من ذكرياتي العسكرية في لبنان (1)السبت 3 تموز 1982 ميلادي 12 رمضان 1402 هجري يبدو أن تناقضا يسكن كيان الإنسان ، و يبدو واضحا في سلوكهم. لكنه يظهر بقوة اكبر في الحروب..بحسب ما لاحظت.فالناس جميعا يتجاذبهم عامل الخوف ، و ما يبدو كعزة نفس ، و حب الظهور بمظهر الشجاع ، و روح أنانية و حب الذات ، و رغبة في ان يبدو مهتما بالغير ، و ذا شعور إنساني شهم...الخ..تتذبذب لديهم مشاعر في سرعة بين عطف على آخرين ، و مقتهم عندما يكونون في حاجة اليه في موقف حرج ، و ادعاء بأنه فعل ما لم يفعله غيره، خاصة لدى من يُفترض بهم ان يتحلّوا بمعاني إنسانية و شعور بالمسؤولية، باعتبارهم في مواقع مسؤولة ( قيادية).ذات يوم تقدّمت بطلب للإنتساب الى الجيش السوري ( تطوّعا) بدأت الخطوة بسيطة ، ثم تبلورت الى جادة. و كدت أعزز طلبي بما يجعله اكثر احتمالا للقبول - مع علمي ان قبول تطوع كوردي في الجيش كان احتمالا ضعيفا جدا، ان لم نقل مستحيلا-.مع ذلك فقد قيّض الله لي عالِما جليلا و قريبا ( ملا محمد رمضان البوطي ، و كان يعرف في دمشق بالشيخ الملا)، نصحني بأن لا أفعل ذلك، قائلا:إنك ستدخل عالما يَفرضُ عليك ظُلم آخرين ، بسبب طبيعة و تركيبة أنظمة مُقيّدة لحريتك و مبادراتك الشخصية، فهو جوٌّ لا تستطيع ممارسة خصائص انسانيتك فيه ، كما تظن .!ولئن بدا التّقييد يظهرُ حتى في حياة مدنية. الاّ أنه في الحياة العسكرية أشد ظهورا و تأثيرا .!لا أدري لم موقف المدنيين من سلوك العسكر ( الجيش) فيه فتور ، و ربما نفور ايضا،بل لقد كاد يبلغ في بعض تجلّياته ، مستوى كُره سافر. لماذا ؟لم أستطع تحديد السبب بدقة :- هل هو ناتج مواقف سابقة - هل هو نتيجة سلوك خاطئ لافراد فيه - هو كلاهما معا ، و ربما عوامل اخرى لم اتبيّنها !.في الواقع ، اكاد أميل الى أن السبب الجوهري هو في أخطاء سلوكية متجاوزة ، منها: الميل الى تعامل فوقي و مباشر بطريقة مفرطة ، و دون انضباط بالقوانين و القيم .!و إنما هي مستمدة او ناتجة عن طبيعة قسوة الحياة العسكرية ، و ما فيها من مبالغات تحت حجج مختلفة ، يختل فيها التوازن في الادارة(القيادة)، و ينعكس سلبا على العلاقات بين المنتسبين للجيش نفسه( متطوعون و مجنّدون...).عندما كنت اقرأ او أسمع عبارات مثل : الطغمة العسكرية ، ديكتاتورية العسكر ... كنت أظن أن فيها تحاملا ربما ، من خصوم على خصومهم ( لا أحبّذ تعبير أعداء ، فهو يوحي بعمق اختلاف و خلاف ، و فرض اصطدام مباشر ، و تبريره ايضا من ناحية ثقافية).لكنني الآن - من خلال هذه التجربة المرة و الهامة ايضا- أشعر بأن الدعوة إلى الإدارة المدنية للحياة هي من نتائج تجارب ناضجة ، مرّ بها أصحاب هذه الدعوة، و نتيجة استخلاصات عبَر و عظات منها. و إنني أنضم إلى هذه الدعوة مثلهم او معهم.هنا تحضرني افكار الفيلسوف كانت ( و كثيرين غيره) حول قضايا السلم و الحرب. و المواقف منها ، و محاولات معالجة تخدم السلم الانساني عموما.من المؤسف بعضهم يكذب ، و بعضهم يقتحم مجالا لا خبرة له فيها ،تدفعه عوامل نفسية سطحية ، ومنهم من يفعل ذلك لكنه ضعيف التاثير لأسباب ، قد تكون الموضوعية أكثرها.......................ملاحظة ، صفحة من ذكرياتي في العسكرية في لبنان، بشيء من تصرف.
من ذكرياتي العسكرية في لبنان(2)السبت 19 حزيران 198227 شعبان 1402بدأ الصباح بأصوات انفجارات هي طلقات مدافع أو قذائف هاون ... تتخلها أصوات رشقات من الرشاش المتوسط و الثقيل ...لكن خفت حدته سريعا ، ثم هدأت الأحوال بعد الساعة السادسة .!تحركت مجموعة سيارات بشكل افرادي ،ذهابا و إيابا. كما لوحظ ان اتجاه الحركة نحو مدينتي ، (عاليه و بحمدون) هو الاقوى.احضرنا الطعام من المطبخ الميداني في بحمدون ،باعتباري محاسب السرية الاولى . و تم نقل ما رصدناه إلى القيادة،خلال الذهاب الى بحمدون و العودة.جرى اتصال بين القيادة ( قائد السرية ،نقيب محمد )و قيادة المقاتلين(م١ صايل، م١ حسين،م.جاسم) لاتخاذ ما يلزم بحسب الواقع الميداني و اوامر قيادات اعلى، وعليا.الطقس ،بصورة عامة ، جميل. شمس ساطعة ،برودة خفيفة ، و حَدّث عن الاخضرار و جمال الطبية و لا حرج. لبنان بلد الجمال من شماله الى جنوبه ،و شرقه و غربه.حباه الله بكل هذا الجمال ،لكن يبدو ان شعبه لا يرتقي الى مستوى جماله ، فمشكلاته دائمة ، و لاتنتهي.قال احد الرهبان - اسمه الياس، - من قامشلي( احيانا يتساءل المرء عن السر في عمليات انتقال القسس والرهبان ، ما المغز. منه؟).المهم قال :ما معناه: " شعر الله انه خلق جمال لبنان شبيها بجمال الجنة فخلق شعب لبنان ليفسد جماله و يبقى ارضيا". طبعا للتندر.في المكان الذي نحن فيه ( سوق الغرب) و هي بلدة تبعد عن جنوب بيروت ( المطار) مقدار خمسة كيلومترات ( خط نظر). في هذا المكان يستوقف النظرَ ، تضاريسٌ و مكوناتها من جبال و وديان مشجرة بكثافة تحيل الطبيعة كلها إلى خضرة كثيفة داكنة جميلة ، و كذلك الابنية ذات الطراز الاوروبي المغطى بالقرميد الأحمر ،فيللات مبعثرة تشكل منظرا نسيج وحده.سمح لضاب آخر( م. جاسم) بالنزول لمدة ١٢ ساعة .اعطيته أرقاز هواتف كل من ( سليم) و ( د. محمد سعيد) و أخي محمد سعيد للاتصال باحدهم و اخباره عن سلامتي ، و تبليغ تحياتي . ريثما يتاح لي ان أحصل على إجازة.!.........................................ملاحظة :صفحة من ذكرياتي العسكرية في لبنان ، بشيء من التصرف.
من ذكرياتي العسكرية في لبنان (3)الاثنين 21حزيران 198229 شعبان 1402على الرغم من أن القصف كان شديدا مساء أمس لكنه كان متقطعا في البداية. ثم اشتد منذ العاشرة وحتى الساعات الاولى من صباح اليوم التالي ( اليوم ).وقفت انظر إلىالمشهد متأملا،في الفترة بين العاشرة و الثانية عشرة ليلا. كان مشهدا مثيرا ، على الرغم مما كنا نسمعه من الاصوات المرعبة.!كانت الطلقات الخارجة من فوّهات الراجمات او المدافع ا. الرشاشات... تخرج سريعا ، مُشكّلة خطوطا مستقيمة متقطة أحيانا، و ذات لون احمر ناري...كانت أثار القصف...تبدو تحت ضوء القنابل المضيئة:دخان يعلو يتجه نحو السماء يتكاثف ، و نيران تشتعل و تحرق... ما لاحظته غريبا و غير مفهوم بالنسبة اليّ، إضاءات لمصابيح سيارات كانت في رتل طويل و هي تسير ...في لحظات المشاهدة هذه..كانت تتنازعني مشاعر و خواطر مختلفة:لماذا هذا المسعى البشري إلى التدمير بهذه القوة و الحجم ...، و بمختلف الوسائل ؟ازداد شعوري بالألم ، و التأمل عندما علمت. من خلال وسائل الاعلام بأن خسائر اسرائيل وحدها عن اليوم الواحد تبلغ اكثر من عشرات الملايين من الدولارات ، يوميا.فكم تكون خسارة الاطراف كلها في اليوم الواحد؟!ما الذي يمكن ان تفعله هذه الاموال فيما لو خصصت للبناء و رخاء البشرية؟..المشاعر متنوعة متمازجة و متمايزة ..خوف ...قلق.. كراهية ..طمع..حقد...و قد أفرزت حالة تخلخل و انعدام القيم الاخلاقية ( يتحدث بشر عن الأخلاق كثيرا ، لكن حضوره في حياتهم قليل).!نهب ،و سلب. و سرقات بلا رادع ولا وازع....أمور غريبة تحدث لا يمكن للمرء -في حالة توازن - ان يستوعبها ،كما هي في حقيقتها و عمقها، الا إذا عاشها و اقعيا...................................الثلاثاء 22 حزيران 19821 رمضان 1402 أمس ( الاثنين ٢١ حزيران) مع حلول الساعة العاشرة ليلا ، كنا نتجه نحو سوريا ( مستودع السرية في الزريقية على طريق دمشق درعا).كنا ننقل اغراضا ليست ضرورية في الاداء القتالي ، لاسيما القتال الحركي الذي يقتضي الخفة في التنقل والمناورة ...و قد اوحت اجراءات و ممارسات من القيادة بأننا في مواجهة احتمال قيام حرب قريبا . هذه هي المرة الاولى التي لاحظت احوالا خلّفتها الحوادث على الطريق ...تفطّر لها قلبي أسىً .الدمار طبع على كل شيء...!الطريق و ما فيها من مطبات و حفر .. الابنية و منها ماكان التدمير قد نال اجزاء هشة فيها، كالزجاج و أبواب خشبية و اجزاء مقاومتها ضعيفة كمعادن خفيفة (الومنيوم) مثلا.و منها ما كان التدمير نال البناء كله . فهبط سجودا لقوة القصف ، و شهد -مع غيره- على عظمة خالق اوجد السبل- اذا اتبعت-لتجاوز هذه الكوارث ، لكن،،.!.......................................صفحة من ذكريات العسكرية في لبنان بشيء من التصرف.
ذكريات العسكرية في لبنان(4)الاربعاء 23حزيران 19822 رمضان 1402قضينا يوما قاسيا مرعبا هذا اليوم . فقد كلفني قائد السرية بجمع حوائج الفصائل لنقلها الى المستودع الجديد في قرية( قرطاضة) التي كانت محل تمركز السرية الاولى منذ دخولنا لبنان. قرية تتكئ على السفح الغربي من مرتفع لا ادري هل اصفه بجبل ام بهضبة مشجرة ، يفصل بينهما طريق يربط بين قرنايل-راس المتن- قرطاضة- زندوقة....بيروت.كان الهدوء لا يزال يخيّم. لكننا ما كدنا ننهي العمل في قرطاضة حتى سمعنا اصوات هدير محركات طائرات ف١٦ تملأ فضاء لبنان كله ،او هكذا خيّل الينا.و عندما خيّم الظلام ، هدأ القصف.تفقدنا ما حولنا ،كانت مواقع قريبة منا قد قصفت . و خلفت اضرارا مادية .و جَرحت شظايا ، ثلاثةَ جنود من سرية الهاون و من( ش) جنديا واحدا ، و من (ز) جنديا واحدا.كانت الجروح طفيفة و لله الحمد.( اعتذر أنني اتخذت رموزا حين كتابة المذكرات بسبب كونها عسكرية،و الآن أحاول استحضارها ، ما افلحت حتى اللحظة)،جاءت سيارة من سوق الغرب ، فذهبت معها الى هناك . بعد ان اوكلت العمل الباقي الى المجند(مرعي الحسن) من ابناء قرية المنصورة بالقرب من الرقة( و كان معاوني في محاسبة السرية). و انعم به من رجل خلوق و امين و واع. ار جو له التوفيق اينما كان.و بالمناسبة فقد التقينا في منطقتنا ، و تبادلنا الزيارة. و دعاني الى تناول الغداء لديه في قرية غمر قريبة من رميلان ،له فيها اهل و اقرباء ،ثم علمت انه سافر الى دولة خليجية و لم اعد اعرف عنه شيئا،ارجو له التوفيق........................صفحة من ذكرياتي في لبنان بشيء من تصرف
ذكريات العسكرية في لبنان (5)الجمعة 25 حزيران 19824 رمضان 1402مع مطلع صباح اليوم ،الجمعة، وصلت قوات السرية المنسحبة الى قرية ( دير الحرف) حيث كان مركز الكتيبة و السرية ، بعد قضاء الليل بكامله مشيا على الاقدام في الأحراش و الوادي بين بحمدون و دير الحرف هبوطا و صعودا. كانو متعبين . و ينَقصون ثمانية جنود لا يزالون مجهولي المصير. شعرت بالذنب لأنني في الأمس لم احملهم بسيارة غاز 66 التي كانت بامرتي ، انقل بها ما تحتاجه السرية، و منها نقل الطعام كما سلف القول لأنها لم تقلع لثقل حمولتها .لماذا الشعور بالذنب ، في الحلقة الرابعة ذكرت الاخبار جملة فلم اشر الى تفصيلات مهمة فيها. لكنني مضطر هنا الى ذكر التفاصيل.بعد امر قائد السرية بانسحابي الى بحمدون ، شعرت مرة اخرى بالذنب . لقد وصلت بحمدون بأمان ، و معي السائق جهاد. و لكن ماذا بشأن الجنود ؟سؤال شغل بالي ! لم تكن القضية مسؤوليتي ، لكنني هكذا شعرت .!سألت عن القائد المسؤول فأشار بعضهم الى مكانه ،كان اسمه اسماعيل . اظنه كان عقيدا و ربما رتبة اكبر. دخلت عليه بعد اساستئذان، و حيّيته بالتحية العسكرية ، بشيء من خلل في التعريف بنفسي ،كما هي العادة في مثل هذه الاحوال. لم امارس الطقوس العسكرية كثيرا بسبب كوني محاسبا في السرية. و قلما التقي بضباط سوى قائد السرية و ضباطها .و كادت العلاقة ان تكون صداقة اكثر من علاقة عسكرية . لاسيما أنني كنت في عمر كبير نسبيا ( 30) عاما ، فقد تأخرت في الذهاب الى العسكرية بسبب الدراسة و ظروف عائلية و اشياء اخرى.لذا كانوا يقدّرونني كجامعي و ذي عمر، و دعنا نقل: اكتسب ثقافة و خبرة اثارت اهتمامهم ،بل كانت العلاقة مع م جاسم صداقة فعلا ( رحمه الله ، فقد توفي في سنوات الأحداث، و يقال حزنا على ابنه الوحيد المعتقل د و بعد عام توفيت زوجه ايضا ، هذا ما اخبرتني ابنة اخيه التي جاءت الى ديارنا و زارتني مع آخرين معها).بل واخبرتني عن وفاة أخيه الاكبر ، حاج زياد ايضا . رحمهم الله جميعا).المهم عرفته بنفسي و حدثته بما جرى في السرية . فقال :عُد لنقل العساكر .كان الوقت حوالي المغرب . مشينا في اتجاه سوق الغرب. كانت القوافل تسير منسحبة نحو بحمدون ، و حلت العتمة فلم نعد نتبيّن عناصر سريتنا ، فكان جهاد ينادي سرية اولى ... سرية اولى...و كان بعضهم يحاول ان يخدعنا باعتباره من السرية طمعا في ركوب السيارة . لكننا وجدنا مسؤوليتنا عن ابناء سريتنا اكبر. الى ان التقينا بهم . فركبوا لكن السيارة لم تقلع. اضطررت الى تنزبل بعضهم حتى استطاعت السيارة الاقلاع ، وَعدْتُهم بالعودة لحملهم . لكن الظروف تغيرت و لم استطع العودة وهذا ما كان يشعرني بالذنب! و خشيت ان هؤلاء قد يكون جرى لهم مكروه. لكنهم وصلوا فيما بعد،و هذا ما جعلني اشكر الله( و هو أهل للشكر دوما) و شعرت بان حملا انزاح عن كاهلي.و الحدث الاخر الذي لم اورده في الحلقة السابقة ( امس) هو انني تركت السيارة ، و سرت مع العساكر و الضباط ، لكن الاضاءة الاصطناعية ( لطائرات اسرائيلية) اضطرتنا لنلتجئ الى بلكونة إحدى الدور ، هنا برز موقف م١ صايل افضل من موقف قائد السرية، اذ حمل بندقيته و نادى يالله تعال محمد ( و كانا ابناء دورة واحدة ، لكنه رسب و نجح زميله فاصبح تحت قيادته و هذه كانت مشكلة دائمة بينهما). مشى، و مشى وراءه العسكر ، و تاخرت لأتأكد من ان الجميع ذهبوا ، لكن الاضاءة اضطرتني للبقاء وحدي في البلكونة،و ذهبوا هم اذ قطعوا الطريق في اتجاه الوادي، بين بحمدون و دير الحرف و احراشه . فلم اتمكن من اللحاق بهم ، و سمعت هدير محرك ظننته دبابة اسرائيلية، فحاولت الاختفاء خلف شجرة ورد في البلكونة . وتنازعني خوف و قلق . ولم اعرف ماذا افعل ؟!.لكن استقر في نفسي ان ارميها بقنبلة يدوية كانت معي ، و اقاوم حتى الموت ، ففي ذلك قرار افضل من ان يقتلونني مجانا او ياسرونني.لكنه تبين انها كانت سيارة تسليح سورية مغلقة فركبتها ولم اعرف فيها احدا ، و لم يكن السائق يعرف الطريق مما زادنا قلقا . فسأل عمن يعرف ، لم افلح ايضا . و سار الرجل و نحن نشاهد من فرجات سيارات و عتاد مدمر.في مفرق قرنايل نزلت . انتظر سيارة تتجه نحو دير الحرف حتى جاءت سيارة عابرة ركبتها ،كانت الساعة حوالي الثانية عشرة ليلا. و دخلت على قائد الكتيبة ( المقدم حيان المعاذ) من حمص. و اخبرته بما حدث،يبدو انه لاحظ علي شيئا من الارتباك ، فقال: اذهب ونم لنرى صباحا. كنت مرتبكا فعلا لأنني لم أعرف مصير المنسحبين و قد وصلت قبلهم.!وفعلا ، في الصباح وصل المنسحبون . فتنفسنا الصعداء . ووصل بعدهم بفترة، الجنود الثمانية. فشعرت بالارتياح تماما.مع اقتراب زوال قرص الشمس كان القصف يتناول نقاطا عسكرية في قرطاضة و زندوقة وكانت النتائج: تدمير مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق فيه مدجنة ، و اصابة الجدار الغربي للبناية التي كان يسكنها جنود السرية الاولى وضباط الصف( و انا احدهم) و الضباط الثلاثة فيها ، في دير الحرف. و بالذات جدار الغرفة كان يسكنها ضباط الصف وكنا ستة( ر١ محمد قاسم، ر١ اسماعيل نوح ، ر. عبد السلام ابو علو . عريف جمال، عريف اديب صادق ر. جون الجمل ...). و البناية الجنوبية الشرقية ايضا، و دمرت البناية المخصصة للكازية في زندوقة................................صفحة من مذكراتي في لبنان مع شيء من تصرف.
ذكريات العسكرية في لبنان(23)الخميس 23 ايلول ( سبتمبر)19825 ذو الحجة 1402في هذا اليوم ، و في الساعة الحادية عشرة ظهرا ، أقسم السيد أمين الجميّل ، اليمين الدستوري ، كرئيس لجمهورية لبنان، بعد مقتل أخيه السيد بشير الجميّل في انفجار اشرنا اليه فيما سلف. اذكر الخبر ، ليس من باب اهتمامي باخبار سياسية .فلست مراسلا ، لكنني اذكره لأن هذا الأخ خلف أخاه المُغتال ، و لأنه استقطب الاتجاهات السياسية في لبنان كلها تقريبا .في حين ان الاول كان يمثل اتجاها واحدا ، و لان الامل ازدهر لوضع حد للواقع الاليم ، و الممزق الذي يعيشه لبنان . فلقد هدأت الاحوال . و بدأت انسحابات اسرائيلية من غرب بيروت ، و وصلت طلائع قوات دولية ، و تمركز بعضها في أماكن مخصصة لها. و لا يزال بعضها الآخر ينتظر الانسحاب الاسرائيلي المتوقع ان يتم مع نهاية هذا الاسبوع . لكنه لم يتحقق تماما . و تزعم اسرائيل، بانه سيتم في النصف الثاني من الاسبوع القادم ، بعد ان يتم التمشيط بحثا عن فلسطينيين ، يُحتمل أن يكونوا لا زالوا باقين في لبنان.رئيس الوزراء اللبناني السيد شفيق الوزان قدم استقالته ، لكنه لايزال يشغل مهامه ريثما يتم ايجاد بديل له. هذا الرجل الءي أحسن التعامل مع المرحلة فيما فهمت من تحركاته و موافقه و تصريحاته... تتوالى الاجتماعات بين الرئيس المنتخب خلفا لأخيه المغتال( و الاقرب الى تعيين لتجنيب البلاد انقساما كارثيا) و بين الزعامات السياسية في لبنان ، و تتوالى التهاني بتسلمه الرئاسة. و من بينها تهنئة الرئيس السوري حافظ الاسد و الرئيس الروسي بريجينيف. تقليديا هناك نوع من الانسجام بين سياسات البلدين في المنطقة و منها لبنان.توقفت مواجهة مباشرة بين الاطراف المتحاربة. تُسمع أحيانا ، زخات من طلقات رشاشات تبدو ذات طبيعة ترهيبية اكثر منها قتالية. و حصلت حوادث منها اطلاق نار على اسرائيليين من قبل مجهولين دمّروا آليتين ، و قتلوا اربعة وجرحوا اثنين ، بحسب وسائل الاعلام التي نعتمد عليها ، و هي مصادرنا في كل ما ندوّن من اخبار و معلومات ، وغالبا ما ندوّنها في لحظات إعلانها. او في اوقات قريبة من و قوعها ضمانا لتذكرها كما هي.!و انفجر لغم ارضي في سيارة تحمل أربعة من ضباط القوة الدولية( امريكيان و ايرلندي و فرنسي). تطايرت السيارة التي تقلّهم مزقا .و تمزقت أجسادهم اشلاء محترقة و متفحّمة.( أصبحنا نصف أحوالا فظيعة و كأنها مجرد خبر . يا ألله ، ما أفظع ما وصلنا إليه.!).على صعيد مذبحة بيروت الغربية تتنامى مظاهرات ،و ترتفع اصوات تدعو الى تحقيق واستنكار ، و هي تتعالى ، و تشتد في بلدان مختلفة. حتى في داخل اسرائيل ذاتها، يبدو ان شعورا انسانيا ما، تحرك لدى كثيرين. استغل سياسيون متخاصمون متنافسون، الحدث و ردود افعال لتوظيفها في مواقف في برامجهم . هكذا هم البشر . فعلا " مصائب قوم عند قوم فوائد".لم تختلف مواقف و ردود افعال في البلدان العربية عنها في البلدان الغربية .كما وردت في افتتاحيات الصحف ، ومقالات تربط بين الحادثة و بين حوادث سابقة ممتدة ، ديرياسين مثالا. الاذاعات و التلفزيونات تتحدث عن المأساة الفاجعة ، و عن شراسة الاسرائليين و همجية سلوكهم ، و تنطلق نداءات تطال الرئيس الامريكي ريغان للتدخل. الفلسطينيون ( ولبنانيون معهم) وحدهم سيقلقون ، في حين ان اخرين سيفرحون..! وحدهم سيكونون جاهزين لاحتمالات قادمة يتوقعونها، في حين سيكون آخرون في لحظات استرخاء يستمتعون ببهجة العيد . صحيح ان العيد افتقد كثيرا من معانيه في ظل الظروف الراهنة. المقيتة و الا وضاع الماساوية ، منذ مجازر بيروت و مآسي الجنوب المحتل ، و دماء الشهداء التي تفوح في كل مناطق لبنان، و في اضرحة المدن و القرى ، تطوف ارواحهم حول ذويها باجنحة خضراء. زادت الاحداث تعتيم النفوس ، و ادى لانصرافها الى ممارسات خاطئة، و فقدانها شفافيتها، وهذا خسارة لبهجة العيد. لكن تظل نفوس على فطرة فطرها الله عليها ، في بساطتها و رقتها و محبتها وو داعتها و بشاشتها ... فتحيلها نبعا خصيبا لطمأنينة النفوس. و تبقى لحظات اللقاء بالأهل و الأحباب ... فسحة او محطة لتحاوز آثار النكبات و المآسي.و ذات معنى خاص. أما نحن فبعيدون . نشعر بمرارة الحرمان من مباهج العيد .قد يعزّينا اننا نؤدي واجبا. و الواجب اكبر من الاستمتاع . لكنه يبقى عزاء جافا يغص الحلق به.!