اللجنة الدستورية والإستحقاقات ...
بعد قرابة عقد من سنين الحرب المؤلمة ، التي غيرت فيه من ملامحنا وملامح بلدنا ، فلم نعد نشبه أنفسنا أبدا ، طفى على السطح مساء أمس ، خبر ترقبه السوريون بجميع أطيافه ، بفارغ الصبر ، مصدره الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ، السيد غوتيريس ، ليعلن تشكيل اللجنة الدستورية السورية ، بعد مفاوضات ماراثونية شاقة ، تلك التي ستصيغ دستورا دائما للبلاد ، وتنهي بذلك حربا أهلية ، أحرقت الحرث والنسل ، كما يتمنى الجميع ...
ومع أنها خطوة مباركة ، وفي الإتجاه الصحيح - من حيث المبدأ على الأقل - ومع أننا جميعا نريد إنهاء معاناة الشعب السوري ، بوضع حد لهذه الحرب العبثية ، وإيقاف سيل الدماء ، لكن كل هذا لايمنعنا ، من إبداء مخاوفنا ، من فشل عمل هذه اللجنة ، والتي تنحصر في نقاط كثيرة ، نذكر منها على سبيل المثال ، لا الحصر :
١ - إن الدول الراعية لهذا المشروع ، هي نفسها التي تنتهك سيادة الدولة بشكل سافر ، فهي غائصة في المستنقع السوري حتى أذنيها ، و أياديها ملطخة بدماء شعبه ، عندما فشلت بإنهاء الصراع ، وأطالت أمده .
٢ - أعضاء اللجنة ، لم يفوضهم الشعب لكتابة دستوره ، بل حتى لايعرف أسماءهم ، حيث تم إختيارهم في الغرف المظلمة ، ولإعتبارات فرضتها ظروف الصراع ، وموازين القوى السياسية و العسكرية على الأرض .
٣ - غياب أمريكا عن المشهد ، ينذر بعدم رضاها ولامبالاتها ، وهذا لوحده سبب كاف ، لفشل عمل اللجنة ، نظرا لوزن وتاثير الولايات المتحدة ، على ساحة السياسة العالمية ، كقطب أوحد ، عدا عن سيطرتها العسكرية مع حلفائها ، على ثلث الجغرافية السورية ، وتحكمها بمعظم منابع الطاقة فيه .
٤ - تهميش مكون هام من النسيج السوري ، يشكل القومية الثانية في البلاد ، من عمل هذه اللجنة ، عبر القفز على حقوقه ، بإقصاء ممثليه ، وعدم إشراكهم مشاركة ، تناسب حجمهم ونسبتهم في البلاد ، وهذا يجعل من اللجنة عرجاء .
٥ - كان يجب دعوة ممثلي الإدارة الذاتية ، التي تمثل جميع مكونات الشعب ، في الشمال السوري ، لأنها تسيطر على منطقة الجزيرة ، سلة الغذاء ، وشريان الحياة للسوريين ، وتملك جيشا مدربا ، بإمكان الدولة الإستفادة منه مستقبلا ، في حماية حدود البلاد ، وكطرف في الخارطة السورية ، كما تعد هذه الإدارة ، أقوى وأهم من طرف المعارضة ، من جميع النواحي السياسية و الإقتصادية والعسكرية .
لذلك فالشعب الكردي ، بجميع طيفه السياسي ، مطالب بالخروج على وسائل الإعلام العالمية ، وإعلان أن هذه اللجنة لاتمثله ، وأن القرارات الصادرة عنه ، غير ملزمة له ...
شخصيا : أظن أن اللجنة ولدت ميتة ، ولن تستطيع أن تقدم حلا ، يرضي جميع السوريين ، وينهي الصراع ، وأن الدستور المنبثق عنها ، حتى وإن رأى النور ، فبإعتقادي أننا سنتحارب لتغييره ، في السنوات القادمة ، وهذا ما لا نتمناه ...