لم يبقَ شيء يذكر من بيان "لقاء بعبدا" الخميس الماضي سوى تمريره الدعوة الى "تطوير النظام" بما يناسب الحزب الحاكم/ "حزب الله"، الذي أفسد عملياً صيغة النظام ويسعى الى تغييرها لـ "شرعنة" هيمنته وإدامتها. وكان هذا "اللقاء" تجاوز "اعلان بعبدا" مجدداً لأن الحزب الحاكم/ "حزب الله" خرقه ليس فقط بعدم احترام مبدأ "النأي بالنفس" وعدم توريط لبنان في الصراعات الإقليمية بل خصوصاً بإرسال عناصره للقتال في سوريا وغيرها، واعتماده على حليفه العوني لإلحاق لبنان بـ "محور الممانعة".
في أي حال أثبتت التطوّرات فوراً أن أهل الحكم في وادٍ والأزمة اللبنانية في وادٍ آخر، إذ أصبحت معيشية أولاً وباتت تنذر بتوسّع نطاق الجوع المستشري مع انهيار قطاعات الغذاء والدواء والوقود تباعاً. لم يعد هناك ما يُتوقَّع من الحكومة، ولم يعد سقوطها أو إسقاطها يمثل أي تغيير، طالما أن "حزب الله" و"العهد" قائمان وممسكان بمقود الأزمة نحو الهاوية. فبين إنقاذ نفسيهما وإنقاذ لبنان يختاران الأول، كما فعلا منذ بإدارتهما الفراغ في موقع الرئاسة، ثم باعتبار انتخاب الرئيس ميشال عون انتصاراً لهما وليس فرصة لإنقاذ الدولة وتصحيح مسارها.
بين العودة الى الأوضاع التي عانى "الأجداد" قسوتها بحسب توقعات وليد جنبلاط، وتخبّط "العهد" والحكومة بتوصيف سعد الحريري، و"الطوارئ المالية" التي يدعو إليها نبيه بري، وحده "الحزب الحاكم" يعرف ما يريده: فمصلحة في أن تذهب الأزمة الى أقصى تفاقمها وتوحّشها لأنها تكرّس "نظامه"، ولأنها أظهرت أن ثمّة صوتين في البلد، حسن نصرالله ودوروثي شيا. الفارق بينهما أن زعيم "الحزب الحاكم" لديه "قضاء" يستطيع أن يمازح السفيرة بمنعها من الكلام. الفارق الأهم أن دولة السفيرة الاميركية تملك مفاتيح تغيير وجهة الأزمة المالية، وأن دولة "الحزب" الايراني باتت عنواناً لإفقار لبنان بعدما أفقرت العراق وسوريا واليمن، فضلاً عن إيران نفسها.
لم يكن "حزب الله" يتخيّل سيناريو الأزمة اللبنانية، كما تتحدّاه الآن باستعادة السؤال "الى أين انت ذاهب بالبلد وبالشيعة؟" الذي طرحه دائماً لبنانيون متعدّدو الطائفة يوالونه أو يعارضونه لكن مصلحتهم في أن يعيشوا في البلد. يحكم "حزب الله" ولا قدرة له على معالجة الأزمة بل على عرقلة معالجاتها، لذا بات هدفه الأول إسكات الاحتجاجات وكسرها، فالولي الفقيه عهد إليه "هزيمة اميركا" والاحتجاجات تزعج مهمّته هذه ولا مشكلة لديه في أن يعاني الشعب... لكن بصمت! لا شك أنه يرى في ما يجري مؤشّرات هزيمة لا ينقذه منها سوى صواريخه، وأن ثمّة منطقاً للحرب يفرض نفسه، سواء للهروب من الأزمة أو لاستدراج تسوية بينه وبين القوى الخارجية. لكن قرار الحرب عند إيران، والتسوية تأتي بها إيران، إن استطاعت، ومع أنها تخطط لحرب ضد اسرائيل (وأميركا) من سوريا ولبنان معاً بدلاً من العراق، إلا أنها لا تضمن الحصول على تسوية.