لا حجْر للفساد في زمن الوباء
عبدالوهاب بدرخان
ما كان لقضية المغتربين الراغبين في العودة الى لبنان أن تستحق التهديد بتجميد عضوية هذا الفريق السياسي أو ذاك في حكومة بائسة كهذه، وقد تبيّن أنها "حكومة ظل" لا صلاحيات لها إلا في حدود ما تجيزه "الحكومة الأصل" التي تحرّك خيوط الدُمى من وراء الستار. لكن يتبيّن أن في لبنان "حكومات" متعارضة، وعندما تتشابك خيوطها ترتبك الدُمى ولا تعود قادرة على أداء أدوارها. كان الأسهل والأفضل أن تبادر "حكومة الظل" الى إيجاد حلول للبنانيين العالقين في الخارج، طلاباً أو عاملين في بلدان اجتاحها وباء "كورونا". أما أن لا توفّر لهم الحكومة ولا المصارف أي سبل للبقاء حيث هم أو للعودة فهذا منتهى الجحود واللامسؤولية. وأما أن يُضطرّوا لمناشدة زعماء طوائفهم ومذاهبهم فهذا دليلٌ آخر الى أن الدولة إن وُجدت لا تقوم بواجبها إلا إذا تلقت "توبيخاً" من الطائفة.
في زمن "كورونا"، والكلّ في بيته، والقلق والخوف يساويان بين الجميع، لا إشارة الى أن المحنة استدعت شيئاً من المراجعة للسياسات. على العكس تُظهر أطراف الحكم ارتياحاً واضحاً الى أن الوباء يساعدها على محو آخر آثار باقية من "انتفاضة 17 تشرين" والاحتجاجات التي هزّت أركان النظام. لذا فهي تستغلّ الوباء لتغيير كل ما يمكن تغييره، للاستقواء وتخزين فائض قوة، وللإمعان في إفقار الشعب وإذلاله لئلا يكون له دور أو كلمة في "ما بعد الجائحة". وعلى خلفية افلاس الدولة وتنازع المؤسسات من خلال التعيينات في الوظائف ينصرف الحزب الحاكم/ "حزب الله" وحليفاه "التيار العوني" و"حركة أمل" الى إدارة الحكومة بما يخدم أجنداتهم الخاصة، معتقدين أنهم استعادوا ثقة الناس، ومن دون أن يكون لدى أيٍّ منهم هاجس - "تاريخي"! - بإنقاذ البلد من أزمة تقرب من أن تكون وجودية.
الهمّ الرئيسي عند "الحزب" أن يلبّي إرادة طهران في سوريا واليمن والعراق وغزّة، أما ما دون ذلك فهو لا ينبري للشأن اللبناني إلا عندما تحتدم الخلافات بين حلفائه. يكافئ "الحزب" جبران باسيل على خدماته متغاضياً عن عربداته وجشعه للاستئثار بالحصة المسيحية، لكنه لا ينسى حصة حليفه الآخر سليمان فرنجية. ومع أن "الحزب" يعتبر "الثنائي الشيعي" جسماً واحداً وأن حصة "أمل" هي في النهاية حصّته إلا أنه يعترف لـ "الحركة" بوجودها المزمن في "الدولة العميقة".
يدور مجمل لعبة الحكم على طريقة "ائتلاف العصابات". ووسط هذا التزاحم على الحصص لا غرابة في أن تتجاهل أطراف الحكم تظاهرات الجوع التي تخرق الحجر الصحّي، وحتى لو اتسع مع بلوغ الوباء ذروته فهي لن تهتم. ولا غرابة في أن تتجاهل أيضاً "المكوّن" الثالث (السنّي)، بل تتخذه شريكاً مطواعاً لـ "شرعنة" حكمها أو رهينة تعتقدها صالحة لابتزاز الخارج، خصوصاً دول الخليج. هذه الدول غير مهتمّة...