جرح قامشلي النازف في مونودراما (نسرين) :
(تلعب لعبة ما وهي تصفق. تلاحق هيلين وهي تناديها وتنادي رفيقات أخريات لها، وفجأة تقف صامتة بذهول)
تفجير إرهابي في حينا، في شارع هيليكي؟؟
ماذا تقول يا أبي؟ لا، لا أصدق. كان أبي يمسح دموعه، وأمي تبكي بحرقة وهي تلطم وجهها. يا إلهي! إنه الشارع العام القريب من شارعنا، ذلك الشارع الذي كان يتحول في كل يوم جمعة إلى عرس، وكنا نحن الصغار نشارك فيه الكبار وهم ينادون: حرية، حرية.. نركض بين الصفوف المتجمهرة أمام جامع قاسمو، ننتظر خروج المصلين من صلاة يوم الجمعة لتبدأ المظاهرة، وكنا نردد معهم بصوت عال: الشعب يريد إسقاط النظام، واحد واحد الشعب السوري واحد.
(تصمت. بحرقة وانفعال) ولكن البيوت، لا النظام، هي التي سقطت، سقطت على رأس الشعب. على رأس الصيدلاني الطيب جوهر، وعلى رأس كاسترو: الطبيب الشاب الذي تخرج حديثاً من كلية الطب، وعلى رأس ابن جارنا الولد الشقي ولات بن الخال عبدي.. وكذلك العم الطيب سليمان، والخالة أميرة، وهوزان والخالة منيفة، وجوان، ولقمان. وغيرهم وغيرهم، كلّهم ماتوا، تمزقت أجسادهم، تحولت إلى مزق تحت أنقاض بيوتهم التي تهدمت. (تنفعل)
لماذا أيها الإرهابي؟ لماذا؟ هل تعرفهم؟ هل تعرف صيدلاني حينا الطيب، كان قصير القامة كثيراً، ولكنه كان طيباً جداً، لو صادف أن ذهبت إليه يوماً وطلبت منه أي شيء، كان سيقدمه لك حتى لو لم تكن تملك نقوداً.. حتى لو عَلِم أنك داعشي، يكفي أن تشكو له ما تعانيه من وجع. ولقمان، هل تعرفه؟ كان عريساً، كانت قصة حبه تُروى في كل بيت. والخالة أميرة.. كانت أماً لطالبتيَّ طب بشري، هل كنت تعرف ذلك؟ هل تعرف كل هؤلاء؟ كانوا طيبين؛ فلماذا قتلتهم؟ ألا تخشى نار جهنم؟ كانت أمي تقول عن الخالة بيروزة إنها من أهل الله، فقتلتها، وكان الخال سليمان يقصد بيت الله في كل يوم ليصلي فيه فقتلته، وقتلت الطفل كريم، كريم الذي كانت أمه تمسك يده في صباح كل يوم وهي تردد بصوت حنون كم أحببته.
(تقلدها وهي تلاعب دمية): "تاتي يا ما شاء الله.. تاتي يا ما شاء الله".. وكان الصغير يهرع صوب أمه وهو يكركر كالملاك، كم كان منظره جميلاً وهو يخطو بتعثر! (بعنف) وحش. أنت وحش.
(تهدأ للحظات) لا. لست وحدك الوحش أيها الداعشي، ولا حتى أمراء الحرب، كما كان يصفهم والدي، بل مصطو، مصطفى ابن جارنا شكري العتال؛ هو الآخر وحش......
مقطع من مونودراما (نسرين) ستصدر المسرحية ضمن كتاب تحت الطبع حالياً،ويضم ستة نصوص مسرحية قصيرة. الكتاب بعنوان (ليل القرابين)