1 قراءة دقيقة
الشّمعة الثّامنة: گُلبهار "وردةٌ عطرة في حديقةٍ منسيّةٍ" 1932-2010 م

عاشت الفترة الذّهبية للغناءِ الكرديّ حيثُ العمالقة "محمد عارف، عيسى برواري، نسرين شيروان، حسن زيرك، عيششان، محمد شيخو، تحسين طه، سعيد كاباري، شيرين ملا ، سعيد يوسف...وغيرهم، ولكنّها أثبتتْ جدارتها كمطربة وفنّانة متميّزة تمكّنتْ من إثباتِ حضورها بجدارةٍ وأحقيّة.
حياتها، نشأتها:
في الحقيقة تؤكّد العديد من المصادر أنّ الغموضَ كان وما يزال يلّفّ حياتها الخاصّة، وتؤكّد بعضها على أنّها ولدتْ في عام 1932في حضن تلك العائلة الآميدية التي هاجرتْ إلى قرية كوجانز في كردستان تركيا باسم فاطمة محمد التي اختارت لنفسها فيما بعد اسم گلبهار، وبعد عودتهم إلى كردستان العراق من جديدٍ توجّهتْ إلى بغداد في عام 1949وكانت قد بلغتْ السّابعة عشرة من العمر، وهناك التحقتْ بفرقة كورال الإذاعة العراقيّة كمطربة وفنّانة مسرحيّة بعدما التحقت بفرقة يحيى فائق، وقد كان عملها خلال هذه الفترة مدخلاً موفّقاً نحو الشّهرةِ والمجدِ بمشاركتها في أعمال تلفزيونيّةٍ في تلفزيون بغداد وبانتسابها إلى فرقة 14 تمّوز الفنيّة بالإضافة إلى تمثيلها في بعض الأفلام كفيلم الوردة الحمراء وفيلم عروس الفرات. حتى الآن نتحدّثُ عن أعمالها الفنيّة التي أدّتها باللغةِ العربيةِ لأنّها وحتى بداية السّتينيات من القرن العشرين كانت تُعرَف كممثّلة ومطربة في الوسطِ العربيّ فقط ولكنّ بداية هذه الفترة كانت فأل خيرٍ وبشرٍ عليها حيثُ تعرّفتْ وبحكمِ تواجدها في الإذاعةِ والتّلفزيون على الكثير من فنّاني الكرد الذين كانوا يتوافدون على إذاعةِ بغداد، القسم الكرديّ لتسجيل أغانيهم، وحين استمعوا إلى صوتها وأدائها انبهروا بها، وشجّعوها على الغناءِ بلغتها الكرديّة، فوافقت على الفورِ لأنّها وكما يقول الكاتب فريدون هرمزي*3:
((كانت تمني نفسها إيجاد فرصة للغناء بلغتها الأم، وتحققت أمنيتها تلك عام 1963 حيث سجّلت أولى أغنياتها باللغة الكرديّة)).
وهكذا دخلت إلى عالم الفنّ والغناءِ الكرديين بقوّةٍ ورصانةٍ، لتقفزَ خلال فترة قصيرة إلى الصّفّ الأوّل من صفوف الفنّانين والفنّاناتِ الكرد .
يقول الكاتب فريدون هرمزي* :
(....والشّيء الجدير بالذّكر عن گلبهار هي أنّها أوّل مطربة كرديّة تسافر إلى العديد من دول العالم، لتغنّي فيها للجالية الكرديّة المتواجدة هناك كذلك لأهل تلك البلدان لتعرفهم على فنّ شعبها. كانت أوّل رحلة لها إلى لبنان حيث غنّت على أكبر مسارحها، وكان المطربان محمد عارف الجزيري وعيسى برواري رفيقي سفرتها تلك.. ثمّ أعادت الكرّة مرّة ثانية عام 1977-1978 حيث سافرت آنذاك إلى بريطانيا والنّمسا وفرنسا...الخ) ).
أغاني گلبهار.
تُعتبر كلبهار رائدة الحداثة في الفنّ الكرديّ خلال تلك الفترة لأنّها كانت تؤدّي الأغاني الشّبابيّة ذات الإيقاع السّريعِ والخفيف والتّوزيع الحديث، وأغنياتها تلك جعلتها تنالُ شهرةً منقطعة النّظير لدى أبناءِ وبناتِ شعبها الكرديّ ككلّ، وما تزال تحتلّ في قلوبهم ونفوسهم مكانة خاصّة من خلال صوتها الرّنانُ الذق يدغدغُ أسماع الكردِ بلطفٍ وعذوبةٍ .
طغتْ النّزعة الاجتماعيّة والوجدانيّة على أغانيها لأنّها تتمتّعُ برهافةِ الحسّ ورقةِ الفؤاد؛ فغنّتْ للمرأةِ والطّفل والعشّاق والشّبابِ والأمّ وكغيرها من الفنّانين الكرد غنّتْ لطبيعةِ كردستان وفي حضنها.
المجال الذي يميّزها عن غيرها من الفنّانين هو اشتراكها مع فنّانين كردٍ رجال في ثنائيّاتٍ غنائيّةٍ صادقة في الأداءِ والّلحنِ والكلمة:
"زمبيل فروش، ‏ Zembîlfiroş مع عيسى برواري, Ez keçim Keça Kurdanim مع سمير زاخوي, و/Xalxalokê/ مع تحسين طه" وما يزال الفنّانون والفنّانات الكرد الشّباب يردّدونها بشوقٍ وشغفٍ إلى جانب أدائها للأغاني الفلكلوريّة .
تقول الفنّانة عن تجربتها الفنيّة ومعاناتها هي وجيلها من الفنّانين الكرد الذين تحدوا مجتمعهم وواقعهم المفروض وسلكوا سبيلَ الفنّ الذي كان مرفوضاً تماماً ممارسته لدى شرائح واسعة من المجتمع وتعاتب جيل الشّباب من الفنّانين والفنّاناتِ الكردِ قائلةً:
((في الحقيقة كنّا نعاني كثيراً في تسجيل نتاجنا الفنّي، ولكنّ جيل اليوم يهضمون حقنا حين يدعون أنّ ما يغنّونه هو من التّراث ولا يذكرون أنّها لنا...)).
ويذكر أنّ الفنّانة فوزية محمد التي ذاع صيتها لفترةٍ طويلةٍ في عالم الغناء الكرديّ هي شقيقة كلبهار
اعتزلتْ كلبهار الغناء في عام 1985م وكانت آخر أغنية أدتها قبل اعتزالها هي أغنية
( Dilo dilo te ez hêlam) وهي من كلماتِ الشّاعر الدّكتور بدرخان سندي.
تجاوز عدد أغنياتها 270 أغنية، وعلى الرّغم من كلّ هذا لم يولها الإعلام الكرديّ المسموع والمقروء اهتماماً كافياً بها، فمنذ سنواتٍ وعلى الرّغم من ظهور العديد من فضائيّاتنا الكرديّة لم أرَ إلا فضائيّة واحدة تجري معها حواراً، وكانت تمشي مثقلة الخطا، تتكئ على عصاً والحزنُ والألمُ يطغيانِ على ملامحها على الرّغم من الابتسامة الخجولة التي لم تفارقها طيلة فترةِ الحوار ، ولم أعثر وأنا أبحثُ عنها طويلاً إلا على معلومات قليلة لا تفيها حقّها.
علينا التّعامل معها والحديث عنها كفنّانة مخلصة ووفيّة للفنّ الكرديّ، وأن نعرّف الأجيال الكرديّة بها وبعطائها وتفانيها في خدمةِ الفنّ الكرديّ، وأن نساهم في إحياءِ أغنياتها إمّا بصوتها أو بصوتِ فنّانين وفنّاناتٍ شباب مع الانتباه إلى التّأكيد على أنّ هذه الأغاني لها أو لغيرها من الفنّانين والفنّانات.
رحلت فنّانتنا بهدوء وسلام في عام 2010 م تاركة لنا صوتها الذي سيظلّ ينعش النّفس، ويواسي الرّوح.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏لقطة قريبة‏‏‏

تم عمل هذا الموقع بواسطة