عفواً أيها الأعداء:
يحدث دائماً أنك تسيء فهم الكردي، ولأنك لا تتقن لغته فسرعان ما تحكم عليه حكماً قاسياً، وترميه بأقذع الصفات، وتصفه بالعدو اللدود، وقلة الأدب، وهو في الحقيقة ليس كذلك، فالكردي أيها العدو خجول بطبعه، حتى في السياسة، رغم وقاحة هذا الحقل، ولذلك، وعندما تجد كرديين يتبادلان الاتهامات والشتائم في حضرتك لا تزعل، أفهم القصة أولاً، فأغلب الظن أن الشتيمة أو الاتهام الذي قد يطالك من أحدهما، هو بالأساس موجه للكردي الآخر.
فإذا قال لك أنكساوي مثلاً :يا عدوي فهو يقصد صاحبه byd وإذا وجه لك هذا الأخير قذيفة اتهام من العيار الثقيل بأنك منبطح وانتهازي وعميل، فإنه يقصد أخاه الأنكساوي. فلا تتشنج ولا تغضب كما حدث لرئيس مخفر حينا أيام زمان،
القصة وما فيها يا حضرة العدو، عندما قادت الشرطة الفتى الأزعر فرني ووالده إلى المحفر لكثرة الصياح والشجار المتكرر بينهما في كل صباح ومساء. وكان آخرها عندما ذلك المساء وبعد أن انتصف الليل، عاد هذا الشقي إلى البيت وهو سكران. وعلى الفور اتجه إلى فراش والده وأطبق على خناقه، وهو يصيح آمراً: من ربك. من ربك؟
وبين بسملة الأب وحوقلته راح يردد برعب: ربي ربك. ربي ربك. غير أن رأتحة الخمر التي كانت تفوح من فم عزرائيله هذا، جعله يتساءل بحيرة: كيف يتناول عزرائيل الخمر وهو حرام على بني آدم؟! لا شك أن في الأمر خطأ ما وأن عزرائيل قد أخطأ في العنوان. وهنا تجرأ على فتح عينيه ليعترض على ملك الموت، وعندما وجد ابنه فوقه، وهو يصيح، جنّ جنونه وراح يطارده في حوش الدار وهو يوجه له أقذع الشتائم، ولم يتس أن يستغفر ربه لأنه جعله هذا الشقي يظن في عزرائيل السوء، وحين وصل الاثنان إلى الشارع، ولقد كان قريباً من مخفر الشرطة، أقتيد الاثنان إلى المخفر على الفور.
وتخيل حال الرجل أيها العدو وهو يقف مع ولده أمام حضرة رئيس المخفر الذي كان في ثياب النوم. التي أثارت دهشة العجوز وهو يشاهد وجه رئيس المخفر وقد اعتلى جسداً يرتدي جلابية لا بزته العسكرية ؟!
غير أن غضبه من مقصوف العمر فرني جعله يغض النظر عن ذلك.
كان رئيس المخفر محتداً جداً، كعادته في كل مساء خميس، حين يوقظه أحدهم لمتابعة مشكلة طارئة.
واحتدت المشكلة بين الاثنين وبدأ الرجل العجوز بالصياح وهو يقول لرئيس المخفر:
والله يا سيدي اليوم يا أنا أفعلها بأمك ويا هو يفعلها بأمك.
طبعاً هو لم يقل أفعلها بأمك حرفياً، هذه ترجمة من عندي، منعاً لخدش الحياء، للأمانة هو قال : يا سيدي يا أنا ينيبك أمك اليوم يا هو ينيك أمك.
والرجل يقصد: يا أنا اليوم أفعلها بأمه أو هو يفعلها بأمي.
وهنا جنّ جنون رئيس المخفر، ألا يكفي أنهم جعلوه يترك فراشه في هذا اليوم بالذات، وفي دين عز المعركة العاطفية بينه وبين زوجته، بل ها هم يصرحون بأنهم سيفعلوها بأمه. يعني خسارة على الجبهتين. فاشتاط غضباً وراح يوجه الصفعات للولد والابن. وأمر بحبسهما لقلة أدبهما، وأدب كل كردي.
فالله يخليك عدواً لنا. اعلم بأنك لست المقصود بالشتم حين يحدث شجاراً بين كرديين، وأعلم أن الإلتباس الحاصل دائماً، سببه اللغة ، طبعاً هنا يجب أن تعترف أن الحق عليك، فلو تركتنا نحكي بلغتنا، ونعبر بها، ونقرأ بها، لما كان هناك أية مشكلة معك، لا في اللغة المحكية ولا حتى الكتابية، والأهم في اللغة التي نزعم وإياك جهلاً، إنها لغة سياسية، أو دبلوماسة وفكرية !!
والآن، لقد بلغتك أيها العدو بالحقيقة، وذلك بعد أن عجزت عن إقناع الشقيقين بالكفّ عن تبادل الشتائم بلغة لا يتقنوها.
فاستر علينا الله لا يخليك لنا. حتى نشوف تصريفة مع هذه المشكلة المستفحلة.