...ليتني طفلُ
وليتني نجمةٌ خضراءُ لا يبستْ
وفي يديكِ تلاقى العشبُ والطلُّ
أسافرُ الآنَ من روحي إلى جسدي
إن المسافةَ في الأسفارِ تختلُّ
لا تسكبي لهباً في كأسِ أحجيتي
فلم يعدْ لي على تفسيرها عقلُ
أنا الذي من ضحايا الحبِّ أولهمْ
أنت التي شأنُكِ التنكيلُ والقتلُ
ما بال قلبي على الأقمارِ مجلسُهُ
إذا تغلغلَ في أعماقهِ الليلُ
يقتاتُ من لهبِ الأيامِ ..موعدُهُ
معَ القصيدةِ والأحلامُ تُحتلُّ
لم يبقَ من وطني إلا منافسةٌ
ومن جهالتِها قد عافَها الجهلُ
أيولدُ الشعرُ من ماءٍ ومن حمأٍ
والشعرُ بالنارِ لا بالماءِ مبتلُّ
إني الضّليلُ فأيامي بلا جهةٍ
وهكذا شعراءُ الحبِّ قد ضلُّوا
لا لا بلادَ تبلُّ الروحَ من ظمأٍ
ولا حياةَ تبقّى عندها البذلُ
ما زالتِ الحربُ تمضي في حرائقِها
كم يلتقي في بلادي الموتُ والذلُّ؟
كل الحبيباتِ قد أصبحنَ في جدثٍ
لا ياسمينَ يحيّينا ولا فلُّ
أشجارُنا لم تعدْ خضراءَ باسقةً
أوراقُها يبستْ والفرعُ والأصلُ
أحلامُنا في هبوبِ الريحِ ضائعةٌ
رؤوسُنا قد علاها الشيبُ والقملُ
فهل لنا بعدَ هذا اليومِ معجزةٌ
لنحميَ الأرضَ والأعداءُ قد حلُّوا
نقدم الروح مجانا بلا ثمن
وتاجرُ الروحِ بالأرباحِ معتلُّ
لنا الرحيلُ من الدنيا وزينتها
وكلُّ شيءٍ لهمْ من بَعْدُ.. من قَبْلُ
يا ربِّ صنِّي من الآمالِ كاذبةً
فليسَ لي طاقةٌ إن هدَّني الحملُ
...
الجهاتُ ..الجهاتُ
محاصرٌ من الجهاتْ
ففي الشمالِ ريحُها البليدهْ
وفي الجنوبِ حارسُ الموتى
بجلبابٍ من الفواجعِ المديدهْ
في الشرقِ طاعونٌ ومرضى
هكذا جاءَ على الجريدهْ
في الغربِ كابوسٌ يرنُّ
يجمعُ الطوائفَ الشريدهْ
الناسُ في بلادنا
إمَّا شهيدٌ دائمُ الحسرةِ
أو شهيدهْ
أليسَ لي من كوةٍ
منها أرى نفسي
أرى جهاتيَ الجديدهْ
أوقدِ النارَ فالشتاءُ قريبُ
كلُّنا في هذا الزمانِ غريبُ
تتشظّى أيامُنا بالمنافي
تتناجى أحلامُنا والقلوبُ
يا أبي ..في عينيكَ حقلُ أمانٍ
بعثرتْها على صداها الدروبُ
ليسَ لي أيُّ حلمٍ
لماذا إذاً
أتحرَّشُ بالكلماتِ
وأسرقُ منها
لكي أتدفّأَ
والحلمُ محضُ سرابْ؟
ليسَ لي وطنٌ
فلماذا أحنُّ إلى كمشةٍ من ترابْ؟
ليسَ لي كلُّ شيءٍ
سوى جمرةٍ تتوقّدُ
في شرفاتِ الغيابْ
...
كيفَ لي أنْ أعرِّيَ قلبي
منَ القافيهْ
كلُّ..
كلُّ القصائدِ سوفَ تهزُّ سمائي
وتهتفُ : فليسقطِ الطاغيهْ ..
ألمٌ وجراحاتٌ وأسى
لم تتركْ في نفسي نفسَا
وطنٌ مقلوبٌ مغلوبٌ
كلَّ صباحٍ يأتي ومسَا
أترى ستزولُ معاناتي
ألعلَّ تفارقني وعسَى؟
وطنٌ محتلٌّ منكوبٌ
ما علَّقَ بالذَّنبِ الجرسَا
كم كنَّا نخدعُ بالآتي
ونظنُّ الأجملَ منبجسَا
فوجئْنا والدّمُ موعدُنا
بخرابٍ قد هدَّ الأسسَا
وأقامَ الكونَ وأقعدَهُ
فرسانُ هواءٍ قد نجسَا:
"تحريرُ فلسطينَ قريبٌ
وغداً نجتاحُ الأندلسَا"
آذونا لم نأبهْ بهمُ
لو آذيتَ حماراً رفسَا
لم نحمِ حدودكَ يا وطني
لقدِ اغتلْنا اغتلْنا الحرسَا
وطنٌ أوكارُ عصاباتٍ
علمُ الأحلامِ بهِ نُكسَا
ولقد صارَ المنفى وطناً
وطني الأصليُّ قدِ اختُلسَا
قد كانَ الصمتُ ديانتَنا
ونحبُّ الليلَ أذا غلسَا
حين قتلْنا الصمتَ أتونا
قتلوا مَنْ بالأحلى نبسَا
ما عادَ لنا إلا موتٌ
وهوىً ممنوعٌ قد يبسَا
ثوراتٌ لم تنجزْ إلَّا
غاباً وربيعاً مفترسَا
ما زلتُ تحتَ الجسرْ
الواقفونَ فوقَهُ
يوزِّعونَ الرِّبحَ فيما بينهمْ
وحدي لفي خسرْ
***
ما زلتُ ممنوعاً من الشِّعرْ
يلزمُني ألفُ ضياعٍ
لأعيدَ رغوةَ العمرْ
***
رفقاً بنا
يا أيُّها الحرْ
أبصرُ في عينيكَ
قطعانَ عبيدٍ
وَلَكَمْ
طابَ لها الأسرْ
مشهد يتكرر:
ربَما أخذَ الحظُّ أهلى
إلى الضاحيهْ
يبحثُ الموتُ عنهم
يعانقهمْ
رجلٌ واحدٌ ظلَّ..
في ظلِّهِ يتمرَّغُ
وامرأةٌ نصفُ ميِّتةٍ
ناجيهْ
كأنَّ المكانَ يضيقُ بظلِّي
كأنَّ الزمانَ يريدُ الوصولَ
إلى الصوتِ قبلي
كأنِّي أمرُّ بنفسي
فتصبحُ نفسي
كما حُلُمٍ مُضْمَحِلِّ
وأسألُ مَنْ لا يجيبُ:
لماذا تحاولُ جرِّي من الأغنياتِ
فليسَ سواها تواكبُ
سيرةَ يومي المُمِلِّ
كأنِّي بريدٌ إلى الميِّتينَ
رسالةُ حبِّ تلاعبُها الرِّيحُ
بينَ وادٍ وتلِّ
كأنَّ الجهاتِ طيورٌ محلِّقةٌ في الهباءِ
فتسقطُ في القيدِ..
قيدِ الحياةِ المُذِلِّ
ألا أيُّها الموتُ
ماذا تهيِّئُ للغدِ..؟
قلْ لي ...
الُّطيورُ
الطيورُ تَحطُّ على كَتفي
سأتحدَّثُ عن بعضِها:
العصافيرُ تنقرُ ظلِّي
فيصبحُ ظلّي حديقةَ وردْ
الحماماتُ تصعدُ ظهري
فيشتدُّ ظهري إلى غيرِ حدْ
الطواويسُ تمنحُني ريشَها
أتبَاهى بهِ
أطلبُ المستحيلَ
ولا ..لا أُرَدْ
هيَ مَكسوَّةٌ بالرياشِ
وقلبيَ يُكسَى بها
دائماً نفتحُ القلبَ للفجرِ
نغدو يداً بيدْ
قدْ تُزارُ..
فيأْتي منَ الطيرِ
ما لا يُعَدْ
هي مَمْلَكتي
ريشُها
ومناقيرُها
وتراتيلُها
نبْضُ أعْشاشِها
حينَ تبعدُ عنّي
أراقبُ عودتَها
آهِ..
كمْ مرَّةٍ
بفؤادي الحنينُ استَبدْ
فجْأَةً
كلُّها تخْتفي
وتطيرُ
أظلُّ وحيداً أحدْ
لكِ
لكِ السَّماءُ التي لا لسْتُ أُدْركُهَا
وهذهِ الأرضُ تُبكيني فأُضْحكُهَا
ظنَنْتُ أنَّكِ لي أولَى وآخرةً
حتى طلولِ الهوى ما عُدتُ أملكُهَا
دروبُها أصبحَتْ كالقبرِ مُغلَقةً
كم كنتُ يوماً طليقَ الروحِ أسلكُهَا
كم كنتُ أرسمُها.. بالهمسِ أوقظُهَا
واليومَ حتى صراخي لا يحرِّكُهَا
كأنَّها وحدَها في كونيَ امرَأةٌ
وكلُّ واحدةٍ أخرى أفبْركُهَا
أتغنَّى بالموتِ لا بالحياةِ
فكأنِّي حربٌ على الذكرياتِ
وكأنَّ الحلمَ الذي كانَ يسمو
صارَ أدنى إلى الخرابِ الآتي
لم يعدْ لي سوى الرحيلِ وحيداً
بينَ أنقاضي تارةً وشتاتي
الأماني التي حميتُ حماها
أخذتْها الرياحُ عبرَ الجهاتِ
الأغاني التي معاً قد سمعْنا
قد تلاشَتْ كغيمةٍ في الفلاةِ
لم أعدْ أفهمُ الضياءَ وربِّي
وأنا مدمنٌ على الظّلماتِ
فبلادي التي تشعُّ حروباً
أحرقتْ كلَّ الحبِّ في كلماتي
فكأنّي الإمامُ دونَ وضوءٍ
أجبروهُ على إقامِ الصلاةِ
وكأنِّي العصفورُ في حقلِ نارٍ
فتراهُ يطيرُ في الجمراتِ
أيُّ فينيقٍ سوفَ ينهضَ يوماً
وبلادي قصيدةُ الأمواتِ؟
المطرُ الهاطلُ
ليسَ يبلِّلُ روحي الظَّمأى
خلفَ السورِ
والقمرُ الطالعُ
ليسَ يبدِّدُ ديجوري
والحلمُ بعيدٌ
بُعْدَ الليلِ عن النورِ
وأنا معَ نفسي
أحملُها
تحملُني
فوقَ سرابِ الزمنِ المنخورِ
لا شيءَ هناكَ
يريِّحُ أعصابي
ويراعي دفقَ شُعوري
وكأنَّ الوقتَ بلا وقتٍ
وكأنَّ الموتَ
رفيقٌ للشَّعبِ السُّوري
...
ليسَ عندي من الشعرِ
إلا القليلُ الذي لا يسدُّ الرَّمقْ
اتركيني معي
فأنا لا أطيقُ البقاءَ معَ امرأةٍ
من ورقْ
***
شفرةُ الشوقِ فوقَ العُنُقْ
وعيوني معلَّقةٌ
بسرابِ الأفُقْ
***
منذُ دهرٍ وثانيتيْنِ
بنارِ القصيدةِ قلبي احترقْ
ملأُ الحبُّ قلبي بأوزارِهِ
فمصيري جحيمٌ
وربِّ الفلقْ
***
وغداً ربَما
سوفَ آوي إلى جبلٍ
يعصمُ الروحَ من وجعٍ
وغرقْ
فلماذا أحاولُ أن أستغيثَ
بحلمٍ عقيمٍ
أو لمْ يقرأِ الآنَ ما قدْ سبَقْ ؟؟
ببالغِ الحزنِ قد بكيْتُ
كأنني لا سوايَ ميْتُ
أحاربُ الموتَ من زمانٍ
فما انتهى..وحديَ انتهيتُ
وليسَ لي في الحياة قبرٌ
وليسَ لي في الحياةِ بيْتُ
باقٍ على الحزنِ طولَ عمري
صديقيَ الحزنُ ما بقيْتُ
بنيتُ للحلمِ ألفِ صرحٍ
فهدَّمَ الموتُ ما بنيْتُ
يا ليتني لم أذقْ سرابي
وخلفَهُ قطُّ ما سعيْتُ
ضللْتُ أيقونتي إليهِ
من قالَ: إني قدِ اهتديْتُ
نبيذهُ المرُّ لم يفدْني
وعقَّني لونُهُ الكُميْتُ
لا بدَّ لي منْ غدٍ أخيرٍ
ففي انتظارِ الغدِ اكتويْتُ
لقد تساوى لديَّ شأني
لا فرقَ إنْ متُّ أو حييْتُ
رغبتي في القصيدةِ ماتتْ
فلم تحمِني من ظنوني
ومن ضجري
رغبتي في العصافيرِ ماتتْ
فلم أرَها منذُ دهرٍ على شجري
رغبتي في السماواتِ ماتتْ
فقد منعتْني من المطرِ
رغبتي في الحبيبةِ ماتتْ
فما عدتُ أبصرُها الآنَ في القمرِ
رغبتي خرجتْ قطرةً قطرةً
من حياتي
ومن عُمُري
سأظلُّ أفتِّشُ عن سببٍ واحدٍ
لحصاريَ بينَ القصيدةِ والحجرِ
ماتتْ صباحْ
والحربُ ما زالتْ تدورُ
كما يدورُ الموتُ
ما بينَ الرياحْ
ليت الأغاني بلسمٌ
ليتَ القلوبَ بلا جراحْ
ماتَ الصباحْ
جراحٌ وصمتٌ على شفتيْ
وشوقٌ دفينٌ وآخرُ حيْ
إلى سنواتٍ من الصبواتِ
إلى كلِّ دربٍ.. إلى كلِّ حيْ
إلى وجهِ أمِّي وصوتِ أبي
إلى كلِّ شيٍ.. إلى كلِّ شيْ
فأيَّ الدروبِ تؤدِّي إليها
وأيُّ الدروبِ تؤدِّي إليْ
وأيُّ المرايا أحدِّقُ فيها
فأبصرُنفسيَ يُغمى عليْ
فكيفَ الأماكنُ تحتلُّني
وما كنتُ يوماً أسيراً لأيْ
أفكِّرُ فيها طوالَ الخيالِ
لكيْ أتعمَّدَ فيها ..لكيْ
إذا الفجرُ لاحَ أثارَ دمي
وعربدَ فجريَ بينَ يديْ
وأمَّا المساءُ فأغنيتي
إلى النجمِ والنجمُ منِّي إليْ
طريقي طويلٌ وحلمي سحيقٌ
وطودُ الأماني على كتفيْ
فكيفَ الوصولُ إلى غيمةٍ
تشظَّى وتكوي القصيدةَ كيْ
إذا ما اقتربتُ نأيتُ كما
سرابٍ يلوحُ بلا أيِّ ريْ
سقطتْ في يدي نجمةٌ
كم أردتُ إعادتَها للسماءْ
غيرَ أني احتفظتُ بها
ذاتَ يومٍ صحوتُ
فلم أرَها
لم تُطقْ أن تعيشَ على الأرضِ
عادتْ إلى أهلِها
تركتْني وحيداً
كما ريشةٍ في الهواءْ
منذُ دهرٍ وثانيتينِ
أراقبُ هذي السماءْ
ربَما نجمتي ستعودُ إليَّ
وتنقذني من ظلامي..
من الموتِ
هذا المساءْ
إلى سعيد عقل
ومضى تاركاً غبارَ السِّنينا
غاضباً راضياً سعيداً حزينا
عاشَ قرناً كأنَّهُ عاشَ يوماً
مستريحاً محارباً مجنونا
سارَ بالنورِ في الظلامِ وناجى
ربَّة الشعرِ والغرامَ الهتونا
استعارتْ فيروزُ منهُ الأغاني
وعليها أضفَتْ عيوناً..عيونا
أرزُ لبنانَ في محيَّاهُ.. فيهِ
كانَ جبرانُ الشعرِ والآخرونا
جعلَ الحبَّ خيمةَ من نجومٍ
واحتسى غيمَ الشَّامِ من قاسيونا
كيفَ للنِسر أنْ يموتَ أخيراً
تاركاً في القلوبِ حزناً دفينا
ملكُ الشعرِ وحدهُ فهو أغنى
إنما الشعرُ مالُهُ والبنونا
إنَّ لبنانَ اليومَ يفقدُ نسراً
كانَ مأواهُ شامخاً صنِّينا
سيّدُ الشعرِ إنني بكَ آمنتُ
رسولاً من عبقرٍ تأتينا
وخطاياكَ لو هناكَ خطايا
مَنْ مِنَ الناسِ لا يلوكُ الطِّينا
أيُّها الأخطلُ الصغيرُ ألا انهضْ
وسِّعِ القبرَ.. عانقِ التنِّينا
الربيعُ
ما من جديدْ
الموتُ يلعبُ بيننا
طفلاً سعيدْ
وغيومُنا جفَّت وراءَ الشمسِ
والدّنيا ربيعٌ من صديدْ
الحزنُ
حتى الحزنُ غيضَ
ولم يعدْ حلماً لنا
في يومِ عيدْ
مفتوحةٌ كلُّ الجهاتِ
على الربيعِ
ربيعِ منفانا الجديدْ
ثمني قليلٌ
طلقةٌ في القلبِ واحدةٌ
ألا هلْ مَنْ يزيدْ؟
من أنتَ..
هل مثلي تموتُ ولا تموتُ
تقرِّبُ الوطنَ البعيدْ
فتِّش معي
عنّي وعنكَ
فقد نرانا في الربيعِ
نشمُّ أزهارَ الحديدْ
كلما عاشَ شاعرٌ وأدوهُ
كلما ماتَ شاعرٌ شتموهُ
فكأنَّ الجميعَ نسلُ ملاكٍ
فإذا زلَّ شاعرٌ لعنوهُ
كلُّ إنسانٍ فيهِ خيرٌ وشرٌّ
فإذا كانَ المزجُ لا فُضَّ فوهُ
اتركوا الشعرَ سابحاً في فضاءٍ
اتركوهُ مع النجومِ اتركوهُ
إنَّما الشعرُ غيمةٌ في الصَّحارى
فلكيْ تخضرَّ الصَّحارى اقرؤوه ُ
إنما الشعرُ ثروة ٌلا تُضاهى
لا تُضِعْها يا أيُّها المعتوه ُ
نقمةُ الحياةِ
كلُّ هذهِ الغاباتِ
يكفي أنَّ لي فيها
شجرةً واحدةً
كلُّ هذهِ الينابيعِ
يكفي أنَّ لي فيها
ساقيةً واحدةً
كلُّ هذهِ النساءِ
يكفي أنَّ لي فيها
امرأةً واحدةً
كلُّ هذهِ القصائدِ
يكفي أنَّ لي فيها
قصيدةً واحدةً
كلُّ هذهِ الأوطانِ
ولكنْ
ليسَ لي فيها وطنٌ واحدٌ
يضمُّ كلَّ هذهِ النعمِ
أليستْ هذهِ نقمةَ الحياةِ؟
عتابٌ
أيُّها الشِّعرُ كم لهَوْتَ بنفْسي
وزرعتَ الآمَالَ في عُقرِيأسي
لم تكنْ صَادقاً معي فأراني
ضَائعاً في غياهبي دونَ شمسِ
قلْ: لماذا غمرْتَني بوعودٍ
إنَّ يومي التعيسَ يُشبهُ أمسي
قد ملأتَ الفؤادَ بالحلمِ زاداً
حيثُ أغدو بهِ سعيداً وأُمسي
وندائي الذي تعالى كثيراً
قد تلاشَى كأنَّهُ صَمْتُ رمسِ
أَوَلَمْ نتَّفقْ بأنَّا سنسْعى
كي ننجِّي الحياةَ من كلِّ رجسِ
غير أنِّي حينَ الوصولِ إلى الماءِ
رأيتُ السرابَ يغمرُ حدسي
ها هي الدُّنيا محضُ كرٍّ وفرٍّ
ودماءٌ تُراقُ من أجلِ كرسي
أيُّها الشعرُ لم تعدْ غيرَ ذكرىً
سوفَ تُنسى فكلُّ ما فيكَ يُنسي
آهِ ..دعْني في الصَّمتِ أسرحُ وحدي
لم يعدْ يُغري عالَمي أيُّ جَرْسِ
الفارغ
يعبئ ثقوب روحه بمديح امرأة لا وجود لها
يسرق مباهج أرواحنا
كما يسرق فقراء الهنود أحذية المصلين
فيذهبون إلى الجنة حفاة
دون كيشوت في فروسية منقحة ومعدلة
فلا يحارب الطواحين
ولكن يحارب ظله المنكسر
تراه يجمع الريش والقطن والغبار ليكمل بها عقدته الناقصة
صحيح عنده جنون العظمة
لكنه قد يعقل في أقل من دقيقة
عندما يجد أمامه صورته الهزيلة
هو لا شيئ
لكنه يتشيأ
يتبارى مع نفسه في لعبة النرد
فيغشها ليربح على الأقل جولة واحدة
عندما يجتمع بالطيور يخجل من إظهار أجنحته الميتة
لكنه يجد راحته مع الزواحف
حيث يحلق أمامها ويريها سماءه العالية كزرافة شبقة
في النهار لا تحبه الشمس
وفي الليل لا يحبه القمر
يحبه فقط البواب الأعمى
لأنه يسمع صوت خطواته من بعيد
في فمه كلمات لا معنى لها
وفي عينيه دموع متحجرة
وفي بيته امرأة تظنه الرجل الوحيد في العالم
فهو يحكي لها عن أساطيره المختلقة
أراه أحيانا يلعب بعينيه وبأنفه
فأعرف أنه يسلي نفسه
يقتل الفراغ بفراغ آخر
كما يقتل ثوار المقاهي الذباب
القتل سيد الشاشات
وعندما يفرغ من أعماله اليومية
يبلي النوم بنفسه
فالنوم لا يطيقه
كما الصحو لا يطيقه
فارغ من الحياة
فارغ من نفسه
هل تنهضُ الأحلامُ من أنقاضِها
والنارُ تأكلُ من زهورِ رياضِها
والبلسمُ الشافي تبيَّنَ زورُهُ
والنفسُ مدمنةٌ على أمراضِها
ما أبعدَ الأرضَ التي أشتاقُها
عمَّ السوادُ على جميعِ بياضِها
يا أيُّها الموتى أفيقُوا لحظةً
وارثوا بلادي في جفافِ حياضِها
خواطر سريعة في الشعر :
أربعون سنة وما زلت في الشطر الأول من البيت
كلما سعيت إلى الكمال الشعري شعرت بالنقصان أكثر
أحمل بيد واحدة قصيدتين فيدي الثانية لا تحب الشعر
الوصول إلى القصيدة المشتهاة أمل إبليس في الجنة
أقترب من الشعر خطوة فيبتعد عني خطوتين ..متى الوصول إليه؟
أشعر أحيانا أن القصيدة تكرهني فأتحاشاها
من أول قصيدة لي إلى آخر قصيدة مساحات كثيرة من البياض
أحب القصيدة التي تستفزني لا التي تصافحني ببرود
الشعر أكبر من اللغة كما الشجرة الأكبر من بذرتها
ليس هناك شعر موزون وغير موزون ..هناك شعر أو لا شعر فقط
لا لستُ بخيرٍ
فصداعي ما زالَ صداعي
وقطيعُ الأحلامِ تعرَّضَ للنهبِ..
تشرَّدَ في الدُّنيا الرَاعي
هذا الفجرُ المغسولُ بالنسيانِ
وهذا المطرُ المتأخِّرُ عن موعدِهِ
أخذا منّي شيئاً لا أذكرُهُ
شيئاً كالجرحِ بأعماقي
والكسرِ بأضْلاعي
لا لستُ بخيرٍ
فالدّنيا قائمةٌ قاعدةٌ
والريحُ تمزِّقُ كل شراعي
أنتَ تراني أحفرُ في الرملِ
وأمسحُ عني عرقَ الأحزانِ
وتسألُني عن أوضاعي؟
وأراكَ تحاولُ إرضائي
بجميلِ القولِ
لتنقذَني من شرِّ الموتِ
بالكلماتِ الجوفاءِ
فليسَ لها داعِ
لا لستُ بخيرٍ
أتوقَّعُ أن يأتي زمنٌ
لا نملكُ إلا ربعَ الكونِ
على أنقاضِ ثلاثةِ أرباعِ
قد جاءَ من أقصى القصيدةِ
شاعرٌ يتلوَّى
ليرى حشيشَ الوقتِ
قد أضْحى
غثاءً أحْوى
ما كانَ أجملَنا زمانَ الحبِّ
كنَّا ننشرُالحبَّ العضالَ
على الشَّذا بالعدوى
بيني وبينكِ غيمةٌ تبكي
على أطلالِنا
وعلى هشيمِ النَّجوى
وضعْتُ الحجارةَ في الماءِ يوماً
وضعتُ القصيدةَ في النارِ
ماءٌ ونارْ
ورحْتُ أخبِّئُ نفسي عن الموتِ
بينَ الجدارِ
وظلِّ الجدارْ
رأيتُ في حلْميَ السيَّابَ يستبْكي
فليسَ يرتاحُ إلَّاعندَما أبْكي
أمطارُهُ ذهبَتْ في الرِّيحِ شاردةً
وحبُّهُ راحَ بينَ النَّطعِ والسَّفكِ
حبيبتي.. زبدُ الأيَّامِ يغمرُني
أكانَ منِّي رحيلُ البحرِ أمْ منكِ؟
مُنذُ دَهرٍ وثانيتيْنِ
سوفَ أهذي لنفسي
قليلا
سوفَ أبحثُ عن نقطٍ
كي تزيلَ غموضَ الحروفِ
ليغدو الكلامُ
جميلا
سوفَ أبحثُ عن غيمةٍ لسمائي
وأختارُ عشبَ الجنونِ
بديلا
سوفَ أحرقُ هذا الزمانَ
ليولدَ آخرُ من رممِ الوقتِ
أبتكرُالمستحيلا
سوفَ أمضي إلى شجرِ القلبِ..
رفرفةِ الماءِ
أحضنُ هذا الخيالَ
العليلا
سوفَ أبكي
أعلّقُ دمعي
على شرفاتِ القصائدِ
أبني... أدمّرُ
أرتشفُ المرَّ
والسلسبيلا
سوفَ أصرخُ ملء قلبي
حتى يجيءَ الذي لا يجيءُ
فروحيَ مكتظّةٌ
غضباً وعويلا
سوفَ أبتلعُ الكلماتِ المريرةَ
أو ذنبَ الذئبِ
شلواً هزيلا
سوفَ أرتشفُ الجرحَ
أجعلُهُ قِبلتي
بكرةً وأصيلا
سوفَ أجعلُ فاتحةَ الشعرِ
خاتمةَ الشعرِ
صوتاً أصيلا
سوفَ أكتبُ عنوانَ قبري
وأرفو رميمي
وأرسمُ ظلّا ظليلا
لتنامَ القصيدةُ نوماً
***
طويلاً..طويلا
منذُ دهرٍ وثانيتينِ
أسرقُ الوقتَ
أحترفُ الموتَ
أمتشقُ الشعرَ
سيفاً كليلا
منذُ دهرٍ وثانيتينْ
ماتَ مَن ماتَ
ما تركَ الميتونَ
سوى أثرٍ ميتٍ
آهِ.. يا أيها الموتُ
شكراً جزيلا
منذُ دهرٍ وثانيتينْ
وأنا أشتهي خبزَ أمي
الذي احترقا
وأنا أحتسي موتيَ النزقا
لا أرى في سمائي الوطيئةِ
نجماً ضئيلا
لا أرى غيرَ حلمٍ عقيمٍ
تهرّأَ قالا وقيلا
منذُ دهرٍوثانيتينْ
أتأمّلُ موتايَ
ينتظرونَ القيامةَ
يأتونَ من كلّ فجٍّ عميقٍ
يلوكونَ صبراً ذليلا
يحلمونَ.. يرونَ الكواعبَ
والكوثرَالعذبَ
والخمرَ
والزنجبيلا
منذُ دهرٍ وثانيتينْ
وأنا أتجرّعُ
حلماً ثقيلا
لن أهزّ جذوعَ الكلامْ
لن ألمّ شتيتي المخبّأَ
تحتَ الظلامْ
لن أعاركَ نومي البخيلا
لن أفتّشَ عن حلمٍ
ضاعَ مني سدىً
كم أضعتُ- طوالَ المسيرِ- سبيلا
منذُ دهرٍ وثانيتينْ
خرجَ الطفلُ من مهدهِ
وترامى على لحدهِ
متعباً وعليلا
فليغبْ مثلما غابَ
ذئبُ المدى
جائعاً وهزيلا
كم سعيتُ إلى قتلِ ألفِ قتيلٍ
وفي آخرِ الأمرِ
وحدي كنتُ القتيلا
منذُ دهرٍ وثانيتينْ
كنتُ أمشي على الرملِ
مرتطماً بخطايْ
أجعلُ الأفقَ قافيتي
والجهاتِ هوايْ
كنتُ أمشي وحيداً
ولم أرَ قطُّ
نخيلا
منذُ دهرٍ وثانيتينْ
سقطتْ نجمةٌ في يدي
حيثُ خبّأتها
تحتَ بحرٍ من الزبدِ
واتخذتُ الظلامَ خليلا
سوفَ أختلسُ الكلماتِ من السنبلهْ
وأخوضُ معي حربيَ المقبلهْ
كيفَ أنسى المساءَ الذي
جاءني غازياً ودخيلا؟
سوفَ يهربُ مني النداءُ
ويهربُ مني الصدى
فلماذا أؤجّلُ ميعادَ موتي الذي
كانَ مثلي ضليلا..؟
سوفَ أفتحُ نافذةً
في جدارِ الغيابِ
أدوِّنُ في سِفرهِ
سَفراً ورحيلا
لم تعدْ ليَ دنياً
تخلّيتُ عنها وعني
عليَّ إذاً
أنْ أودِّعَ ريشَ الحمامِ
وأنسّى الهديلا
2010
خاطرة الصباح
أتضوّرُ حلماً
لكنه شبعَ مني إلى حدّ التخمة
***
فجراً أتفاءلُ بالشمسِ
ليلاً أنتظرُ شمس الفجر القادم
مجرّد انتظارٍ مملٍّ
***
الحوار بيني وبين النور
غيره مع الظلام
أحب التناقضات
***
أسمعُ الأغاني
بكاءَ الأطفال
أشواقَ المحبين
موسيقا الحرب
من هنا التهاب أذني
***
في القصيدة
أتحول إلى كائن لا غبار عليه
خارج القصيدة
أنا نفسي أصبح غبارا
***
الأمية تفتك بي
حتى هذه اللحظة لا أعرف
لغة الصمت
***
لم يفقد القمر جماله القديم
فهو لا يكبر قط
نحن الذين تشوهت الأقمار التي في دواخلنا
***
لقصيدتي أصدقاء وأعداء
وما بين بين
وهذا هو سر رضاي عنها
***
الكثير من الصداقات تموت بالتقادم
***
سأزور البحر اليوم
لي معه أصبوحة شعرية
مع موسيقا الموج
لغةُ الطيرِ من لغاتِكَ أحلَى
فهيَ بالحبِّ والقصيدةِ حُبلَى
زرعتْ في سمائِها ألفَ نجمٍ
نورُهُ في ظلامها قد تجلَّى
فتعلَّمْ منْها البراءةَ دوماً
لغةُ الطيرِ تجعلُ الكونَ طفلَا
أيُّ عصفورٍ قد توهَّجَ فجراَ
يهبُ الظامئينَ نوراً وظلَّا
ما عدتُ أعرفُ أحلامي ولا زمني
متى سيرحلُ هذا الموتُ عن وطني
في كلِّ زاويةٍ قتلى بلا عددٍ
أليسَ في وطني شيءٌ سوى الكفنِ
هذي العصاباتُ قد فازتْ على جُثثٍ
وضرَّجتْ روحيَ الخضراءَ بالشجنِ
وثورةٍ شُوِّهَتْ من كلِّ طائفةٍ
وإنْ رأيتَ سوى تشويهِها أرِني
روحي معذَّبةٌ في كلِّ ثانيةٍ
عدوى العذابِ لقدْ لاحتْ على بدني
إنَّ العصافيرَ إنْ كانَتْ بلا وطنٍ
تاقتْ إلى وطنٍ في يابسِ الغصنِ
إلى السوريِّ الهاربِ من الموتِ إلى الموتِ "لبنانُ نموذجاً"
يموتونَ دونَ سببْ
ولو وُلدوا في بلادِ الأجانبِ عاشُوا
كما في السماءِ تعيشُ السُّحبْ
يموتونَ في مهدهمْ
قبلَ أن يشبعُوا من ثلوجِ الشتاءِ
على كومةٍ من حطبْ
صغارٌ ..مسنُّونَ ..سربُ نساءٍ
يذوقونَ طعمَ الخيامِ
وطعمَ الظلامِ
وطعمَ الخُطَبْ
فلبنانُ حرٌّ
ويفهمُ معنى الحضارةِ
معنى الحياةِ
فكم يتشدَّقُ بالحبِّ
بالصِّدقِ
حتى حدودِ الكذبْ
يموتونَ حتى كأنَّ الحياةَ
سرابٌ خَرِبْ
يموتونَ مِنْ قبلِ آجالِهِمْ
منجلُ الموتِ يحصدُهمْ
هل ترى مثلَ هذا التَّسلِّي
سوى في بلادِ العربْ؟؟
ما أضيقَ الدنيا
يا ليتني كنتُ فتـىً غضَّـا
أحتضنُ السمـاءَ والأرضـا
أجوبُ في بحر بـلا ساحـلٍ
بغيرِ موجِ الحلمِ لا أرضـى
لكنَّنـي فـي هرمـي قابـعٌ
بعضي يذوبُ تاركـاً بعضـا
الذكرياتُ فـي دمـي مـرَّةٌ
أنيابُها كـم تُتقـنُ العضَّـا
والحلمُ قـد أهملَنـي تاركـاً
إيايَ في مستعـرِ الرَّمضـا
كم كنتُ في رياضِهِ شاعـراً
لكنْ فقدتُ الشّعرَ والروضـا
وكنتُ أحيا ثائـراً.. ماخـراً
عبابَهُ.. والطولَ والعرضـا
لم يبقَ لي إلا صدىً باهـتٌ
وحولَهُ كلُّ الـرّؤى مرضـى
أحصي نجومَ القلبِ مستسلماً
لظلمةٍ من نصلـةٍ أمضـى
أفرُّ من عمري ومن بطشـِهِ
أراهُ كالنّسـرِ قـد انقـضَّـا
فها أنا مستسلـمٌ ..خانـعٌ
كأنَّني لـم أُدمـنِ الرّفضـا
ما أضيقَ الدنيا بـلا خافـقٍ
ينبضُ فـي آفاقِهـا نبضـا
خاطرة الصباح
في القصيدة أعرف نفسي
الهروب إلى الشعر مثل صعود القمر
في القصيدة يجتمع الشعراء جميعا معي
وحده الشعر علمني كيف أصبح خصم السراب
في الليالي التي لا أرى نجمة أتقرى نجوم الخيال
إن للشعر فائدة في إطالة عمر الزمن
ليس للشعر إلا صديق هو الشجر المستحيل
لو ملكت القليل من الشعر حزت السماء
كم أحاول ترويض وحش القصيدة
وطن دون شعر يباب وشعر بلا وطن هباء
في وداعِ الصديقِ الراحلِ رمزت عليا
ياصديقي.. رحلتَ دونَ وداعِ
دونَ أن تدري حرقَتي والتياعي
لم يزلْ صوتُكَ الحبيبُ بسمْعي
كنتَ عذبَ الحديثِ عذبَ السماعِ
كم شربْنا معاً سلافَ الأماني
ونهلنا من كوثرِ الإبداعِ
لم أصدِّقْ موتَ القصيدةِ يوماً
حيثُ حاولتُ بالظنونِ خداعي
ثم أدركتُ أنّني بعدَ جهدٍ
لا أطيقُ الصّراعَ تلوَ الصّراعِ
كم بنينا من الخيالِ خيالاً
وتلاقينا في دروبِ الضّياعِ
وانتشينا بذكرياتٍ عِذابٍ
وتهاوينا في الريحِ بعدَ ارتفاعِ
وبلادٍ كانتْ لنا واستُبيحَتْ
وحدَها صارَتْ قصَّةَ المذياعِ
جمعتْنا الدنيا وما كنتُ أدري
كيفَ للموتِ أن يلوِّي ذراعي
كم تحدَّى صبري الجميلَ وأَوْدى
وأطاحَتْ رياحُهُ بشراعي
ليسَ للموتِ موعدٌ.. فسواءٌ
شأنُهُ في الإبطاءِ والإسراعِ
يا صديقي ..الموتُ يأمرُ ينهى
وكأنَّا القطيعُ وهوَ الراعي
كنتَ فيضاً من المشاعرِ تحنو
كربيعٍ مضمَّخٍ بالمراعي
عشتَ في غربةٍ ومتَّ غريباً
ذاكَ أنَّ البلادَ رهنُ الرّعاعِ
كنتَ تشدو لها.. ليومٍ قريبٍ
بفؤادٍ قد صارَ حبرَ اليراعِ
نمْ قريرَ الفؤادِ.. نمْ في هدوءٍ
لم يعدْ للأحزانِ يا صاحِ داعِ
كم تمنّيتُ لو ترفرفُ بُشرىً
فإذا بي مفاجَأٌ بالنّاعي
ذكرياتٌ بيني وبينَكَ تبدو
كيتيمٍ محطَّمٍ منصاعِ
أيُّها الشَّاعرُ الجميلُ سلاماً
من فؤادٍ مهشَّمٍ ملتاعِ
ليسَ ثمَّةَ
ليسَ ثمَّةَ
إلا القليلُ من الحلمِ
نشربهُ معَ وجبتنا
ونجوعُ ونظمأُ ثانيةً
فنلوذُ بقضمِ الهواءْ
فتعالي
نخبِّئُ كالنملِ قمحاً
لهذا الشتاءْ
وتعالي
نسافرْ إلى نجمةٍ لن
تخيِّبَ أحلامَنا بالضياءْ
كلُّ هذا الذي أقتنيهِ دمي
أصبحَ الآنَ قطرةَ ماءْ
لستُ أملكُ إلا خطايَ
فواحدةٌ للأمامِ
وثانيةٌ للوراءْ
هكذا أجدُ الأرضَ ميِّتةً
ليسَ تصلحُ للشعرِ والشعراءْ
مقعدي فارغٌ
في الهزيعِ الأخيرْ
وكؤوسُ القصيدةِ مكسورةٌ
وحروفي الشريدةُ مرميةٌ في العراءْ
لستُ وحدي بهذا الخرابِ الجميلِ
معي الإنسُ والجنُّ
و الأرضُ حتى السماءْ
ليسَ لي أحدٌ
وحدَهُ الظلُّ يتبعني
معَ نفسي بعيداً عن الكونِ
مأوى الوباءْ
هي عكَّازتي الآنَ ضائعةٌ
في الظلامِ
فطوبى لهذا العماءْ
هي حرِّيتي في فمِ الذئبِ
هل تسمعونَ تكسُّر قلبي
على حجرٍ وعواءْ ؟
هي قافيتي تمخرُ الليلَ
حتى الوصولِ إلى نجمةٍ
ما لها - يا ظلامي - انتهاءْ
جاءَ الصَّباحُ ..
في عُيوني
جَمْرَةُ الأحْلامْ
ثانيةً أمْضي
أخُوضُ لجَّةَ الظّلامْ
صَمْتيَ لو صَارَكلاماً
لانتهَى الكَلامْ
أصرخُ في الّليلِ
تردُّ الظّلماتْ
أصرخُ في الصوتِ
يردُّ صدى الأصواتْ
أصرخُ في الأحياءِ
يردُّ الأمواتْ
أصرخُ في الأعماقِ
تردُّ الآهاتْ
لا شيءَ سوى
جعجعةِ الكلماتْ
لا ليسَ لي وطنٌ من قالَ :لي وطني
حتى ولا زمنٌ من قالَ:لي زمني
التُّهْمَتَانِ بلا مَعْنىً فلسْتُ سِوى
فريسةٍ ووحوشُ الغابِ تأكلني
طولَ عمري وقدْوتي العُصفورُ
فلماذا كمثلِهِ لا أطيرُ؟
في بلادي حتى الظلامُ حزينٌ
ملَّ منَّا وما أتاهُ النُّورُ
لسوانا قصائدُ الحبِّ تُتلى
نحنُ لا شعرٌ لا ولا جمهورُ
خواطر ما قبل الغروب:
" توقيعات في الواقع "
في واقع لا يؤمن بأي شيء تكاد تفقد إيمانك بكل شيء
نحن في واد والواقع في واد من هنا الشروخ والتصدعات
نريد تغيير الواقع فإذا به هو الذي يغيرنا
كيف نفهم الواقعية وما بعدها إذا لم نمتلك الفكر الواقعي
هناك من لا يفهم الواقع ويقوم بتحليله والتنطع له سياسيا
اختلاط الواقع واللاواقع عند الشخص كاختلاط الملح والسكر
إن تظن نفسك واقعيا فهذا لا يعني اقتناعي بواقعيتك القائمة على كف الظن
قد نفهم الواقع وندعي عدم فهمه مراعاة لشعور من لا يفهمه
ما معنى سعينا إلى واقع أقل سوءا فنحظى بواقع أكثر سوءا؟
ما أكثر من يهرب من الواقع حرصا على ما تبقى من عقله
أتوارى وراءَ الزمنْ
وأفتِّشُ عنَّي
وعَنْ غيمتيْنِ
وعَنْ ..
***
لا هشيمَ يناسبُ ناري
ولا نارَ تفتحُ نافذتي
طللٌ مثْخنٌ
تحتَ ظلِّ القصيدةِ رنْ
***
إنَّ هذا السرابَ الذي
يتراءى لعينيَّ
فزاعةٌ أم وطَنْ؟؟
***
لم أزيِّنْ سمائي
بنجمي الجريحِ
ولم أقضمِ الموتَ
رأسي لهيبٌ
وعظمي وَهَنْ
***
أفتحُ الكونَ
أحفرُ قبري
أتدري لماذا؟
لِأَنْ ...
أدري بأنَّ قصائدي ملأى
بأضغاثِ الطفولةِ
والخيالْ
وبأنني في قعرِ هذا الليلِ
أركضُ
في المحالْ
أدري بأنِّي مُثخنٌ بالحبِّ
والحلمِ العضالْ
من يخبرُ الأمطارَ عني
أنني من وطأةِ الظّمأِ الطويلِ
سأرتوي بالشوقِ
بالموتِ الزلالْ
قد قلتُ أكثرَ ما لديَّ
ولم يزلْ كالنارِ
يشتعلُ السؤالْ
قلبي رياحُ الشوقِ
عيناكِ الجبالْ
دنيايَ فارغةٌ
وقلبي مترعٌ
بقصيدةٍ
في ظلِّها
تغفو الظّلالْ
في صدري طفلانِ
يعيشانِ
يموتانِ
بلا سببِ
في صدري
شيطانٌ ونبي
..
أتدفأُ بالذكرياتْ
بقليلٍ من الحلمِ
ما زالَ في جعبتي
الكثيرُ من الحلمِ ماتْ
أحتسي قمرَ الشعرِ..
مستغرقاً في سماواتِهِ
ناسياً ما تفبركُهُ الظُّلماتْ
ليسَ عندي من الحرفِ
يكفي لما سوفَ أكتبُهُ
قد ألوذُ بصمتٍ مدوٍّ
وقد أتوجَهُ للريحِ
أجمعُها
وأضمُّ الجهاتْ
هذه الأرضُ واسعةٌ
معَ ذلكَ ضاقَتْ بقلبي
فكيفَ أوسِّعُها
كي أطيقَ الحياةْ
يا شمعةً ضياؤُها قدْ خبَا..وغيضَ في قلبي زمانُ الصِّبَا
وحوليَ الدنيا بلا نكهةٍ..ما أسهلَ الدنيا وما أصعبَا
أحلوَها قدْ ذقتُ أمْ مرَّها..فكلُّهُ كانَ صدىً خلَّبَا
كم كنتُ ذات عبقرٍ شاعراً..أنهلُ من أثدائِها الأعذبَا
كم كنتُ أحيا في خيالاتِها..أحصي النجومَ ..أقضمُ الكوكبَا
والآنَ لا شعرَ ولا ظلَّهُ..ولا خيالَ الظلِّ كي أركبَا
أجرُّ أيَّامي ورائي أنا..فمَنْ يجرُّ قلبيَ المُتْعَبَا
أدخلُ في قصيدتي لا أرى..حروفَها تقولُ لي :مرحبَا
أدخلُ في مدينتي لا أرى.. ترابَها معطَّراً طيِّبَا
أدخلُ في غيْبوبتي إذْ أرى.. موتي الذي جاءَ ولنْ يذهبَا
إلى البياسي: شعر:محمد سمحان
كوخٌ من الأبنوسِ في غابَهْ // من أضلُعي حطَّبْتُ أخشَــابَهْ
وبنيــــتُهُ نَغَمــاً على نَغَـــمٍ // لَقَّطْتُـــها من بَـــوْحِ شَبّـــابَهْ
وفَرَشْـــتُهُ بحُـــــروفِ أغْنِيَـةٍ // كالجَــدْولِ الرّقراقِ مُنسـابَهْ
سيّجْــت بالأهْـدابِ شُــرْفَتَهُ // وصَنَعْتُ من نار الجوى بابَهْ
ألبَسْـــتُهُ ثَوْبَ المَجــــازِ رؤىً // فتّـــــانَةَ الألــــوانِ خـــلابَهْ
حَـــــــجَّ الفراشُ لهُ وبـــــاركه // وأقــامَ فوْقَ الوَرْردِ أسْرَابَهْ
طوَّبْــــــتُهُ لحبيـبتـــي وطَنَـــــاً // وكَسَوْتُ بالأشعارِ أعْتـابَهْ
*********
معارضَتي لقصيدةِ "الكوخ" للشاعرِ الكبيرِ محمّد سمْحان :
يا ليتَني قد كنتُ بوَّابَهْ ..وجمعْتُ أحبابي وأحبابَهْ
كوخٌ من الأحلامِ.. تحسدُهُ .. كلُّ القصورِ ترودُ محرابَهْ
قد طفْتُ في أرجائِهِ ثمِلاً.. ونهلْتُ كالمسحورِ أنخابَهْ
كم أشتهي لو أنَّ لي وطناً.. ما أجملَ الأوطانَ في الغابَهْ
بيني وبين الكوخِ كم سببٍ.. وصَّلْتُ أسبابي وأسبابَهْ
كنزٌ من الأبنوسِ ليسَ لهُ.. ثمنٌ.. يدُ الأشعارِ وهَّابَهْ
كوخٌ سماويٌّ أصدِّقُهُ .. والأرضُ كلُّ الأرضِ كذَّابَهْ
أسْتغربُ الأمرَ.. كيفَ الثّلجُ يشْتعِلُ
وكيفَ لا يرتمي في حضنِهِ زُحَلُ
فوقَ الجبالِ أرى الأحلامَ موقَدةً
فوقَ الجبالِ تلاقى النَّجمُ والحجلُ
من عهدِ آدمَ لم أبصرْ ولا رجلاً
والآنَ يولدُ في أعماقيَ الرجلُ
"أطِلِّي" للشاعر القدير محمد سمحان:
أطِلـِّـــي كالرَّبــِـيع ِعـَلى قـِـــفـَاري // وَكـُونِي بَـعد تِشْــــريني اخـْضِـــــراري
أطِلـِّـي فالـْحَـــياة ُعـَلى رَحِـــــــيل ٍ // وَلـَيْسَ لـَدى الـْمُسَــافِر مِنْ خـَــــــيار
كـَفـَاني ما انـْتـَظـَــرْتُ وَلـَمْ تـطـُـلـِّي // وَحَـسْبُكِ قـَدْ مَلـَلـْتُ مِنَ انـْتـِظـَــاري
فـَما عـَادَتْ مُــــــــرُوجي ناضِـــــــرات ٍ// وَقـَدْ لـَبـِسَــتْ جَـلابـِـــيبَ النـُّــــضَار
وَلا رَقـَصَ الـْفـَــراشُ عـَلى زُهُــــــوري // وَلا اسْـتـَنـَدَ الـْهَــنــاءُ إلى جـِــدَاري
وَلا مَـــــرَّ السَّــحَابُ عـَلى حُـقـُـــــولي // وَلا امْتـَـــلأتْ بـِخـَمْــَرتِــها جـِــرَاري
كـَأنـِّي قـَدْ خـُلِـقـْـــــتُ مِـن الصَّــــحاري // وَسَوْف أظـَلُّ في صَهْـدِ الصَّحـاري
فـَكـُونِي واحَــتِي في قـَيْـــظ عُـــــــمْري // تـُظِــــلُّ الــــرُّوحَ مِنْ لـَـــفـْح ِالأوَار
أطـِلـِّـــــي قـَبـْـل أنْ يَـــــذ ْوي سِـــراجي // وَتـُمْسي مِنْ رَمَـاد النـَّار نـَـــاري
أنا الأسَــــــدُ الـْمُـــكـِبُّ عـَلى جـِـــــراحي // تـُحَاصِـرُني الـْجَوَارحُ والضَّـــواري
وذاتَ غـَـدٍ سَـــتـَفـْتـَـــقـِدينَ صَــــــــــــوْتي // وَلا يُـبْـقِي الزَّمانُ سِوى غُباري
وَهـَذا الـْعُــــــــــمْرُ نـَلـْبَـــــــسُهُ قـَلِـــــــــيلا //لِنـُخـْلـَعَهُ كـَـثـــــوبٍ مُـسْــتـَعار
أطِـلـِّــــــــــي لـَمْ تـَــــــزَلْ عِنـْدي بَقـَايَــــــــا // وَنـَاري لا تـَزَالُ عـَلى اسْتِـعَار
******
معارضتي لقصيدة "أطِلِّي" للشاعر القدير محمد سمحان:
لقد أجَّجْتني في عقرِ داري.. فهذا الشِّعرُ نارٌ تلوَ نارِ
وهذا الشِّعرُ كالقدرِ المسجَّى.. وكيفَ يكونُ من قدري فراري
لقد كانَ الربيعُ رفيقَ دربي.. ولكنْ قد تخلَّى عن مساري
وكانَ الماءُ والوجهُ المرجَّى.. وقد فرغَتْ من الدنيا جراري
يمرُّ الوقتُ أسرعَ من خطاهُ.. وقلبي خلفَهُ حافٍ وعارِ
غنيَّاً كنتُ والأحلامُ مالي .. تبدَّدَ فوقَ طاولةِ القمارِ
تغلغلَ في فؤادي كلُّ ليلٍ ..كأنّي لم أكنْ بطلَ النهارِ
عصايَ الآنَ تسندُني وكمْ قدْ.. سندتُ السيفَ في عزِّ اقتداري
ومنذُ البدءِ أنتظرُ الأماني..وقد طارَتْ وما زالَ انتظاري
كما حجرٍ غدوتُ فلا سلافٌ..يحرِّكني ولا ذاتُ الخمارِ
كأنْ بيني وبين الوقتِ ثأراً..فكم أفنى ولمْ آخذ بثاري
أروحُ إلى السماءِ لعلَّ نجماً..يلوِّحُ لي ويُبدي ما يواري
أنا نسلُ الهزائمِ وَهْيَ تَتْرى..وأبعدُ من خيالاتي انتصاري
أحتاجُ إلى بعضِ الوقتْ
لأعيشَ قليلا
أحتاجُ إلى بعضِ العقلْ
لأجنَّ قليلا
أحتاجُ إلى بعضِ الحريةْ
وطني ما زالَ
أسيراً وذليلا
إلى ملي كرد العزيز
عبدالوهاب الكرمي
عساه ان يخلصني من هذا الشيطان المزمن
ويترجم النص الى اللغة الكردية الجميلة :
هذا فؤادي فارجميهِ..شيطانُ شعري دبَّ فيهِ
لا تتركيهِ هكذا..في طيشِهِ لا تتركيهِ
بل خلّصيهِ من الجنونِ..من القصائدِ خلّصيهِ
فعساهُ يوماً يستريحُ..ويهتدي من بعدِ تيهِ
لكنّهُ يطغى ويبغى..في الحياةِ كما السفيهِ
ويجيئني مترنِّحاً ..في آخرِ الليلِ الكريهِ
فأشمُّ رائحةَ الخمورِ ..تفوحُ منْ أنحاءِ فيهِ
كيفَ ابتليتُ بهِ أنا.. وخرجْتُ من عقلي النبيهِ
لا شعرَ بعدَ اليومِ .. لن أحتاجَهُ.. لن أقتنيهِ
لا بدَّ أنْ أرتاحَ منهُ.. ومن أبيهِ ومن بنيهِ
عمراً يُريني وجهَهُ .. وأنا عذاباتي أريهِ
ما زالَ في ريْعانِهِ.. وأنا أضعتُ العمرَ فيهِ
ليستْ دمشقُ لنا ..ليستْ لنا حلبُ
أتعرفونَ لماذا الموتُ ..ما السببُ؟
بلادُنا لم تعدْ إلا مقابرَنا
وما عدا موتِنا كلُّ الدُّنا كذبُ
بلادُنا فقدتْ أحلامَها فغدَتْ
خمَّارةَ الموتِ حيثُ الرقصُ والطربُ
الحربُ دائرةٌ لا ترتوي أبداً
شرابُها أمُّ طفلٍ ميِّتٍ وأبُ
ما أطولَ النفقَ الممتدَّ في دمِنا
عن نفسِها هذهِ الأنفاسُ تغتربُ
قد ضاقتِ الأرضُ والآلامُ واسعةٌ
واعتلَّ فيها الندى والماءُ والعشبُ
الكلُّ يهربُ من رمضائِهِ وجلاً
وخلفَ رمضائهِ يستوطنُ اللهبُ
الكلُّ يهربُ علَّ الموتَ يتركهُ
وليسَ يجدي بقاءُ الكلِّ أو هربُ
فحابلُ الموتِ مخلوطٌ بنابلهِ
إن شئتمُ ابتعدوا.. إن شئتمُ اقتربوا
لسوفَ يأتي زمانٌ ما بهِ عربٌ
"تنبَّهوا واستفيقوا أيُّها العربُ "
قصيدة"من وحي صورتها" للشاعر القدير محمد سمحان
تليها معارضتي لها:
مَـا الـْلـَّيْـــــلُ مُـنـْطـَفِـئـَـًا فِي لـُجَّـــةِ الـْغـَسَــق ِ
كـَالـشَّـعْـر يَـسْــقـُطـُ َ شَـلـَّـالا ًعَـلى الـْعُـنـُق
أوْ آيَـةُ الـْفـَجْــرِ،ِ يَجْري الـْلـَّيْــلُ مُـنـْتـَحِــــرًا
فِـيهَا، بـِخـَيْـطِ شُعَـاع ِ الـْفـَجْــر ِ فِي الشَّـفـَق ِ
يُـظِــــــلُّ وجْــــــــهَـــاً كـَأنَّ اللهَ جـَمَّـــــلـَهُ
بـِكـُـــــلِّ مَـا أبْـــــدَعَـتْ كـَـفـَّـــــــــاهُ مِـنْ ألـَق ِ
فـَمَا الـْجَـبـِيــنُ إذا لاحَــت بَـوَارقـُـــــــــهُ
إلـَّــا كـَشـَمْـس ِ الضُّـحَى حَـَلـَّـتْ على الـْـأفـُق ِ
وَالحَـاجـِبَــانِ أقـَامَـا دُونـَــهُ، وُتِــــــــرَا
بـِألـْـــفِ سَـهْــــم ٍ هَـُتـُـــوفٍ غـَيْـــر ِ مُـنـْطـَلِـق ِ
وَالـْأعْـيُن الـْحُورُ تـَحْكِي السِّحْرَإذ ْجَمَعَتْ
دُجَى الظـَّــلام ِ وَفـَيْــــضَ النـُّـــور ِ فِي الـْحَـدَق ِ
وَيَـا لـَخـَدَّيـْــن جـَلـَّى الـْوَرْدُ لـَوْنـَهُــمَا
تـَفـَتـَّــــحَـا حَــــــوْلَ مصْـقـُــول ٍ مِـنَ الـْحَـبَــــق ِ
وَمَـبْـسَـــمٌ جَـــــارَة ُ الـْوَادِي تـُسَـائِـلـُهُ
عَـمّـــــــنْ أرَاقَ رَحِيــــــقَ الـْوَرْدِ في الـْعَــــــرَق ِ
زِقـّان ِفِي فـُلـْــــــكِ نـُـوح ٍ كـَانَ قـَبْوُهُمَا
وَفِـيهـِمَا مَـنْ نـَجَــــــا قـَدْ تــَــــاقَ لِـلـْغـَــــــــرَقِ ِ
وَيِـا لَـجـِيـدٍ مِـن الـْبـِــــــلـَّوْر ِ، نـَفـْرَتـُهُ
مِـثـْـلُ الزَّرَافــــَةِ فِي مُـخـْضَــــــوْضِــــــــــــر ٍ وَر ِقِ
وَمَـا النـَعِـيمُ إذا مَـا صَدْرُهَا افـْتـَرَقـَتْ
عَـنـْهُ الـغـَلـَـائِـــــــلُ حَــتـَّـى لــَــــــاتّ مُـفـْتـَــــرَق ِ
نـَارُ الـْخـَلِــيل ِ إذا هَـبَّــت لـَوَافِـحُهَا
وَمَـا الـْخـَلِـيــــلُ إذا هَـبَّـــــــتْ بـِمُـحْـــــتـَر قِ
وَقـُبَّـتـان ِ إذا مَـا لـَـاحَ ضَـوْءُهُـمَا
فـَمَــا لِـغـَيْــــرهِـمَا قـَدْ أوْصَـــلـَتْ طـُـــــــرُقِي
كـُل الـْعَبـِيد أقالوا القـَيْدَ وانعَتـَقوا
وَعَـبْدُ حُسْـنِـكِ بَــــــــاق ٍ غـَيْـــــرُ مُـنـْعـَتـِــــق ِ
******
معارضتي لها:
كانتْ ليَ امرأةٌ في غابةِ الحبقِ
قد علَّقَتْ خرزَ الأحلامِ في عنقي
كانَتْ تعلِّمني كيفَ المضيُّ إلى
دنيا القصيدةِ والأقمارِ والعبقِ
عشنا معاً معَ أكوامٍ مكدَّسةٍ
من المشاويرِ في بحبوحةِ الأفقِ
كنا وكانَ الكرى يُخفي سرائرَنا
يا ليتنا من عميقِ الحلمِ لم نفقِ
كلُّ البحورِ بحورِ الشعرِ عاجزةٌ
عن الوصولِ إلى شلالكِ النزقِ
كلُّ الليالي ليالي الشوقِ فارغةٌ
ووحدَهُ وجهُكِ المملوءُ بالشفقِ
يا أنتِ يا امرأةً في الريحِ واقفةً
هيَّا احرقيني مع الأيامِ واحترقي
كلُّ المرايا على مرآكِ باسمةٌ
لولا المرايا لغاصَ الكونُ في الغسقِ
قصيدتي في صداها المرِّ توقظني
تصبُّ ماءَ الحياةِ العذبَ في رمقي
أحدِّقُ الليلَ في أنوارِ صورتِها
فلا أرى غيرَ نجمٍ ضاحكٍ حذقِ
أحمِّلُ الشعرَ من أضعافِ طاقتِهِ
لكي يعبِّرَ عن شملي وعن مزقي
كأنّني نصفُ إنسان وقافيتي
طمأى فأينَ تولتْ غيمةُ الغدقِ
وأينَ راحَ زمانٌ كانَ يمنحني
حبَّ الحياةِ ونبضَ الخافقِ الوَرِقِ
لم يبقَ إلا هياجُ الريحِ تلعبُ بي
تظنّني أنّني بعضٌ من الوَرَقِ
لا ترى ما أراهْ
يديَ الموجُ
والبحرُ تاهْ
زبدٌ ها هنا
زبدٌ في رمالِ الكلامِ
وحتى حدودِ الإلهْ
ليسَ ثمَّةَ داعٍ لطولِ الكلامِ
تمتَّعْ بقولِكَ :آهْ
يحتلُّني ألفُ محتلٍّ.. يحرِّرُني
من مستعمري النَّذلِ آلافُ الشِّعاراتِ
لا لستُ من وطني ..لا لستُ من زمني
أنا من الماءِ.. من طينِ البداياتِ
بالكادِ أؤمنُ بالأشياءِ عاقلةً
فكيفَ أؤمنُ يوماً بالخرافاتِ
لي موعدانِ مع الأزمانِ أحضنُها
وعد مع الأمسِ والثاني مع الآتي
أجري مع الحلمِ والأحلامُ كاذبةٌ
ملأى بأوبئةٍ حيناًً وخيباتِ
سوريةٌ لم تكنْ من قبلُ طاهرةً
ماذا وقدْ أصبحتْ مبغى العصاباتِ
الأحزاب
أبداً ما كانوا رجالَ سياسَهْ
بل طراطيراً بلْ كلا بَ حراسَهْ
كذبَ الحزبُ والأكاذيبُ تترى
بينَ أكلِ الهوا وأكلِ النجاسَهْ
بينَ هذا وذاكَ كم ضاعَ حقٌّ
مثلما ضاعتْ- يا رفيقي- الطاسَهْ
مصباحُ حلميَ منهوبٌ ومِشكاتي
ومنْ يعيدُ ليَ المنهوبَ لم ياتِ
ومن أتى انضمَّ للقطَّاعِ قاسمَهُمْ
ما راحَ من وطني المنهوبِ والآتي
لم يتركوا كفناً..أكفانُنا نُهبَتْ
نموتُ ميتةَ أغنامٍ وعنْزاتِ
دمُنا وحدَهُ
هاطلٌ من سماءِ الزمانِ
دمُنا وحدَهُ
يتسلَّقُ آلامَنا
من حدودِ القصيدةِ
حتى الأماني
النَّوفَرَةُ
متى سيكونُ اللقاءُ
مع النَّوفرهْ
وعبلةُ ماتَتْ
على ذمَّةِ الحكَواتي
ومِن بعدِها عنترهْ
بكينا
رسمنا الدموعَ
على شفةِ القبَّرهْ
بقينا يتامى
وليسَ لنا أيُّ أرضٍ
سوى المقبرهْ
بماذا أحتفي والكونُ حافِ
وفي قلبي أحاديثُ المنافي
شتائي دونَ أمطارٍ..ربيعي
بعيدٌ بعدَ أحلامي العجافِ
وما بفمي سوى صوتٍ كئيبٍ
وما في الريحِ غيرُ صدى القوافي
فقدتُ حبيبتي فالشعرأضحى
وحيداً دونَ ثالثةِ الأثافي
مضتْ سنةٌ ..أتتْ سنةٌ وقلبي
على جمراتِهِ صاحٍ وغافِ
وأشواقي إلى الأقمارِ تغلي
وأنهارُ العذابِ بلا ضفافِ
أيا دنيا.. أيا امرأةً لعوباً
أما يكفيكِ لهواً بالشِّغافِ؟
كأنَّ الوقتَ راعٍ جدُّ أعمىً
ونحنُ وراءَهُ مثلُ الخرافِ
لم تعدْ لغتي كافيهْ
فلهذا القصيدةُ
حافيةٌ عاريهْ
***
كلما فاضَتِ الروحُ من ألمٍ
جاءَتِ الثَّانيهْ
***
ترفضُ الأرضُ حلمي
فألقي بأثقالِ روحي
على القافيهْ
***
منذُ دهرٍ وثانيتينِ
أنا عاجزٌ أنْ أمزِّقَ
أخياطيَ الواهيهْ
**
كم هو الحبُّ صعبٌ
إذا امتلأَ القلبُ بالموتِ
في غابةٍ نائيهْ
***
الأطفالُ
تُرى
هل أتَوا ليموتوا
أَهُمْ نسلُ يونسَ
والموتُ حوتُ؟
ومَنْ ظلَّ حيَّاً لسوءِ الحظوظِ
فهلْ هوَللحربِ قوتُ؟
وفي الحلمِ أيضاً
أتاني أدونيسْ
فرشْتُ له الشعرَ
خيرَ بساطٍ وخيرَ جليسْ
ولكنَّ عينيهِ قد كانَتا
تبحثانِ عنِ امرأةٍ
ولها اسمُ لميسْ
وفي الحلمِ لا بدَّ أيضاً
من الشِّعرِ والحبِّ
حتى نهايةِ هذا الزمانِ الخسيسْ
وفاة الشاعر الموريتناي محمد ولد عبدي أمس
ولدَ الشاعرُ ..ماتَ الشاعرُ
إنَّهُ الموتُ سريعٌ ..طائرُ
إنَّنا مهما رششْنا سكَّرا
فوقَهُ فهْوَ مريرٌ فاغرُ
أيُّها الموتُ ترفَّقْ بالحيا
ةِ قليلاً وأنتَ الدائرُ
أَوَلمْ ترتوِ من أحزانِنا
رابحٌ أنتَ وعمري الخاسرُ
معَنا عشْ وعلينا لا تثُرْ
فلكمْ خابَ لديْنا ثائرُ
أيها الموتُ استرحْ ثم استرحْ
أيُّها الناهي الرهيبُ الآمرُ
مرَّةً واحدةً.. واحدةً
متْ قليلاً كي يعيشَ الآخَرُ
النورُ حتى النورُ قد يبسَا
والظلُّ حتى الظلُّ قد طُمسَا
لم يبقَ إلا الحلمُ مشتعلاً
من جمرهِ أستخرجُ القبسَا
ليسَ يشبهُني أحدُ
فأنا أكرهُ الأربعاءَ
ويعجبُني الأحدُ
وأحبُّ التبعثرَ
حينَ القصيدةُ تتَّحدُ
وأحبُّ المنافي
إذا خانني البلدُ
وأحبُّ الجنونَ
ففيهِ الرجاحةُ والسَّندُ
وأحبُّ الفقيرَ الذي ينامُ
على ظلِّهِ
معَ مَن شردُوا
وأحبُّ الديوك التي توقظ الناسَ
مَن كفرُوا
ثمَّ مَن عبدُوا
منذُ دهرٍ وثانيتينِ
أفتِّشُ عنِّي فلا أجدُ
غير أني قد عثرت على الريح
قد أخذتني
إلى عالمٍ فيهِ كلُّ الخرائطِ
كلُّ ما يجعلُ الريحَ ترتعدُ
ليسَ يشبهُني أحدُ
لا القصيدةُ
لا المالُ
لا الولدُ
سأفرُّ إلى بلدٍ
ليسَ يسكنُهُ أحدُ
حتى الرياحُ إذا صارَتْ يداً بيدِ
تغفو على نغمٍ عذبٍ ومنفردِ
كلُّ العصافيرِ في عينيكِ نائمةٌ
وإنْ صحتْ قوبلتْ بالصَّدِ والحسدِ
ما راحَ من زمني أضغاثُ قافيةٍ
فالشعرُ ورَّثَ لي كنزاً من الزَّبدِ
كلما اقتربتْ رأسُ هذي السَّنهْ
رحتُ مختبئاً
خلفَ أحلاميَ المزمنهْ
كلما اقتربَتْ
صرتُ أبعدَ عنِّي
بمقْدارِألفِ سنَهْ
الشجرةُ ليستْ في الغابةِ
الغيمةُ ليستْ في السماءِ
السمكةُ ليستْ في الماءِ
وأنا لستُ في الوطنِ
في أَوَّلِ العامِ..أو في آخرِ العامِ
لا فرقَ بينَهما في المشهدِ الدامي
كلاهُما أتَيا - واللهِ - من رحمٍ
فإنَّ أمَّهما تغتالُ أحلامي
سكبتُ في يدِها أشواقَ قافيتي
لكنَّها حطَّمت نفسي وأقلامي
ورحتُ أحملُ أعبائي على تعبٍ
وأنفضُ التعبَ المحمولَ قدَّامي
ماذا سأفعلُ بالأيامِ تؤلمني
إنِّي أنا شاهدٌ في عصرِ آلامي
رأسي قدِ اشتعلتْ شيباً وقد وهنَتْ
عظامُ جمجمتي معْ مرِّ أيَّامي
فمنذُ موتينِ أخفي جرحِ ذاكرتي
أخفي بظلِّ يدي تاريخَ إعدامي
إلى متى ورياحُ الليلِ جارفةٌ
عمري.. قد افترسَتْ زهري وأنسامي
ما العمرُ إلا سحاباتٌ هنا وهنا
والريحُ تأخذُها أخذاً بإرغامِ
وضِيعةٌ هذهِ الدُّنيا فكمْ سلبَتْ
طفولةً ما لها في الكونِ من حامِ
وكم بنا سخرَتْ في ليلِ غربتنا
وكم أطاحَتْ بحلمٍ مشرقٍ سامِ
ما كانَ أمسِ سوى رقْصاتِ زوبعةٍ
يا نفسُ نامي على رقْصاتها.. نامي
لم تعدْ في بيوتِنا أحلامُ...فاطْمئنُّوا - أهلَ البيوتِ - ونامُوا
نُهبَ المسجدُ المقدَّسُ نهباً... والمصلُّونَ كلُّهمْ والإمامُ
لا تخافُوا هنا على أيِّ شيءٍ... كلُّ شيءٍ هنا..على ما يُرامُ
وكما قلتُ فالبيوتُ خواءٌ... لا شرابٌ لا همسةٌ لا طعامُ
فإذا جاءَ اللصُّ لم يرَ شيئاً... فعلى البيتِ رحمةً وسلامُ
هكذا نحنُ.. يأسُنا ملَّ منَّا...فسواءٌ ضياؤُنا والظلامُ
أيُّ خيرٍ في عامِنا أيُّ خيرٍ...قد تساوَتْ في حجمِها الأعوامُ
كلَّما مرَّ واحدٌ جاءَ أدهى...حلَّقَ البومُ واستُبيحَ الحَمامُ
وبلادي تابوتُها صارَ أحلى.. فعليهِ تُزخرفُ الأعلامُ
وبلادي مُباحةٌ ولهذا ...يتسلَّى بنهدِها الأقزامُ
صارَ من حقِّها انتحارٌ شريفٌ...فحياةُ الهوانِ موتٌ زؤامُ
أيُّ سوريةٍ ستنهضُ يوماً ... ولغَتْ في فينيقِها الأيَّامُ
هناك مثل كردي يقول ما معناه:
"أيها الحمار لا تمت حتى ينبت الأخضر"
ويبدو أن الفصل كان الشتاء وعلى صاحبنا أن ينتظر حتى قدوم الربيع
فقلت أواسيه:
***
في انتظار ما لا يأتي
يا أيها الحمارُ الجائعُ العطشانْ
لا تمتِ الآنْ
انتظرِ الربيعَ القادمَ السكرانْ
مواسماً خيِّرةً
مارسْ نهيقكَ الجميلَ
في كلِّ مكانْ
لا تمتِ الآنْ
اصبرْ قليلاً
فالربيعُ قادمٌ
وفيهِ العشبُ والشعيرُ والأتانْ
لا.. لا أحبُّ يأسكَ المريرَ
قلبكَ المثقلَ بالأحزانْ
ها هوَ عامٌ آخرٌ يأتي
عسى.. لعلَّ تُكرمُ الأزمانْ
تعيشُ في بحبوحةٍ
يحسدُكَ الإنسانْ
بين لحظتين
" ربَّ يومٍ بكيتُ منهُ فلمّا...صرتُ في غيرهِ بكيتُ عليهِ "
إلى العامِ الجديدِ الذي سيغدو قديماً
رحـــــلَ الـقــديــمُ بـعــذبــهِ وعـــذابـــهِ ...وأتــى الـجـديـدُ وهـــا أنـــا فـــي بـابــهِ
كــم كـنـتُ أسـعـى أن أمــسَّ سـمـاءهُ...لـكـنـّنـي مــــا زلـــــتُ طـــــوعَ تــرابـــهِ
كــم كـانـتِ الأحــلامُ ساطـعـةَ الـــرّؤى...حـتــى تـــوارَتْ فـــي كـهــوفِ خــرابــهِ
وسـألـتـُهُ عــنــي وعــمـَّـا حــــلَّ بــــي...أصبـحـْتُ ريـشــاً فـــي مـهــبِّ جـوابــهِ
لــــم يـكـثــرثْ بــذبــولِ عــمـــرٍ آفـــــلٍ...ومـضــى يـــردُّ الـمــوتَ عـــن أسـلابــهِ
الـعـذبُ عــاشَ ومــاتَ لــم أهـنــأْ بـــهِ...وظـلـلــتُ مــأخــوذاً بــزيــفِ سـحــابــهِ
أمـــــا الــعـــذابُ فــرحــلــةٌ قــســريــةٌ...فـــــي بــرّهِ..فـــي بـــحـــرهِ وعــبــابــهِ
فـكــأنَّ هــــذا الـقـلــبَ صــــبٌّ هــائــمٌ...فـيـعـيــدُ مــجـــدَ هـيــامــهِ وشــبــابــهِ
كــانَ الهـشـيـمُ حـصــادَ قـلــبٍ خـائــبٍ...و لـكـم رعــى الأحــلامَ فــي أعشـابـهِ
الأمـــسُ غـــابَ.. وجـــاءَ يــــومٌ غــيــره...وكـلاهــمــا بــالـــروحِ لـــيـــسَ بـــآبـــهِ
مــــا أقــصــرَ الـعـمــرَ الـطـويــلَ فــإنـــهُ...كـدقـيـقــةٍ فــــــي حـــلــّـهِ وذهـــابـــهِ
وتـكـسَّـرتْ كـــلُّ الـنـوافـذِ فـــي يـــدي...لـم أجــنِ مــن عمـلـي ســوى أتعـابـهِ
الـعــمــرُ مــــــاضٍ والـــزمـــانُ يــحــثــهُ...ويــكـــادُ أن يـــــودي بــكـــلِّ صـــوابـــهِ
كـــم كـــانَ حـلـمـي ثـائــراً لا يـرعــوي...ويـــؤجـّــجُ الــدنــيــا بـــعـــودِ ثــقــابـــهِ
والآنَ قـدخــمــدَ اللهيــــــبُ جـمـيــعــه...لــــم يــبــقَ غــيــرُ رمـــــادهِ وهـبــابــهِ
كـــم تـسـخـرُ الأيـــامُ مــــن شـرفـاتــه...أو تــُســدلُ الأكــفــانُ فـــــوقَ قـبــابــهِ
فــي نـصـفِ هــذا اللـيـلِ يـرحـلُ عـالـمٌ...ويـجــيءُ آخـــرُ فــــي جـمـيــلِ ثـيـابــهِ
وأظــــلّ أبــــدأُ مــــن جــديـــدٍ رحــلـــة...عــبـــرَ الــزمـــانِ بـشــهــدهِ وبـصــابــهِ
عـانـيـتُ مـــن زمـنــي الـوعـيـدَ فــإنــهُ...مــا كـــفَّ يـومــاً عـــن قـبـيـحِ خـطـابـهِ
لا فـــــرقَ بــيـــنَ قـديــمــهِ وجــديـــدهِ...فـكـلاهـمــا يـقــتــاتُ مـــــن إرهـــابـــهِ
الـصـبـرُ ولــّـى.. لــــم يــعــدْ مـتـحـمـّلا...للـصـبـرِ حـــدٌّ فــــاضَ فــــي تـسـكـابـهِ
عــمــرٌ تـنـصّــلَ بـغـتــةً مــــن عــمـــره...وبـقــيــتُ مـرمــيــّاً عـــلـــى أعــتــابــهِ
حـــلّ الـغــرابُ فـــلا حـمــامَ بـعـالـمـي...شــتـــّانَ بــيـــنَ حــمــامــهِ وغـــرابـــهِ
عــامٌ مـضـى.. عــامٌ يـجـيءُ.. كلاهـمـا...مـسـتـهــتــرٌ بـزمــيــلــهِ الـمـتـشــابــهِ
ويـقـولُ لــي عـامـي الجديـدُ:هـلا هــلا...فـأقـولُ:هـل سـأعـيـشُ فـــي جلـبـابـهِ
فـغــداً ..غــــداً ضــيــفٌ ثـقـيــلٌ قــــادمٌ...أهــــلاً بــــهِ وبــمـــرِّ.. مـــــرِّ شــرابـــهِ
مـــاذا سـأفـعـلُ غـيــرَ دفــــعَ شــــرورهِ...لا خـيــرَ يـبــدو فـــي شـريـعــةِ غــابــهِ
مــــاذا سـأفـعــلُ والــزمـــانُ يـحـثّـنــي...لأكـــونَ رغــــمَ الأنــــفِ مــــن أذنــابــهِ
لـكــنــنــي لا أســتــطــيــعُ رضــــــــاءه...وعـلــيّ ألــّــبَ كــــلّ جــيــشِ كــلابــهِ
صــــدري يـضـيــقُ ولا تـضـيــقُ بـنــاتــه...حـتــى غـــدا يـبـكـي طــلــولَ رحــابــهِ
كــم كــانَ يطـلـعُ مـنـهُ نـجـمُ قصـائـدي...تـتــرى ويـغـفـو الـحــبُّ فـــي أهــدابــهِ
لا نــجــمَ بــعــدَ الــيــومِ يــبــدو تِــربـــهُ...فـلـقـد تـخـلـّـى الــيــومَ عــــن أتــرابــهِ
كـلّ الـذي فـي جعبتـي مــا عــادَ لــي...روحٌ مـــحـــطـّــمــــةٌ وراءَ إهــــــابـــــــهِ
بـيـنـي وبـيــن الـوقــتُ ســـوءُ تـفـاهـمٍ...إيـــّـاكَ... والـتـســآلَ عـــــن أسـبــابــهِ
فـالـوقــتُ يـأخــذنــي عــلـــى تــيــّـاره...مـا زلــتُ أحـسـو الشـعـرَ مــن أنخـابـهِ
وأنــا الــذي لا بــرَّ لــي.. لا بـحــرَ لـــي...إنــــي أرانــــي فــــي خــضــمِّ يـبـابــهِ
الـوقــتُ يـمـضـي مـذعـنـاً مستسـلـمـاً...لا فـــــرقَ بــيـــن حــضـــورهِ وغــيــابــهِ
كم قد ضحكتُ وكم بكيتُ سدىً سدىً...لــم يـبـقَ لــي غـيـرُ الـصـّدى ورهـابــهِ
مــــــرّ الــقــديــمُ بــعــذبــهِ وعـــذابـــهِ...وأتــى الـجـديـدُ وهـــا أنـــا فـــي بـابــهِ
قـــد كـنــتُ آمـــل أن يـؤجّــجَ نجـمـتـي...مــا زالَ نجـمـي مطـفـأً.. مـــاذا بـــهِ..؟
جامـلـتـهُ.. وفــرشــتُ أشــعــاري لــــهُ...ورجــــعــــتُ دونَ ثــنـــائـــهِ وثــــوابــــهِ
بــل رحــتُ أحـلـمُ كـيـفَ أنـجـو سالـمـاً...فـوجـدتُ نـفـسـي لـقـمـةً فـــي نـابــهِ
يـجـتّـرنــي وكــأنــّنــي عـــلـــفٌ لــــــهُ...ولــكــمْ خـُـدعـــتُ بـلـطـفــهِ وعـتــابــهِ
يـا أيّهـا العـامُ الجديـدُ ..ولا جديـدَ...لــديــكَ غــيــرَ تـفــاؤلــي وســرابـــهِ
وغـــداً سـتـغـدو مــثــلَ غــيــرِكَ آفــــلاً...وأســـيـــرُ كــالأعــمــى وراءَ ضــبــابـــهِ
31/12/2010
أنهي اللحظات الأخيرة من 2014 بهذا النص :
لا لم نعدْ أبداً طفلينِ في المطرِ
ولم نعدْ نرسلُ البوساتِ للقمرِ
آبارُنا نشفتْ من عهدِ مولدِنا
ما عادَ ثمَّةَ من ماءٍ ومن شجرِ
نحوَ الجبالَ سعيْنا كلَّ ثانيةٍ
لم نحظَ إلا بصوتِ الموتِ في الحفرِ
كلُّ الطبيعةِ قد أضحَتْ معاديةً
من رقَّةِ الوردِ حتى قسوةِ الحجرِ
والقلبُ ما عادَ خفاقاً برايتهِ
منكَّسٌ كربيعٍ ميِّتِ الزَّهَرِ
مثلَ الهباءِ زمانُ الوصلِ خيَّبني
لم يبقَ إلا الهزيعُ الضَّحلُ من عُمُري
قد كنتِ لي سيرةً كانَتْ معطَّرةً
أمامَها قد تلاشتْ أطولُ السِّيرِ
واليومَ أبصرُني فزَّاعةً وقفَتْ
في الحقلِ فاقدةَ الأسماعِ والبصرِ
لم يبقَ منكِ سوى أطلالِ أغنيةٍ
ما عدْتُ أسمعُها كالأمسِ في سهري
أما تزالينَ بالأحلامِ حالمةً
إيَّاكِ إيَّاكِ من عودٍ بلا وترِ