1 قراءة دقيقة
التفجير

#التفجير...
في دوامة الألم تتنهد كالين بحسرات تجرح مقلتيها من دموع الحزن
تجلس وتستند بكلتا يديها للبيت نصف المهدوم تنظر اليه وكأن دهراً قد حطم ذكرياته
كأنه اطلال مغبرة من هموم الزمن
آه يا أماه ويا أختاه وياجدتي الحبيبة
لم يرحمو عمرك ولا وقارك
تبحث كالين بعينيها لتراقب اطلال البيت المهدوم لربما تعثر على بعض الذكريات
إنه وجع لا يستطيع الزمن ان يداويه
في صباح يوم الأربعاء الأسود من ذلك اليوم المشؤوم نعم إنه أربعاء أسود بوشاح قاتم السواد
حين اهتزت الارض وكأنه ولادة وحش يخرج من باطن الارض
سالت الدماء من أعلى الرأس لأسفل القدمين في رعشة لم تتحمله الجسد الذي أثقل للحظات كاهل جميع من يعيشون في قامشلو ومدنها
إنها صدى ايعاذ الموت والجروح وسيلان الدم
هناك البركان يقذف بالارواح وفلذات الأكباد
إنه تفجير...
إنه تفجير على شارع عامودة بالحي الغربي...
وقتها أضاعت الامهات صغارهن الذين تحولو لاشلاء تحت الأنقاض وطبقت البيوت فوق رؤوس الأهالي ...
علاء العريس الذي لم يبقى على عرسه إلا يومين كان يوزع بطاقات دعاوي عرسه على أهاليه ومحبيه والصيدلاني جوهر ذو الروح المرحة كان يجلس في صيدليته ليختفي آثارهم من الوجود. والطفل اسماعيل كان قد خرج من البيت بوقت ليس بقليل لتتوه جثته الصغيرة بين الشهداء ما زالت أمه تستمع لصوته الجميل الذي سجله قبل الفاجعة وهو يقول أرى داية بقربانا ته مة لى داية.
وآياز الابن الوحيد لاهله لقد كان في بيت جده اقتاده القدر الى محل عمه ليكون ضحية غدر يوم الاربعاء الاسود
دارا الملقب بأبو عمشة الجار الوسيم ذو القلب الطيب أكان قدرك ان تستشهد على أرضك وقد اقتاد القدر روحك من المانيا بلاد الغربة لموطنك الحبيب لقامشلو. نعم لقد تواعدا على وعد الصداقة كان لقاءه مع صديقه الشهيد عبد السلام وقريبه سليمان وصالح وهوزان الشاب الخلوق الذي ترك والده مجروحا والتحقوا جميعا بقافلة الشهداء ليلحق بهم ولاط وديار في وداع مؤلم...
أكان القدر يا هيثم لتتبع شاحنة الموت من دوار قرموطي بسيارتك التي كانت جديدة كالعروس على قلبك نعم يا هيثم ألم تفكر كيف سيسدد أهلك ديون سيارتك الجديدة... ألا تعرف بأن التفجير لا يرحم وكانت مقبرة ضاع فيه جسدك مع السيارة الجديدة التي لم تتهنى بها بعد... والخالة نافية التي وعدت بان تستشهد مع مثيلتها بالاسم في عيادة الدكتور صلاح لتشهد آرين الجريحة على آلام فراقهم للحياة وكان الدكتور كاسترو حاضرا على مرضاه ليداويهم في العالم الرباني ولم يرحل كاسترو وحده إنما أخذ معه على طريق الشهادة أقرباءه أميرة وبيريفان وخورشيد وبلشين وافين.
كان القدر يجمع البيوت حوالي محل كمال كورى لتكون مقبرة تجمع أرواح الأحباب
ليلان الطفلة التي خالفت الوعد مع والدها الشاعر عماد حمدي ليبقى يرثي ابنته الذي لم يرحمها القدر كأخويها الغرقى في بحر ايجة
هنوفة أم فنر المرأة المحبوبة ذات الحنية الطيبة كانت أم وأخت وزوجة مثالية يرتاح الفؤاد لسماع صوتها هنوفة التي كانت اكثر من ان تكون إنسانة بطيبتها لم تخالف حماتها العمة بيروزة ولم تخالف الوعد مع ابنتها المخطوبة والمحبوبة على قلبها ليواكبو الشهادة معا.
هيلين العروس التي زفت الى السماء بمرافقة والدتها وجدتها
هيلين المدللة أبت الرحيل وحدها من العالم كانت برفقة عرس مهيب مع الملائكة تزف الى العالم الآخر ليتركو فنر ووالده في الدنيا مجروحي القلب وهم يبحثون عن قطع تائهة من أرواحهم تحت الانقاض كانت لوعة تعصر الأرواح في عذاب وألم ومستنقعات من الدماء تجري في الشارع
لقد تغير كل معالم حي الغربي في دقائق وثوان
لتختلط دماء الأهالي وكأنه جدول أحمر يغزو الحي
عائلة سمير تركوه وحيدا ليلحقو بجيرانهم من الشهداء إنهم لم يخلفو الوعد في صعود الارواح معا كانت العمة دلفراز مع زوجها عبد الكريم وابنائهم عبير وكريم شيرين ريم ووالدتهم بيان التي كانت تحمل بتوأمها الأثنين ليرحلو بصمت معا عن هذا العالم
لينضم لهم الشهيدة ستيرا إبنة مدرس مادة الفلسفة الاستاذ فسيح الفاضل لتترك اولادها الصغار الذين كانو ضيوفا عند اهلها من الحسكة لم تخلف الشهيدة ستيرا الوعد مع شهداء اهلها من حي الغربي
كانت ليلى الصبية ذو الروح المرحة عانقت القدر وخانت العهد مع اهلها لتتركهم يتذكرونها بين الشهداء ذلك اليوم الغادر
الطفل زنار كان حاضرا اثناء الفاجعة يعمل في محل والده ليلحق بقافلة الشهداء
حكيم مشعل ورامان مشعل وابراهيم فرمان أكان الدماء تغلي في العروق لتسليم الروح للباري الأعظم
والآزن عطي الرجل المسكين الذي كان يحمل هموم الدنيا وهموم اسرته بين طيات قلبه ترك أثرا في نفوس تلاميذة مدرسة موسى بن نصير الذي كان يعمل آزناً للمدرسة بروحه الطيب. وترك عائلته تواجه قساوة الحياة بعد رحيله
والقدر لم يرحم المسكين داوود الذي كان يعيش مع عائلته في بيت إجار فوق طلعة الهلالية.
كان الشهيد الطفل محمد حاضرا في محل كمال كوري لقد كان يعمل ليساعد والده في دفع أجار البيت بعد نزوحهم من الرقة. وأخذ القدر جوان الذي كان يعمل في محل الألمنيوم ليمزق برحيله قلب والدته فهيمة وترك أطفاله الاثنين أمانة للزمن. وسامية التي كانت والدة لطفلة صغيرة تركتها للمآسي لتبقى إبنة شهيدة ضحية التفجير الإرهابي ومحمد أبو كاوا والد الطفل الوحيد كان كل همه ان يؤمن قوت يومه ويعيش مع اسرته الصغيرة بسلام لقد كان مع الطفل اسماعيل في قبو يعمل نجارا خانهم القدر ليغرقا معا في متاهة التفجير
واختلطت دماء الشهداء مع دماء الجرحى ومبتوري الأيادي والارجل ومفقوهي العيون لتتزف الجرح من قلب قامشلو بعد ضياع أشلاء الكثير من المفقودين بين الأنقاض
نعم إنها مأساة من مآسي بلدي الذي خسر فيها الكثير من الارواح ومن الأموال بهدم البيوت والمحلات التي كانت ترزق منها أهلها
إنه التفجير الإرهابي بأمر من التنظيم داعش الإرهابي دعاة الأسلام وتحت راية الشيطان
تبا لهم وتبا لمعتقداتهم التي من ورائها تفنى الإنسانية
وستبقى قامشلو شامخة لا يهزها الصعاب بوجود أهلها الطيبين المحبين للخير
لم ينالوا من عزيمتنا واصرارنا في العيش بسلام على أرضنا
ستبقى قامشلو شامخة تشهد على عظمتها التاريخ
وتنطوي الصفحات مع كالين لتتذكر بين الحين والآخر مأساة لم تنساها مع مر الزمن..
#يسرى_زبير 

تم عمل هذا الموقع بواسطة