كلّما نتعمّق في عالم الغناء والفنّ الكرديّين في القرنين التّاسع عشر والعشرين أكثر كلّما نزداد تأثّراً وأسفاً على الظّروف التي عاشها المغنّون والفنّانون فيهما وخاصة النّساء منهم، حيث واجهوا المجتمع بكلّ عاداته وطقوسه وقيوده.
من هؤلاء فنّانة تحدّت واقعها ومجتمعها لتنعش بصوتها قلب ونفس شعبها ومجتمعها ولكنّها لم تنل منهم العطاء والعرفان، إنّها الفنّانة الرّاقيّة صوتاً وروحاً "بلكا قادو" التي ولدت في قرية "بروژ" بأرمنستان. والدها هو قادو مجيد بندوري وأمّها نازى بيرويى في عام 1924م في بروژ بأرمنستان
تصفها الفنّانة أصليكا قادر بكلّ إعجاب واعتزاز وتقول عنها:
"إنّها كانت رائعة بخلقها وتعاملها وحنانها، مخلصة للمحيطين بها، وفيّة لشعبها ومحبّيها، متميّزة في كلّ صفاتها وخصالها"، وتضيف:
"لم تنل بلكا حقّها من الاهتمام والرّعاية وهي التي وهبت لشعبها صوتها ومشاعرها أحلى سنوات عمرها".
تحدّت الفنّانة بلكا مجتمعها حينذاك، شأنها في ذلك شأن سوسكا سمو، فاطمة عيسى، أصليكا قادر، زادينه شكر وغيرهنّ، وقرّرت أن توصل صوتها بكلّ ما يحمله من دفء وحنان وقوّة إلى شعبها والشّعوب الأخرى، فانضمت إلى إذاعة ايريڤان، القسم الكرديّ، وسجّلت عدّة أغان مثل:
"Kew hêlûn, Weylûr, De felekê"
وغيرها من الأغاني، نالت من خلالها شهرة كبيرة، وذاع صيتها لدى الجماهير الكرديّة التي أحبّتها، وأحبّت صوتها والأنغام التي تتآلف معه بسلاسة وتدفّق.
مع الأسف كغيرها من فنّاناتنا الرّائدات لاقت في نهاية عمرها الفقر والإهمال، ويقال إنّ زوجها كان يعذّبها، ويسيء معاملتها وهي الصّبورة والهادئة الطّيّبة التي تريد الخير للمحيطين بها، ولكلّ من يتعامل معها.
مع هذا الإهمال وهذه اللامبالاة رحلت بلكا قادو من عالمنا في عام 1980م، تاركة صوتها يؤنّب ضميرنا، ويدغدغ ذاكرتنا بوجوب إنصافها بعد رحيلها، تذكّرها، وردّ الاعتبار إليها بعد أن هضمنا حقّها في حياتها.