قبل الحديث عن سيكولوجية الفردية، ربما الافضل أن نذكّر بأمر هو: ليس كل ما نقرؤه و نسمعه و نشاهده... نفهمه بدقة .
فكثير منه غير مفهوم تماما بالنسبة الينا، و بالقدر الفترض، لأسباب مختلفة ، منها ما يتعلق بدرجة فهمنا (الاستعداد للفهم). و من المنطقي ان نهتم بما له صلة بنا ( العامل الذاتي). و ما يدخل ضمن مساحة إمكانياتنا و قدراتنا ، و... ويمكننا التاثير استنادا اليه. فنحن لا نملك التأثير على ما هو خارج امكانياتنا و قدراتنا .
و المقصود ،هنا ، تفعيل كل ما يخصنا من قوى ، و انضاجها، و تنسيقها في منظومة ثقافية تسهم في تشكيل رؤية عامة وواضحة لدينا - الشخصية-تجاه الحياة و ما فيها.
اي نُفعّل عوامل ذاتية فينا ، ننطلق منها ، كاساس و ادوات لتفاعل منتج مع عوامل موضوعية ، و التاثير عليها ، و كمثال:
اذا كانت مكتسباتنا من المعارف و العلوم و التجارب و خبرات ... الخ ، اذا كانت هذه المكتسبات ، مكينة ،فأننا نستطيع التأثير على آخرين و إقناعهم باطروحاتنا غالبا،
ومن الذي يقتنع عندما تكون أطروحاتنا منضبطة بقواعد منطقية ، و تتضمن حقائق؟
طبعا ، العالِم ( المثقف) الذي يتعاطى بأسلوب منطقي مع المعطيات ، و يتقبل حقائق تفرض عليه القبول منطقيا.
اما الجاهل فيمكن الاشارة هنا إلى نوعين :
* نوع جاهل. لكنه تلقّى تربية ايجابية ، فهو يعرف ما هو فيه من حالة جهل ، و يدرك قيمة من يوصف بالعالم ، و يَستمع اليه ، و يتقبل ما يتلقى منه، باعتباره مصدر علم و معرفة ، و ربما خبرة ايضا ، اكتسبها من تجاربه...
* نوع يفتقدُ تربيةً تَضبطُ علاقاتِه ، و ينحرف نحو غرور ،لاسيما اذا كانت لديه نُتَفٌ مما يظنّه معرفةُ او علما .
و من عوامل تزيد جهالة ، (او ربما حالة معرفية ( سويّة) لا ترتقي إلى مستوى ان تكون مادة كافية لاعتبار صاحبها ،عالِما ( مثقفا)،
من عوامل زيادة الجهالة ، سريان روح فردية ، او فردانية في تكوين الشخصية و عناصر ثقافتها.
الفردية تعني سريعا، الشعور بالانا ، و تضخّمها ،
هي - في الظروف الطبيعية ، حالة طبيعية تمثل الانا- اي الخصوصية. لكنها قد تتضخم نتيجة ظروف تربوية ، و احوال ثقافية معينة ..نأخذ مثالا:
اوروبا و الغرب عموما ، تتبنى نظام الفرد كخلية اساسية في المجتمع. لكن التربية ، و نظام التعليم ، و قواعد ناظمة للعلاقات ( قوانين) جميعا تضع حدا للفردية في سياق نظام قانوني يحكم الجميع ، فضلا عن التربية و التعليم .
الكورد، لا يوجد لديهم هذا النموذج من النظام الحياتي باوجهه المختلفة.
ماذا فيه إذن ؟
تركيبة اجتماعية أساسها قبلي، تسود فيها عادات و تقاليد و اعراف و قوى متنفذة دون ضوابط حاسمة ( الاغا، رمز قوى متحمة في المجتمع بمقتض الشعور بالتميز و الفوقية...) ، و ثقافة ( معارف و علوم ...) ناقصة ، متأثرة بثقافة دينية اسلامية غالبا.
عاشت هذه التركيبة الاجتماعية ( المجتع) عقودا طويلة ،بل و قرونا ، لا تملك ادارة نفسها على مستوى سياسي ، و لا تتوفر لها حالة ثقافية تفاعلية ناضجة نتيجة لذلك.
كل ما فيها (حالة نصف) ان صح التعبير .
- الشخصية لم تمتلك خصائص قبلية بمستوى ( ذوبان الفرد في الجماعة) و هذا موجود في مجتمعات و يؤثر على مستوى سياسي ايضا.باعتبارها حالة خام ، يسهل استثمارها ، و تغييرها و تطويرها ايضا ، اذا توفر من يحسن قيادتها.( العرب نموذجا كحالة قبلية ،قبل ان تتعرض لطوارى ثقافية و اجراءات تعسفية من قبل الاستعمار و انظمة ذيلية لها).
- و لم تمتلك خصائص فردية ناضجة كخلاصة تربية و تعليم و قوانين ...كما لدى الغربيين.
هي فردية طاغية ، غير قانونية ، متروكة لذاتها و ما اكتسبته في مسار نموها . و تفتقر إلى وعي نابع من الخصوصية الشخصية و استقلاليتها من جهة ، و علاقة واعية ذات نبض اجتماعي من جهة أخرى، بحيث تتكامل القوى الفردية و القوى الاجتماعية في منظومة متجانسة و متكاملة توفر انا تتفاعل بوعي ، و تستوعب المصلحة المشتركة ، و شعورا جادا بالمسؤ لية عنها .
مما يجعل الاتفاق ليس سهلا بينهم حول رؤية واقعية و مشتركة تحفّز الى انجاز مشترك يفيد.
و قد زَرعت قِوى مُنتفعة( خارجية و داخلية متوافقة معها ) ، هذا النزوع ، او تعهدته بالنمو و الاستمرار .و لا تزال كذلك،طبعا. فاكتسب الكوردي - او على الاقل كورد- سيكولوجية ، بعضها لاشعوري، تغذي انانية و نزوعا فرديا ،تستعصي على الانضباط الاجتماعي( و الجماعي) المنظم، و تتجلى أكثر على المستوى السياسي.
ملاحظة:
هذه ظاهرة اجتماعية قد توجد لدى اي جماعة كاحتمال.
لكننا بصدد الكورد الآن.
فهي( النزوع نحو الفردية) لديهم - وبحسب رأيي- من أهم أسباب ما هم علبه من تشتت.!