أطنان النفايات تغزو مدينة قامشلو، وحلول قيد الدراسة ولكن؛ إلى متى؟
من اللافت في عدة مناطق من إقليم الجزيرة وبخاصةٍ مقاطعة قامشلو هو انتشار النفايات في كل مكان وفي كل شارع، الأمر الذي يسبب العديد من الأمراض والأوبئة، ناهيك عن المظهر غير الحضاري الذي تعكسه مناظر النفايات المبعثرة على الأرصفة وفي مكبات النفايات أو بمعنى آخر تلال النفايات التي توشك أن تغطي مساحاتٍ شاسعة من الأراضي ونخص بالذكر قرية ناف كري والقرى المجاورة لها، حيث احتلت النفايات عشرات الكيلو مترات على طول الطريق المؤدي إلى القرية.
ولمعرفة الأسباب التي أدت لانتشار كل تلك النفايات، كان لا بد من البحث والتحقيق في الموضوع وتوضيحه للمواطنين.
النفايات تحاصرنا، أين المعنيون من هذا؟!
التقينا بالمواطنة فصلة عبدو من قرية ناف كري وحدثتنا عن معاناة المواطنين في المنطقة بسبب تراكم النفايات قائلةً: "نعاني كثيراً من تراكم القمامة والنفايات، حيث تتسبب بانتشار الروائح الكريهة والذباب والبعوض بخاصةٍ وفصل الصيف على الأبواب، ويصاب أطفالنا بالأمراض الجلدية والأوبئة والأمراض التنفسية، ولا يمكننا عمل شيء إزاء هذه المشكلة ونطالب الجهات المسؤولة بإيجاد الحلول السريعة". وأشارت فصلة إلى أن حرق النفايات يزيد الطين بِلةً حيث أن الدخان المنبعث نتيجة حرق تلك النفايات يسبب الاختناق ويلوث الهواء بشكل كبير.
ومن جهته قال المواطن عيد عبد الله: "إلى متى سيبقى الأمر على هذا الحال؟ نكاد نهجر بيوتنا بسبب الروائح الكريهة وانتشار الأمراض التي تسببها تلك التلال من القمامة، فالنفايات تحاصرنا في كل مكان وأين المعنيون من هذا؟ أليس هناك جهاتٍ مسؤولة في المدينة لتقوم بواجبها وإزالة هذه الأطنان من النفايات والتي تكاد تصل إلى مدينة عامودا".
وأكدت المواطنة سعدة غضبان على أن أولادها الثلاثة قد أصيبوا بأمراضٍ جلدية وتنفسية بسبب انتشار النفايات في كل مكان من القرية وعلى أطراف منزلها، وأشارت إلى أنها لو كان بإمكانها الانتقال من القرية لفعلت ولكن؛ وضعها المادي لا يسمح لها بذلك، وقالت: "إنني قلقة على أولادي كثيراً، ورغم أنني أعاني من مشكلات صحية مثلهم إلا أن أولادي هم الأهم وأناشد المعنيين أن يقوموا بواجبهم".
الإنسان هو المسؤول الوحيد عن تلوث البيئة
كما نعلم البيئة هي الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه الإنسان من مياه وحيوانات وأتربة وجمادات وغيرها، ويعتبر الإنسان الكائن الوحيد العاقل من بين كل تلك الكائنات الحية، والذي يحدد العلاقة بينه وبينها لأنه المسؤول الأول عن إعمار الكون أو دماره. فإذا استخدم محيطه بشكل صحيح وبعقلانية فإنه يحقق فوائد عظيمة للبشرية ويحقق بذلك توازناً بيئياً يضمن له الاستمرار بالحياة، أما إذا استخدم ما يحيط به بشكلٍ عشوائي وغير مسؤولٍ فإنَّه سيسبب دماراً للطبيعة وبالتالي حياةً مليئة بالأمراض والمشاكل البيئية أي (التلوّث). ويعرِّف العلماء التلوّث: بأنه إحداث تغيير في البيئة المحيطة بالكائنات الحيّة المختلفة التي تعيش في الوسط البيئي بسبب نشاط وسلوك الإنسان وما ينتج عن هذا التغيير من خلل في الموارد يعيق استمرار حياة الكائن الحي بالشكل المطلوب. إذاً المواطن مسؤول عن التلوث بالدرجة الأولى ولا ننسى أن الجهات المعنية كالبلديات أيضاً لها جانب من المسؤولية تجاه انتشار النفايات حيث يتوجب على البلديات والهيئات المعنية بالبيئة القيام بمهامها على الوجه الأكمل من ناحية جمع النفايات من الطرقات وتخصيص مكبٍ لها خارج نطاق المدن والمناطق المأهولة، بالإضافة إلى وضع قوانين صارمة تعاقب المواطنين الذين لا يكترثون لنظافة بيئتهم أو الآثار التي يخلفها سلوكهم غير المسؤول، ومن جهةٍ أخرى العمل على حملاتٍ للتوعية ابتداءً من الكومينات ووصولاً إلى المؤسسات.
نفايات ناف كري على طول الطريق
واستناداً على شكاوي المواطنين قمنا بجولةً ميدانيةٍ إلى قرية ناف كري الواقعة غرب مدينة قامشلو بحوالي عشرة كيلو مترات تقريباً، وحقيقةً كان المنظر الذي شاهدناه هناك يثير الغثيان والاشمئزاز، ولم تكن شكاوي المواطنين آتيةً من فراغ، حيث تنتشر النفايات على طول الطريق ولمسافة عشرات الكيلو مترات، وكانت أشبه بسلسلةٍ من تلال القمامة، وقد تجمع الملايين من الذباب والبعوض عليها، بالإضافة إلى الروائح الكريهة التي كانت تعم المكان حتى إن الإنسان يمكن شمها من مسافات بعيدة، ولتلك النفايات تأثيراتٌ جمَّة على صحة الإنسان والحيوان والنبات. فلماذا تفاقم الوضع هكذا؟ وأين المسؤولون عن هذه الآفة وهذا التراكم غير المسبوق؟!.
وبهذا الصدد؛ التقينا الرئيس المشترك لبلدية قامشلو الغربية المهندس عبد الأحد اسحاق وحدثنا قائلاً: "منذ استلامنا مهامنا والتي لم تتجاوز مدتها شهراً واحداً في البلدية، تواجهنا مشاكل وعوائق تتسبب بالتقصير في عملنا من ناحية نظافة المدينة، ومن أهم العوائق عدم توفر الآليات الهندسية في المرآب والتي تعمل على جمع النفايات من الأحياء، وبدون وجود آليات لا يمكننا القضاء على التلوث وإضفاء الطابع الحضاري على المدينة". وتطرق اسحاق إلى مسألة الصرف الصحي والتي تشكل أيضاً عاملاً من عوامل تلوث البيئة وقال: "نعاني مشكلة الصرف الصحي في معظم أحياء قامشلو بشرقها وغربها ولا تملك البلديات سوى آلية واحدة لشفط مجاري الصرف الصحي، لذلك هناك تقصير كبير من جهة تلبية شكاوي المواطنين بهذا الشأن، لذلك نحن بحاجةٍ إلى عدد من الآليات والشفاطات والتركسات التي توفر لنا سهولة العمل على جانب نظافة المدينة". وأكد عبد الأحد اسحق على أنهم تلقوا أكثر من خمسين شكوى من المواطنين في حي الهلالية، وعليه تم تقديم طلب لهيئة البلديات لتأمين الآليات المذكورة ليتسنى خدمة المصلحة العامة بالإضافة إلى صيانة الآليات القديمة، كما نوه إلى وجوب صيانة المرافق والأنابيب وتغيير عدد من الفوهات المطرية التي سُدَّت بالكامل بسبب التركيب العشوائي من قبل المواطنين سابقاً وتجمع الأوساخ فيها.
الحرق والطمر كحلول مؤقتة يزيد الطين بِلَّة
واستكمالاً للمعلومات توجهنا إلى هيئة البلديات للإجابة عن تساؤلاتنا والتقينا نائب الرئاسة المشتركة لهيئة البلديات والمختصة بقسم البيئة بيريفان عمر وحدثتنا قائلةً: "إن النفايات المتراكمة بخاصةٍ في قرية ناف كري تسبب لنا وللمواطنين مشكلةً حقيقية، ونحن نناقش موضوع مكب النفايات في تلك المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونحاول وضع الحلول المناسبة لها وإزالة كل تلك التراكمات من القمامة تفادياً لانتشار الأمراض والأوبئة". وأشارت بيريفان إلى أن الحلول التي وضعت منذ ثلاث سنوات كانت حلولاً مؤقتة وغير كافية بالرغم من أن معظم الدول تتبع ذات الحلول وهي عن طريق الحرق أو الطمر بالإضافة إلى رش المبيدات الحشرية للحد من انتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات".
ونوهت بيريفان عمر إلى التأثيرات السلبية والآثار الضارة التي يسببها الحرق والطمر على البيئة من تلوث للهواء، وتسرب المواد الضارة والجراثيم عبر التربة إلى المياه الجوفية التي يستخدمها الإنسان في الشرب، كما تؤثر على الحيوانات التي تعيش داخل الأرض وتتسب في نفوقها، ومن جهةٍ أخرى تجذب النفايات الحشرات الضارة والقوارض التي عادةً ما تحمل معها أنواعاً عديدة من الأمراض التي تصيب الإنسان.
تجميد مشروع حل مشكلة النفايات منذ سنتين وطرحه مجدداً هذا العام
وقالت بيريفان مؤكدةً: "إن الحل الأمثل لحلِّ مشكلة تفاقم النفايات هي إقامة مشروعٍ استثماري يعمل على فرز تلك النفايات وبالتالي إعادة تدويرها والاستفادة من المخلَّفات في عمليات التصنيع". وأشارت إلى أن هذا المشروع اقتُرح على هيئة الاقتصاد منذ سنتين، إلا أن الإمكانات المادية والاقتصادية لم تكن متوفرة حينها لذلك؛ تم تجميد المشروع.
وأكدت بيريفان على أن الإمكانات الاقتصادية لا تزال محدودةً، إلا أن الحاجة القصوى للبدء بهذا المشروع والوضع المتفاقم لانتشار النفايات استوجب على هيئة البلديات إلى اقتطاع ميزانيةٍ خاصة لتنفيذه، لذلك؛ قررت هيئة البلديات تأسيس شركة من أجل معالجة النفايات في مدينة قامشلو والاستفادة من الأصناف الصالحة منها بعد أن يتم فرزها بحيث يتم طمر أصناف منها وبيع الأصناف الصالحة للبيع, والجدير ذكره أن مثل هذا المشروع مطبقٌ في الأردن وتركيا ويعتبر جديداً في سوريا، وعليه سيتم عقد اتفاق مع عدد من المهندسين والخبراء للعمل على المشروع، حيث قمنا بالعقد مع المهندس طوني الياس الذي يملك الخبرة الكافية مع فريق العمل الخاص به من أجل التأسيس والإشراف على تنفيذ المرافق اللازمة لعمل المنشأة ومن ثم استثمار الشركة بعد أن تصبح جاهزة للعمل، وذلك بالاشتراك مع الإداريين الذين تسميهم هيئة البلديات من طرفها, واستناداً على ذلك فقد اتجهت إدارة الفريقين إلى التعاقد مع بعضهما والتوقيع على العقد وفق عدة شروط وبنود.
أهم الشروط والبنود
إن الشركة المذكورة مع كل ما يمكن أن يلحق بها من منشآت ووُرش ومعامل وغيرها مستقبلاً هي ملك للهيئة وعليه؛ فإن كل نفقات ومصاريف الإنشاء تقع على عاتق الهيئة ولا يتحمل الفريق الثاني أية مصاريف مالية. والشركة بما ستحتويه بعد التأسيس والتسليم وبما سيتم إنشاؤه لاحقاً من معامل وغيرها من منشآت تتبع لهذه والشركة هي ملك للهيئة, وتقوم الهيئة بوضع نظامها الإداري والمالي بالتشاور والتوافق مع الفريق الثاني. ويلتزم الفريق الثاني بتقديم وثيقة تتضمن تصوّراً وشرحاً كافياً مع الأرقام الموضحة للجدوى الاقتصادية للشركة. كما يلتزم الفريق الثاني بتقديم المعطيات اللازمة من أجل إعداد الدراسة المدنية والكهربائية والميكانيكية ويتعاون مع الجهة المختصة في الهيئة من أجل إعداد المخططات وكشوف كميات المواد اللازمة والجداول الزمنية وغيرها من الوثائق الواجب تحضيرها من أجل التنفيذ على الأرض. ويجب أن يبذل كلا الفريقين الجهود الكافية من أجل إتمام التجهيز خلال فترة قياسية لا تتجاوز الـ /45/ يوماً من تاريخ انتهاء الدراسة. قد تترافق مرحلة التأسيس مع البدء ببعض أعمال الفرز الممكنة وغيرها من الأعمال الداخلة في صلب وجوهر عمل المنشأة، وتكون صلاحيات الفريق الثاني تامة في هذا المجال وفي كل الأحوال تكون صلاحيات الفريق الثاني تامة بالنسبة لجوهر عمل المنشأة سواء خلال التأسيس أو بعد انتهائه والبدء بالعمل المبتغى من التأسيس.
وتكون عملية بيع المواد الناتجة عن عملية الفرز سواء بحالتها الخام أو المدوّرة وكل ما يتصل بالبيع من تفاصيل بالتشاور والتوافق بين الفريقين.
ونوهت بيريفان في حديثها إلى أنه تم اقتطاع مساحاتٍ من الأراضي مسبقاً من أجل إقامة المشروع عليها في قرية ناف كري لتكون قريبة من مكب النفايات ولسهولة نقلها، وسيتم بداية إنشاء معملين لإعادة التدوير، معمل للبلاستيك ومعمل لصناعة الأعلاف، وسيبدأ المشروع انطلاقاً من عمليات الفرز وبذلك يتم فصل المواد الصلبة كالزجاج والتنك والألمونيوم عن المواد الأخرى كأكياس النايلون والورق والكرتون والمواد الغذائية، والجدير بالذكر أن المواد الصلبة المذكورة تستقطب بعض المستثمرين الذين يقومون بشرائها وإعادة تصنيعها، وبذلك نكون قد قلَّصنا النفايات واستفدنا منها وتخلصنا من مضارها.
وأشارت بيريفان عمر إلى الجوانب الإيجابية للمشروع حيث سيتم تشغيل عددٍ كبيرٍ من الأيدي العاملة في المشروع والذي يقارب مبدئياً إلى 200 عاملٍ، بالإضافة إلى الإداريين والخبراء، كما أن نجاح المشروع في المرحلة الأولى سيحفز على إقامة مشاريع صناعية أخرى وإنشاء معامل لإعادة تدوير الزجاج والورق والألمنيوم كمرحلةٍ ثانية.