كان الصمت سائداً إلّا من صرير اقلام الطلبة في امتحانات الدور الثاني لمرحلة الثالث المتوسط المسائية ، فضَّ الصمت ضجيج اقتحام الباب من قِبَل طالبة متأخرة في الحضور في الوقت المحدد والحارس يحاول صّدها ، هرعتْ مديرة القاعة نحو الباب وانا معاها بصفتي معاونتها وإذا بالطالبة تبكي وتلطم خدها وتتوسل عسى ألا تفوت عليها الفرصة ، لكن المديرة جوليت أيواس المعروفة في كركوك بِرقة قلبها وطيبتها وحبها للمساعدة قالت لايجوز الدخول بعد توزيع الاسئلة ولو خالفنا التعليمات ننسجن هل ترضين لنا ذلك ؟ قالت بتنهيدة والدموع تنهمر من عينيها لا والله لن ارضى إنما ارضى بقدري ، خفضت رأسها تجر حقيبة يأسها بعد انطفاء ضياء املها وودعناها بلغة الدموع ،
ذات لقاء في السوق المركزي فاجأتني بِضَّمة وفاء قائلة لن انسى دموعكما وأقدر موقفكما ، قالت وزفير ألاسى صاعد من رئتيها كنتُ انوي تغير درجتي من بائعة الى موظفة كي يزداد راتبي وانا المعيلة لامي واليتامى الخمسة لأخي المتوفي لكن لا تجري السفن كما نشتهي . ومن رخامة صوتها استطعتُ الولوج الى قلبها لِأجس نبض الحزن العميق البائت فيه .
كانت تعمل بإخلاص في الزاوية المخصصة لها تساعد كل المتبضعين حسب موقعها
تمنعني من الوقوف في الطوابير المزدحمة وتعطيني حصتها من الحاجة التي اريد شراءها وبنفس السعر قلتُ هلا اخذتِ ربحاً كما تعمل بقية البائعات والله أحّل البيع ، تأبى ذلك ولم ترضى .
في بداية التسعينات حيث الحصار الاقتصادي على اشده مدير السوق قام بإختزال اكبر عدد من العاملين وخيرهم بين الجلوس في البيت او العمل في المستشفى فأزدادت طينة مشاكلها بَلّة ورضيت ايضا بقدرها وواضبت الدوام في مستشفى آزادي في قسم التوليد ، اتقنتْ الحِرفة وامتهنتها وألآن هي اشهر قابلة ماذونة تأتيها الحوامل من كل حدب وصوب وهطل عليها الرزق ببركة رضاها بقدر الله
وَمَن يتَّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب . صدق الله العظيم