أمة تلوك همومها
"نحن من مدينة مليئة بالصبر ، لم نخض المعارك بل خضنا الانتظار "
لويس مونتيرو...
كل شيء منكسر، صاغر ،كالح ،مكفهر ،الدماء مسفوحة ، والأرواح مندلقة والأعضاء مبتورة، والحرائق تلتهم الغالي والنفيس ،السلب والنهب على قدم وساق .
في مدينة كرمان ، لطف خان آخر الزندين كان قد جعلها عاصمة ملكه ، فقد نقلها من شيراز ،حيث دام الاقتتال بين الإخوة والأقارب حوالي عقد من الزمن بعد موت كريم خان الذي عُرف بين الناس بوكيل الرعايا ولم يرضى أن يلقب بشاه ! رغم امتداد حكمه إيران كلها تقريبا في عام ١٧٧٩ .
لكن اليوم وبعد خمسة عشر سنة، القاجارين يسرحون في قصر لطف خان يدعسون على مقل الزندين بعد أن سملوا أعينهم، يدحرجون أرواحهم ويركلونها قبل محاجرهم .
محمد علي خان لم يشفي غليله أن سمل عيون أعيان الأسرة الزندية ، فها هو يحرق ويقتل ويسبي أهل كرمان ، يعاقبها ، يثأر منها بوحشية ليست غريبة عن الاتراك ،لأنها ساندت لطف خان الشجاع المقدام .
فالأتراك والخراب صنوان لا يفترقان.
كرمان تسمعهم يرددون قول "أتيلا الهوني" حيث تضع خيلي حوافرها يجب أن لا تبقى حياة في تلك الأرض!
والكلام خائن متأخر وقاصر عن وصف ما يجري .
عدو الزند كان جزء منهم وساهم في نهب حياة أهله وتلك مصيبة تضاعف مرارة الهزيمة، وتحطمت أحلامهم فقد اغلقوا أعينهم عن حقيقة اقتراب عدوهم ،ولطالما احترسوا من الأسد المفترس أمامهم لكنهم تغافلوا عن الذئب الخائن بينهم.
وها هو لطف خان آخر الزندين وحاشيته جرحى وأسرى لدى القاجارين فقد ،فرطوا في جلب أسباب النصر . فالشيطان وجوه عديدة إحداها وجه التركي.
يبدو أنني كنتُ أعمى قبل أن يسمَلوا عيني! شاهزة أحس بكِ بل أراكِ ! حبيبتي أعلم أن الوقت ينفذ مني ، أني اسمعهم يجّهزون على رفاقي لكن أعلمي أنني حاربت بشرف ولكنهم تغلغلوا إلى جسدي من خاصرتي، آه يا وجعي.!
فقط لو أنهم قتلوني أولاً ! فوجعي فاق قمم الجبال !
فوهة الموت مفتوحة على مصراعيها والخيانة تدفعنا إليها افواجا،
أعلم أن داخلي انفجر ومزق أحشائي وأعلم أني فقدت مقلتيّ ، لكن هناك دموع حارقة تلهب مجراها ، أيّ وجع هذا شاهيزه! هؤلاء اللقطاء استباحونا مع أرضنا .
حين حكم جدي كريم خان كان العرب والفرس اصدقائه قبل الكرد أين هم اليوم؟
شاهزة :إنها مقتلة الكردي بيد الكردي هذه مأساتنا ، تحاك لنا المؤامرات بأنسجة من شرايينا، لولاها ما كان الترك اليوم هنا وكذلك في الغدا سيكونون ! وعلى مر الزمن والكرد يعمهون .
كانت شاهزة تتمزق وهي مرمية على أرضية القصر ذليلة.
قبل ساعات فقط ، كانت حبيبة صاحب أعظم قصر في كرمان ، لطف خان !
شاهزة التي ذاع صيت جمالها حتى أرسل لطف خان في طلبها من بصرة بحراسة عشرة سفن حربية ، فقد كان والديها جنديان في جيش صادق خان عم لطف خان ، الذي حاصر بصرة أكثر من سنة حتى استسلمت لهم ، وحيكت حول والدة شاهزة في ذلك الحصار القصائد والأغاني تداولها الرواة ، حين استولى الزندين على بصرة وطردوا العثمانين منها .
لكنهم تركوها بعد أربع سنوات حين مات كريم خان وكيل الرعايا.
وبقيت عائلة شاهزة هناك ليكونوا قريبين من الأماكن المقدسة ، كربلاء والنجف ،والسامراء .
كانت روح شاهزة تغلي فيتصاعد البخار دما ودموعا وهي ترى حبيبها الجريح ذليلا أسيرا وقد سملت عيناه، كانت تبحث عن الموت وتتمناه حين طالتها السِنة النار الرحيمة.
.............