١٩ مارس ٢٠١٦ ·
الكرد بين " رأس الحربة وضرورة التغيير " :
قد يستغرب البعض ، وربما يستهجن البعض الآخر ، لماذا الكرد هم رأس الحربة في المطالبة بـ " التغيير " في المنطقة .
لابد من العودة قليلاً للتاريخ " البعيد نسبياً " فترة الاتفاقيات الدولية بعد صراعها الدموي والمرير على تركة الرجل المريض " تركيا - وريثة السلطنة العثمانية " وما تمخض عن ذاك الصراع من توافقات دولية فرضتها الدول المنتصرة كلٌ بحسب قوة وطول مخالبها " سايكس بيكو " و " سيفر " و " لوزان " و " سان ريمون " وغيرها من الملتقيات والمؤتمرات التي كانت الغاية الأساس منها تقسيم التركة ، وظهور تركيا الحديثة ضمن حدودها الحالية – مع بعض الرتوشات الصغيرة ...
حيث تمكنت القومية العربية والتركية والفارسية من بناء ( دولها – دولتها ) القومية ، وخرج الكرد من تلك المعمعة كأكبر الخاسرين آنذاك ( من المولد بل حمّص ) . ولتصحيح المسار ربما تعي " النخبة الكردية " تلك التركة التاريخية ، كي لا يخرج منها خالي الوفاض كما هو ظاهر في محاولة صياغة جديدة بعد مائة عام من فرض القوى العظمى لخارطة المنطقة في توزيع جديد قد تؤدي لتغيير في الحدود أو نمط جديد من تشاركية السلطة ، مع ملاحظة أن اللاعبون هم أنفسهم مضافاً إليه " العم سام " وعاملاً آخر لا يقل أهمية وهي أن الحدود بعد تجربة " الراديكالية الإسلامية " تُرسم بالدم والتضحيات كما قالها " أحد زعماء الكرد البارزين - مسعود البارزاني ".
ولم تعد أمام أبناء هذه المنطقة الكثير من الخيارات في عصر ( الحقوق والحريات الفردية ) فإما أن يكون الجميع شركاء وبالتساوي في الوطن فتسقط نظرية : " السيّد والعبد ".
أو أن الأمور تتجه نحو تقسيم جديد ثمنه " مدفوع سلفاً - أنهار من الدماء"...
هذه النقطة بالذات ربما تكون رداً على سؤال البداية ( لماذا الكرد هم رأس الحربة في المطالبة بـ " التغيير " )
فالدولة الوطنية التي تم تأسيسها بعد مخاض الحرب الطويلة ضد الاستعمار لنيل الاستقلال الوطني ، أثبتت فشلها في تجارب " الربيع العربي " إن استثنينا ( التجربة التونسية نسبياً ) وأظهرت تلك التجربة بأن " العقل السلطوي العربي " وإلى حدٍ بعيد ( العقل الشعبي العربي ) كان يمارس سياسة " تأجيل المشكل " لا حلّه ، والتي تراكمت وتراكمت حتى وصلت لنقطة اللاعودة ، فظهر ذاك البون الشاسع بين ظاهر الأمور وبين كوامن المعضلات التي تعانيها تلك المجتمعات ، فظهرت مواضيع مؤجلة وطفت على السطع ومنها معضلة ( الأقليات وعلاقتها بالمركز – الدين وعمق تدخلها بالسلطة ) وغيرها كثير .
فالكرد ( أكثر الخاسرين تاريخياً ) وبعد مخاض " الربيع العربي هم مطالبون " وبالضرورة " لتصحيح المسار فيما يتعلق بمصيرهم ، ولتنظيم علاقتهم بـ " الحاكم المطلق" هم مطالبون وبعد فشل الدولة الوطنية أن يبحثوا عن صيغة تراعي خصوصيتهم " القومية والثقافية والسياسية " ...
وتجربة الكرد مع السلطات في الدول الأربع التي ينتمون إليها جغرافياً ، يرون بأن الصيغة المثلى هي في العيش المشترك كشركاء لا كأتباع أو مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة بحسب بنية السلطة التي تحكمهم ، في " الحقوق والواجبات " بعد أن كانو ا عكس ذلك فترة " الدولة الوطنية " في صيغة تنظم العلاقة بين ( المحيط والمركز ) بين ( العاصمة والأقاليم ) لتوزيع السلطات والثروات بحسب تواجدهم الحقيقي في معادلة " شركاء الوطن " ...؟
حتى أن البنية الثقافية التي كانت تظهر بأنها واعية بذاتها ولذاتها ، قد سقطت إلى حدِ كبير، لكن طغيان المشاكل المصيرية العالقة ، بينت بأن " الوعي الجمعي " لا زال ذاك العقل الذي يرفض الآخر – المختلف – ويرى نفسه ذاك السيد الارستقراطي وبأن الآخر – المختلف هو الأقرب إلى ممارسة دور العبد كونه " وكيل – وليس أصيل
حتى أن المعارضات للسلطة في تلك الدول " العربية والتركية والفارسية " لم تقدم مشروعاً جامعاً واضحاً ومتفدماً عن مشروع السلطة المركزية في سياق نظرتها للحل بالنسبة للكرد ، لا بل أن المعارضة - السورية - مثالاً " قدمت صورة سيئة جداً كشركاء إفتراضيين وظهرت نظرتها الرجعية أكثر من سلطة دمشق التي سبقتها بأشواط ؟!
ولكي لا نقع في فخ التعميم وجب التنويه بأن " الليبراليون ضد الخصوصية القومية – وهم الأكثر من بين الشريحة " المثقفة " ( المثقف السياسي ) المعول عليها في قبول الآخر والمساعدة في نيل حقوقه وخصوصيته ، ظهر بأنه هو نفسه (الأكثر ملكية من الملك نفسه ) فيخلط بين مفاهيم واضحة ويصطاد في مياه " العنصرية " فكيف يمكن أن يقبل على نفسه بأن الفدرالية تعني – التقسيم فيروج لها ويؤلب الرأي العام ضدها بدل أن يعين في فهم المعاني الكامنة للمصطلحات والمفاهيم " الغامضة " ...
كل ذالك يستجلب القول بأن " المجتمع " الشرق أوسطي يعيش حالة اغتراب في ذاته .