اسمه – حسبما ذكره ابن خلكان وضبطه- هو يحيى بن حَبَش بن أَمِيرَك، وكنيته أبو الفتوح، ولقبه شهاب الدين، ولُقّب بالمقتول، وبالشهيد. وابن خلّكان هو خير من يعرف أسماء الكرد ويضبطها، فهو كردي، وموطنه قريب من موطن السهروردي، ولم يكتف ابن خلّكان بضبط كلمة (أَمِيرَكْ)، وإنما أوضح دلالتها عند الكرد، فهي تصغير لكلمة (أمير)، ذاكراً أن (الكاف) تلحق أواخر الأسماء للتصغير؛ وهذا أمر معروف في اللغة الكردية قديماً وحديثاً، مثل: مصطفى – مِصْطِكْ، خليل- خَلِّك، شيخ – شَيخكْ، وهكذا دواليك.
ولد سنة 1155 في سهرورد في أذربيجان ، في بلدته سهرورد تلقّى ثقافته الأولى الدينية والفلسفية والصوفية، ولم يكتف فقام برحلات علمية عديدة، وكان كلما حل ببلد يبحث عن العلماء والحكماء فيه فيأخذ عنهم ويصاحب الصوفية ويأخذ نفسه بما كانوا يمارسونه من مجاهدات ورياضات روحية.
غير أنه لم يكن بالطالب السهل، ولا بالطالب الذي يأخذ كل شيء، يقول السهروردي في كتابه “المطارحات”: “ها هو ذا قد بلغ سنّي تقريباً ثلاثين سنة وأكثر عمري في الأسفار والاستخبار والتفحص عن مطّلع على العلوم، ولم أجد من عنده خبر عن العلوم الشريفة، ولا من يؤمن بها”.
وقد سافر السهروردي، وهو صغير شرقاً إلى مَراغة وأصفهان وغرباً إلى بلاد الشام وتركيا، ومن أساتذته الأوائل في مراغة مجدالدين الجيلي أستاذ فخرالدين الرازي، وفي إصفهان التقى بتلامذة الفيلسوف الشهير ابن سينا.
يقول هنري كوربان في مقدمته لحكمة الإشراق: “الحكيم الكامل عند السهروردي هو الحكيم المتأله، ذلك الذي عاش التأليه الداخلي السري، الذي يقابل ليس فقط عين اليقين وإنما حق اليقين” ويقول في مكان آخر من المقدمة “تناقش الفلسفة المفاهيم، أما الحكمة الذوقية فتغور في أسرار المرور من المرئي إلى اللامرئي، وإذا ما هي غارت فيها فلأن الحكيم المتأله هو نفسه مكان هذا المرور”.
نعم لقد استطاع السهروردي شهاب الدين الجمع بين العلم والذوق بين العقل والقلب، فكأنما جمع افلاطون مع هرمس.
وللدخول لموضوع البحث حول قصة السهروردي مع صلاح الدين الأيوبي كان لا بدّ من هذه المقدمة وصلاح الدين الأيوبي فالاسم وحده أشهر من نار على علم
يقول المؤرخ الانكليزي مالكم كاميرون بأن “صلاح الدين هو بحق نابليون كردي وكان قائدا لا يقل عن نابليون في الجدارة والطموح لقيادة العالم الشرقي
هو صلاح الدين , يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان، كردي مسلم ولد في تكريت بالعراق سنة 1138م، وتعود جذوره إلى منطقة حرير شمال غرب أربيل، سافر مع والده وعمه إلى الموصل ليدخلوا في خدمة صاحبها عماد الدين زنكي، ثم أخيه نور الدين .
شارك مع عمه أسد الدين شيركوه الذي قاد جيش نور الدين زنكي في حملته إلى مصر لنجدة العاضد الفاطمي ضد خصومه، وهناك تولى الوزارة وقيادة الجيش ولقب بالملك الناصر، ثم أنهى حكم الفاطميين وأصبح صاحب السلطة في مصر واستقل بها. بعد وفاة نور الدين زنكي
وما جرى بين صلاح الدين والسهروردي نتيجة أحقاد فقهاء حلب على شهاب الدين فأقاموا له مكيدة فدعوا إلى مناظرة علنية في أحد جوامع حلب وسأله أحد فقهائها “هل يقدر الله أن يخلق نبيا آخر بعد محمد؟ فأجاب السهروردي: “الله لا حدّ لقدرته”.
كما يقول الأصفهاني في كتاب (البستان الجامع) فاجتهد الفقهاء أعداؤه وأولوا في إجابته أن السهروردي يجيز خلق نبي بعد محمد، فشكوا “كفره وخروجه عن الدين وطالبوا بقتله” إلى ابن صلاح الدين الأيوبي فردّهم فرفعوا الأمر إلى والده فأرسل لولده رسالة تشير عليه بقتل السهروردي، وهذا ما كان.
يقـول المؤرخ ابـن تغـري بردي: “فكتب أهل حلب إلى السلطان صلاح الدين: أدرك ولدك وإلاّ تتلف عقيدته. فكتب إليه أبوه صلاح الدين بإبعاده، فلم يبعده، فكتب بمناظرته.
فناظره العلماء، فظهر عليهم بعبارته، فقالوا إنك قلت في بعض تصانيفك إن الله قادر على أن يخلق نبيّا وهذا مستحيل. فقال: ما وجه استحالته؟ فإن الله القادر هو الذي لا يمتنع عليه شيء. فتعصبوا عليه فحبسه الظاهر، وجرت بسببه خطوب وشناعات”.
بسبب علمه وحجته البالغة التي غلبت كل فقهاء عصره قام هؤلاء فكتبوا محاضر بكفره وبعثوها إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي وخوفوه أن يفسد اعتقاد ولده فكتب إلى ولده يأمره بقتله حتما، وحينما قبض على السهروردي وأعلم بقرار قتله اختار لنفسه الموت جوعا في البريّة وقال البعض إنه مات سنة 1191 في قلعة حلب وهو ما يزال شاباً ابن ست وثلاثين سنة، لكن الكثيرين يحسبون أن علمه يبلغ أضعاف أضعاف عمره.
وعلى الرغم من تلك الخاتمة المفزعة بقيت كلمات السهروردي شهاب الدين وأفكاره تنير قلوب الملايين وتغنّى بأشعاره عشّاق الخمرة الإلهية طلّاب النقاء على مر العصور.