3 قراءة دقيقة
رحلة الى كوردستان

رحلة الى كوردستان 1

اعتدت منذ بدايات حياتي أن احاول سرد احداث و مجريات في حياتي، و وجه تفاعلي اجتماعي و زمني لها... و ذلك ، استجابة لنزوع زرعتها عملية تفاعلية قام بها سابقون ، و توفرت لي فرصة اطلاع عليها، و قراءة ما فيها ،  لاسيما مذكرات و عرض تاريخي لها في صورة ما . كنت مترددا في أسلوب لغوي أتبعه ، و صياغة التعبير عموما. فنحن نعلم ان سجالا بشان ذلك جرى بين ادباء اللغة العربية في مرحلة وصفت بمرحلة النهضة.  فكان مصطفى صادق.الرافعي و مدرسته يميلون الى نهج تقليدي (أدبي كلاسيكي) يمثله كتابه " أوراق الورد ،رسائلها و رسائله" ، لكن د. طه حسين الذي درس في باريس ، له رأي اسماه -او وُصف-بالأسلوب العصري الذي يتحرر من الكلفة و القيود اللغوية الكلاسيكية .و أخيرا ، غلبت هذه المدرسة.! رايت في اتجاه اكثر ميلا الى سرد عفوي ، تغذيه لغة الكاتب و طبيعتها،  بما تزرع فيه ( او تطعمها) بنكهة جمالية لا تكلّف فيها؛ بقدر ما هي تدفّق عفوي فيما توفره القريحة و عفويتها ،و تضفي على الكتابة ملامحَ و روحا جاذبة؛ تُمليها جماليّات نَبعَت من معرفة وخبرة و خصوصيات في تكوين ثقافة الكاتب -و منه الادبي-." نَيْس " و أظنّها كلمة تركية متداولة،  تعني منعطفا جديدا،و البدء بمرحلة جديدة من الحديث .!و هذا ما سافعله..فاض الشوق بنا جميعا ، و لم يعد اولادي يتحمّلون غيابا (فرقة) بين والد و بنيه- أو بعضهم- اكثر من ثمانية اعوام ، سببه نظام  يصطنعه سياسيون - موقع السلطة- سواء اكانوا في موقع سلطة داخلية تحكم  شعبا معينا( حالة الكورد نموذجا). او سلطة قوى عالمية جوهرها ادارة مصالح، و تتكثف ذروتها في الاقتصاد.هنا لا بد أن يحدث ذلك انقطاعا بين هذ ه السلطات  و بين قيم  الاخلاق ( اي الخاصةالانسانية الذاتية ، و اعني بها تلك التي للتربية الواعية بصمة فيها). المؤسف ، ان الثقاف ة الغربية لم تفلح في  البحث عن صيغة للتوفيق بينها ، فضحّت بالأخلاق (الخاصة الانسانية الذاتية و المنضبطة) في سبيل مصالح اقتصادية (مادية). و غذّتها نتائج علمية تجريبية جزئية ، عمّمتها بنوع من استقراء تعميمي، او تعويمي ،اذا صح التعبير - على الرغم من توصيفه "استقراء ناقص" و بالتالي لا يُصنف -حرفيا- كاستقراء علمي دقيق.!يبدو ان هناك أساسا سيكولوجيا لمثل هذا المنحى( التوجه) في سلوك ثقافة بشرية (تبقى ثقافة غربية بمكتسباتها في مجال علوم ( او العلوم) في موقع تاثير اعمق باستمرار) . فهي تطورت ، و اكتسبت ادوات فاعلة ، لا تستطيع عناصر كلاسيكية و عوامل ذاتية محور فيها ،أن تنافسها - في الوقت الراهن على الاقل-.! نقول " في الوقت الراهن" لأن احتمال تغيرات تبقى دائما- مادامت الخاصة الانسانية الذاتية متفاعلة مع كل ما يجري، و باستمرار -.فالموازين قد تتغير في صورة او اخرى، و دعونا لا نجزم ما سيكون فيما يخصها ، بتأثير دوافع ذات طبيعة سياسية ،  حتى لو كان التنبؤ أحد خصائص قوة عقلية في البشر ، لكنها تبقى  حالة احتمالية في العموم ،  ولا يمكن الجزم  و الحسم فيها بسهولة. و قد فعل منهج ماركسي - و غيره- ذلك فكان الجزم و الحسم مشكلة، و  انعكست على الواقع البشري  نتائج كارثية( من حسن الحظ ان التصوير الحي وثق كثيرا منها)  و هذا  فوّت الفرصة على أسرى لأخيلةممزوجة بنزوع مصلحي؛  لإنكار الحقائق، بشأنها ،و  استمروا في مسار لا يخلو من ضلال او تضليل او كليهما معا ، و هنا الغرابة في تركيبة حالة ثقافية بشرية .! هذه مقدمة...و قد أستمرُّ في رفدها بأفكار تُمهّد للحديث عن قصة  انتقالي يوم امس( الاربعاء الموافق ل 26 ايار (مايو ) 2021 )  الى اقليم كوردستان . وسأعرض- إنشاء الله- مشاهداتي خلال هذه الرحلة ، و ما  أفرزته من تفاعلات و انفعالات و انطباعات و ...!* من كوردستان( أربيل) أحييكم.!



 رحلة إلى كوردستان2


( مشاهدات اثناء العبور و الانتقال الى الوجهة"هولير").في عملية نقدية -لاي قضية كانت-  يتجه الاداء نحو المحتوى ، فيسلط الضوء على ما هو ايجابي لتقديره ، و على ما هو سلبي لمعالجته.ما غلب في مناهج نقدية في ثقافتنا - ولاسباب مختلفة- ان النقد يتجاهل جوانب ايجابية ، و يركز على جوانب سلبية ، ربما للاختصار، باعتبار الايجابي محل رضا، ولا حاجة للحديث عنه، او ربما لان علاقات اجتماعية (حزبية تنافسية خاصة) ، و حتى متصارعة ( و انعكساتها السياسية) قد أفرزت نمطا من تعامل ينزع نحو تسليط الضوء على السلبيات ، للتهوين من شأن الخصم او المختلف ...الخ. و عدم الاكتراث بالايجابيات( عملية نقدية غير متوازنة).و ان اتقان مهارة النقد وفقا لشروط علمية /موضوعية ، لهو حاجة ثقافية عامة و كوردية خاصة. فالغاية من النقد في مساره الطبيعي ، هي معالجة ما هو سلبي بشكل عام. و يعم مردوده على الجميع ( هنا احيانا تلعب ثقافة سكونية(ذهنية و سيكولوجية) دورا سلبيا. فالمسؤول-اي مسؤول- يظن انه سيبقى مسؤولا دائما و يتصرف وفقا لذلك (سيكولوجية آغا ...) فتتراكم لديه حالة نفسية لا تخلو من تعال، و في غلظة احيانا).سابقا ، كانت السيارات تنقل المسافرين و مرافقيهم و اغراضهم  الى ساحة مكتب المعاملات ،في سيمالكا.  و كان هذا يوفر مشقة عليهم و ارتباكا في سير متابعة اجرءات  الانتقال الى الطرف الثاني من الحدود ،بعد انتظار ( يطول او يقصر  بحسب العدد و الاجراءات و طبيعة سلوك المسافرين انفسهم...).في هذا المشوار لاحظت ما جعلني اتساءل عن جدواه.تقف السيارات- و المسافرون فيها- امام حاجز قبل الوادي ،في انتظار الساعة الثامنة ، ثم تنزل و تقف طوابير في الأسفل ، لينزل بعض المسافرين و يقطع مسافة لتسجيل الدور . بدا لي ان الجميع تقريبا ينزلون و يقطعون المسافة مشيا .و هنا تساءلت:ماذا بشأن الذين يعانون مشكلات صحية ( مرضية) او نتيجة تقدم بالعمر او امهات يحملن اطفالا رضع على اكتافهن او...ثم ما هي آلية نقل الامتعة ،لاسيما اذا كان المسافرون لايستطيع التعامل معه بسلاسة  لاي سبب ، مما يضطره دوما ان يصطحب مرافقين  يعينوهم ( هذا ما حدث معي مثلا).كنت عاجزا لعرَضٍ صحّي ، و كان أخي عاجزا لحالة خاصة منها العمر، و لم تكن ابنتي وابنة اخي قادرتان على تعاط واقعي مع الحالة. اضطررنا لاصطحاب صهري و ابن اختي، و لولاهم لكنا في حالة صعوبة بالغة في التعامل مع العملية برمتها .جلسنا على مقاعد حديدية ( لا باس قد تكون لاعتمادها اسباب لا نعلم عنها) لكن هل جرب هؤلاء الذين اتخذوا القرار بصنعها ان يجلسوا لساعات طويلة عليها ليعرفوا مدى دورها السلبي على صحة الناس ، لاسيما الشيوخ من الجنسين  و المرضى ، و حالات الامومة و الرضاعة والاطفال...؟في سفرتنا هذه بقينا جالسين على هذه المقاعد في انتظار اسمائنا و اجراءات  نقل الامتعة الى ما بعد غرفة التفتيش مدة ارهقتنا حقا ، اعاني( كنموذج) من مشكلات في الظهر و آلام ، فضلا عن انتظار النقل الى الطرف الاخر مدة طويلة فكان مجمل الانتظار  أكثر من ثمانية ساعات منذ الثمانية صباحا حتى الرابعة او يزيد.هنا لا الومهم فيما يتصل باجراءاتهم فقد يكون هناك ما لا نعرف عنها ، لكني الوم ( كمسافر يمثل حالة المسافرين عموما) واقع مقاعد  قاسية جدا على الجلوس بالنسبة للجميع ،و خاصة فئات ذكرتها( شيوخ و مرضى واطفال و ...).ان تطعيم المقاعد بالخشب مثلا في صورة ما يوفر راحة نسبية او اي معالجة اخرى ... و من المقترحات : زرع مساحة معينة بالاعشاب يمكن لمن لا يستطيع الجلوس على المقاعد ان يجلس على الارض فيها مراعاة لاحواله الصحية،فضلا عن التحرر من مضاعفات محتملة. و قد يخفف معاناة، و حتى ضغط الحركة او المراجعة.  في قسم العلاقات ، لاحظت اناقة و فخامة نسبية، و هذا حسن، فلماذا لا يكون شيء منها في اماكن الانتظار ايضا  يريح المنتظرين ، و يعلمهم  التعامل الراقي مع  ظروف الانتظار؟!وفي عملية نقل الامتعةالتي تشكل مشكلة ، الا يمكن التفكير. بتركيب  قشاط متحرك كهربائيا ينقلها من جهة لاخرى ، راحة لاصحابها و للمفتشين ايضا و تسريعا لانجاز المهمة؟يغيب عن بال كثيرين - بغض النظر عن الاسباب شخصية تربوية او ثقافية فردية او اجتماعية ...الخ- ان واقعا منظورا و طبيعة اداء الخدمات فيه، يعطي صورة البلد و شعبه للآخرين ، و  يسهم في تأسيس سمعة ( حسنة او سيئة) لها انعكاساتها على نظرة الآخرين الينا ، و بالتالي ، اختيار منهج التعامل معنا على كل صعيد...!لاحظت -احيانا- نخوة بعضهم في التعاون مع عاجزين ( و معي) و هذا يسجّل كحالة اخلاقية لا تزال عامرة في ابناء شعبنا، لكنه تعاون له صلة باستعدادات تربوية قد لا تكون عامة ، و لا كافية. فالقشاط المتحرك يسهّل الأمر على الجميع.!" أحييكم من كوردستان - هولير"



 رحلة إلى كوردستان 3


ركبنا الباص لنذهب الى الجهة الاخرى كان احدهم يقرأ الأسماء لركوب الباص،عبر ميكرفون ،شعرت بصوته كان له صدى، لذا فان من يعاني مشكلة صحية في السمع قد لا يكون مؤهلا لسماع اسمه ( قد يتجاوز المرء ،المشكلة في صورة ما ، لكنها تبقى ملاحظة).يبدو ان احدى النساء ( و ذات عمر ) قد حصل معها شيء من هذا فلم تلتحق بالباص ،الا بعد ان لاحظ من بيده لائحة باسماء الركاب يتفقدهم، غيابها. و نادى باسمها ،فجاءت و استكملت عدد الركاب.تحرك الباص في اتجاه الضفة الاخرى لنهر دجلة ، على جسر مؤقت لا ادري لماذا لا يصبح ثابتا و و بهيكليةافضل.!أعلم ان اعتبارات سياسية دولية ربما - لا اقليمية فقط- تلعب دورها. يقول شاعر: وحذار اشراك السياسة انها= بنت أبوها الزّئبق الفرّارُ.لكننا ايضا نعبّر عما يخالجنا كمسافرين - بل و كورد -  ابناء بَلَدٍ ناله تمزيق جائر يجعلهم يخضعون لاعتبارات جائرة في وطنهم (كوردستان) و اجزائه المتناثرة ،بل الممزقة بقرارات جائرة منذ قرن ،تحت وطأة سايكس بيكو. و اللذين وصفهما الناىب البريطاني جورج غلوي في حلقات " كلمة حرة" على قناة الميادين بانهما كانا سكرانين عندما وقعا هذهةالاتفاقية الظالمة ،او عبارة شبيهة. من السذاجة - على الاقل في نظر  ثقافة سياسية سائدة-ان تُطرح افكار ذات طبيعة انسانية و اخلاقية في سياقات سياسة دولية ، تتحكم فيها قوى همّها مصالح خاصة بشكل عام.لكن تفاعلات النفس البشرية تفرض ذاتها حتى ان كانت في صور اشعار و خواطر ...و انين و شكوى...!مرة أخرى نقول" نَيْسَ" لننعطف بالحديث فنقول:اجتاز الباص الجسر المؤقت،و بعد سير مسافة لا اظنها طويلة  وقف امام كشك خرج احدهم منه، و صعد الباص و تناول لائحة اسماء الركاب ( المسافرين) و تفقدها، و استوثق من صحتها - كما بدا لي- ثم نزل ،وتابع الباص مسيره حتى مركز فحص الكورونا،حيث نزلنا ، و اتبعنا اجراءات - بدت روتينية- اذ دفع كل فرد مبلغ 40000  اربعين الف دينار عراقي ، في احد النوافذ للانتقال الى نوافذ اخرى ، لاجراءات ،لم نجد عنتا فيها، و في احداها تم تصوير كل فرد بسهولة ، كما دفع كل فرد مبلغ 5000 دينار عراقي ...ثم  دخلنا قاعة كبيرة نسبيا،لها مدخلان:  دخول و خروج .و كانت مكيّفة، وفيها كراسي من معدن ايضا، لكن ذات هيكلية فردية خاصة( و ليتها ايضا كانت مغطاة بمادة طرية).فعلى الرغم من اننا لم نبق طويلا( حوالي نصف الساعة) لكن يبقى الجلوس له دوره في راحة مسافرين  يتدفقون يوميا، و بينهم شيوخ و مرضى و امهات و اطفال رضع او صغار ...الخ. و الاهم دوما نزوع نحو احترام الانسان- بغض النظر عن اي اعتبار آخر.!-تولت ابنتي Ronza متابعة الاوراق، فيما جلست و اخي ننتظر انتهاء الاجراءات. و في الاثناء لاحظت صورا معلقة لكل من الرئيس مسعود بارزاني ، و الزعيم الكوردي الرمز ملا مصفى بارزاني ، و شعرت برغبة في تحيتهما ، لكنني تذكرت الذين لا يفتأون يفعلون ذلك في سلوك لا يخلو من تملق منفّر ،فاستنكفت عن التعبير عن شعوري هذا.! و كانت  لوحات معلقة تمثّل صوَر بيشمركة في أسلوب رمزي ، و دون كثافة،  توحي باسلوب شعاراتي بات مملا.! و عبر باب الخروج انتقلنا الى ساحة و اسعة ذات ارضية من الحصى( النحاتة)  تقف فيها مجموعة سيارات ، لنتجه نحو بناء يحوي اغراضنا (امتعتنا) و كانت نقلتها سيارات خاصة من سيمالكا الضفة (الكوردستانيةالسورية) و هذا اجراء يريح المسافر .تناولها ابن اخي احمد الذي كان في استقبالنا آتيا من هولير منذ الصباح و انتظرنا طويلا باركه الله.و شعرنا باننا انتهينا من الاجراءات و المراسيم و حصلنا على اوراق تعرّف بنا، و تمثّل جواز سفرنا و تجوالنا حتى هولير.!و انطلقت السيارة يقودها زميل لاحمد و اسمه ايضا أحمد. تنفسنا الصعداء ، يتسلل شعور بفرح الى قلبي ،فسألتقي ابناء لم نلتق منذ سنوات تتراوح بين اربع و ثمانية سنين.طبعا كانت هناك  وسائل ،لكنني أملت ان ادخل في سياق منظم قانوني و متحرر من تدخلات حزبية وسياسية في مثل هذه الاجراءات ، فليس كل التاس - بالضرورة حزبيين-للاسف لم يحصل ذلك حتى اللحظة.! الشعوب الواعية تتجه نحو تثبيت دور القوانين ، لا البقاء مرتهنة لاحزاب و سياسيين و امزجتهم و مصالحهم. و نأمل ممن يتولون ادارة السياسة في الشعب الكوردي ،ايا كانوا و اين كانوا و في اي زمان كانوا أن يتبنوا اتجاها يحقق هذا .!فدون تحول الى مرحلة سيادة القانون وستظل عوامل ذاتية ذات تأثير سلبي في الحياة عموما.!



 رحلة إلى كوردستان( التحرك نحو هولير) 4



كان ابن اخي احمد قد جاء لاستقبالنا( والده و اخته و ابنتي و انا) بسيارتهمنذ الصباح، برفقة صديق له، منتظرا وقتا طويلا - كما ذكرنا سابقا-. و عندما التقينا ( و كنا لم نلتق منذ سنوات ) تعانقنا و اتجهنا لتحميل امتعنا ،ثم اتجهنا نحو هولير . طبعا تنفسنا الصعداء، لأننا انتهينا من ظروف الانتظار المرهق بدنيا و نفسيا ، و انتقلنا الى الشعور بالحركة نحو المقصود( هذا الشعور له نكهة لا يحسها الا من عاشها) .كانت الشمس لا تزال تضيء الطبيعة ، و تعين اعيننا على التمتع بما تراه من طبيعة  ذات تضاريس موحية بالحركة و الجمال معا في كوردستان. زاد ذلك، شعورُنا بنهضة عمرانية تنبئ عن افق حيوي و حضاري نأمله مبدعا،  كانت في بعضها، تفتقر الى افق فني افضل. هنا ، لا نلوم الكورد.فنحن جميعا نعرف ظروفا قاسية مروا بها. لكن نتمنى عليهم ان يتفاعلوا مع التطورات  بوعي عميق و احساس اعمق.في العام ١٩٧٢ زرت كوردستان لحضور" المؤتمر الحزبي الاول" في قرية داودية . قطعنا المشوار من قرية موزلان، مشيا ؛ ثمانية ساعات مساء ، الى ان توفرت لنا سيارات جيب و بيكآب و في ظروف قلقة و طرقات تشق من جديد دون اسفلت... لتقلّنا الى قرية" هرمشت" ، مركز المرحوم "عيسى سوار".  التقيته اول مرة قائد ذا صيت  مترافق مع اعتبارات مختلفة - احيانا ذات طبيعة خاصة- . كان يوصف بالشجاعة و الصرامة،  و يصفه بعضهم بمرتبة اشد.!ما لا انسى- مادمت حيا- قوله -ردا على من قال: هناك كورد قذرون اجتازوا الحدود ، و يطلب السكرتير ان لا تدعهم يمروا الى حيث المؤتمر، فقال منفعلا : Kurd qirêj niye....Kurd qirêj niyeلا يوجد كورد قذرون ....لا يوجد كورد قذرون.( للحدث قصة ذات صلة بالمؤتمر الوطني الاول في ناوبردان" بارزان" عام ١٩٧٠).  اشرف عليه المرحوم ملا مصطفى بارزاني - الاب الروحي للحركة النضالية الكوردية المعاصرة- بنفسه ، و  كانت مهمته الجمع بين جناحي الحزب " اليمين" بزعامة عبد الحميد درويش و " اليسار" الذي لعب صلاح الدين بدر الدين دورا في ازاحة "آبو اوسمان صبري" ليتولى هو  المسؤولية عنه . و اظنه استطاع ان يتفوق على ملا محمد نيو في الاسلوب السياسي . و ينفرد بالحزب . لم توفق "القيادة المرحلية " التي انبثقت عن هذا المؤتمر - دون الدخول في التفاصيل- الى انجاز المهمة الا بقدر محدود ، فقد كانت الروح الحزبية طاغية(و لا تزال) ، و ربما اعتبارات اخرى قد يفصح التاريخ عنها.جميعها ،ساهمتفي أن  كلاّ من اليمين و اليسار يتشبث بمواقعه الحزبية في حركة لافتة. فتطور الصراع بينهما الى حالة  اتفاق لاتخاذ  الموقف السلبي و العدائي من القيادة المرحلية. فانتهت النتائج الى بروز حزب تحت اسم "الحزب الديموقراطي الكوردي في سوريا ( البارتي)" محتفظا بهذا الاسم، باعتباره مخاض قرارات المؤتمر الوطني.!لم اقصد ان اتحدث عن الاحزاب، لكن السياق احيانا يجرنا الى مالم يكن في حساباتنا.كنت اود التحدث عن كوردستانٍ انهكتها حروب حكومات عراقية متتابعة ، مخلفةً آثار دمار حيثما توجهت و نظرت ...!و يعاني الكورد من كل انواع الصعوبات منذ القتل و التهجير  وتدمير العمار ، و انتشار الفقر ...الخ.   قيل ان القصف طال الحجر و الحيوان و الشجر ، و منه اجراءات غاية في العدوانية و اللاإنسانية كصب تدفق الماء من الينابيع او ما شابه، فضلا عن المقابر الجماعية التي ضمت أطفالا ونساء و شيوخا مدنيين عزل...!. أما  الآن ، فالأمور تختلف .كانت السيارة تسير على الطريق في انسيابية و سرعة ، و نحن نشاهد مظاهر التطور العمراني واضحة و ملفتة. و نامل انها ستزداد ، و تتكئ على روح ثقافية أكثر تطورا بكل المعاني. انحرفنا نحو قرية "مسيريك"ضاحية في دهوك. و يبدو انها حديثة،  فالخدمات البلدية تنقصها بشدة لاسيما ما يتصل برصف الاسفلت، اما الماء و الكهرباء فقد كانا متوفرين و بقوة، فقدلاحظت ظاهرة شائعة فيها و في كوردستان عموما ، و هي: الاستخدام المفرط في الكهرباء . المصابيح اكثر من الحاجة الى النور ،  وتبقى مضاءة  و بكثرة دون حاجة اليها لاسباب قد تكون مختلفة لكن تجمعها فكرة " دفعنا الثمن فلا بأس ان تبقى كذلك" و قد نبّهت بعضهم إلى ان المعيار الافضل هو في التنظيم و الانضباط .  فكل هدر في الطاقة قد يؤثر على احدهم في مكان آخر. فضلا عن أن الاضاءة المبالغ فيها،  لها آثارها السلبية في صور مختلفة يمكن لمتخصصين شرحها ،لاسيما الجانب العلمي فيها.كانت فرحتي كبيرة بلقاء ابنتي التي زفت منذ حوالي خمسة اشهر الى شاب مهندس لم اره سوى في الواتساب. وكانت الفرحة متبادلة طبعا ، تناولنا الغداء ، ثم استانفنا الرحلة نحو هولير ، و كان الليل قد خيّم و تلألأت أنوار الكهرباء .فقد انطلقنافي الثامنة و ما بعد.و ظل قرص القمر ينير لنا ،و هو يطل من عل و يرافقنا ال ى ان بلغنا هولير.كان يوحي الي بشعور رومانسي خاص على الرغم مما كنت فيه من معاناة و ارهاق.! لفت انتباهي ان الاسايش لم توقِفْنا خلال الرحلة سوى في موقع واحد طلبت فيه  الوثائق دون تشدد . فشعرت بارتياح جميل . فمادام الامر كذلك ، فهذا يعني شيوع الامان ( و الثقة) و هذا اهم عامل في حياة مستقرة ، و شعور المسافرين بالاطمئنان و الكرامة. و إن قضية الكرامة في شعوب متخلفة قضية تبقى حساسة و غير مفهومة- كمعنى مؤطَّر و مُجسّد. و هي في جوهرها: شعور حقيقي بالحرية ، و تحرر من رواسب الخوف و القلق التي تثيرها انظمة و سلطات حاكمة في بلدان كثيرة في الشرق الاوسط.  تذكرت عبارة بات بعضهم يستخدمها و هي " الشرق الأوسخ".لا انكر أنني استخدمتها يوما تحت تاثير ايحاء من احد الكتاب " د.عبد الرزاق عيد". لكنني اكتشفت ان التسرع في توصيف سلبي مجاني... هو احدى مشكلات ثقافية ذات طبيعة متاثرة بالتقليد و الايحاء ، و تغلب السيكولوجيا الذاتية فيها.نَيْسَ ، لقد ظللت طوال الرحلة من مسيريك الى هولير  بين ميل الى نوم نتيجة الارهاق ، و رغبة في صحوة لمشاهدة معالم الطريق و ما حولها ، و شيءٍ من معاناة الطريق الطويل ...لكن قرص القمر الذي رافقنا طوال الطريق الى هولير ،كان يشد نظري اليه و يوحي بتداعيات و تاملات  ذات طبيعة شاعرية تعينني على نجوى  يبقي جذوة الصحوة متقدة ...و ينبض احساسي  برومانسية من نوع ما .على الرغم من معاناة لا تزال آثارها تتفاعل.! اخيرا توقفت السيارة في هولير.  نزلت منها لاريح جسدي. فهمت من احمد ان هنا موعد اللقاء مع أبنائي  والدتهن التي كانت رافقت ابنتها ، ثم احتاجت مراجعات صحّية و عملية في الركبة تتعافى منها و الحمد لله. اشكر اولادي و كل الكوادر الطبية التي تولت الاهتمام بالعملية و منهم من كان متطوعا او مسهلا او ... و كان الجميع جادين و يقظين فيما فعلوا كما اخبرت به لحظة بلحظة كنت اتابع فيها ما يجري،بذرة الخير في ثقافة ابناء شعبنا ذات استعداد لنموّ يتجلى في ممارسات طيبة، لكن افرازات ممارسات سياسة حزبية و تسرّبات اليها، آتية  من قوى غريبة،  تشوّش على بيئة نمو هذه البذرة الصالحة.لاحظت ان سيارة وقفت بالقرب. و اذ بولدي "ريفان" الذي لم التقه منذ اتجه الى كوردستان للدراسة فيها في العام ٢٠١٣ و كان الآخر "ريزان" الذي غاب عن عيني منذ حوالي سنوات بعد زيارة لم تخلُ من منغّصات من بعضهم ، و "زانيار"  العنقود الاخير.  و معهم والدتهم" هيفي" التي كانت قد جاءت الى كوردستان منذ حوالي خمسة اشهر... و تقدم الجميع بورد الي( هي سابقة في حياتي) اشكرهم عليها.التقينا،  و تعانقنا،  وتبادلنا قبلات و ذرفنا  دمو عا و تصاعدت اهات من اعماق نفوس اضناها الشوق.! امتزجت جميعا في حالة انبتت فرحا في الاعماق، توّجت الرحلة، و جعلتنا ننسى و نتناسى الارهاق.!في الحياة جوانب جميلة مشرقة و سارة، لكن بشرا يشوّشون عليها، و يعكّرونها. .. تذكرت قول راهب في لبنان " دير الحرف" اسمه الياس كان من قامشلي،  التقينا عندما كنت اخدم في الجيش اثناء الاجتياح الاسرائيلي. زرته مع اصدقاء. و تناول الحديث جمال طبيعة لبنان و الحروب الكارثية التي تسيء اليها .فقال منكّتا: خلق الله لبنان ،ولاحظ جماله، فراجع نفسه لئلا تبقى طبيعتها شبيهة بالجنة. فخلق اللبنانيين الذين لا يدَعون جماله ، يتجلى على طبيعته.!أحيّيكم مُجدّدا ، من هولير عاصمة كوردستان.!



 رحلة الى كوردستان(في هولير - في دار ابني ريفان )5


نقلنا ابني ريفان بسيارة حميه الاستاذ خالد إلى بيته، و كانت المرة الأولى التي اراه يقود سيارة فيها. سرني انه اكتسب هذه المهارة ، لاسيما ان قيادته كانت سلسة متوازنة .!مرّ بجانب فندق كريستال،قال: هنا موقع عملي، و لا تبعد داري المستاجرة عن هنا. توقف امام بناء و قال: تفضل و الحمد لله على السلامة. كنت اعاني من ارهاق الرحلة وظروفها التي اشرت اليها فكان وقوفي غير متزن ، و اجد مشقة نسبية في خطواتي، كان اولادي و زوجة ابني ،يحيطون بي و كل يمد يده لإسنادي .ما بين فر ح و حزن انحدرت دموع من عيني و سالت على خدي. إحاطة الاولاد (و اهتمامهم ) تهيج الفرح و الاعتزاز في نفسي.  لكن شعوري بأني اكاد أحتاج من يسندني احزنني . و عند الصعود على الدرج كان البوري الحديدي  يساعدني على صعود الدرج. من بعض غرائب ما لاحظت ان المشي على ارض مسطحة قد يوجع ظهري لكن الصعود على الدرج لا يوجع ظهري ولا افهم تفسيرا لذلك.نَيْسَولجت الدار و جلست على الكنبة لآخذ نفسا ثم اجلس على الارض لأستريح.حولي ارواح دافئة تتساءل عما أحتاج ، و ماذا يمكنها ان تقدم لي او تخدمني...الخ.وسط هذا الاهتمام ازداد إدراكي بقيمة العلاقات الدافئة و الحميمية التي تتجه من بعدها الاعمق الى بعد لا يخلو من تسطّح .و تساءلت: لماذا؟لماذا يحرم البشر انفسهم من خصائص جميلة و مريحة و ممتعة ،من اجل انواع اخرى اقل دفئا و حميمية.!  بالطبع ليست الاجابة سهلة كما قد يظنها بعضهم. فالبشر مذ وجدوا مشغولون بمحاولة الاجابة و لم يبلغوا حد الحسم.!اقترحوا علي ان اتحمم لارتاح من وعثاء السفر ، ففعلت ذلك، جالت عيني بالدار و منتفعاتها فلاحظتها ذات بناء و أكساء  و الوان مغرية للنفس و سيراميك  يُظهر النملَ و البعوضَ ، اذا كانوا يدبون عليه. و انواع من المغاسل و الصنابير و ...لكن الذي بدا لي ان  الاهتمام بمظهرها زاد تلبيتها لحاجات الناس بارتياح. فلكل مجتمع ثقافة قد لا تتلاءم عناصر ثقافة مجتمع آخر معها ، فضلا عن ان نقص الاهتمام باحتمالات معروفة( نمو الانسان و امراض و تغيرات...) ، و منها : ان الدار سيسكنها شباب و أطفال و شيوخ... و ان الأصحاء قد يمرضون  و ان عاهات قد تطرأ على بعضهم....باختصار : مراعاة الواقع البشري و احتياجاتهم القائمة و المحتملة ...و هذا ما لاحظت في احوال عديدة من اسلوب التعامل مع قضايا العمارة و غيرها، إذ الانبهار بالآخرين ونظام حياتهم د و تقليده بات ظاهرة نفسية اجتماعية في حالة كثيرين من الكورد ، و قد اثر ذلك على ثقتهم بانفسهم و شعورهم بذواتهم. يبدو  الدار مصممة و مجهزة للتأجير لا لسكن صاحبه( و هذه ظاهرة شائعة) و اتساءل دوما ( بل انصح من يستمع الي): كل اداء ينبغي أن يراعي اولا  مدى تلبية الحاجات ثم  بعد ذلك .  مراعاة الجمال و الفخامة و ...الخ.تأخر الوقت قليلا قبل ان نخلد الى نوم ربما لم اشعر بمثل لذته منذ زمن.فقد استسلم جسدي لسطوته ،و أسترخى ،اديت صلاة الصبح لكنني عدت ثانية  لأتمدد ، يراودني شعور بالحاجة الى استئناف النوم لعلي اتجاوز آثار الارهاق منذ خروجي من البيت ( الساعة السابعة صباحا) و حتى اللحظة التي تشير عقارب الساعة فيها الى حوالي الثانية ليلا ( فنكون دخلنا اليوم التالي ، الخميس). و نرجو الله ان يهبنا حياة عامرة و صالحة.أحييكم من كوردستان- هولير.



رحلة الى كوردستان( هولير - في ضيافة ابني ريفان) 6  



أوينا إلى الفراش متأخرين  يوم الاربعاء ،بل الخميس فقد تجاوزت الساعة الثانية ليلا- على الرغم من الاجهاد- فقد كان اللقاء بعد سنوات حميميا و حماسيا و فيه نبض ذكريات عشناها بعيدا عن بعض.أحيانا يسجل علماء( او العلماء و الفلاسفة و...) ملاحظات على التكنولوجيا،  لما يتمخض عنها من آثار سلبية تترتب عليها ( و هذا حديث يستهلك كتبا) لكن الوجه الايجابي لها ينسينا احيانا ، تلك المحاذير ،او نتجاهلها تحت اغراء ما تقدم من خدمات. فمثلا ، الموبايل - و على الرغم من سلبيات مرافقة لأدائه او استخدامه- فإنه يقدم خدمات جلّى للذين بعُدت بينهم الديار ، و ناءت المسافات .فقد كنا نتحدث في اوقات متقاربة، و غالبا بالصوت والصورة ، مما كان يخفّف عنا معاناة الفراق و البعد.في الماضي كانوا يقولون " المراسلة نصف المشاهدة" و كانت المراسة  عبر البريد و في ظروف بيض او زرقاء او ذات اطراف ملونة ( توصف بانها ظروف البريد في الطيارة) ، و قد تطول الرسالة كثيرا ، لكن لحظة وصولها كانت فرحا حقيقيا ، و كان المرسَل إليه ( الأمي- و هي حالة غالبة) يُهرع الى من يستطيع قراءة الرسالة،  و ربّما شرحها له ، لاسيما في حالة من لا يعرف اللغة المكتوبة بها( و كان هذا حال معظم الكورد، فهي مكتوبة بالعربية او التركية او الفارسية). لا زلت احتفظ برسائل كثيرة لدي من اهلي او اصدقائي و منها رسائل من المرحوم الملا رمضان البوطي ( او الشيخ الملا كما يوصف في دمشق) تعود الى فترة الخمسينات من القرن الماضي و كانت مرسلة الى ابن خالته المرحوم ملا عبد الكريم ( والدي) . وعلى الرغم من بساطة محتواها الا انها كنز بالنسبة الي. وكذلك رسائل أخي المرحوم محمد حسين خلال معالجته في دمشق و دير الزور ( و رسائل اليه) و رسائل من صديقي منيس اسماعيل الذي ذهب الى المانيا في مطلع السبعينات ، و رسائل متبادلة مع اصدقاء و اقرباء منهم المرحوم ابن عمتي عبد الرحمن عثمان  عندما كنت  ادرس في الحسكة و هو يدرس في ديرك ، المرحلة الثانوية ...الخ ، اضافة الى كروت معايدة منوعة تعود الى حوالي نصف قرن، و اكثر.الآن ، بات الموبايل يختصر كل ذلك في مساحات محمولة .و " يقرّب البعيد" و ميّزات لازلت لا اعرف التعامل مع نصفها أو اكثر .نَيْسَ...نمنا متأخرين و استيقظنا مبكرين ،فقد اعتدت على الاستيقاظ باكرا ، و إني لأتساءل:كيف يقبل بعضهم البقاء في الفراش طويلا في فترة الصباح. ففي تقديري - و قرأت عن هذا و سمعته ايضا-أجمل اوقات اليوم هو الصباح الباكر :هواء نقي ، هدوء ، و مشاهدة شروق الشمس و حركة الكائنات المختلفة...الخ. فضلا عن ملاءمة ذلك لأداء الاعمال و قضاء اليوم عموما.!قضينا يوم الخميس و ليلتها  و يوم الجمعة في حالة استراحة ما عدا زيارات قليلة من اقرباء  ، لكن الساعة السابعة من يوم الجمعة مساء ، فرضت تلبية دعوة من الأستاذ خالد جميل محمد  الى محاضرة يلقيها  عن اللغة الكوردية و باللغة الكوردية في فندق كابيتول.تحت عنوان : Standarkirina zimanê kurdî   خالد،  هذا صديق قديم ، و احد شركاء محاولة تأسيس "البيت الكوردي للثقافة و الفنون "  في قامشلي و الذي اصبح فيما بعد مؤسسة " سما للثقافة و الفنون". و يديرها الحاج عارف  .لا زلت احتفظ بمسوّدات التشاور بشأنها .كان الاستاذ خالد قد وجّه الدعوة اليّ عبر المسنجر لمتابعته ، فكتبت له: " لعلي أحضرها مباشرة ان شاء الله". لا اعلم اذا كان يدري بمجيئي لكن عبارته :"يشرفنا حضوركم"اشعرتني بانه على علم بسفري لكوردستان . فالأسرار  لا تبقى اسرارا بين صهر " ريفان" ابني و حميه" خالد" كما يبدو. و إنني  لأعتز- بالمناسة- بكوننا أنسباء. و لا أنسى أن اشكر حسن ضيافة ابنته( كنتي سيماف) و التي تحتفي بنا غاية الاحتفاء ، فضلا عن العناية بحماتها ( ام ريفان- هيفي) خلال فترة  تكاد تبلغ خمسة أشهر، تتعالج فيها ،  و من المعالجة عملية  جراحية في الركبة. و لا افوّت المناسبة لاتقدم بالشكر الى كل الاطباء و الكادر الطبي و كل المعنيين بالعناية بها(و بي ايضا) كما لا انسى ان اشكر ولدي ريزان على ما يبذل من جهد في كل ما يتصل بنا.و زانيار دالعنقود الاخير ، و الذي يجمع بين الدراسة و العمل ( عصامي) كما فعل اخواه و اجتازا العقبات و كل منهم الآن جامعي .! و لقد لاحظت ان الدار تستقبل الاهل برحابة صدر من: ريفان و سيماف( و هذا اقصى ما يشعرني بالفرح). كما لاحظت ودا و لطفا مع أبنائي الآخرين من أخيهم و زوجه. ارجو الله لهم ولنا حياة موفقة و فالحة( لا اقصد من الحديث عما يبدو شخصيا، ان اتحدث عن اولادي ، و انما وددت الحديث عن نموذج من الاولاد و أزواجهم مع آبائهم و اعمامهم).يبدو لي ان العلاقات تتجه نحو الفتور او نوع من الاهمال  فوددت التذكير بالحاجة الى اعادة الحيوية اليها . فالحياة تفقد الكثير مما فيها روح جميلة - حتى ان لم تخل من معاناة-في الحلقة السابعة القادمة سنحاول الحديث عن فندق كابيتول و المحاضرة و اصدقاء التقيت بهم لم التقهم منذ سنوات طويلة .صدق الشاعر ( يقال هو الشافعي) اذ قال:تغرّب عن الأوطان في طلب العُلى...وسافر ففي الأسفار خمسُ فوائد تَفرّجُ همٍّ و اكتسابُ معيشةٍ...و علمٌ و آدابٌ و صحبةُ ماجدٍأحييكم من كوردستان -هولير - دار ريفان.كنا نخشى أن نقول كوردستان و ها نحن نقولها بملء الفم.فشكرا لكل الذين كان سببا سواء الذين استشهدوا ام الذين احسنوا ادارة المجريات سلما ام حربا ام الذين اعلنوا قضيتهم عبر اعلام او نشاط ثقافي او الذين قاوموا الظروف القاسية من جوع وعمل شاق او ...الخ.فلكل دوره. و ليت هؤلاء المتحمسين الذين يسهمون في تشتيت الشمل بلغة خطاب عدائي او سلوك يفتقر الى توازن و شعور بالمسؤولية و رؤية بعيدة المدى ( استراتيجية) ادركوا هذا.!و كفوا عن منهجية زرع النفرة و العداوة ، فالاختلاف سمة طبيعية في الحياة ، و الائتلاف يكون بوعي المهمة بالنسبة لكل واحد.!



 

 رحلة الى كوردستان(حضور أول نشاط ثقافي) 7/1



نقل الاستاذ خالد( المحاضر) تحية من حاج عارف و رغبة من كليهما في حضور النشاط.على الرغم من انه نشاط ذو طبيعة تخصصية حول اللغة( و للاستاذ خالد خبرة ، لها جذور قديمة) لكن اي نشاط ثقافي له تأثيرات مفيدة على حيوية الذهن و سعة أفقه في صورة ما، ونحن الكورد احوج ما نكون إلى " حيوية الذهن و سعة الافق" و خصائص أخرى ذات صلة، فقد ساهم حكام كوردستان في دفع الكورد نحو الجهالة ، و سيكولوجية شعور بالتخلف ،  و النظر الى الشعب الذي انبثق منه الحكام كشعوب متفوقة( نوع من نازية و شوفينية).و مهما اختلفت الوسائل و الممارسات فالنتيجة هي واحدة ، هي زرع شعور بالدونية في الكورد (او كورد على الاقل).هذا اكثره في ثقافات ايديولوجيةقوموية. اما في ظروف حكم ذي ثقافة إسلامية فكانت الوتيرة اقل عادة. خلاف ما يذهب اليه كثيرون ممن يلتقطون حدثا و يعمموه .او يسقطون احداثا و مواقف وسلوكيات ذات طبيعة فردية و جماعية ايضا ( احزاب مثلا) وحتى حكومات سابقا و راهنا( منها ما يظهر استثمار سياسيا  للاسلام)  فيسقطونه على الماضي.( هنا يفترض ان نفرق دوما بين الشعوب و تيارات فيها) فلا نعمم سلوك التيارات على الشعب كله،نوع من منهجية يفتقر كثيرون اليها للاسف.! تبرز هنا مشكلة قراءة مغلوطة و مغالطة للتاريخ ( تحتاج قراءته اصلا الى خبرة و دقة و كفاءة ...).يفتقد كثيرون قدرات قراءة صحيحة للتاريخ(و الواقع) وينطلقون من حالة ثقافية سياسية(حزبية خاص) و يقعون فريسة لرؤية ايديولوجية تحكّم الافكار ( الذاتية) في الواقع ( ظاهرة شائعة،لاسيما في شعوب ذات حالة ثقافية تابعة).و المحزن ان هذا المنهج  يبدو مزروعا في الثقافة الكوردية في صورة ما فينطبق عليهم محتوى المثل:" كالمستجير من الرمضاء بالنار" او المثل : " كالهارب من تحت المطر الى  تحت الدلف ".ظاهرة الانفعال المزروعة في الشخصية الكوردية ( او شخصيات كوردية)، و اثارة شعور بردود انفعالية تجاه التاريخ و ما جرى فيه ، يجعلها - كما نلاحظ لدى مندفعين - مادة غنية لصخب، في خضم بحور من انفعالات وردودافعال ،.، دون قراءة صحيحة للتاريخ ، و لا تخطيط مدروس  للحاضر و المستقبل. فيتحول نشاطهم إلى نوع من تعبير عن حالة انفعالية (عمياء) يسهم في توفير ظروف اساءة الى قضيتهم، اكثر من ظروف تعين على تخطي المشكلات و المعاناة.( ارتدادات سيكولوجية بينية احيانا مدمرة).وزادهم ابتلاء وبلاء ؛ ما يتعرضون له من أساليب "غسل المخ" في صور مختلفة تلتقي جميعا على تجريد الشخصية من نمو متوازن و نضج و ...! و بالتالي افتقار ألى  فعالية منظمة متكاملة ذات قوة و تأثير . و قد تكون المرة الاولى التي اشاهد فيها فندقا يبدو ذا فخامة ، يملكها و يديرها كوردي ( سوري خاصة) اقصد من كوردستان سوريا .فلن نعدم من يتربّص بنا ليجد ثغرة - يطعننا خلالها، و ليته انتقد ،  و هذه احدى ثمرات حالة ثقافية غلب فيها انفعال ورود افعال انفعالية.(حالة سيكولوجية تهيمن على العقل و تديره، و تقلل من دوره الواعي و الفاعل و تخضع الارادة للهوى). فلا يشعر هؤلاء بما في اي عمل :نظري او عملي(السلوك)  حسنات محتملة. بل يتجه اهتمامهم نحو نكش العيوب( و قد لا تكون عيوبا في حقيقتها).و هذه مشكلة حقيقية في بنية ثقافية.لم نتجول في الفندق ، لكن ما بدا لنا أن الفندق كبير و عصري و في موقع ملفت في مدينة هولير ."التداعي الحر "مصطلح ، يستخدمه علم النفس ، يشير الى انتقال  بين ذكريات لا رابط منطقي بينها ، لكن شيئا ما مشتركا في صورة ما، يجعلها تتداعى ،و لا نتحكّم بها.  هذا ما حصل معي. اذ قلت في نفسي : كوردي سوري يملك هذا الفندق و يديره ،لم نعتد ان يكون الكورد بخصائص كوردية في موقع مهم في نظم تحكمهم . هناك كورد كثيرون تبوّأوا مراكز و مواقع مهمة لكن يُذكرون كأفراد ، لا من خلال خصائص انتماء اجتماعي قومي ( سياسي)  التاريخ مليء بمثل هذه الأسماء. لكن المهم هنا،  انه كوردي بخصائصه الكوردية ، يتحدث الكوردية ، و تُلقى مُحاضرة عن اللغة الكوردية و باللغة الكوردية في فندقه ، دون قلق و حذر من ان يدق "انور" او غيره الباب، او يستدعيه ابو فلان او ابو فلان... و الحاضرون مثقفون و سياسيون كورد . و المداخلات باللغة الكوردية ... فجأة انتقلت ذاكرتي بالتداعي الحر الى تلك اللقطة في قصة  Birîna Reş للمرحوم موسى عنتر ( شهيد قضيته القومية المشروعة) ملخصها، توزع الحكومة قمحا على المواطنين  يتسبب بمرض " الجرح الاسود" و هو ترجمة ما كتب باللغة الكوردية ،فتذهب امرأة الى مركز طبي و تسال احدهم. اين الطبيب؟ فيرد عليها باللغة الكوردية : Ezim textor انا الطبيب، فتقول بشيء من ألم ، لا تسخر من امرأة تعاني. اريد الطبيب ، فيكرر لها مؤكدا انه هو الطبيب. تُفاجأ المسكينة، فلم يدر بخلدها ان كورديا يمكن ان يكون طبيبا ( هكذا ساهموا في تنميط سيكولوجية متدنية) فقالت : واو...  و هل يوجد كورد اطباء؟.! قال نعم،  و اعاد اليها شيئا من شعور بانسانيتها.في السبعينات كنا ترتاد دمشق لتقديم الامتحانات الجامعية  كنا نحل في فندق شعبي متواضع صاحبه كوردي  اسم الفندق "الاخطل" ، و اسم صاحبه كان عرفات و كان يُنادى: " أبو هيثم". كنا نقصده لان احد اقربائنا من ديرك. يقيم فيها بصورة فيها شيء من خصوصية. كان اسمه رمضان حسين رسول. و لا يزال مقيما  في دمشق .و كنانرتاد فندقا ثانيا احيانا، اسمه " فندق العهد الجديد"  يملكه شريكان: احدهما تركماني " ابو لطفي" و الآخر كوردي " ابو علي".كنا نحس بنشوة ( و نحن طلاب جامعيون فما بالك بالاميين ، نذكر هذا لإدراك المأساة النفسية للكورد و التي  لم يتحرروا منها بعدُ ، في كثير).كانت كلمة الكورد او الكوردي في اي ظرف - حتى لو كانت شتيمة- تبعث فينا شعورا بالوجود فنتقبلها بفرح و نشوة .هناك مثل كوردي شعبي يعبر عن هذا المعنى ، لا نذكره لبعض ما فيه. لكن اغلبهم يعرفه ، عندما شتم احد الاطفال وحيد احداهن يخرج  للعب مع اقرانه لاول مرة.!لكننا الآن نقول : لا فقط كورد او كوردي ، بل و نلفظ ملء الفم " كوردستان" و نقول " كوردستان الحلم". هنا اتذكر ما قاله يوما الاستاذ عبد المسيح قرياقس المعروف في ديرك ب( الاستاذ صامو قرياقس) يقيم في قامشلي.كان يقول لي- عندما كنتُ في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة المأمون الريفية - في مطلع الستينات من القرن الماضي :ادرس ، و اذا احتجت فسآويك في بيتي لتكمل دراستك ، و سنعمل على تاسيس دولة كوردية سريانية ( فوجئت به بعثيا بعد سنوات و " مرجعيتي طارق عزيز " كما في بعض تصريحاته).  اكثر من هذا، في كتابه "مجد المهزومين " أبدى موقفا من الكورد لم اتخيله.فهمت انه -كغيره- وقع في استهواء شعار دارج حينها، و ينسب الى مجموعة من شباب سريان انتموا الى حزب البعث، مؤداه: " سنبني دولة سريانية على اكتاف البعث". لكنهم جميعا إما هربوا او اعتقلوا،  و كان الاستاذ عبد المسيح احدهم ، وتحمّل المسؤولية عنهم ، لتتاح لهم فرصة الخروج من السجون،  و يبقى هو حوالي سبعة عشر عاما فيها.!و هذا موقف يسجّل له قيميا و سياسيا، لكن موقفه السياسي  نحو الكورد شابَه ما أساء الى فكر البدايات و مشروع سياسي اكثر واقعية،  هو تفاهمات بين شعوب المنطقة ، و تعايش يضمن هوية و حياة افضل لكل منها ،  و اكثر واقعية.ملاحظة:لم اكن استوعب ما يقوله لي ، لكنني بعد ان كبرت فهمت ما كان يقصد،  و مدى طموح سياسي لديه، مع ذلك فإنه -بالنسبة الي- أستاذ له فضل عليّ ،كان يعاملني كطالب متميز خلال حوالي ثلاثة اشهر ،  و لا انسى ذلك منه، نقل بعدها ، ليأتي معلم اصيل من قامشلي اسمه محمود محمد علي.  و قد نشرت عن بعض ذلك، و بقيت اشياء  قد لا أتطرق اليها لما فيها من خصوصية.!



رحلة الى هولير ( حضور اول نشاط ثقافي)7/2



لفتت انتباهي مراعاة قواعد صحية( التباعد) ، في ترتيب الكراسي ، و كان الحضور على نوعين بعضهم يضع الكمامة ، و بعضهم لم يضع . هذه قضية لها صلة بالثقافة الاجتماعية و طبيعتها. ما لاحظته في حياة شعوب تعاني من تخلف ان تفاعلها مع النظريات و الافكار المستجدة ذو وتيرة بطيئة قياسا للمتطلبات المتسارعة و منها اجراءات التعامل مع الكورونا . بالطبع القضية لها صلة ايضا بالنتائج العلمية التي لم تبلغ حد الحسم لدى الجميع، لكن الحالة الثقافية الاجتماعية قد يكون لها الدور الاهم.بايحاء من الاستاذ خالد جلست في احد الكراسي ، و تبادلنا التحية مع عدد من اساتذة كانوا حاضرين . كانت  المحاضرة  غنية في مادتها و ترتيبها و اسلوب عرضها ،و الاحاطة بالعناصر المتصلة بها، و الملفت أن لغة الالقاء كانت كوردية نقية ( فصحى- إذا صح التعبير).و قد تخللتها افكار ذات طبيعة تنبيهية الى  معيقات لتجاوز اللهجات الى حالة " ستاندرد" كما وضع عنوانا للمحاضرة باللغة الكوردية :Standarkirina zimanê kurdìمما اضاف فرص تفاعل افضل ، اسلوب تحضير فني لعرض الافكار على شاشة ذات طبيعة تلفزيونية سهلت متابعة المعلومات والافكار . ما لاحظت عليه ( او هكذا خيّل إليّ)  ان كثافة المعلومات و الافكار ...اضطرته للعرض بسرعة نسبية ، و ربما قفز على بعضها تجنبا لملل محتمل عندما تكون المحاضرة طويلة نسبيا ، و المتابعون ليسوا جميعا  اختصاصيين فيما يتصل بمحتواها، و قد اشار متداخلون الى هذا الجانب ، و هو الحاجة الى اهتمام من لديهم تخصص من جهة ، و من لديهم سلطة، تتفهم اهمية هذه الخطوة فيما يتصل بلغة موحدة تسهل التواصل بين الجميع ، و دعمها من موقع المسؤولية و السلطة. و هذه مشكلة تبرز في مجتمعاتنا ، و لا ادري إذا كانت الظاهرة( احتمال الملل في المحاضرة) اوربية و غربية ايضا ام انها عولجت - هذا ما ارجحه-.فقد تطورت الثقافة فيها لتكون قومية و طنية ، و تتجه لتأخذ افقا عالميا. لكنها مرت بظروف متدرجة كالتي نعيشها . مما اتذكر ان احد المحاضرين الاروبيين - ربما جان كوكتو- لاحظ كثيرا من مستمعيه في غفوة. فقال: لم أكن اعلم ان لدي هذه المهارة على دفع الناس الى النوم ،او ما في معناه.ما يمثل فارقا  بين حالة ثقافية ساىدة في مجتمعاتنا، و ما كان في الغرب هو: ظروف توازن اجمالي في الغرب ،لها صلة بتكوين الشخصية المتوازنة ،و توفر توافقا بين منهج التفكير و تطبيقات تترجمه الى واقع معاش، و قد نجحوا في ابحاث نفسية و اجتماعية و فلسفية بشكل عام ...وفرت نتاىجها ، و العمل بها ،  امكانية تحقيق ذلك واقعيا.أما حالة الثقافة في مجتمعاتنا فلا تزال اسيرة سيكولوجيا ذات طبيعة تغلب الذاتية فيها و تفتقر الثقافة ( الذهنية و السيكولوجيا) الى التحرر من هيمنة عناصر ذاتية غلابة ،من مصادرها : ظروف اجتماعية و تركيبتها الثقافية ،  وتبلورت سلبا تحت تاثير حالة حزبية أدلجت الثقافة ، و رسخت فيها التناحر و التباعد الى حد يكاد يكون صراعا بالمعنى الدقيق له و هو الغاء الخصم ، و تبرير الخطأ للذات..كنت اتمنى ان تتجه المداخلات الى مراعاة البحث في سيكولوجية المجتمع و ثقافته ، لاسيما ما يتعلق باقتراحات ذات طبيعة عملية تتوفر فيها قابلية للتطبيق.و لا اظن ان ذلك ممكن التحقيق دون تفاعل واقعي بين مثقفين مختصين و سياسيين لاسيما الذين في موقع السلطة و الحكم و بيدهم اتخاذ القرار.و في جواب عن سؤال طرحه مراسل تلفزيون آرك ،حول جدوى مثل هذه الانشطة الثقافية في رأيي قلت ما معناه:دور المحاضرة تثقيفي و تنويري ، لعل بعض الذين يستمعون اليها  يكونوا ( او يصبحوا) في موقع المسؤولية و يتبنوا ما فيها لياخذ طريقه الى التنفيذ. فالمثقف  الذي ليس في السلطة ، ليس مالك قرار.!و يفترض ان تصبح الثقافة ذات طابع قومي/وطني( تصبح مرجعا للجميع)اوردت تشبيها قد يقرب الى الفهم و هو ان الثقافة بمثابة بحر و البشر كائنات فيه ، فهو بيئة الجميع ، و كل يأخذ منها ما يحتاجه و يناسبه ، فالصائد يصيد ، و المسافر يمخر عباب البحر ، و الباحث عن اللآلى يغوص ... و هكذا.و بالمناسبة من القضايا الهامة ؛ التحرر من سطوة مفهوم خاطئ زرعته السياسة غالبا، و هو ثنائية المثقف و السياسي و كانهما متعارضان و متقابلان .و هذه مشكلة تكرس افكارا خاطئة ذات تاثير سلبي . فالثقافة حالة اجتماعية عامة لا خاصة ،و قد يكون المثقف سياسيا و السياسي مثقفا. انما يختلف دور كل من الثقافة و السياسة.الثقافة لها صلة بالمعرفة و النمو و خصاىص اجتماعية و علمية و فلسفية...و دورها ذات طبيعة تنويرية و اتقان الاداء و استشراف المستقبل، اما السياسة فدورها قيادي/ اداري عملي يومي ...و كلما استفادت من التطور الثقافي فانها تزداد كفاءة في الاداء.لذا فمنذ القديم هناك و ظيفة مستشارين ( Rîspî في اللغة الكوردية) .و في كتاب : المثقفون و السلطة في العالم العربي، للدكتور احمد بهاء الدين بحث مستفيض عن ذلك لمن يود ان يطلع عليه. و هو كان رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية ،مما اتاح له فرصة اطلاع واسعة.!أحييكم من كوردستان -هولير.



 رحلة إلى كوردستان ( في هولير) 8  



و لازال روتين الحياة خلال اسبوع (بدأنا الرحلة يوم الاربعاء 26 أيار 2021 و هانحن في يوم الجمعة 4حزيران 2021) نحن في هولير ، في ضيافة ابني ، التقينا بعد غياب سنوات و اشتياق ، و قد راجعت اطباء بشان مشكلات صحية ، شخص اطباء مشكلات تخصهم ،و لازال آخرون ينتظرون صورا للتشخيص النهائي. لا بد من شكرهم ، و قد فعلوا ما بوسعهم .  لا اخرجمن الدار، في انتظار استكمال علاجات ، ثم رسم خطة لجولة زيارات لاهل و اقارب و اصدقاء ، بحسب المتاح من الظروف.أمس خرجنا من البيت الى حديقة عامة في منطقة قريبة من فندق كريستال ، كابدنا تعبا فأم Peyman لا تزال تعاني من آثار آلام عملية جراحية ، و لازال ظهري يتعبني مما به من وجع لم يُشخّص بعدُ بشكل نهائي .كانت الحديقة واسعة نسبيا. لاحظت فيها ان الحشيش يحتاج سقاية ،لماذا لا يُسقى ؟ لا ادري!. فقد يكون بسبب  نقص في الماء،  او ربما تقصير من المسؤولين عنها. كما ان مقاعد الجلوس بدت لي صغيرة في حجمها ، قياسا لما اعتدت عليها. مع ان تقنية صناعتها بدت  متقنة. لم نُطل البقاء ، فقد و صلنا مع صوت أذان المغرب مما اضطرنا للعودة سريعا للصلاة في الدار ،لاسيما ان مشية كلينا بطيئة.اثناء اتجاهنا نحو الحديقة مرّ بجانبنا أحدهم و ألقى السلام ( السلام عليكم) رددنا عليه السلام ، و كانت التحية بمثابة علامة طيبة. فهي تعكس حالة النفس غالبا.  يقول الحديث: " السلام على من عرفت و لم تعرف، افشو السلام بينكم" او ما في معناه. و هذا يحتاج للتحرر من مؤثرات نفسية ذات طبيعة اشكالية.تذكرت اياما عشتها في حمص، في العام  2011  ،بدايات الثورة السورية ، و كانت لا تزال في مراحلها السلمية . و المؤسف ان ظروفا، اكثرها متعمدة من أطراف مختلفة ( نظام و معارض) ، دفعتها نحو مواجهة مسلحة حطّمت روح انتماء الى وطن واحد، و واقع حياة مشتركة فيه( و يفترض انها ثقافة لدى الجميع ، لتوفير ظروف تعايش بين اختلافات -ايا كانت-) على اساس ما اصطُلِح عليه، و هو مفهوم " المواطنة".هذا المفهوم  الذي لم تعد فئات مختلفة تقبل به ،فقد اثبت الواقع عدم وجود ضمانات لنمط حياتي صحيح تحت هذا المعنى. و اطلت معاناة؛  هي نتاج ممارسات  طابعها استبداد و تجاوزات مختلفة، جميعا ناتج ( او ساهم فيها) ثقافة لم تستطع تكريس الحرية- كقيمة ذات طبيعة فردية من جهة ، وذات طبيعة اجتماعية و اثنية لها خصوصيات يفترض ان تراعى وفقا لتفاهمات  اساسها اختيارات حرة،ضمانا لتعايش مستمر على اساس ذلك. و برزت مشكلة هي ان المعارضة التي تسعى الى التغيير ، هي ذاتها أسيرة نمط ثقافي يعتمده النظام في تبرير سلوكه(حالة ثقافية ايديولوجية تحتكر الحقيقة لذاتها، فتصبح اداة بيد المتنفذين في اي نظام هذه طبيعته). إنها ثقافة تولدها ممارسات استبداديةمن قِبل أنظمة ، و استعدادات ثقافية(ذهنية و سيكولوجية) لها من قِبل شعوب.في حمص كنت في زيارة لابني peyman الذي كان يعمل في شركة ستائر" ستاركو". و كان  يدير صالة في حمص، و صالات في مدن اخرى. كانت تلك التي في حمص ،صالة جميلة و كبيرة و في موقع جميل على طريق طرطوس ( شارع واسع و أرصفة واسعة و مساحة فراغ و خضرة في جانبين من الصالة).كنت ارتادها نهارا و اعود مساء الى دار مستأجرة من قبل الشركة في منطقة الانشاءات  مؤلفة من اربعة غرف مفروشة ومنتفعاتها. من سوء حظي أن آلام ظهري في تلك المرحلة اشتدت عليّ فلم استمتع بمدينة حمص الجميلة كما ينبغي.و لا أنسى الاشارة إلى أن صديقة في المنتدى علمت بزيارتي فجاءت لزيارتي ، كانت لطيفة مضيافة ، لكن الذي آلمني ان العمر لم يطل بها بعد وفاة عدد من اهلها ( و الدها و والدتها و ابنها و اختها و زوجها )جميعا خلال سنتين او يزيد قليلا، ثم لحقت هي بهم بعد فترة قصيرة . و هذه ظاهرة تستدعي التامل فيها. رحم الله الجميع.في حمص لاحظت ظاهرة التحية فاشية ، فكنا نتلقى السلام في اماكن مختلفة دون معرفة مسبقة. كانت ظاهرة إنسانية تنبىء عن ود في طبائع اهلها.  و قد لاحظت هذا النزوع الانساني لدى حمصيين في ظروف و مواقع مختلفة (الجيش، التعليم و...) شعرت بشيء من هذا في اربيل عندما تلقيت السلام من اول شخص لا اعرفه ، و عندما عدنا من الحديقة جلسنا على دكة بجانب دار لنرتاح قليلا ، مرّ بجانبنا من سلّم علينا باللغة العربية (ربما لانني كنت لابسا كلابية بيضاء فظن أننا عرب، لا ادري بالضبط، و ربما هو عربي فقد كان لابسا كلابية بيضاء ايضا) و قبل ان يدخل داره، عاد واتجه نحونا ، قائلا :ماذا تحتاجون ، بم اخدمكم ،هل تريدون ان تشربوا شيئا ؟ كل ذلك بلغة فيها ود و احترام ،  قلت لا ، و شكرته على ذلك .!و لولا اننا كنا على عجل للوصول الى الدار قبل فوات وقت الصلاة لاستثمرت الموقف- من باب الفضول، و فهم بعض عادات- للتعرف عليه، و ربما تقبّل ضيافته ايضا .فالمواقف الودود تفرض -او تفرز- شعورا و مشاعر طيبة ،لعلها من نتائج " السلام" و هذا ما دعا الرسول ليقول: "افشوا السلام بينكم ". و المؤسف ان ذلك يبدو كأنه يتقلص او يتجه نحو شكلانية لا روح فيها لدى كثيرين.!فكرة " السلام، اي التحية" و معنى السلام الذي بنيت عليه التحية و صيغتها الاسلامية " السلام عليكم" ، و غيرها من انواع السلام و التحايا، فكرة تستحق تأملا و تحليلا.  تمنيت دوما لو أتيحت لي فرصة البحث فيها بنوع من توسع.! و ككل معنى؛ فإن معنى السلام لا يأخذ مداه و أبعاده الا اذا كان الذين يتداولونه  ممّن يصدقون في إلقائه ، و  الرد عليه(و حتى في حالة عدم الصدق فقد يكون له مردود إيحائي و ايجابي). ففي معنى السلام نبض له أثر على النفوس. في علم النفس يُنصح بافكار ايحائية نفسيا تترك أثرا مفيدا ، كأن يردد احدهم قبل النوم بأنه سيترك التدخين مثلا، او يوحي إلى نفسه بالإستيقاظ في ساعة معينة او غير ذلك من الأحوال .!تمنيت لو ان مستوى النظام و النظافة كان اكثر - انسجاما مع جمال اربيل و عمارة فيها- فعلى الرغم من أن البيوت جميلة نسبيا، و لا توجد طوابق ،و ان وجدت فلا تزيد عن اثنتين، في  المنطقة التي كنا مقيمين فيها ( حوالي فندق كريستال) و هذا  يعطي  اريحية في نمط العمارة. مع ملاحظة ان المحلات عموما بدت لي كبيرة - احيانا كبيرة جدا - و ذات ترتيب،  و فيها انواع مختلفة من المعروضات . و حتى من الناحية الاخلاقية- و عل. الرغم من فوضى نسبية- فقد  لاحظنا سائقا توقف و هو يؤشر لنا لنعبر الشارع. في تقديري هذه ظاهرة و ليست حدثا فرديا. نتمنى ان تنمو الخصال الطيبة و تتكاثر . فإنها توفر نمطا افضل من السلوك و العلاقات... وترتد ايجابيا على نمط الحياة ككل . و هذا يحتاج افقا ثقافيا( تربويا) يوفر هذا الوعي و السلوك.   و يفترض أن تزداد وتيرة العمل من اجل ذلك.فالحياة المنتظمة و المريحة لها مردود ايجابي على الجميع.!



رحلة الى كوردستان -(في هولير ) 9


 يبدو أن ملاحقة الزمن و محاولة رصد الاحداث فيه ، قضية تفوق قدراتنا ، نضطر الى التقاط ملامح من الرحلة ،و تجاوز ما لا ندركه. نتحدث عن المتاح للفقهاء قول مشهور :" مالا يُدركُ كلُه لا يُترك جُلّه". في يوم السبت 5 حزيران 2021 , كنا على موعد مع طبيبة الاذن و الانف و الحنجرة  أفين رمو - و هي قريبة- غسَلت أذني مشكورة ، بعد تقطير (قطرة مطرّية)حوالي اربعة ايام ،و قد حسُن سمعي بعدها. و بعد مشاهدة د. حيان كيال على صورة رنين مغناطيسي  خلُص الى قرار هو الحاجة الى عملية جراحية في الظهر(تجنبا للتعجل و مشكلات صحية: سكر،ضغط...) فّضّل معالجة بالأدوية خلال اسابيع لعلها تفيد . اشكره و اشكر د. احمد ( هضمية) و الذين جهدوا في التشخيص و توصيف العلاج.و قد تفاوتت مدة العلاج المطلوبة ، ثلاثة اسابيع (دكتور حيان) و  شهرين( دكتور احمد) آمل أنه سيكون منتجا.( اتحدث عن التجربة كنموذج، و ليس كحالة شخصية فقط).اما ممرضون و ممرضات و فنيون ...،لم اعرف اسماءهم ، سوى  Pêşwar  فقد كانوا لطفاء . نعم كانوا زملاء لابني Rêzan لكن انطباعي عنهم انهم لطفاء اصلا، -او على الاقل- منسجمون مع نظام عمل في المجمّع الامريكي. و ارجو لهم التوفيق. فتعامل إنساني مع المرضى  ضرورة انسانية و اخلاقية و مهنية. سواء بالنسبة للكوادر الفنية ام الاطباء . و يعزز وضعهم النفسي نسبيا(مقتضى عمل الاطباء و الكوادر الصحية عموما). قد يكون تعامل دائم مع هذه الحالات ليس سهلا. لكنهم اختاروا المهنة بإرادتهم و هم مسؤولون عن اختيارهم . كان معلمون يشتكون ضعف الراتب ليبرروا تقصيرهم في الاداء ( و انا معلم) فكنت اقول لهم : الاختيار الحر مسؤولية ،اخترتم المهنة و ينبغي ان تمارسوها بشعور بالمسؤولية ، فلا ذنب للتلاميذ. ان كانت لكم مطالب، يمكن عرضها على الحكومة، بعضهم كان يتحجج بالفقر الذي دفعه الى المهنة، فكنت اقول هذا التبرير ليس مشروعا. و أشكر رجل الاسايش في المجمّع، و ما لمست من لطفه ايضا،المجمع الطبي الأمريكي الذي يتمركز فيه هؤلاء الكوادر الفنية ، لاحظت فيه تصميما هندسيا متميزا في بنائه ، يحقق سهولة في الاتصال مع المعنيين: اطباء و كوادر صحية و أجهزة تصوير و... و صالات عديدة مجهزة بكراسي للمراجعين  الذين قد يحتاجون لوقت ريثما يأتي دورهم ( ظاهرة خدماتية ملحوظة و مطلوبة طبعا).اضافة الى النظافة .لم الحظ هذا النظام الهندسي في مستشفيات عامة خاصة، زرتها في حلب ،دمشق ...مثلا، على الرغم من ضخامتها و ما تقدم من  خدمات مجانية لمرضى كثيرين . وردتنا دعوة لحضور خطبة احدى القريبات في ظروف قد يخدم توصيفها حالة اجتماعية تستحق التأمل:  أرملة ،فقدت زوجها اثر مرض ، و بقيت وحيدة ، و يبدو ان ذوي زوجها المرحوم لم يحسنوا التعامل معها كما ينبغي . فبانت لها فرصة خلاص من واقعها في الاستجابة لعرض رجل ، تعاني امراته من مرض، قال زوجها: اجريت لها سبعة عمليات جراحية خلال علاجها اضافة الى العلاج المرافق. و قد  اخذها  الى تركيا وايران و عرض حالتها على اطباء في هولير . فبلغت حد العجز في وظيفتها كزوجة . و ادركت هي ذاتها صعوبة الظروف بالنسبة لزوجها ، فدعته لان يتزوج -  وكان اختياره للارملة المذكورة- هنا قضية اجتماعية :نموذج يكثر في الحياة الاجتماعية ، لكنه قد لا يكون معروفا من  كثيرين ، و يحتاج بحثا . و من مشكلات، تدخل غير مختصين  في تناول هذه القضايا ، فلا يحسنون التقدير. و يحكمون بامزجتهم و اهوائهم.  تمت خطبتها، و عقد قرانها  بحضور خالها و بعض اقربائها: بمهر اتفق عليه سابقا، مقدمه(5000) دينار ، و مؤخّره عشرة الاف دولار . تثار هنا، قضية المهور، و معيار مناسب لها، و كيف يمكن تحديد هذا المعيار.؟!تم الامر ، و ذهب كلاهما الى بيت يضمهما. نرجو لهما التوفيق و العافية للزوحة المريضة.  تبرز هنا، فكرة طبيعة حياة الانسان و احتمالات الموت في اي لحظة. و يفترض معرفة هذه الحقيقة و التفكير بها كجزء من سياق الحياة ، فقد يصحح ذلك حسابات و تعاملات نحو الأفضل،! كنا ضيوفا على بيت ابنة اختي التي مرت بظروف ، هي ايضا حالة تمثل نموذجا  من الحياة الاجتماعية، يستحق التوقف عنده ، . صبية كان  اكبر اولادها الاربعة  في الصف الثاني الابتدائي و الاصغر كان عمره عاما ونصف العام ، و بينهما ابنتان.(اكثر من سبع سنوات)اعتقل زوجها في ظرف اشكالي لا ذنب له فيه بكل المقاييس، . انصرف من دوامه و قصد محلا داهمته دورية في مخيم اليرموك في دمشق ،و كان المظنون  انه سيفرج عنه بعد معرفة الملابسات ،لكن لم يفرج عنه حتى اللحظة ،بل اكثر من هذا، لا ندري عنه شيئا. و هذا أحد نماذج من معتقلين في نظام يظل يردد شعارات يصفق لها " موالون" و قد يكونون هم الضحايا في مرحلة ما.  و هذا نوع من غياب شعور بالمعنى الانساني و العدالة في ثقافة ذات طبيعة شعبوية، و استهتار بقيمة الانسان و حقوقه .!و لا أدري كيف لمثل هذا النمط الثقافي في ادارة الحكم ان يوفر حياة طبيعية للشعب ؟!كنا في مدينة "اوزال ستي" و لا ادري إذا كانت للتسمية علاقة باسم رئيس تركيا الأسبق ،تورغوت اوزال  و الذي يقال انه اغتيل ، بسبب انه كان لديه مشروع انفتاح على القضية الكوردية في تركيا.( سمعت من قال انه ذا اصول كوردية). لا اراهن كثيرا على الانتماء العرقي في التصنيف و التقييم ، لكنه يبقى ذا دلالة عموما و معنى عموما.!مدينة أوزال ستي هذه ، كانت جميلة في مخططها العام ، لكن فيما البناء بدا لي أن الغاية التجارية غلبت فيه ، و كان يمكن ان يكون افضل( أتساءل دوما: لماذا لا يتم الجمع بين حسن الاداء و الجانب التجاري عبر رؤية بعيدة المدى.!).على كل ، بات النزوع التجاري حالة  ثقافية اجتماعية معمقة على حساب منظومة قيم انسانية اخلاقية.!زرنا اقرباء و سررنا بلقائهم لاسيما انهم يعيشون حياة مطمئنةو نرجوها افضل دوما.  التقيت احد الاقرباء الذين اصطحبني الى سوبر ماركت و هو يحدثني عن بدايات ( 60 متر مربع) الى ما يقارب 1000 متر مربع، و تنوع يكاد يكفي حاجات المدينة . و جدت انها جهود تصلح لتوصف بقصة نجاح،  ونشرها كتجربة رائدة . و قد افعل ذلك عندما تتوفر لدي معلومات كافية.!من كوردستان أحييكم.



 رحلة إلى كوردستان ( في هولير) 10


يوم الاربعاء 9 حزيران 2021خرجنا معا ، و جهتنا حديقة شانه دار .لفت انتباهي رصف بلاط المدخل بطريقة فيها خداع البصر ، و تمثال انسان قديم ( طبعا وفقا لنظرية ذات طبيعة علمية تمثل خلاصة دراسات و استنتاجات...لسنا بصدد الحديث عنها ،و انما ذكرنا بها كاحدى قضايا في ثقافة بشر ).انحرفنا نحو اليسار نقصد المتحف المبني بأحجار كبيرة ( ضخمة نسبيا) و بطريقة موحية ( او مستوحاة من طبيعة كهف شانه دار) هي اجتهادات بشرية في التفكير و في الاداء و في محاولات ابداعية فكريةو فنية ، تنجح احيانا و قد تفشل احيانا اخرى .لكن تبقى المحاولات معبرة عن حيوية فيهم. كان المتحف مغلقا ، فانحرفنا نحو مساحة خضراء ممتدة و كانها بُسُطٌ خضراء ، تَفصل بينها أشجار دون كثافة، فتبقى المساحات منفتحة على بعضها ، و بدت مخدومة من حيث العناية بالعشب ، سقاية و قصّا ( و هذا ما لم نلمسه في حديقة زرناها في وقت سابق،و هي قريبة من فندق كريستال ، و قد اشرنا اليها في حلقة سابقة).جلسنا على كراسي حول  طاولة ( بلاستيكية)كانت في احد الاجنحة .و هذا جميل.! فان الجلوس على الارض طويلا قد لا يلائم بعضهم لاي سبب كان.  و تساءلت : ترى ألا توجد امكانية لأنواع اخرى من الكراسي و الطاولات اكثر انسجاما مع مسمّى الحديقة و ايحاءاتها التاريخية و الأثرية ؟.اثناء جلوسنا كانت عدة عربات تلفريك تسير فوقنا في حركة دائبة ذهابا و ايابا ، لاحظتها كانها ملونة بالاحمر و الاخضر و الاصفر . و اظن ان عددها كان ستّ عربات .  خلت ذلك اشارة الى ألوان العلم الكوردي ( Ala kurdî) و قد ارتأى اولادي ان نذهب لركوبها لكنني اعتذرت ، فذهب اثنان منهما لركوبها ، و ذهب الآخر مع زوجته يتمشيان . و المشي في مثل هذا الجو متعة حقيقية. فبرودة و خضرة و مساحات خضراء ذات تقسيمات جميلة ، و حركة بشرية تؤنس المشاهدة.لاحظنا بالقرب، عائلة يبدو عليها الفرح ، فقد كنا نسمع ضحكات افراد فيها أحيانا ، اوحت إلينا بتمتّعهم  بهذا الجو الجميل ، (و بالمناسبة اكثر مرتادي الحديقة بدوا من العرب خلال و جودنا فيها او الناحية التي كنا فيها ).لكن فرحتهم لم تدم طويلا ، فقد لفت انتباهنا ان امرأة تلطم خدّها ، في شيء من حذر ، لكن لطمها زاد ، و بدا واضحا ان حدثا موجعا قد حصل ، و انتقلت اخباره عبر الموبايل . وكأن الرجال كانوا يحاولون التأكد ، او يحاولون الايحاء بما يدفعها للصمت ، الا انها ازدادت لطما ، ثم سرعةً في الخطوات ، سبقت بها جماعتها ، و هم جميعا يتجهون نحو باب الخروج. تطرح هنا،  قضية استخدام الموبايل ، هل يكون صحيحا دوما في نقل اخبار  ، او هل إن توقيت و أسلوب نقلها صحيح؟. اظن ان هناك حالات كثيرة لا ينضبط فيها بشر بما هو مفترض .! و القضية الثانية هي حالة الانسان في  نظرته الى الواقع و الحياة عموما، و كيف انه ينسى طبيعتها و  احتمالات  قد تفاجئنا بها في أي لحظة .!  و هي تنطوي على ما هو مؤكد كالموت مثلا،  او اي طارئ آخر في صور مختلفة . لكن توقيتها غير مفهوم كما حصل مع هذه العائلة ، و كيف ينبغي ان يتعامل المرء معها : هل يتجاهلها ام يفكر فيها بعمق ؟. و هذا يثير تساؤلات تتوالى و تتكثف في رؤية نهائية الى الكون و الحياة فيها .،  إنها قضية قديمة جديدة تَفرّق السّبُلُ بالبَشرِ حول النظرة اليها،  و التعامل معها!.دعاني ابني الأصغر الى  التّعرف على الحديقة أكثر.لاحظت بناء صغيرا على شكل كهف و احجار كانها قريبة من حالة عشوائية، قيل انها دورة المياه. ثم انتقلنا الى مكان فيه مقبرة احدى قبورها كانت طويلة ، حاولت قياسها بخطواتي، فبلغت عشر خطوات ،و قيل انها لانسان من العصر القديم.(لا ادري مدى المصداقية). عدنا الى البيت بعد قضاء وقت جميل- لولا ان ذكرى تلك المراة(العائلة) تركت اثرا في النفس،  فشابتها مسحة حزن خفضت منسوب الشعور بالمتعة. يتبنى بعضهم  اتجاه غلبة الحزن في الحياة كنوع من  قناعة لدوام الحزن و البعد عن الفرح، و قد يرى آخرون خلاف ذلك باعتبار ان الحياة فرصة ليعيشوها بفرح و يقتنصوا كل لحظة فيها  و لا اظن ان كلتا النظرتين صائبتان.! فالتوازن والاتزان دوما سِمة تبدو مُثلى في الرؤية و التفاعل مع الحياة.!



 سياحة نحو قلعة هولير الاثرية الشهيرة.


الثلاثاء 15 حزيران 2021 أمس ( الاثنين) 


اقترح ابن عمي الذي انا في ضيافته ان نتفسح قليلا ، سائلا: هل سبق وزرت القلعة؟. فقلت: لا . قال : ما رأيك ان نخرج في فسحة ، نتفرج فيها معا على  قلعة هولير الاثرية و الشهيرة ؟!لقي الاقتراح هوى في نفسي . فخرجنا معا . و قبل الوصول الى ساحة تسبق القلعة و فيها نافورة عالية ،ارضها مزروعة بالعشب ،و مزودة بمقاعد للجلوس و الاستراحة ... طلب من ابنه الوقوف وقال: هنا مدرسة احيلت إلى متحف ، لنشاهد ما فيها. لكنها كانت مغلقة بسبب انقطاع الكهرباء. من حسن الحظ ان المسؤول عنها كان لا يزال فيها. فالقينا عليه السلام و تحدث معه ابن عمي ،فرحب بنا و فتح الباب لنا ، مقترحا ، العودة صباحا حيث تكون الكهرباء متوفرة( لم اساله عن سبب انقطاع الكهرباء ، فهي متوفرة في اربيل خلال اربعة و عشرين ساعة تتخلها لحظات انقطاع دقائق قليلة يتم فيها التحول بين الكهرباء النظامية و المولدات" الامبير" ). لم اكن افهم تماما ما يقول. لكنني فهمت عليه ترحيبا اشكره عليه.لاحظت في المتحف ما سرني ، فقد جُمعت اشياء تخص  اساتذة و تلاميذ في مدرسة " اربيل الاولى " عام 1930( كما هو مدون في خلفية صور لشخصيات كوردية و عربية و مسيحية و  تركمانية و جو " يهودية") بينها صور ، و ثياب و كتب مدرسية ، و كتب الفها اساتذة او خريجوا المدرسة ، و وسائل ايضاح منها ما يشبه الفانوس السحري و شرائط ( بكرات) و أجهزة مختلفة ، كانت قليلة لكنها كانت معبرة عن تاريخ و تراث و ذكريات و إيحاءات و تداعيات ...لها في النفس وقع و صدى.( و يقال ان الرئيس مسعود كان أحد طلابها)و التقطت صورة مع المسؤول عنها و أخرى مع حارسها.خرجنا وجهتنا القلعة ، لاحظت كثافة من الزائرين في تلك الساحة ذات الاعشاب الخضراء و نافورة عالية و مقاعد استراحة ...و ربما هي المرة الاولى التي لاحظت فيها الممرات مبلطة بالزجاج .التقطنا صورا تذكارية بكاميرا هاتف ابن عمي ، ثم اتجهنا نحو مقهى القلعة  ، و هو مؤلف من طابقين ، فضلنا ارتقاء الدرج نحو الطابق الثاني ، و اتيحت لنا طاولة حولها ثلاثة كراسي ، بدا لي ان الجميع كذلك.جلسنا حولها ونحن نشرف على الشارع و الساحة،  تُسلّينا حركة دائبة للسيارات و الماشين ومحلات قبالتنا.قال لي ابن عمي: انظر الى السقف ، هل تلاحظ ما يشبه البخار ؟. قلت : نعم. قال : انها الماء تضخها مولدات( اجهزة ) و تحيله الى بخار ينزل ندى يلطف جو المقهي  . فالحرارة هنا عالية .!تناولنا شيئا ، و التقطنا صورا ، لكننا أجلنا زيارة القلعة الى وقت لاحق ، فقد شعرت بظهري ينذرني بالراحة ، فاستجبت لإنذاره. و في طريق العودة زرنا اصدقاء ، لم نجد بعضهم ، و لم نطل المكوث لدى آخرين ، فقد كان موعد تناول الدواء قد حل .و ان الإلتزام من ضرورات تحقيق النتائج الطيبة عادة.


 كوردستان-هولير( زيارة الكاتب جلال زنكآبادي)


الثلاثاء 15 حزيران 2021


كان للاستاذ الاديب جلال زنكآبادي تفاعل مع منشوري عنه فانتج هذا النص الذي انشره .و اشكره على لمساته الجميلة:زيارة الأديب جلال زنگاباديارتأى ابن عمي محمد شريف ان نزور الأديب المعروف جلال زنگابادي في بيته ، و كان قد اتفق معه ،فبينهما علاقة معرفة و صداقة تبدو ممتدة .طبعا يتشرف المرء بلقاء شخصيات منتجة عموما ، و خصوصا في الجانب الثقافي و المتميزة سياسيا. .فالمثقفون ،لاسيما اذا كانوا ممن ينتجون كتبا تجمع خلاصات ثقافتهم عبر تأليف او ترجمة او ...-و الاستاذ جلال زنگابادي له قرابة ثلاثين كتاباً ما بين تاليف و ترجمة ، بحسب ما قيل لي-. يبدو انه لا يزال طامحا الى المزيد على الرغم من معاناة يسببها ضعف السمع لديه ، اثر حادث ( قذيفة تاثرت في خلل فيه) الحرمان من اي حاسة من الحواس قد يؤثر سلبا على حياة المرء، لكن الاستاذ جلال زنگآبادي حوّل المعاناة الى حيوية في استمرار القراءة و الانتاج الثقافي و الادبي. واصبحت القراءة و الكتابة عالمه الخاص كما يبدو. حتى يكاد ان يبتعد عن عالم الواقع و ما فيه الا ضمن حدود خدمة الثقافة التي تشغل كل وقته!زرناه في بيته ، و التقيت به . و بدا لي ان العلاقة بينه و بين ابن عمي طيبة .كنا نتفاعل معه عبر كتابة أفكارنا او أسئلتنا او مداخلتنا، و هو يرد عليها بالكلام. فقد كان سليم النطق و متقنا للغات عدة - بحسب ما فهمت - وفيما يخص اللغة الكردية فهمت انه يعرف لهجات متعددة فيها ، و هو يستفيد من ثروته اللغوية هذه ،فينتقي منها ما يرى من كلمات يوظفها في كتاباته. ربما سعيا منه للتنبيه الى الحاجة الى لغة ذات تباين في اللهجات ، و هي مشكلة لغوية كردية ، كنا حضرنا سيمنارا للاستاذ خالد جميل محمد في بدايات وصولنا ( اشرنا اليها في احد المنشورات) و كان عنوانها :Standerdkirina zimanê kurdî و نذكّر بأنها كانت غنية بالمعلومات و الافكار و مقترحات ... ليت اولي الامر اهتموا لها ،اضافة الى ما طرحها و يطرحها مهتمون بالجانب اللغوي في الثقافة الكردية، كما نامل ان تتحرر الثقافة الكردية من محاولات تسييس قضاياها ، ومنها قضية اللغة و توظيفها كمادة في بازارات سياسية.خلال الدردشة مع الأخ جلال ؛ علمت بأننا في عمر واحد (تولّد 1951)لكنه يصغرني بشهور قليلة .يبدو انه لم يُنصَف من قبل المسؤولين ، كما استنتجت من مجمل حديثه ، او قد يكون عَرضُه - كعرض مثقفين كثر- كان في سياق عرض هموم من وحي شعور بالشكاية من اسلوب المسؤولين في ضعف الاهتمام بالثقافة ، او تسخيرها ، في شخص مثقفين ارتضوا ان يكونوا أدوات لخدمة لخططهم ، و بعضها قد يكون ذا بعد مصلحي شخصي، لا مصلحي قومي و طني عام . و هذا لا يتوافق مع ما هو مفترض في الحالة الثقافية المعرفية و التربوية المتوازنة ،و ذات الشعور بالمسؤولية تجاه القضايا العامة. و منها ، إعاقة رغبته في بيع كتب (مكتبته) بسعر زهيد  لجهات حكومية عامة كـ ( مكتبة الجامعة) ، بلْ أفاد بأن ثمّة قرار بعدم استقبال المكتبات الشخصيّة حتى كهدايا ! وقد ذكر واقعة غريبة ، و هي رمي كتب ومطبوعات (مؤسسة شفق الثقافيّة) في نهر (خاصّة) بعد غلق المؤسسة الممولة من قبل (الحزب الديمقراطي الكردستاني)  فلم استوعب سبب اجراءات من هذا النوع! فالكتب و "ثمرات المطابع" عموما مخزون ثقافي علمي و تراثي يمثل نبعا غنيا لتنمية الوعي ، و تحفيز الفكر نحو العطاء و الابداع. و من الغريب ان لا يقدّر المسؤولون، لاسيما في الحالة الكردية التي عاشت قرونا من المعاناة بسبب حالة جهالة زرعتها فيهم دول و حكومات شعوب حكمتهم خلالها .فالثقافة و صحوة الفكر و الدفع نحو الابداع... من اهم الحاجات لتحرير الشعب مما هو فيه من مشكلات ذات طبيعة ثقافية ، و منها الاجتماعية و السياسية ايضا.! على الرغم من أن هذه الحالة موجودة واقعيا خلال التاريخ الاجتماعي/ السياسي كله ، لكنها محل استنكار في ما قرأنا مما وصَلنا من مدونات تحليلية و توصيفية و تقييمية ، فهي ظاهرة سلبية، تبرز فيها انانية متمحورة حول ذاتها و تفرز قيما و ممارسات لا ترتضيها الذائقة العامة أو الحدس العام. و ان هذا النمط من السلوك يسهم في انحراف حكام و استبدادهم و فسادهم. نلاحظ هذا في حالة شعوب يسود فيها جهلاء او فاسدون ( و الجهالة ام الفساد)الاهتمام بكل إنسان له خصوصية في اي جانب من الحياة، مهمة الدول و الحكومات، لكن الاهتمام قد يكون اكثر ضرورة بذوي قدرات ثقافية / فكرية و امكانيات عطاء ... و لهم خصوصية مرتبطة بهذه القدرات و العطاءات التي تغني الحالة الثقافية القومية و الوطنية ، و ترفدها بإمكانيات قد تنتج يوما ان لم تنتج في وقتها . هؤلاء رأسمال قومي و طني بمعنى ما .و ان هدره لا يخلو من خطورة - في المدى البعيد على المصالح العامة للشعوب . و المؤسف ان الاهمال -و منه المتعمد - حالة ظاهرة في الممارسة السياسة ذات النزوع الحزبي التعصبي ،في شعوب العالم الثالث المتخلف.و قد اهداني الأخ جلال كتابين احدهما باللغة العربية (خورخيه مانريكي شاعر عصره) و آخر باللغة الكردية ( بالحروف العربية المعدّلة) وهو مترجم : (محنة زرادشت و قصائد أخرى) وهي مختارة من مجموعات الروائي ، المترجم ، الباحث والشاعر برهان شاوي تمنيت في نفسي ان تلقى هذه الحالة و مثلها ما تستحق .و ختاماً أتساءل: لماذا لا تؤسس الحكومات هيئة خاصة تتولى البحث عن المؤهلات و ترعاها ؟!


 


يتبع .................

تم عمل هذا الموقع بواسطة