ذاكرة مكان./1/
من قلب سوق راس العين (سري كانيه) التجاري الشعبي (خان عبدالقوي)
بفلم :عبدالوهاب بيرو بيراني
--------------
دكاكين و حوانيت بأبواب خشبية كانت تصطف في جهة السوق الجنوبية من زاوية الجامع الكبير شرقا إلى الخان الذي عرف بأسم صاحبه التركماني عبدالقوي الشهابي _رحمه الله_
كان الخان مساحة كبيرة بحدود الالف متر مربعة و يحوي غرف مبنية من الطين و الحجر و باسقف من من عواميد الحور.. الغرف كانت مستودعات لتخزين الجلود و التبن و الحبوب و المعادن و الزجاج و غيرها من المواد البلاستيكية و المعدنية من نحاس و رصاص و المنيوم و الخبز اليابس أيضا
الجزارون و القصابون كانوا يطرحون جلود الاغنام و البقر في الخان على أن يتم شحنها لمدينة حلب فتنبعث الروائح النتنة من الخان و غرفه... الرجل كان يمارس البيع و الشراء منذ الصباح و حتى غياب الشمس و في المساء كان ثمة رجل أصابه العته لا يتكلم رغم انه لم يكن اخرسا او بكما من قبل و يعاني الطرش و مشاكل في التواصل مع الآخرين كان معروفا بلقبه "احمد جرا" و عرف بين اهل المدينة بالدروشة و البركة و لم يشاهد ابدا وهو يتسول او يشحذ مالا او متاعا او غيره.. كان يدخل اي محل تجاري و يحمل حسب حاجته اليومية فقط و دون طمع بالمزيد فكنا نراه يحمل تفاحة او موزة او فليلفة حمراء حادة و حينما كان حذاءه يهترئ كان يبادر لأي محل يرمي حذاءه القديم و يخرج بحذاء اسود لميع و ثيابه هكذا و كل حاجاته و عندما يهبط الليل على المدينة كان ياخذ طريقه الي إحدى غرف الخان و ينام هناك في غرف الصوف شتاءا و في أرض الخان بالعراء صيفا و لم يعرف له اهلا او عائلة و قيل انه بالأصل من عامودا او قرأها.. لا أعرف من أين اتي و متى حل على المدينة ، كان اهل المدينة ياخذونه الي بيوتهم و يحممووه و الحلاقون يحلقون شعره الاشيب و ذقنه الخشونة.. اختفى فجأة و لم يعد أحدا يراه في شوارع المدينة و لا في خانها الوحيد الذي غادر صاحبه الي مدينة الباب بريف حلب و أصبح باب الخان الخشبي كأحدى واجهات الشارع التجاري في المدينة.. كان باب ضخما و يفتح أمام الشاحنات المحمولة بالجلود و الصوف و الزجاج المكسر و بقايا المعادن االتالفة و ضمن الباب الكبير كان ثمة باب صغير للافراد ضمن الباب الكبير (صورة الباب مرفقة مع البوست)
لم يعد للخان وجود فقد تحول المكان الي بنايات و محلات تجارية من الخرسانة و الباطن المسلح و البناء الطابقي.. ذاك المكان اعتقد ان الجيل الحالي لا يعلم عنه شيئا. لكنه جزءا من الذاكرة الجمعية لابناء جيلي و الاجيال التي سبقتنا..