حياتها الاجتماعية:
ولدت نسرين عمر عثمان في مدينة زاخو في جنوبي كردستان لأبوين قادمين من شمال كردستان في عام 1922م، وفيما بعد اختارت لقب شيروان ليلازم اسمها في عالم الفنّ.
على الرّغم من عدم انتسابها لأيّةِ مدرسةٍ حكوميّةٍ أو خاصة، وعدم إتقانها للكتابة والقراءة إلا أنّ ذلك لم يدعها تعش امرأة عاديّة وربّة بيت كسائر نساء تلك الفترة، بل حاولت أن تسعى من خلال الموهبة التي ولدت معها أن تحدّد لها مصيراً خاصّاً بها، يجعلها في عداد الخالدات في تاريخ المرأة الكرديّة والعراقيّة، وذلك بالسّير في طريقٍ وعلى الرّغم من وعورته وعثراته يؤهّلها لتكون كما شاءت، والذي بات جواز سفرها إلى العالم المنشود.
جواز سفرها كان صوتها المتدفّق من نغماتِ شلالات المدينة التي ولدت فيها، ومن ذرا المدينة التي كانت منبت أسرتها الأوّل.
حياتها الفنيّة:
ظهرت نسرين شيروان كمغنيّة وكغيرها من فنّانات الكرد اللواتي ظهرن في خمسينّيات وستينيّات القرن العشرين خلال العصر الذّهبيّ للغناءِ الكرديّ، تلك الفترة التي أنشئ فيها القسم الكرديّ في إذاعة بغداد، ذلك القسم الذي جذب إليه معظم فنّانات وفنّاني هاتين الفترتين، لذلك أرادت نسرين أن تتوجّه إلى بغداد لتنضمّ إلى أسرةِ الفنّ والغناء الكرديّين، وتحلّق في فضاءِ الغناء الكرديّ على جناحيّ صوتها العذب وأدائها المؤثّر برفقة الفنّان الكرديّ علي مردان في عام 1944م، وقد تمكّنت من الولوج إلى رحاب أسرة الفنّ الكرديّ باقتدار.
سجّلت في الإذاعة الكرديّة العديد من الأغاني وأوّلها أغنية "ده لي..لي، De lê..lê" التي فتحت أمامها أبواب الولوج إلى قلوبِ ونفوس الكرد بسلاسةٍ وعفويّة.
تعرّفت على معظم فنّاني وفنّانات تلك الفترة، وغنّت معهم من خلال الحفلات الغنائيّة أو السّهرات الفنيّة المشتركة التي كانت تُقامُ لهم.
أدّت عشرات الأغنيات التي أنعشت من خلالها نفوس وأفئدة ملايين الكرد، وأضفت على عواطفهم الوجد والّلوعة، وقد ناهزت أغنياتها الأربعمائة أغنية.
غنّت من كلمات وألحان الكثير من الشّعراءِ والملحنين الكرد، وفي ذلك تقول الكاتبة تارا محمد:
((....وسجّلت خلالَ هذه الفترة المئات من الأغاني الكرديّة، وكانت كلمات أغانيها لشعراء عظام مثل (جكرخوين، حافظ المائي، شيخ سلام) وأغلب أغانيها من نغمات البياتي والحسيني، ولها 420 أغنية ومقامات مسجلة).
نهاية نسرين شيروان:
مع الأسفِ الشّديد لم تكن نهاية نسرين شيروان مختلفة عن حياة معظم الفنّانات الرّاحلات الّلواتي سبقنها أو عاصرنها أو ظهرن بعدها حين قرّرت اعتزال نسرين الغناء في منتصف سبعينيّاتِ القرن العشرين، ومع تقدّم العمر بها أضحت عرضة للعزلة والوحدةِ والغربةِ النّفسيّة والجسديّة إلى أن لبّت نداء الموت، وتابعت رحلتها الأبديّة من هذا العالم الذي منحته كلّ ما تملك من نبضات الحسّ والوجدان والصّفاء، ولكنّه خذلها في نهايتها دون رحمةٍ وشفقة.
عن هذه النّهاية نعود مرّة أخرى إلى الكاتبة تارا محمد التي تقول:
((عاشت نسرين في أواخر حياتها مع الوحدة والغربة حتى انتقلت إلى رحمة الله في مدينة بغداد بتاريخ 10 / 10 / 1990 ودفنت في إحدى مقابر المدينة)).
نسرين شيروان امرأة تحدّت القدرَ، فصنعت لنفسها مصيراً يجعلها مميّزة عن غيرها من النّساء الأخريات، وتحدّت المجتمع الذي كان ينعتُ المرأة الفنّانة بالفجور والفسقِ والمجون، وتحدّت الظّروف حيثُ صمّمت على ألا تظلّ موهبتها كمشاعرها ومشاعر نساء جيلها مكبوتة في طيّاتِ النّسيان. امرأة عاهدت نفسها على أن تنعشَ نفوس وأفئدة الجماهير الكرديّة بصوتها المجبول من طبيعةِ كردستان وشلالاتها المتدفّقة حبّاً وحناناً، وتكون نهايتها العزلة والوحدة والغربة النّفسيّة؟