"إن تُتْهِمي فتُهامةُ وطني == أو تُنجِدي إنّ الهَوى نَجْدُ"
بيت من قصيدة عرفت ب"اليتيمة" أو "الدرة اليتيمة" ،و نسبت الى عدد من الشعراء أرجحهم دوقلة المنبجي ، و اظن ان اسمه حسين...و بعضهم يسمّيها " دعد" على اسم الأنثى الموصوفة: لَهَفي على دَعٍدْ وَ ما حَفِلَت بالاً بحرّ تَلَهّفي دَعْدُ. و هي قصيدة تصف الانثى من رأسها إلى أخمص قدميها بما فيها الاعضاء الحساسة، و كان طلبُ أميرة جعلته صداقها(مهرها).لكن أحدهم التقى الشاعر في الطريق ،فخَدعَه ، و التقطها منه ثم قتله ، ليزعم انها قصيدته. فضمّن الشاعر الاصلي القصيدة ، هذا البيت عند احساسه بأنه مقتول ، للتنبيه إلى ان قائل القصيدة قد قُتل. و ان الذي يلقيها مُنتحِل.و يقال ان هذا البيت هو كلمة السر لاكتشاف ذلك، فعندما ألقيت القصيدة طربت الأميرة لها ،لكنها عند سماع هذا البيت انتفضت و قالت : " آهٍ لقد قتلت زوجي".ما يهمنا هنا هو معنى ازدواجية الانتماء : "الوطن" و" الهوى"لنتكئ عليه في الحديث عن الازدواج و التردد لدى مثقفين، أو نموذج عنهم. فالتعريف العام للمثقف هو ذاك الذي يمتلك معارف و علوم و شخصية ذات طبيعة تفاعلية اجتماعيا.نصف الانسان بأنه اجتماعي للاشارة إلى علاقات الانسان ضمن المجتمع، في تجليات مختلفة ، بما فيها العلاقات السياسية -كمعنى عام -، ثم تُخصّص المعاني في سياق ذلك ...و كأي إنسان فالمثقف له مشاعره و مواقفه و مصالحه و... ، ففي النهاية هو إنسان ، فقط هو يتميز بالمعارف و العلوم ... التي تزيده وعيا .فتزداد لديه قدرات على الفهم و الإدراك و الاستيعاب اكثر من الانسان غير المثقف. و بالتالي قدرة على بلورة رؤية و مواقف....أكثر نضجا و صوابا تجاه الحياة و ما فيها، او هكذا هو المفترض.!من حق المثقف - كغيره - أن يختار انتماءه على مسؤوليته ،و يراعي مصالحه في سياق المصلحة العامة ، و ان يلعب دوره في الحياة، وحياة اجتماعية خاصة وفي الجانب السياسي ايضا ... فينتمي إلى حزب، او يحتفظ بإستقلاليته، فلا ينتمي الى حزب.لكنه - بحكم حالته الثقافية - يتفاعل مع القضايا الاجتماعية المختلفة ، ومنها السياسة، في صورة ما، و بحسب اجتهاده . سواء انتمى الى حزب ام لا.فقد يتعاطى مع السياسة في جانبها الثقافي النظري - و موقف من مفاصل رئيسة فيه-فهو يهتم بقضايا السياسة باعتبارها تمس الحياة الاجتماعية ، و يتابعها و يكتب عنها من موقع مستقل ، لا منتم الى احزاب.هنا، نميّز بين معنى "الحزب" ،و معنى "السياسة" . فالسياسة معنى أعم( الحزب جزء مهم فيها). لذا يمكن للمثقف ان يكون مهتما بالسياسة دون ان يكون حزبيا. و قد يتعاطى السياسة كمشارك في ممارسة سياسية و علاقات فيها من موقع طُموح في تبوُء مكانة سياسية للتأثير فيها - و هذا حق له و خيار و مسؤولية- أو من موقع مساهمة في النضال من أجل تحرّر شعبه في ورة ما . و قد يكون له مؤيدوه ، و يتحالف مع احزاب في محطات معيّنة كالانتخابات مثلا.( أشيع ان الرئيس التونسي الحالي ترشّح للرئاسة كمستقل).و قد شهدنا هذا في تجارب المجلس التحالفي ، و نراه في المجلس الوطني، على الاقل كفكرة - بغض النظر عن تقييمنا لها-.فالانسان حر في قناعاته و خياراته مادامت سِلمية ، و عندما تصبح عُنفية ،تُبحث مشروعيتُها في ظروفها ، و وفق معايير معتمدة( متفق عليها). من المهم هنا ، التفريق بين: أناس مدفوعين ليوصَفوا بمثقفين زورا ، و تسخيرهم لغايات سياسية حزبية أو سلطوية "مثقفون تصنعهم أحزاب وسلطات" .و بين مثقفين قد يمتلكون مؤهلات تعبيرية، لكنهم يفتقرون إلى خصائص النّضج و خصال أخلاقية، فيتخذون من التملّق وسيلة فيحومون حول سفرة السلطات. و أن توصيفهم بالمثقفين لا يخلو من شبهات( علي عقلة عرسان مثلا).و بين مثقفين يندرجون تحت معنى مثقف وفق التعريف العام السابق،" يمتلكون معارف و علوم. ومتفاعلون اجتماعيا..." يميلون إلى عمل حزبي، لكن يمنعهم عنه اعتبارات تخصهم. فيمارسون ميولهم على هامش آمال ترُتجى ، او انسياقا مع سيكولوجية في تركيبة الشخصية لديهم ( خصوصيتهم) .ففي أكثر نشاطهم الثقافي يميلون الى هذه الجهة او تلك، و يترجمون الميل الى مواقف في صيغة ما ، مثقفون مترددون ، لا يتبنون طريقا واضحا يسيرون فيه ، و لا يتخذون قرارا تبرز فيه استقلاليتهم بوضوح ( و قد يتنقلون بين اتجاهات حزبية بحسب ما يرون مصلحة لهم ، نتيجة الضعف في مواقفهم يقعون ضحايا استغلال احزاب او سلطات... لهم). لا يتماشى هذا النهج مع حرية المثقف (الكاتب) ، و حاجته إلى المحافظة على استقلاليته ، و عدم انحصاره ضمن برامج لا ينسجم معها ، او لا تنسجم مع رؤاه. فالعمل خلاف القناعة يفرغ الشخصية من محتواها .المثقف - و اي إنسان واع- له رؤاه الخاصة ، و التي قد تختلف احيانا مع هذه الجهة او تلك، و قد تتفق أيضا احيانا ( ونعني المواقف المعلنة شفاها او كتابة او ممارسة) .اما الميول ، فلا يُحاسَب المرء عليها الا اذا تُرجمت الى مواقف معلنة.مما اعجبني حول هذا المعنى ان أحد المدمنين على شرب الخمر ، أقيم عليه الحد- فقال: إذا خرجت من هنا سأشرب الخمر فلا أملك نفسي.فقال الخليفة عمر بن الخطاب: اقيموا عليه الحد ثانية .فقال علي بن أبي طالب: ما مستندك ؟ قال: اقراره. قال فهل شرب؟ قال. لا. قال كيف تقيم الحد عليه لفعل لم يرتكبه؟ فتراجع عمر و قال لولا ابو الحسن لوقعنا في الذنب ، أو بهذا المعنى.!و ما اعلمه فإن القانون ايضا يشدد على الممارسة الموثقة .و نقول: لا يتناسب هوى مزدوج ، مع الرؤية الواضحة ، و الموقف المسؤول.فالاحرى بالمثقف ان يحتفظ بخصوصيته الفكرية و رؤاه الخاصة التي تبلورت لديه، و بالتالي شخصيته و خصائصها كما هي.بحسب قناعات تبلورت لديه.اما مرونة التكيف مع الظروف و الأحوال ( و هذا احد تعريفات الذكاء ) فقد تكون حاجة ما لم تتحوّل إلى نفاق ( يعلن المرء شيئا و يبطن خلافه) و نختم بالتفريق بين معنى " المستقل " و " الحيادي" فكثيرا ما نقرأ عن هذا في اطروحات ملتبسة و بعضها انفعالية: المعنى الدارج لمفهوم "المستقل" هو ان الشخص لا ينتمي الى أحاو يَفهم بعضهم هذا المعنى على أنه " حيادي" و يتصوّرون أنه كالمسطرة على مسافة واحدة من اطراف او طرفين .و هذا خطأ: فالحيادي له موقفه - كما المستقل- لكنه لا يعبر عنه مباشرة لأسباب تخصه: فمثلا لا يشترك في الخلاف بين طرفين لأنه ليس مقتنعا به ، او يحتفظ بحياديته ليستغل ذلك في التوسط بين الأطراف او طرفين.او ...و اما الموصوف بالمستقل ، فيفترض انه يعني الشخص الحر في اتخاذ قراراته استنادا الى قناعاته الخاصة- حتى ان كان عضوا في جماعة- و لا يضيره ان اتفق في موقف مع هذه الجهة او اختلف مع موقف آخر ،فقناعاته الخاصة هي المعيار لديه. لكن المعنى الاكثر اشتهارا هو انه غير منتم الى جهة ما(حزب) ، و لا يلتزم بما تفرضه جماعات ما .و خير انحياز سياسي هو الانحياز الى الشعب و الوطن و قضيتهو إنما الاشخاص- أيا كانوا- ياخذون تقديرهم من المدى الذي خدموا فيه الشعب و الوطن و القضية .فالقضية اكبر من الجميع - قادة و عامة-.!