الكذب في حياة الإنسان من أشد الأمراض الاجتماعية خطراً لأنه يُقوض بناء المجتمع ويقضي على الثقة بين أفراده ، ويجعل التشكك والارتياب فيما ينقله الآخرون إلينا بديلاً عن الاطمئنان والأمان . وللأسف هذا السلوك كثيراً ماينمو في فترة الطفولة . فالطفل يُقلد كل مايراه ونصف مايسمعه ، وسلوك الآباء والأمهات ينعكس على سلوك أبنائهم ، لذلك كان من الضروري أن ننتبه لسلوكنا وكلامنا أمام الاطفال ، فالأطفال لا يدركون خطورة هذا السلوك وضرره عليهم وعلى من يحيطون بهم . فالكذب لدى الطفل ليس لنية الأذى أو إلحاق الضرر بشخص ما، وعلينا أن نعرف سبب كذب الأطفال حتى نستطيع معالجة المشكلة والحدّ من هذا السلوك . يمكن تعريف الكذب بأنه : (( ذكر شيء غير حقيقي ، مع معرفة أنه كذلك ، بنية خداع الآخر ، للحصول على فائدة او من أجل التملص من أشياء غير سارة )) . ومع أن جميع الأطفال يكذبون أحياناً إلا أن الآباء يميلون إلى اعتبار الصدق سمة شخصية أساسية أكثر من جميع السمات الاخرى ! ويشعرون بالانزعاج عندما يكون الطفل غير صادق . ويجد أطفال ماقبل المدرسة صعوبة في التمييز بين الخيال والحقيقة ، لذلك فهم عرضة لخداع الذات والمبالغة . ولأن الكذب سلوك ، فإن كثرة تكراره يسبب تعود النفس عليه ، واستهانتها به ، حتى يصبح عادة ملازمة لها
أسباب الكذب :
1- الدفاع عن النفس : ويظهر هذا السبب بكثرة في الأسر التي تستخدم العقاب كثيراً في تعاملها مع أبنائها ، ويتحول فيها الأب من شخص متفهم لمشكلات طفله إلى محقق بوليسي ، فيلجأ الطفل إلى الكذب ليدفع عن نفسه التهمة ، حتى لو ألصقها بالآخرين. 2- الإنكار : ويلجأ إليه الطفل لتجنب الذكريات المؤلمة ، والمشاعر السلبية . 3- التقليد : وهو من أهم أسباب الكذب ، إذ يمثل أسلوب التعلّم من خلال تقليد النموذج وسيلة رئيسية للتعلم في سنوات الطفولة المبكرة ، وحين يمارس الراشدون أمام الطفل سلوك الكذب فإنه ينظر إليه باعتباره سلوكاً مرغوباً ( مثال ) : حين يتهرب الوالد من ضيف ثقيل بأن يطلب من الطفل إخباره أنه خارج البيت . ويزيد الأمر تعقيداً حين يكون الأب نفسه ما يزال يمارس سلوك الكذب في بعض جوانب حياته ، رغم أنه يطالب الطفل بالصدق الصارم . 4- التفاخر : وذلك للحصول على إعجاب الآخرين واهتمامهم ، والطفل هنا يخفي شعوره بالنقص أمام الآخر ، ويحاول أن يحشو هذا الفراغ النفسي في أعماقه بالكذب محاولاً تعظيم الذات وإعلاء شأنها. 5- التقرب من الآخرين : بادعاء الطفل قيامه بأعمال يحبونها ، فيزيد ذلك من اهتمامهم به . 6- العداء : بادعاء قيام طفل آخر يكرهه بأعمال مشينة ليعاقب عليها ، وكثيراً ما يلجأ إلى ذلك الأطفال الذين يشعرون بعدوانية مكبوتة لا يمكنهم تفريغها ، إما لعجزهم الجسدي ، أو لشعورهم بتقييد الأنظمة الأسرية أو المدرسية لهم . 7- الولاء : للدفاع عن مجموعات الرفاق ، أو لتضليل الراشدين حتى لا يعاقبوا صديقاً من اصدقائه . 8- عدم الثقة : يكون الطفل قد اعتاد على أن الوالدين لا يثقان في كلامه عندما يخبرهما بالحقيقية . 9- صورة الذات : يكون قد قيل له مراراً " إنه كاذب " حتى أصبح مقتنعاً بذلك ، ونظر إلى ذاته باعتباره كاذباً . 10- المكسب الشخصي : للحصول على أي مكسب خاص يتصور أنه لا يمكنه الوصول إليه من خلال ذكر الحقيقة . 11- الخيال الخصب للطفل وعدم تفريقه بين الخيال والواقع .
كيفية علاج مشكلة الكذب لدى الاطفال :
1- محاولة حل مشكلات كثيرة في الوقت نفسه يمكن أن يقود إلى الفشل ، والأسلوب الأمثل أن نختار سلوكاً سيئاً محدداً لمعالجته في الوقت الواحد "تحديد الاولويات ". 2- لا تنظر إلى السلوك فقط ، إنما انظر إلى دوافعه وأسبابه ، واهتم بمعالجتها هي أولاً . وتبين حالة الكذب ونوعه ودرجة تكراره ودوافعه ، وكما ذكرنا سابقاً أسباب الكذب ، نذكر علاجها : • الحصول على الثناء أو الانتباه . الحل : أن تعطيه المزيد من الثناء والتقدير ، فلا يضطر إلى أن يكذب لكي يحصل عليها . • تجنب العقاب . الحل : كن أقل قسوة ، وحدد جزاء معقولاً للكذب ، واجعل الصدق أكثر إثابة . • كذب التقليد : الحل : قدم نماذج أفضل له . • الخوف من الفشل : الحل : لا تتوقع الكثير من الطفل في وقت قليل . • الحصول على شيء ما : الحل : ساعد الطفل في استكشاف طرق أخرى للحصول على الأشياء المرغوبة بطرق مشروعة ومقبولة . • كي يقلل من شأن الآخرين : الحل : علم طفلك احترام الاخرين واهمية الحب في حياتنا . • الكذب من أجل حماية رفاقه : الحل : علّم طفلك أهمية مساعدة أصدقائه ، ولكن ليس في حال الكذب وعلمه أن حمايته من خلال الكذب يضره ولا ينفعه 3- ركّز على الأساليب الإيجابية التي تهدف إلى زيادة السلوك المقبول ، باستخدام الثناء والمكافآت ، فعن طريق تقوية السلوك الصحيح ( الصدق) يقل احتمال ظهور السلوك الخاطئ (الكذب) . 4- علّم أطفالك القيم الخُلقية والدينية : لا تتهاون مع سلوك الكذب ، وحاول أن تغرس في أطفالك أن الصدق ركيزة رئيسية في معاييرك أنت ومعايير أسرتك ، وأكثِر من ذكر النماذج الصادقة أمامه . 5- اتبع أسلوب التفاهم والمحبة في النقاش لا السلطة المعاقبة . 6 - قم بعدد من الرحلات والأنشطة ودع الأطفال يصفونها بحيث يتسنى لهم رؤية الحقائق والحديث عنها ، مما يكسبهم الدقة في وصف أنشطة الحياة . 7- شجع من له قدرة خيالية واسعة على قراءة الشعر والقصة ومحاولة التأليف الإبداعي .
طرق الوقاية من الكذب :
1- تجنب دور المحقق حين تسأل أبناءك عن سلوك ما ، لأنهم حين يضطرون للاعتراف بالخطأ سيحرفونه قدر الإمكان ( تذكر حين تمر أنت بهذا الموقف أمام رئيسك في العمل ، او في موقف محرج .. ألا تحاول تغطية شيء من الحقيقة تجنباً للحرج ؟! ) . وحاول جمع الحقائق من أطراف أخرى ، ثم واجهه بها بتفهم ومحبة وتقدير له ، وثناء عليه . مثال : رسب ابنك في الامتحان ، وعرفت بدلاً من أن تقول له : هل نجحت في امتحانك ؟ فيكذب عليك . قل له : لقد اتصل أستاذك ليخبرنا أنك لم تنجح في امتحانك ، وأنا قلق لما جرى ، فما الذي تحتاج إليه لكي تعوض هذه الخسارة ؟ . 2- التزم بمعايير الصدق التي تضعها لطفلك ، واجعل سلوكك متوافقاً مع معاييرك . 3- تحدث كثيراً مع أسرتك عن الأخلاق ، ونمِ فيهم الشعور الديني ، واذكر لأطفالك كثيراً من النماذج الصادقة وذلك بوسائل : الأشرطة ، أو الفيديو ، أو اسطوانات الكمبيوتر ، أو حتى بحكاياتك الشفهية معهم . 4- تجنب استخدام العقاب الشديد المتكرر الذي يضطر الطفل معه إلى الكذب لينجو منه ، لأنه ليس هناك عمل يستحق أن تحول ابنك إلى كذاب من أجله !! 5- تجنب المراوغة مع ابنك ، فلا تحاول إخفاء عيوبك عنه بالكذب ، أو تعده بما لا تنجزه ، أو تُزيّف أمامه الحقائق ، كأن تقول له : إن إبرة الطبيب غير مؤلمة .. رغم أنه بعد دقيقتين سيشعر أنها بالغة الألم بالنسبة له !! . حاول أن تصبح أكثر وعياً بمبالغاتك في حديثك ، أو كذبك أمام طفلك تهرباً من موقف محرج . 6- قم بزيادة معرفة طفلك بخطورة الكذب وأضراره ونتائج المترتبة منه فبالمعرفة نجعل طفلنا يتجنب هذا السلوك من تلقاء نفسه 7 - عامل طفلك برفق وأشعره بعطفك كي لا يخاف طفلك من قول الحقيقة .
((حالة)) :
- آن فتاة في التاسعة من عمرها ، تم ضبطها وهي تكذب . وقد ذكرت بأنها تكذب كي تحمي نفسها من الاحراج فقالت لها والدتها " نحن في هذه العائلة نثق ببعضنا البعض ، وعندما يتم تحوير الحقيقة يتولد عدم الثقة " . وعندئذ اعتذرت آن وقالت إنها لن تفعل ذلك ثانية . فأجابت والدتها : "أنا اقبل وعدك " . وهكذا استطاعت هذه الأم عن طريق إظهار عدم رضاها عن الكذب وتوضيحها للقيم الأسرية أن تبقي حالات الكذب في حدها الأدنى داخل أسرتها .
فالكذب في كافة المجتمعات والثقافات والاديان يُعتبر سلوكاً سيئاً وخُلق مذموم والشخص الكاذب غير مرغوب به وغير اهلٍ للثقة ، لذا كان لزاماّ على كل أب وأم تربية أبنائهم تربية سليمة وصحيحة وفق أخلاق وقيّم جيدة وخاصة في مراحل عمر الطفل الاولى والأهم أن يكونوا القدوة الحسنة لأبنائهم ، وملاحظة سلوك ابنائهم والإسراع إلى العلاج "تخصصي" في حال حدوث اي مشكلة في السلوك ...