الأسماء الكوردية "٢"
الحديث عن ظروف الأسماء الكوردية ذو شجون
فقد اتخذ الموقف من الأسماء الكوردية مستوى يتجاوز الرؤية السياسية الى حالة (مستوى) ذات أساس سيكولوجي في ثقافة عروبية ، ومادة تستند اليها قوى سياسية / امنية. .مثلها مثل اللغة الكوردية . فقد كانت اللغة الكوردية ممنوعة في الدوائر الرسمية والمدارس ومختلف المؤسفات ...
أذكر أن قرارا كان يتجدد سنويا مضمونه : "ممنوع التكلم بغير اللغة العربية" وكان المقصود هي اللغة الكوردية أساسا. وفي احدى السنوات حوالي(1967) أذيع هذا القرار في دار المعلمين بالحسكة، فأثار رد فعل عام بين كل الذين ليسوا عربا ( الكورد والسريان والأرمن....) ويبدو ان للنشاط السياسي دور في هذا . فقد تشجع غير الكورد عندما لاحظوا اصرار الكورد على رفض مثل هذه القرارات ، ومحاولة عدم الالتزام بها قدر المستطاع ...واحدث الموقف حينها ضجة .وشيئا من تمازج المشاعر بين الكورد وغيرهم نسبيا ..
واما ما يتصل بالأسماء ففي المدرسة نفسها "دار المعلمين العامة بالحسكة" .وفي بداية العام الدراسي 1966/1967 ، تم قبولنا في دار المعلمين - ولذلك قصة رويتها اكثر من مرة- .
ذهبت أنا وزميلا لي اسمه "بهزاد" ودخلنا المدرسة من الباب الشرقي ، فالتقينا أحدهم (رجل طويل نسبيا بدا عليه أحد المسؤولين في المدرسة ) علمت فيما بعد ان اسمع "علي..." سلمنا عليه، وقلنا له :
نحن من الطلاب المقبولين جديدا ،ونود معرفة ما علينا فعله... فسألني : ما اسمك؟ . قلت: محمد قاسم. التفت الى صديقي وقال ك ما اسمك؟ . فقال : بهزاد . لم يتحمل تكملة الاسم حتى بادره قائلا : يلعن ابوه ، الذي قبلك بدار المعلمين...!
كنا حصلنا على شهادة الاعدادية العامة و تم قبولنا على أساسها . يعني كنا اطفالا (15-16 ) عاما في العمر.وكانت هذه هي الصدمة الأولى التي تلقيناها .
وجاءت الصدمة الثانية ، فقد طُلب منا استكمال اوراق ثبوتية ومنها صورة عن اخراج قيد مدني. وكنا قد أُدرجنا (عائلتنا ) بين تصنيف " لم يرد اسمه في احصاء 1962" . فلا امكانية لاعطائنا وثيقة من دائرة النفوس . مع العلم ان تسجيلنا يعود الى عام 1942 .( قبل استفلال سوريا ). فطلب امين السجل المدني الحصول على موافقة المحافظ . فعدت الى الحسكة وقدمت طلبا الى المحافظ للموافقة على اعطائي ثلاث نسخ من صورة اخراج قيد النفوس . فوقع المحافظ وحصلت على ثلاث نسخ سلمت احداها الى ادارة المدرسة واحتفظت بالنسختين الأخريين احتياطا .ولا زلت احتفظ بهما .
وجاءت مشكلة ثالثة هي تأخير رواتبنا كطلاب .
كان الطلاب في دار المعلمين يتقاضون راتبا . الذين في القسم الداخلي ثلاثون ليرة شهرية ،إضافة إلى السكن والطعام -وطبعا الكتب والدفاتر المجانية...
(وكانت هذه مزية كبيرة بالنسبة للطلاب الفقراء لاستكمال دراستهم وتوظيفهم الالزامي )
لذلك كان هناك تقدم كبير للقبول في دار المعلمين ،وكانت عوامل مختلفة تلعب دورا في القبول ، لذا كان قبول الكورد ضئيلا جدا ... والذين يقبلون باسليب خاصة غالبا ما كانوا يتقلون الى خارج المحافظة عند التعيين.
فكيف تم قبولنا نحن إذا؟
اخبرني أحدهم اسمه "خالد". تم التعارف بيننا، وأصبحنا أصدقاء. فقد كان يسكن في مساكن "الهجانة" وابن لأحدهم من الهجانة المقيمين فيها- وهي مساكن طينية متواضعة امام دار المعلمين (محل القصر العدلي الحالي والى الغرب منه). فقال:
اختلف حزب البعث اليميني واليساري والقوى الحزبية الأخرى حول نسب القبول لكل منهم . فاضطروا أخيرا الى الاتفاق على ان يتم القبول استنادا الى العلامات - وللخشية من ان يقبل عدد كبير من الكورد فقد ألغو احدى الشعبتين اللتين كانتا مقررتان ولكل شعبة ( 45) طالبا. فبقيت شعبة واحدة قوامها (40) طالبا .كان عدد الكورد بينهم قرابة النصف .ومنهم مثلا : المرحوم عبد الرحمن آلوجي - المرحوم عمر حمدي - الفنان بشار عيسى -محمود حسين - جميل ابراهيم - المرحوم جميل محمد- بهزاد جنيدي -محمد سعيد مجيد...وآخرون وطبعا اصدقاء آخرون من عرب وسريان كان بيننا ود ولا يزال بالنسبة لبعضهم .وانما نركز على الكورد انسجاما مع السياق فحسب.
وقد وصل الأمر الى أن أضرب الطلاب عن الدرس اكثر من يوم، وجاء حينها مدير التربية واسمه عبد الحميد عبد الحميد -اذكر انه كان طويلا نحيلا - والقى كلمة لا اتذكر فحواها . لكن لا انسى كلمة مدرس التوجيه السياسي(واظن ان اسمه " يوسف ..." الذي قال :
ان حركتكم هذه ذات غرض سياسي -اوقول شبيه- فقد أذاعتها إذاعة بي بي سي. وصاغها تهمة في غير محلها على حركة طلابية بسيطة كل ما هنالك انهم يريدون الاسراع في تسلّم رواتب ليعيشوا منها ...
واما المشكلة الرابعة فكانت في تخلّف عدد منا من اداء معسكر الفتوة -كنت حينها ادرس القمح بالنورج - فلم يكن أحد بالبيت مما اضطرني للبقاء في البيت...على اعتبار ان فرصة اداء المعسكر متوفرة( نظام الدراسة 4 سنوات ). لكنهم اتخذوا قرارا بترسيبنا ونقلنا الى حمص ...ولم يتخلوا عن القرار الا بعد ان استهلكت جهود كبيرة -ويبدو ان بعض الذين كانوا معنا كانوا مدعومين فاستفدنا من ذلك.
وعند التخرج سنقع في مشكلة اخرى نعاني منها بشدة ،و تحتاج شرحا طويلا...هذا عدا عن النثريات خلال سنوات الدراسة...
في الواقع كلما أتذكر هذه الأشياء أتساءل :
لماذا هذا الأسلوب الذي زرع الكراهية في اوساط الشعب -ايا كان التبرير ؟!
أدناه صور لطلاب دار المعلمين. وجدت أن أشير اليها بتعريف سريع. من اليسار الصورتان في مطعم ومقهى نازار في ديرك .والصورة الثالثة في قرية سيكرة (سبع جفار) قريبا من (منشأة بترولية ) راع يلبس الصوف وحسين حاج عمر بجانبه يضع جمدانة (لفة) على رأسه. والصورة في المقدمة للأستاذ ممدوح النابلسي (مدرس الفنون) وعلى يساره (فؤاد حنا -زاديكي-) وخلفه من اليسار المرحوم علي باهو ،وعلى يمينه محمود شيخموس حسين...والى يمين الأستاذ ممدوح (يوسف آحو).