1 قراءة دقيقة
24 Aug
24Aug

معركة وجود.. اسمها عفرين

عبد المجيد قاسم
عفرين هي المدينة الوادعة التي تغفو على سفح جبلٍ يسمى جبل (الأكراد)، مدينةٌ من نورٍ ونار، نورٌ يضيء ما حولها، ونارٌ تحرق كلّ من حاول المساس بها. إنها عرين الأسود، ومنبع الرجولة البطولة، التي سطَّرت بصمودها أمام قوى الظلم والغدر والطغيان أروع ملاحم البطولة والعزّة والكرامة.
عفرين التي أدار لها العالم ظهره، وتركوها وحيدة دون أن يبرر أحد.. لم يعبؤا بوعودهم، ويكترثوا بما يدّعونه من القيم، نسوا سريعاً استبسال ابنائها أمام برابرة العصر، أصحاب شاحنات الدهس التي نشرت الموت بين حشودهم، وذهبوا للاتفاق على مقايضاتهم وبازاراتهم، إذ مالت مصالحهم إلى سليل آل عثمان الذين يبدأ تاريخهم حيث الموت والقتل والتعذيب. ولكنهم نسوا أيضاً أن الشعوب تنتصر إذا كانت حاضرة للتضحية، وأن في هذه المدينة أبطالاً لا يعرفون المهادنة، رضعوا من حليب الأباة، يقفون كالطود الشامخ بوجه العدوان التركي، وكلّ قوّتها الحربية البرية والجوية، ومرتزقتها من الفصائل المأجورة التي تنضوي تحت قيادتها، وتأتمر بأمرها. والمفارقة العجيبة تكمن في التسمية التي اتخذتها الفاشية على تلك الهجمة، فـ (غصن الزيتون) اسم يدل على السلام والأمان والبركة، على عكس أهدافها المشبوهة، التي تطال يومياً عشرات المدنيين والأطفال على مرآى ومسمع العالم.
في خضم معركة الوجود هذه، معركة الشرف والكرامة، برزت البطلة (barîn/ بارين).. تلك الفتاة السمراء الجميلة، ذات العينين السوداوين، التي سقطت تحت قدميها أكذوبة الإنسانية، ومات الضمير البشري.. وبارين التي حاربت من أجل الإنسانية، وفي سبيل نشر معانيها السامية، وهي نفسها الفتاة التي تمّ التمثيل بجثَّتها بطريقة وحشية، على يد من يتسمون بـ "الجيش الحر"، الأحرى جيش العبيد، على تخوم عفرين.
لقد عبّروا بفعلتهم عن حقد أزلي يسكن صدورهم، ربما منذ ما قبل التاريخ، عبّروا عن خوفهم من مواجهتها، حتى بعد موتها، لأنها كانت أكبر منهم، ومن كلِّ جحافلهم المنهارة أمام عزيمتها. إنهم أنفسهم الذين فعلوا ذلك قبلاً في كوباني، وباسم الدين نفسه، وتحت الهتافات نفسها، ولا أعلم أيّ دينٍ يبيح ما اقترفوه.. هم لم يُهينوا غير أنفسهم، ولم يُدينوا سوى ذواتهم المريضة والمنفصلة، فإن كانت تلك هي رجولتهم، فطوبى لك سيدتي، ولهم كلُّ الخزي والعار.
لترقدي بسلام أيتها الفتاة النبيلة، فجسدك أطهر من عقيدتهم المشوَّهة، التي لا تمتُّ إلى دين، ستبقين حيّة فينا، وستهبِط روحك في كلِّ يوم من الفروس الأعلى كملاك يحوم حول عفرين، يزور أشجار تينها وزيتونها، ملاكٌ ينشد للمحبّة، ويعلِّم الإنسانية الخرساء دروساً في المقاومة والنضال.
باختصار: إن هذا الهجوم السافر والمستمر على عفرين جاء في سياق سياسة الحرب الشاملة على الشعب الكردي، التي أعلنها هرم الشرور، واستكمالاً لسياساته السابقة في الانقضاض على أحلام الكرد وطموحاتهم، فقد عمد طيلة السنوات الماضية إلى توظيف تنظيمات إرهابية شتى في تخريب المدن الكردية وتهجير أهلها، والقضاء على التراث والثقافة الكردية، وارتكاب كلّ الأعمال التي تخالف القوانين والأعراف والمواثيق الدولية التي باتت للأسف حِبراً على ورق.

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏تمت تغطية هذه الصورة تلقائيًا حتى يمكنك تحديد ما إذا كنت تريد رؤيتها أم لا.
تم عمل هذا الموقع بواسطة