هل هذا الشعور يتكون لدىٰ الأنسان في حالات الإحساس بالضعف ، بالقوة ، أو الخوف من الضياع..؟ ** لماذا يلجأ الإنسان ، أو تلجأ جماعة معينة من البشر إلى تقديس شخصاً ما، أوحيواناً ، أو حائطاً ، أو قبراً ما ..!؟ ** مامعنىٰ وما أهمية أن يكون لك مقدساً..! وهل لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون هذا الشعور .!؟
** ماهي الفائدة من المقدس بذاته ، وما هي ضرورة التقديس ؟ وما هي أبعاد الحالة النفسية والشعور الذي يتولد لدىٰ الجماعة، وما هي الحاجة المتلازمة بين الطرفين ( المقدس والتقديس ) التي ولَدت هذه الظاهرة المتوازية والمتزامنة مع مراحل تطور البشرية الموغلة في القِدم ، المتجددة دائماً والمتجذرة في المجتمعات بمختلف أعراقها .؟
** لماذا لجئت لها الجماعات البشرية منذ القِدم ، وما هو سر وسبب هذه الحالة والشعور المتوارث من جيلٍ إلى جيلٍ وبأنماط وأشكال مختلفة وصلت إلى يومنا هذا ، وبصِيغ متطورة تزامناً مع الوضع الأقتصادي والتقدم التقني .؟
** وعبر مسيرة البحث وبأشكالها البدائية ، كان الإنسان دائماً يبحث عن ذاته في الكون الذي يحيط به.، في الطبيعة التي لامست مشاعره البسيطة ، في اللحظات الأولىٰ منذ ولادته . وخضع للتغيرات والتقلبات الجسدية والنفسية المختلفة ، متزامنة مع متغيرات الطبيعة من حوله عبر حقب زمنية متتاليه تحمل صفات مختلفة أيضاً .
** أدهشته قوة الطبيعة بظواهرها الخارقة ، وكانت آنذاك عصية على قدراته العقلية في تفسيرها ولاتزال أغلبها لم تفسر بعد رغم تطور العلمي الهائل . مثلاً .. كانت الحيوانات العملاقة و المفترسة تُحدث في ذاته رهبة شديدة ، أوقعت في نفسه خوفاً وهلعاً فظيعاً بما تحمله العبارة من معنىٰ .! والشمس والقمر وماتملكانه من طاقةٍ قويةٍ وشديدة التأثير لانظير لها علىٰ الأرض وسكانها . والطوفانات الكبيرة للأنهار والبحار وهي تبتلع كل شيء معها أمام أنظارهم . كل هذه التأثيرات وغيرها ، شكلت لديه حالةً وشعوراً غير مفهوم ومعقد . وأصبح يدرك ذاته وقدراته مع الطبيعة رويداً رويداً.
*** وحتى في حالة الجنس مع المرأة ولدَت لديه شعور بقوتها الخارقة في الخلق . وأصبحت لعصور من الزمن رمزاً للخصوبة والعطاء ، في مشاعر وأحاسيس الحب والولادة . ولعدم قدرة الإنسان في تفسير هذه الظواهر المختلفة ، وعجزه لإ يجاد الحلول لها . *** لذا تعمقت لديه حالة الخوف وتحولت هذه الظواهر إلىٰ قوة خارقة ذو تأثير كبير عليه . وهنا بدأ ظهور تقديس القوة والعظمة والخوف منها ، وظهر مفهوم المقدس ووجوب تقديسه وتقديم القرابين له . *** هذا يوضح لنا أن الأنسان كان دائماً في حالة قلق روحية وخوفه من المجهول . لذا من السهل عليه إن يستسلم ويخضع لتأثير هذه الظواهر الخارقة والتعايش معها كما هي وتنظيم أموره الحياتية بموجب قوانينها.
***** لدينا هنا تساؤلات تطرح نفسها ؟ #هل الطبقات المتحكمة بشوؤن العباد عبر العصور بمختلف تسمياتها وأشكالها ، هل أعترفت وتعترف ب { المقدس وحالة التقديس } أم أنها صنعت المقدس وأدركت مهامه الوظيفية في تنظيم أمور البشر المعنوية و الروحية و الحياتية ، لما يملكه هذا المقدس وهذا الشعور من القدرات الخارقة و الخيالية ، وذلك بالأعتماد على خبرات الأسلاف في أدارة شؤون الرعية. #هل حدث في تاريخ البشرية إجماع على مقدس معين ؟ وهل توحدت في يوم ٍ ما مشاعر التقديس للبشر لمقدس واحد ، وبأستمرار عبر العصور .؟
طبعاً لا .. لأنه هناك دراسات عديدة لحركة تاريخ الشعوب تؤكد ظهور الكثير من ( المقدسات ) وبأشكال وبأساليب مختلفة. وولدت معها تنافس خطير يحمل في طياته إشارات مخيفة لصفات التبريك والولاء للمقدس . وأنتشر هذا الشعور للمقدس وتحول إلى ولاء مطلق ، رافقه شعوراً للرعية يمثل الفداء بالذات من أجل ذاك المقدس . وللعلم لازالت تتطور حالة الشعور بالفداء للمقدس حسب الوعي المجتمعي في جغرافيات مختلفة وحسب الروحانيات وقوتها المعنوية .
*** في أغلب الأحيان تدنىٰ مستوىٰ حالة التقديس للصف الثاني والثالث للأشخاص المؤثرين في الجماعات و الأقوام. ويمكن القول إن حالة التقديس ماقبل الديانات ( السماوية ) وما بعدها ، أخذت أشكالاً جديدة وتدنت مستوياتها . *** نعم.. بعد ظهور الإله القوي الموجود في السموات (كمقدس مطلق ) لدى معتقدي الديانات ( اليهودية _ المسيحية_ الإسلامية ) وتلاها في القداسة ( الأنبياء _ والرسل _ الخلفاء _ الأولياء _المشايخ _وأصحاب الكرامات _الحاخامات _الباباوات _البطاركة ....إلخ ).
*** وفي إطار حركات تحرر الشعوب وبأيديولوجياتها المختلفة ، ظهرت عبادة القادة المعنويين الممييزين ، ومن ثم القادة العسكريين ذوي البأس الشديد وووإلخ . وويتبين لنا هنا .. أن المقدس وحالة التقديس كانت تتعرض للمد والجزر. تضعف أحياناً وتزداد قوةً حسب الحاجة لها، وتنتهي أحياناً بموت المقدس حسب المعتقدات السائدة ويحل محله مقدس آخر .
*** وهناك أشكالية أخرى ، عندما يكون المقدس يخص قوم من الأقوام أو جماعة صغيرة ... هذا يعني بالضرورة وجود جماعات أخرى تحتقر ذاك المقدس ولا تعترف به وتعاديه وتدعوا لزواله ..! وهذا بالتالي يولد صراعاً فظيعاً في سبيل المحافظة عليه . وحتى ضمن الجماعة الواحدة تطور هذا الصراع وأخذ أبعاداً مختلفة في الولاء والفداء بالذات .
*** يرىٰ البعض من المهتمين أن حالة التقديس ، من صنع أشخاص لهم منفعة في ذلك ، ولفترة هم يحددونها ، وذلك لعلمهم بالمستوى المعرفي والنفسي لتلك الجماعة . وحسب الحاجة يستمر التقديس لأجل مسمىٰ . وإلا لماذا لا تدوم حالات التقديس لدىٰ نفس الجماعة عبر الأجيال بتلك السوية التي بدأت بها . وكما ذكرنا آنفاً بصدد ( الآلهة _ الحيوانات _الظواهر الخارقة وغيرها ).
# يتسأل البعض ... هل هذا الشعور هو حاجة من أجل توحيد حول ذلك ( المقدس ) أو هو وسيلة من أجل الحفاظ على جماعة أو شعب معين من الأنحلال والتمزق . ولكن هذه الحالة في أغلب الأحيان لا تدوم لعشرات السنين ، تتراجع وتتفسخ تلك الجماعة والأمة ، والمقدس يفقد سبب وجوده وأهميته وتنتهي صلاحيته .!
وكما تبين أيضاً في مسيرة البحث الطويلة للبشرية عن ( مقدس ٍما ) ، يحمل صفات قوية و أبدية . وبالتوازي مع وجود ( المقدس ) صدرت قوانيين تنظم عملية التقديس والتقرب منه ، في حالات الرفض والقبول ، تتراوح ما بين الترهيب و الترغيب كمفهوم ( الجنة ، الجهنم ) . من يرفض يحاسب في الدنيا والآخرة . ومن يطيع له مكافأة أحد جوانبها جنسي، وحياة الخلود الموعودة تنتظره..!
للأسف الشديد حتى الإله السماوي أصبح مصدر خلاف بين الجماعات البشرية في طريقة التقديس . أسلامياً ( شيعة وسنه ) ومسيحياً (كاثوليك _ بروتستنت _ أرثوذكس) وهناك تفاصيل عديدة و معقدة التي تبث التفرقة ، وأحدثت شرخاً كبيراً بين المؤمنين للدين الواحد وجماعته . ولسنا هنا بصدد الأسراف في ذكرها الآن.
*** ولازال الخلاف مستمراً بين الأقوام والجماعات من البشر يتطور حسب مستوىٰ الوعي والمعرفة لكل جماعة على حِدا. _وعلى الأغلب هذا الشعور لدى الإنسان كان يؤدي إلى حجب الرؤية ويفقد الثقة بين الناس ويعمق الخلاف . حيث تفتقد البوصلة الوطنية والأجتماعية والمعرفية أتجاهها الصحيح . ويصبح الهدف وسيلة ، و الوسيلة تتحول إلى هدف .
**** وأخيراً.. أود أن أختم قرائتي التحليلية هذه ، حول مفهوم حالة ( التقديس والمقدس ) وأريد الأشارة هنا إلى أن أبناء شعوب الشرق الأوسط على وجه الخصوص بمختلف أعراقهم ومعتقداتهم ومذاهبهم يتقاسمون جغرافيات متداخلة ، وأفكاراً مشتركة من عادات وتقاليد متقاربة لحدٍ ما . ولكن تختلف في الأساليب و الأشكال فقط ، وتتوافق في المضمون على الأغلب . وإن قليلاً من التمييز لدىٰ شعب من الشعوب لا يعطية الأفضلية بالمطلق ، للتمادي على الشعوب الأخرى .