شاعرة جميلة مرهفة الإحساس، تغرّد مع البلابل عن الحبّ والأمل، صريحة في القول، لا تسكت عن الخطأ، لا تجامل، تكتب بصدق ولغة أنيقة، تكتب بأسلوب نثريّ متين رصين، تغرّد في نهر الخزر، وهي شقيقة جميل عامودا الشاعر الكبير والقدير والناقد جميل داري، خريجة كلّيّة الفلسفة، هاجرت، وعاشت كغيرها هموم الوطن والفقراء.
أهلًا بك شاعرتنا الأنيقة في هذا اللقاء الذي نحاول تسليط الضوء على حياتك والأدب.
ج1
أنا شاعرة كردية مولودة في عامودا أشعر أنّي مهرة جامحة.. مهرة الغيم والريحِ العصيّة.. متحرّرة من قيود الحرير والقبيلة.. القصيدة القريبة، والقصيدة النابضة.. ممزوجة بزرقة سماء الشمال السوري، وبخضرةِ النيران الجبلية الجميلة.. مفتونة بالنرجس وسراب المجاز الأُنثويّ.. أستنشق عبير اللغة البكر التي فيها الكثير من المكان والعزلة.
ج ـ2
الشعر طفولة مبكّرة، وقد لا تشيخ أبدًا، أو يجب ألّا تشيخ أبدًا.
بدأت منذ الطفولة.. كنت أتلمّس طريق البرق، الحبّ، الشغف الأول ولهفتي للكتابة.. استهوتني أشعار القدماء خاصّة امرؤ القيس.. طرفة.. أبو تمام والمتنبي..
كانت لدينا مكتبة تحتوي الكثير من دواوين الشعراء العرب القدامى والمعاصرين.. كنت أعيش تجربة الكتابة حتى لو لم أكتب.. كنت أغتسل بأمطار الشعر في سهوب اللغة.. كنت عباد شمس الأصيل..
فيما بعد فتحت عينيّ على تجارب الشعر الحديث.. قصيدة النثر والتفعيلة. أحببت الماغوط ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب وكثيرين غيرهم.
مع هؤلاء يمكنك أن تبدأ مراهقة وفورانًا لغويًّا غير محدود وغير متناه.
وأنت في جهد دائم للافتراق عنهم، كي تؤسّس ما يخصّك.
ج/3
الكتب هي فناء الشاعر الرحب، حديقته وفضاؤه اللامتناهي الذي يقود إلى جماليات البناء في النصّ الشعريّ عمومًا.
هناك الكثير من الكتب من الصعب الإحاطة بها كلّها، لكنّني تشبّعت بدواوين محمود درويش الأخيرة وقرأت دواوين أدونيس.. نزار قباني وبدر شاكر السياب والبياتي وأمل دنقل.. وتأثّرتُ أيضًا بكتاب قواعد العشق الأربعون للروائية التركية إليف شافاق. وأحببت أدب أمريكا اللاتينية متمثّلًا بالواقعيّة السحريّة ولا سيما ماركيز و فارغاس يوسا.
الكتب هي الحديقة التي نتجوّل فيها دون يأس أوملل.
ج /4
ليس من وقت أو زمن لكتابة الشعر، الشعر صالح لكلّ الأوقات ولكلّ الاحتمالات، لا طقوس معيّنة لكتابة القصيدة عندي، أحيانًا أدندن بها، وأنا في القطار، وأحيانا أخرى تهبّ فجأةً وأنا في سهرة عائليّة، وفي أوقات كثيرة تأتيني وأنا مسافرة في الطائرة. القصيدة برق يأتي على حين غرّة، إلّا أنّها تستوجب عطرًا داخليًّا خاصًّا.
عمومًا الشعر تجربة مراهقة في الحياة لا تنضج ولا تكتمل، أو يجب ألّا تنضج وألّا تكتمل. الاكتمال موت سريريّ في الشعر.
عندما يستسلم المبدع للتكرار، وينضب شعريًّا وروحيًّا فالأجدى له أن يصمت.. كما صمت رامبو وهو دون العشرين من عمره.. ولا أظنّ أنّ الأدب يشيخ ما دام كاتبه قادرًا على تجديد تجربته وروحه وموهبته، أمّا أقرب مدرسة شعريّة لنفسي فهي مدرسة الشاعر الكبير محمود درويش.
ج/6
تأثّرت بأشعار أخي الشاعر والناقد جميل داري، وهو معلّمي الأول، أيضًا شيركو بيكس، وسليم بركات ولغته البريّة، هذا على السبيل المثال الكرديّ، أمّا عربيًّا فأحببت قصيدة محمود درويش حتى النخاع.. فتنتني بجماليتها العالية، وتدفّقها العذب، وموسيقاها الناعمة.. درويش علّمني الكثير، وصوّب كتابتي نحو سماوات بعيدة، وأسراب طيور خضراء، ومعان وجوديّة وإنسانيّة لا تحصى.
ج/7
نواجه حالة من فوضى النشر في ظلّ انتشار ثورة التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعيّ. وفي وقت غياب الرقيب الأدبيّ من على الصفحات الأدبيّة في الصحف الكبرى. وهذه تحسب لقصيدة النثر، وقد تحسب عليها. تحسب لها إذ إنّنا بتنا نقرأ التجارب الممنوعة أو المحاصرة التي لم يكن لنا أن نقرأها دون طفرة التكنولوجيا. وتحسب عليها من حيث أنّها أباحت لركام بلا معنى بالتدفّق كالسيل الجارف الرتيب المملّ الذي يفرغ التجربة الشعريّة من شحناتها وتأثيراتها.
لديّ ديوان شعر بعنوان" نهر الخرز".
وديوان قيد الطباعة.
ولديّ رواية سردية أعمل عليها.
وأكتب المقالة، وتنشر في مواقع وصحف عدّة.
أن يقرؤوا كثيرًا، ولا يتوقّفوا عن الحلم بعالم أفضل وحياة أجمل.
ألّا يقتنعوا بما قدّموا من نتاجات، ويحاولوا تجاوز ذواتهم بشكل إبداعيّ دائمًا.
كل الشكر لك شاعرتنا القديرة والانيقة على رحابة صدرك بالاجابة على اسئلتنا نتمنى لك دوام العطاء في حياتك على جميع الاصعدة
ظلال العتمة
وفيّةٌ هذهِ الشّمسُ
تغامرُ بالشّتاءِ
تزرعُني شتلةً غريبةً في نهاياتِ الطرقِ
شعري مبلّلٌ، ووجهكَ المطرُ
ألم يكن حريرُ وصولي متعةَ الصّباحِ؟
كنتَ تفكُّ ضفائرَ العتمةِ
بكأسِ نبيذٍ توحّد بدمي
بعيدةٌ تلكَ الشّمسُ
بُعدي عنّي
قريبةٌ هذهِ الأشجارُ التي
لا تُثمرُ إلّا جنوني