الشهيد مظلوم دوغان (1955-1982) :
صاحب الصرخة التي تقول "برخدان جيانى-المقاومة حياة"
ولد الشهيد مظلوم دوغان عام 1955 وهو من الأعضاء المؤسسين لحزب العمال الكردستاني PKK بالرغم من صغر سنه آنذاك وشغل مناصب في قيادته وإدارة شؤون الصحافة والنشر ففي 1974-1975 قدم الشهيد مظلوم دوغان امتحانات القبول في الجامعة للدراسة في جامعة هاجة تبة
حيث سجل فيها وكان لمنبته الطبقي تأثيرا على تشكيل وعيه السياسي والثوري .فمنذ قدومه إلى الجامعة كانت ميوله يسارية وكان يقرا ما يقع بين يديه من المطبوعات اليسارية لمجموعة تركية كانت تنشط آنذاك في المعاهد والجامعات وهذا الولع بالقراءة والفضول عمق في ذهنه وتفكيره الميول اليسارية الاهتمام بقضية شعبه المنسية .
وعندما بدا الدوام في الجامعة كانت هناك (جمعية الطلبة الديمقراطيين في أنقرة) حيث راح يتردد عليها ,ويلتقي بجماعات اتحاد الشباب الثوري , وحزب العمال الاشتراكي في تركيا TISP ولكنه لم يجد هناك ضالته ,وما كان يحلم به , وفي تلك الأثناء أغلقت جمعية الطلبة فراح يتردد على جمعية حاجي تبه وهناك كان يتحدث مع أشخاص كثيرين حول مسائل الدولة الديمقراطية والفاشية ومسالة بناء الحزب وأساليب النضال وكان شاهين ود نمز من بين أولئك الذين كانوا مثله يبحثون في نفس المسائل حيث كانا معاً في نفس المرحلة الجامعية في جامعة حاجي تبه أي السنة التحضيرية كان شاهين دونمز يتحدث كثيراً عن حق الشعوب في تقرير مصيرها .وكان لهذا الموضوع صدى مؤثراً لدى الآخرين وبشكل خاص لدى مظلوم دوغان القادم من بين شعب مغيب الحقوق ومنهك الإرادة وتمارس بحقه كل سياسات الإلغاء والمحو....
وفي هذا الوقت كان مظلوم دوغان يغرق في قراءة الكتب والمجلات والتي كانت بدورها تهاجم الذين لا يكترثون بالمسألة القومية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ..
ومن خلال علاقاته ومعارفه في الكثير من المدن التركية والتي سبق له وان درس فيها _فقبل الآن درس في اسكي شهير وبالي كسير كان يتوصل مع الثوريين وأصحاب الفكر اليساري والثوري وفي ذلك الفترة بدا يهتم أكثر بالكتب التي تتناول مسائل الدولة والديمقراطية والقضايا القومية مستنداً على أسس الماركسية وتناولها للقضايا القومية .
ظل مظلوم دوغان يناقش شاهين حول المسائل القومية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ولم تكن آراؤه قد تبلورت تماماً ولم تكن أفكاره واضحة في تلك المسائل فقد كان يتحدث على الأغلب مما سمعه هنا وهناك
إلا انه كان نهما في التعرف على أراء المجموعات السياسية لا سيما من خلال مجلاتهم وكتاباتهم ومما صار في حوزته من كتب وفي أواخر 1975 كان قد قرأ كتبا هامة حول المسألة القومية . وازدادت معرفته في هذا المجال واستمر في الاتصال مع شاهين من حين الى أخر
وفي هذا الأثناء بدا الطلبة اليساريون بتأسيس المنظمات اليسارية و حضر مظلوم دوغان الاجتماع التأسيسي لجمعية الثوريين الديمقراطيين الثقافية DDKD ولكنه لم ينسجم معها كثيراً ولم يرتح لأعضائها إذ كان يرى فيهم برجوازيين قوميين وبشكل قطعي ناهضهم منذ البداية وضمن هذه الظروف تعرف على حقي قرار الذي كان هو الأخر على نقيض من جماعة جمعية الثوريين الديمقراطيين الثقافية DDKDوكان يهاجمهم بشدة يطرحونه من أراء لا سيما حول لمسائل القومية وكان يصفهم بالبرجوازيين وينتقد أساليبهم ونشاطهم وقد ارتاح مظلوم له وراح يلتقيه كثيراً ويتحدث معه ..وفي أواخر 1976وبداية 1977 قرر مظلوم دوغان ترك الدراسة فكلية والتفرغ كلياً للنضال السياسي كان ثمة ما يشبه حركة سياسية يسير على هديها كانت الحركة لم تأخذ شكلها التنظيمي آنذاك كانوا مجموعات من الطلبة اليساريين توحدهم الأفكار المتشابهة رغم إن الكثير منهم لم يهتموا به كثيراً كانوا يرون فيه انه لا يزال يحتاج الكثير من اجل إن ينضم إلى حلقاتهم ولهذا كان غالباً عندما يجالسهم كان لا يشارك بالنقاشات الطويلة بل يفضل الاستماع أليهم وقد مرت فترة لا باس بها حتى وافقوا على انضمامه لصفوفهم وهنا نشط مظلوم دوغان وراح يضع كل ما بيده في خدمة رفاقه حتى النقود التي كان يحصل عليه من أهله لمعيشته يتبرع بها لما يحتاجه الرفاق أو لشراء ما يلزمهم لضرورات النضال وكان يسلمها لحقي أو جميل أو يشتري بها كتباً يقرأها الجميع ..
كان دءوبا لكسب المؤيدين لأفكارهم ويقيم اتصالات فردية مع الأشخاص ومن خلال معرفته لشخص في باطمان مثلاً كان يذهب إليه ويحاول عن طريقه كسب آخرين وقد نشط في باطمان كثيراً فباطمان في تلك فترة وحتى ألان مدينة عمالية كبيرة وكل تنظيم سياسي يسعى لتشكيل قاعدة جماهيرية له فيها وقد حاول حقي قرار من قبل إن يجد هناك موطئ قدم لأفكاره إلا انه لم يوفق لأن الكثيرين لم يرتحوا لشخص من القومية التركية يجيء ليحدثهم عن قوميتهم الكردية بالإضافة إلى حاجز اللغة لذا لم يكن حقي قرار قادراً وقتها لكسب مؤيدين له في باطمان .
وفي نهاية 1976 حمل مظلوم دوغان حقيبته واخذ بعض النقود من أهله وسافر إلى المدن الجنوبية من كردستان تركية وتنقل في كل المدن والبلدات الواقعة على الخط الحدودي بين تركية وسوريا كان لا يتعب من الحل والترحال في القرى والبلدات الكردستانية ليوصل إليها أفكاره ..
وفي 1977أقام في باطمان فترة لا باس بها وكان يزورها مراراً ويقيم فيها أسبوعا أو اقل من ذلك وعندما لم يكن يعثر على مكان للمبيت كان ينام في العراء ليتردد في الأيام التالية إلى جمعية الطلبة الثانويين في النهار واستمر على هذا المنوال حتى أواسط 1978
كان مظلوم دوغان ذا الفكر المتنقل وحامل الايدولوجية الثورية لا يصالها إلى اكبر قدر ممكن من أبناء شعبه الكردي ولم يعق طريقه حر صيف وبرد الشتاء ولم ينل من عزيمته الجوع لأيام عديدة ولا الخوف من عواقب تحركاته المكوكية وعندما تم اغتيال القائد حقي قرار كان لابد لتلك المجموعة من المناضلين إلا إن يردوا على الشوفينيين والقتلة رداً مناسباً فكان تأسيس حزب العمال الكردستاني أدرك مظلوم دوغان أنهم وجدوا الطريق الطويل والشاق الذي يجب إن يعيروه لمسيرة حرية حرم منها شعبه منذ الإلف السنين وراح مظلوم دوغان ورفاقه يشقون الطريق ويوصلون الليل بالنهار ليقف حزبهم على رجلين ثابتتين فصار أحد مؤسسيه الكبار وأحد رموزه الشامخة في البطولة والتضحية في 21 أذار من عام 1982 استشهد مظلوم دوغان عضو اللجنة المركزية لحزب العمال الكردستاني حيث أشعل النار في نفسه وليصرخ صرخته التي صارت شعاراً لسنوات الحرب الوطنية في كردستان الشمالية : المقاومة حياة "برخدان جيانى".
لم يدع الاستعمار التركي الفاشي لحظة دون إن تمارس ضده صنوف التعذيب في سجن ديار بكر وبعد ثلاثة أعوام من التعذيب المستمر في سجن ديار بكر وضع نهاية لحياته ليكون مثالاً في التضحية لآلاف جاؤوا من بعده وتسموا باسمه وساروا على دربه المقدسة ومن بعده بدأت قوافل الشهداء تتزاحم لتحمي كرامة الإنسان الكردي التي دنسها الشوفينيون الأتراك على مدى عقود من الذل والمهانة كان استشهاد مظلوم دوغان بمثابة الشرارة التي توقدت في قلوب الملايين من أبناء وبنات الشعب الكردي ليرفعوا هاماتهم بعدها ويحملوا راية حزب العمال الكردستاني وعلم كردستان إن الطريق التي فتحها مظلوم دوغان لشعبه ستظل مفتوحة حتى تتحقق ما حلم به ذات يوم وهو ينام في العراء ويغالب الجوع والبرد.