عيد المعلم
نظام ثقافي، وضع أسسه سياسيون -كما يبدو- فاختصروا الاهتمام بالانسان طوال العام ، إلى الاحتفال يوما واحدا به تحت مسميات ذات نكهة سياسية.غالبا. ومن ذلك ما أسموه "يوم المعلم " او ربما "عيد المعلم". ولأنني معلم وفقا لمؤهل اسمه "اهلية التعليم الابتدائي " . حيث درسنا اربع سنوات بعد الحصول على شهادة الاعدادية العامة(الصف التاسع) فإنني عشت معاناة التعليم ومتعته معا .واتذكر ذلك.لذا اكتب كلمات هنا -لا بقصد تجريح او ذم ،بقدر ما هو اشارة لتجارب لا تلائم التعليم والتربية ولا مهنة يوكل اليها امر التعليم والتربية.جاءت الناصرية "الأيديولوجية" وانقلاب حزب البعث الأيديولوجي القومي ،فباتت عملية التعليم مزاجية سياسية.. وتتغير العناوين ، وتتغير المناهج ، ويتغير كل ما يتصل بالتعليم والتربية بشكل مستمر .. فقد بات هم "الحزب القائد" أن يتحكم في الشعب المقود بكل وسيلة ممكنة . ولم تعد هناك عملية تعليمية /تربوية اجتماعية بمعزل عن السياسة(غياب التعليم الديموقراطي).
وعلى الرغم من مظاهر تشير الى ان عدد المدارس زادت ، وان عدد المعلين زاد ، وزاد عدد الطلاب ...الخ(زيادة كمية) ، لكن البنية التعليمية خضعت لمزاج سياسي ولا يزال، أفقدها دور "الكيف او النوع". .
فكان الموجه يزور المدارس، وكان مندوب من هيئات حزبية يزور المدارس ، وكانت أجهزة امنية تزور المدارس -وهي عديدة - فلم تعد للمدارس حرمة كما عهدناها ، أذكر امثلة بسيطة لكنها معبرة:
- في قرية رميلان الباشا ما ببين 1957-1959 -كان معلم من السلمية اسمه محمد مصطفى عبد الرزاق يهز أركان اقطاعي يملك حينها عددا من القرى وله نفوذ في الدولة . وبالمناسبة لم يقبل دعوة "الاقطاعي" لتناول الغداء عنده.
- في ديرك (مالكية) حوالي العام 1960 ينال مدير مدرسة المامون الريفية واسمه مزيد منذر من السويدا ،أذى من مدير المنطقة -(لا اتذكره،) وعندما يخرج من بيته القريب من السرايا الحكومية ،يطلق مدير المدرسة طلابه ليلحقوا به ويسمعوه من الكلام ما يعوّض عن فعلته .(لا أعلن هنا عن تأييدي او رفضي، وانما اذكر ما حدث ).
وكان معروفا ان المدارس اماكن العلم والتقدير ، ويتعامل معها أجهزة السلطة بحذر وتقدير وقلق احيانا . لما للمعلم من شعبية ومكانة .
وعندما جاء البعث اصبحت المدارس منشآت حزبية وامنية ومكانا لرفع التقارير من قبل طلاب ومعلمين ضد زملائهم.. بل في دار المعلمين كان هناك في القسم الداخلي الذي لا يتجاوز عدد الطلاب فيه 25-30 كانت التقارير من بعضهم، وكان الطلاب يذكرونهم بالاسم.
فضلا عن تغيير برامج ومناهج المدارس والغاء النزوع الأخلاقي السائد سابقا وتطويع الدروس لهيمنة الحزب وثقافته(ايديولوجيته)، سواء بتضمين المناهج ذلك ، ام بتعيينات على اساس الولاء او التبعية للنظام وايديولوجيته... وتحولت الدراسة الى مجرد معلومات يلقيها المعلم بحذر لئلا يقع في المحذور...(وأحيانا ظروف "تنفيعة " لبعضهم بتعيينات لا صلة لها بأداء مهني .
وبهُت دور المعلم ،لاسيما ان راتبه كان لايكفي معيشته بكرامة، فتنازل بعضهم الى اجراءات نالت من قيمة مهنته ومكانته ، ومنها الارتباط باجهزة امنية ،فضلا عن التسابق الى الانتساب الى الحزب وتقديم فروض الولاء بالتقارير (المزيفة غالبا) سواء بايحاء او بدوافع خاصة.(وكانت الخسارة عامة للحزبيين والأمنيين والشعب كافة).فخلل التعليم والتربية ينال الجميع.
كنت واحد زملائي مدعوين لحفل عرس احد المدراء ، وكنا على نية الذهاب وقد حددنا الهدية ايضا ، وطلبنا من البائع الاحتفاظ بها لأخذها يوم الغد . واذ بالزميل يعتذر فقلت لماذا ؟ قال : الرجل رفع تقريرا عني الى جهة امنية فكيف احتفل بعرسه ؟
هذا الانحدار بالمعلم كان انحدارا بعملية التعليم ، وها نحن نحصد النتائج في سلوكيات باتت عبئا على أصحابها وعلى مجتمعهم في دائرة ضيقة وفي الدائرة الأوسع .وقد فعلت الحرب ما فعلت عبر قنوات مختلفة .
نشكو همنا ونرجو ان ينتبه الجميع إلى أن من المهم ان تكون العملية التعليمية والتربوية بمعزل عن المؤثرات السياسية والسلطوية المباشرة -وحتى غير المباشرة-
.فالتعليم والتربية للشعب والوطن لا لنظام ولا لحزب ولا لسياسي ولا لجماعة بعينها أيا كانت ...انه لتنشئة اجيال المستقبل ، وبناء الشعب والوطن .
ونقول اخيرا:
كل معلم نرجو له الخير واستعادة مكانه ومكانته لبناء ذاته وتلامذته وطلابه والشعب والوطن ،(وقبل ذلك تأهيله تأهيلا يجعله مستحقا لما هو فيه ). .واعطائه راتبا يغنيه عن التملق والتسلق والانتهازية.وتخريب عملية التربية والتعليم.
فالمعلم بانٍ، ولا يمكن لبانٍ ان يبني وهو نفسه غير مبني وعامر.
يمثل المعنى قول مأثور "فاقد الشيء لا يعطيه".
وكل عام وكل المعلمين الذين حرصوا على انفسهم ومهنتهم والمطلوب منهم تربويا ... بخير.!
والشعب والوطن والانسانية بخير!