1 قراءة دقيقة
18 Jan
18Jan

ذاكرة مكان/ 2/
من مدينة سري كانية/راس العين (عين حمزة /عين العظام) _المسلخ /
بقلم: عبدالوهاب بيرو بيراني
--------------------------
سلاسل و اقواس معدنية بالقرب من نبع ماء ظللته أشجار الزيزفون و الحور البلدي و نوع من الشجر لا ينمو الا على ضفة النهر دعنا ندعوه بشجرة عاشقة الخابور.. ذاك النبع كان يدعى عين العظام (نسبة إلى عظام الماشية) و المعروف أيضا بنبع حمزة، كان المسلخ هناك جنوب المدينة يتوسط عين السيارات و عين الريم (نبع القرباط) و نبع الفوار و عين سالوبى و بداية راس العين حيث النبع الأقرب للمدينة جنوب كورنيش المدارس و المشفى.....، كانت الماشية تذبح وخاصة الاغنام فلم تكن هناك عادة ذبح الأبقار في المسلخ الا ماندر، لذا اقتصرت عمليات الذبح و السلخ على الاغنام و بعض من رؤوس الماعز البلدي، الدماء تنساب مع مياه النبع الصافية فيتحول لون الماء للقرمزي الأحمر المضيء و اسراب كبيرة من الأسماك الصغيرة تلتهم الدماء وهي تندفع بسرعة نحو الدماء كوجبة شهية و فخمة، و سهلة المنال.. لم يكن عدد الجزارين كبيرا انذاك فكانوا يلجأون إلى تعليق الذبائح بالسلاسل المعدنية و يبدؤون بعمليات السلخ و فتح البطن و يتم رمي بقايا عمليات السلخ و بعض العظام الي النبع و يحملون لحومهم و بمساعدة صبيانهم و اللذين تحولوا و بعد سنوات من صبيان الكار إلى معلمي الكار و اصبحوا أصحاب محلات جزارة و مطاعم فيما بعد... و اشتهرت عوائل من المدينة أو ممن سكنها من مناطق أخرى كحلب و كوباني بممارسة هذا الكار و إلى الآن....
في النبع كان ثمة انواع عديدة من الأسماك و تبدأ بالتهام بقايا عمليات الذبح و السلخ و تستقر العظام في قاع النبع بيضاء واضحة للعيان لنقاوة مياه العين كما سائر ينابيع و عيون ينابيع نهر الخابور، مع العلم ان عمليات الذبح بالمسلخ كانت تتم في ساعات الفجر الأولى و قبل شروق الشمس حيث يتم نقلها إلى محلاتهم بعربات خشبية ذات ثلاث عجلات او "طريزينات" ذات الثلاث عجلات و التي كانت تعد انذاك من وسائط االتقل ضمن المدينة...... تبدأ عمليات انتزاع الأضلاع بمهارة لتكون اللحمة جاهزة لتقطيع و البيع مباشرة.
ذاك النبع لم يكن يغرينا بالسباحة و ذلك لوجود العظام في قاع النبع و التي طالما انغرزت كنصول السكاكين في اقدامنا الفتية كما أن النبع كان مظللا بالاشجار و مياهه باردة فلم تكن أشعة الشمس تصل إلى صفحة النبع و لا إلى أجسادنا العارية الا قليلا، و لوجود السلاحف و السرطعونات التي اتخذت من النبع و جواره مكانا لها لوفرة الغذاء الناتج عن المسلخ حيث كنا نخشى من ملاقطها و اذاها، و لوجود بعض شاربي العرق و كنا نحن الأطفال نخافهم كثيرا و يشكلون لنا بهيئاتهم الثملة و عيونهم الحمراء و مشيتهم المترنحة مصدر خوف و رعب غامض.
كان الكثير من العيون و الينابيع ذات القيعان الرملية و الصخرية و المشمسة قريبة من هناك و كانت ملاذنا و ملاعب طفولتنا و مرحنا و فرحنا و ضفاف صيد و لهو و لعب حيث المياه النقية و الضفاف المعشوشبة الخضراء.
نهر الخابور سيد انهار الجزيرة الخضراء بينابيعه و عيونه النقية و العذبة.. غادر النهر المدينة و غارت مياهه و جف تماما و لم يبقى سوى حجارة و صخور جرداء و مازالت العظام هناك في قاع حفرة نبتت فيها الأعشاب و لم يبقى هناك لا ماءا و لا اسماكا و لا سلاحف و لا سرعطونات و لا طيور السمك او الزريق.. حتى الأشجار التي كانت تظلل النبع و المسلخ و المكان جفت و لم يبقى هناك سوى جذوع جافة تدل على تاريخ مكان و ذاكرة لن تجف ابدأ....

عبدالوهاب بيرو بيراني

سوريا
29/12/2019

تم عمل هذا الموقع بواسطة