1 قراءة دقيقة
يسألوني عن الأستفتاء..؟


يسألوني عن الأستفتاء..؟
الكثير من الأصدقاء والصديقات أخذ بهم الفضول أو الأستفسار، صراحةً أو تلميحاً، لمعرفة رأي بمناسبة ذكرى يوم الأستفتاء، لا بصفتي الشخصية فقط، بل أيضاً بما أحمله من تراث نضالي ورثته عن والدي الشهيد ولِما لأسمهِ من ثقل في الساحة الكوردستانية خاصة والعراقية عامة، وكما أشرت للجميع مراراً وتكراراً ما أنا إلا كنقطة في بحر والدي الشهيد (رحمهُ الله)، إن مثل هذه الأسئلة والأستفسارات ما زالت تتردد عليّ بين الحين والآخر ويستفسرون مني بعض الأخوة ماذا لو جرى أستفتاء آخر والتي تدور حوله بعض الشائعات..!
في الحقيقة أنا أنظر إلى موضوع الإستفتاء بمنظار مستقبلي، لأن قرار الأستفتاء ليس مجرد رأي شخصي أو ردة فعل، ويجب أن لا نكتفي بأن نرى بصيصاً من النور في آخر النفق بل يجب أن نعبره ونرى ماذا يوجد في آخر النفق يميناً ويساراً.
أخواني أخواتي، لمن لا يتذكر، وإلى الجيل الذي لم يعاصر تلك الحقبة عقب أنتفاضة 1991 قررنا حينها نحن الشعب الكوردي وبقيادة الجبهة الكوردستانية أن نقرر مصيرنا بأنفسنا، وهذا لم يروق لنظام صدام آنذاك، فقطعوا عنا الكهرباء وسحبوا جميع الإدارات المدنية وقطعوا الرواتب والأرزاق وأغلقوا المنافذ مع المدن الكوردية، لم يسمحوا بعبور حبة الطماطم أو حفنة من الطحين.
حينها لم يكن هناك منفذ أبراهيم الخليل كما هو عليه الآن، كان المنفذ الرئيسي إلى العالم الخارجي هو منفذ فيشخابور مع سوريا وكان الإنتقال منه إلى الحدود السورية يتم بواسطة مركب خشبي يسع لفردين أو ثلاثة يتم بواسطته عبور نهر دجلة إلى الضفة الأخرى في سوريا وهناك كانت تستقبلهُ مفارز الأمن والأستخبارات السورية وبعد أن تنجز التحقيق معهُ تسمح لهُ بالمرور إلى داخل الأراضي السورية.. أو لا تسمح لهُ فيقفل راجعاً.. وهذا كان ذروة ما وصلنا إليه في أتصالاتنا وعلاقاتنا بالخارج.
عشنا حينها ما بعد غروب الشمس في ظلام دامس.. لم يكن لدينا وقود للتدفئة شتاءاً.. ولم يكن لدينا نقود لنشتري بها أي شيء.. كنا نلبس البالات المستعملة.. وكنا نفرح كثيراً عندما نحصل على علبة مواد غذائية محفوظة سواء من فضلات الجيش الأمريكي أو مِن مَن هبّ ودبّ من المنظمات الخيرية أو التبشيرية.
أنا لا أدّعي بأننا كنا سعداء بل أعتقد بأننا على الأقل رضينا بما عانيناه لأن ذلك كان هو أختيارنا.
لقد سردت كل ذلك لأنني أرى وبمنظاري الشخصي، أن أسوء ما يمكن أن ينتظرنا في حالة تقريرنا لمصيرنا قد يكون أشبه ما يكون بما حصل لنا عقب أنتفاضة 1991، وهي بلا شك كانت تجربة صعبة ولكن بأختيارنا ولا أعتقد أن هناك من يدعي غير ذلك.
وبالعودة إلى موضوع الأستفتاء حينها وما يمكن أن يترتب عليه، أنتظرت تلك الأيام الطويلة أقرأ وأطالع وأتعقب جميع التصريحات الحكومية والحزبية والقيادية الصادرة محلياً أو من أغلب الدول العربية والأقليمية أو الأوربية والأمريكية، وبصراحة لم أجد أن هناك ما يبشر بالخير من أغلبهم..!
وإذا أضفنا إلى ذلك وما صرح به حينها السيد رئيس الأقليم (مسعود البارزاني) في ذكرى أنفلة البارزانين بأن الأستفتاء لم ولن يكون ورقة للضغط بل هو الطريق نحو الأستقلال، فأنا أقول إن أشد ما سوف نواجهه عند تقرير المصير هو مثيل لِما واجهناهُ عقب أنتفاضة عام 1991، وإذا كان علينا أن نتحمل عواقب تقرير المصير لعدة أشهر أو لسنوات يقضي منا فيها من يقضي.. ويجوع من يجوع.. ثم تتكرر العواقب التي عشناها سابقاً مرة أخرى..! فإذن ما الجدوى والنفع من تكرار الأحتفالات السنوية بذكرى الأستفتاء سنة بعد الأخرى...... وإذا كانت القيادة قد رأت أن الأستقلال هو الخيار الأفضل والأمثل وإذا كان وفرة المستشارين في رئاسة الأقليم ورئاسة مجلس الوزراء وطوال الفترة الماضية، قد وضعوا الخطط لتوفير مخزون أستراتيجي من المحروقات والسلع الغذائية والأرصدة المالية ناهيك عن تعزيز القدرة الدفاعية، وإذا كان نتائج الأستفتاء هي تحصيل حاصل للأستقلال، فأنا أقول لماذا نتلاعب بمشاعر هذا الشعب وعواطفه ولماذا هذه الازدواجية في التعامل مع بغداد ....
فأذا كانت القيادة على هذا القدر من الثقة وتحمل المسؤولية.. فأنا أفترض أنها قد درست الموضوع وتقّدر نتائجه ويفترض إنها على ثقة بأنها ستعبر بنا إلى نهاية النفق، وأنا أفترض أيضاً إنها قد قلّبّت وبحثت الموضوع جيداً حتى لا تتكرر نكبات أنهيار مملكة كوردستان بقيادة (الشيخ محمود الحفيد) أو جمهورية مهاباد بقيادة الشهيد (قاضي محمد) وذلك عقب عدة أشهر فقط من قيامهما، والتي يجب أن تكون درساً لنا يجب أن لا ننساه.
وأوجه كلمة إلى المترددين والمتشككين من بقية أخواننا من أبناء الشعب العراقي العزيز، أقول لهم أن الأخّوة العربية الكوردية لا ترسمها الحدود السياسية، فنحن عشنا معاً لعشرات السنوات وجمعتنا علاقة المصاهرة الإجتماعية والمصالح الأقتصادية وشاركنا بعضنا البعض في الماء والهواء ورابطة الدين والتاريخ المشترك، (مثلما هبّ الشيخ محمود الحفيد بثورته في السليمانية ليتلاحم مع أبناء الجنوب العراقي أثناء ثورة العشرين، أو عندما عرض الزعيم مصطفى البارزاني على القيادة العراقية أستعداده لأرسال مجموعة من بيشمركة الثورة الكوردية لمشاركة الجيوش العربية لتحرير فلسطين في حرب تشرين / أكتوبر1973)، وهذه الروابط كلها وأواصرها لا ترسمها الحدود الجغرافية.. سواءاً كانوا في وطن واحد أو وطنين، وسواءاً قامت الدولة أو لم تقم، وسواءً كان ذلك عاجلاً أو آجلاً، أأمل أن تبقى أواصر الأخوة العربية الكوردية متينة وراسخة، لا تهزها قول هذا وذاك من الشوفنيين والأنتهازين والدخلاء الذين يؤججون نار الفتنة بين أبناء القوميتين .
زوزان صالح اليوسفي
25 – 9 – 2019

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏٢‏ شخصان‏




تم عمل هذا الموقع بواسطة