1 قراءة دقيقة
نضال البارتي خلال الخمسينيات..

زوزان صالح اليوسفي

https://www.facebook.com/100009982938565/videos/788351341507623/

الحلقة السادسة عشر:
بقلم: زوزان صالح اليوسفي
نضال البارتي خلال الخمسينيات..

في البداية أشكر كل الأخوة الأفاضل الذين أرسلوا لي بشهاداتهم الجليلة عن كل ما يخص والدي الشهيد من أرث تاريخ نضاله الثوري والسياسي والحزبي، وهذه نص شهادة أخرى لصديق بعثها لي يذكر من خلالها: (( المرحوم (أبوشيرزاد – صالح اليوسفي) كان مثالاً للأخلاق العالية وكان كردياً مبدئياً وكان بمثابة الأخ والصديق العزيز لوالدي المرحوم هو الذي قام بأول تنظيم للبارتي في شنكال وذلك في عام 1949 ولديّ معلومات عن أول خلية للبارتي في شنكال تتكون من خمسة أعضاء ومن ضمنهم المرحوم والدي وذلك في عام 1949 وذلك مدرج في مذكرات والدي – روستم شنكالي)).
في عام 1956 نقل المناضل صالح اليوسفي إلى زاخو مرة أخرى إلى محكمة زاخو، وظل اليوسفي مستمراً في نضاله السياسي والحزبي برفقة عدد من مناضلي مدينة زاخو وفي مقدمتهم المناضل نعمان عيسى، والمناضل عبد الرحمن دينو (الذي أنضم إلى صفوف البارتي بين منذ بدايات الخمسينيات على يد المناضل صالح اليوسفي(1) وهو من المقاتلين البارزين في ثورة أيلول 1961)، والمناضل والقائد العسكري المعروف علي هالو الذي شارك في أغلب المعارك التي دارت في زاخو ومنطقة بادينان، وأصبح عضواً في اللجنة المحلية للبارتي في زاخو خلال (1957 – 1963(2)) وكان المناضل علي هالو من الأصدقاء المقربين لوالدي وكان يُشيد والدي بدوره البطولي في المعارك، المناضل الملا صالح بالقوسي (الذي أنظم إلى تنظيمات البارتي على يد المناضل صالح اليوسفي وكان مسؤل للجنة المحلية زاخو للبارتي ثم مدير إدارة الفرع الأول للحزب طوال الستينيات والسبعينيات(3)، عمر حسن بامرني، الملا قاسم أيمينكي، رؤوف ملا جامي، أبراهيم رمضان النجار، خليل هدايت، صالح حامد علي علي سيف الدين، حسن برو وصادق برو... وغيرهم العديد من مناضلي بادينان ومن مدينة زاخو(4).
دخل البارتي مرحلة جديدة في آب/ أغسطس 1956 بإنضمام كتلة حمزة عبد الله، وبعض الكوادر المتقدمة في فرع الحزب الشيوعي في كوردستان إليه، فأزداد نشاطهُ بشكل ملحوظ، ففي الموصل تمكن خسرو توفيق الذي كان يعمل مديراً لحسابات الشركة اللبنانية التي كانت تقوم ببناء معمل سكر الموصل، أن يشكل لجنة محلية للحزب، ويقول خسرو توفيق عن بداية نشاطه في مدينة الموصل(5): (( ..... وقبل تكليفي بالمهمة كنت قد زودت بأسماء من حمزة عبد الله وجلال الطالباني لأتصل بهم وأتذكر منها (صبغة الله المزوري، يزيدخان الإيزيدي، صالح اليوسفي (وكان اليوسفي موظفاً في زاخو آنذاك.... سافرت وألتقيت بصالح اليوسفي في دار القائم مقام شاكر فتاح (وشاكر فتاح كان شخصاً قومياً وكان يفسح المجال للقوميين بممارسة نشاطاتهم في زاخو فكان يشجع كل من صالح اليوسفي وعثمان قاضي وشعبان سعيد وعمر حسن بامرني بممارسة نشاطاتهم الحزبية وتوسيع الخلايا التنظيمية للبارتي في زاخو(6)).
تشكلت اللجنة المحلية للبارتي في زاخو في 1 شباط/ فبراير 1957، وكانت مؤلفة من: صالح عبد الله اليوسفي (مسؤول اللجنة)، ملا صالح حاجي بالقوسي (نائب)، والأعضاء كل من: عثمان قاضي، علي هالو، نعمان عيسى بارزاني، الشيخ جمال الدين البريفكاني، ملا عبد الغني أبراهيم، عمر حسن بامرني(7).
ونستطيع أن نقول بأن تنظيمات البارتي خلال فترة الخمسينيات وحتى إنقلاب تموز 1958 أنتشرت بشكل أوسع في النواحي والقرى في مناطق بادينان بدل من مراكز المدن كمدينة زاخو التي كانت تعبر معقل السياسية والمناضلين في مناطق البادينان منذ البدايات، والسبب في ذلك يعود إلى أن تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في تلك المناطق كانت المسيطرة أكثر على مراكز المدن، خاصة وأن الشخصية المعروفة حين ذاك كالأستاذ حمزة عبد الله كان على رأس هرم التيار اليساري الذي برز من خلال الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وكان لهُ الدور الكبير والفعال في نشر هذا النهج والتيار بين صفوف الحزب من جهة وبين أهالي المنطقة من جهة أخرى، وهذا ما أدى إلى ظهور إنشقاقات في صفوف البارتي ومنذ البدايات وفي مرحلة غياب زعيم الحزب (الملا مصطفى البارزاني).
وإن أسباب ترويج الحزب الشيوعي في منطقة بادينان حين ذاك يعود إلى ما ذكرهُ الأستاذ طه محمد طه جقسي من مدينة زاخو خلال مقابلة(8) يذكر فيها: (( أن أعضاء الحزب الشيوعي في زاخو لم يكونوا كثيرين ولكن بسبب دفاع الحزب عن الفقراء والمحتاجين أدى إلى حصول الحزب على تأييد شعبي واسع في مدينة زاخو وأنضمام العديد إلى الحزب كمؤيدين وليس كمنظمين وكان الناس لا يفرقون بين المؤيدن والمنظمين إلى الحزب فكانوا يطلقون على القسمين بالشيوعيين، والأتهام بالشيوعية حينها كانت من أخطر التهم في العهد الملكي، حيث يعاقب المتهم بالشيوعية بالسجن والنفي إلى جنوب العراقكما يسحب منهُ الجنسية العراقية ويطرد خارج العراقإذا كان عضواً نشيطاً..
وعلى سبيل التوسع الشيوعي في مدينة زاخو تأخذني الذكريات إلى حيث سرد ذكرى طريفة روتها لي والدتي عن تلك الفترة وقالت: (( كان جميع أهالي زاخو يعرفون مدى ثقل ومركز والدك في البارتي حينذاك، وكان أغلب الوقت غائباً عن البيت بسبب أعماله ونشاطاته السياسية والحزبية، ونظراً لإنتشار الحزب الشيوعي في زاخو خاصة في فترة الخمسينيات بشكل واسع حين ذاك، كنا نتعرض للكثير من الأستفزازات مَن قِبل الأهالي المنتمين والمؤمنين بالحزب الشيوعي الذي كان بدوره يروّج ويوعد أهالي زاخو البسطاء بأن أنتمائهم لهذا الحزب سوف يُنعم عليهم بالعيش الرغيد والمستقبل السعيد..! إذا ما أستطاعوا أن يحكموا بقبضتهم زمام الأمور والحكم.. لذا تهافت عليهم العديد من أهالي زاخو الذين أغلبهم كانوا يعيشون حالات الفقر في العهد الملكي ))، وتستمر أمي قائلة: (( كانت جارتي السيدة (ط...) التي أنتمت إلى الحزب الشيوعي وأصبحت من كوادر الحزب وكانت تحضر أجتماعاتهم دوماً، فكانت كلما تلتقي بي تستفزني قائلة: (لطيفة.. لطيفة.. نحن لسنا مثلكم نحن أكثر الأحزاب قوة ونشاطاً فنحن نحضر الأجتماعات دوماً نساءاً ورجال.. وإنهم يوعدوننا بأننا سوف نحصل على الأرزاق بالأطنان من السكر والرز والشعير وكل شيء من روسيا... وأنتم وحزبكم ماذا حصلتم وماذا جنيتم...؟؟!! وهي تبتسم بأستهزاء...)) وكأنها من خلال هذا الحديث كانت تظن بأنها تذل والدتي ونهج والدي أو ربما بأستطاعتها أن تكسب والدتي إلى جانبها..!! رغم إنها كانت تعلم علم اليقين أن والدتي كانت بعيدة كل البعد أن تفكر ولو للحظة واحدة بمثل هذه الأفكار أو المبادئ أو تقتنع بها، وهي التي أقتنعت بنهج والدي وما آمن به منذ البداية وطوال رحلة نضالهما معاً، إلا مرة واحدة عارضت والدتي أبي في أستمراره، وكان لها موقف وحدث خاص بعض الشيء حين تعرض والدي للأعتقال وتعرضت هي أيضاً للأعتقال والسجن في عهد نظام عبد السلام عارف عام 1963 ولاقت ما لاقت من معاناة وألم وقهر.. وسوف أأتي على ذكر ذلك التفصيل لاحقاً..

وعدت أخواتي وإخوتي الأعزاء في الحلقة السابقة بأن أدلي برأي حول أختيار المناضل صالح اليوسفي للتيار الثالث (التيار القومي الذي كان يمثله الزعيم ملا مصطفى البارزاني، وهو التيار الأكثر شعبية وقوة حين ذاك، والذي فرض نفسه بقوة على الساحة خلال تلك الفترة كما أثبت التاريخ، ذلك الدور القوي على الساحة السياسية الكردية منذ تأسيسه ولحين نكسة 1975 وأتفاقية جزائر المشؤومة)، بما أن صالح اليوسفي كان لديه بُعد نظر للأمور، فأنه كان يعتقد أن حزب الديمقراطي الكوردستاني الذي أستطاع أن يمثل الشعب الكوردي كله حينها ويقود ثورة مسلحة من أجل تحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي، فأن هذا الحزب والثورة أيضاً كانا بحاجة إلى زعيم قومي ليستطيع أن يلم شمل جميع الفصائل الكوردية بكل تياراتها، وهذا الزعيم القومي كان يتمثل بالملا مصطفى البارزاني الذي كان له ثقله التاريخي والعسكري والقومي والمتوارث عائلياً وعشائرياً حينها، والذي أستطاع فعلاً أن يتزعم الحزب الذي كان يضم قادة قسم منهم كانوا مؤمنين بالماركسية وآخرين بالأشتراكية وآخرين باليمنية العشائرية، وأستطاع هذا الحزب أن يقود الثورة الكوردية التي كانت تصبوا نحو الأهداف التي جاءت فيما بعد بأتفاقية 11 آذار/ مارس 1970 وأستمر بذلك حتى نكسة 1975، لا شك أيضاً أنه كان هناك بعض الشخصيات من داخل القيادة نفسها والتي أستطاعت أن تلعب دور سلبي في أتخاذ القرارات الخاطئة والتي أدت إلى تغير في مسار الثورة، وخصوصاً في المرحلة التي أدت إلى حصول الإنشقاق داخل البارتي في حوالي منتصف الستينيات، وأيضاً في المرحلة التي أدت إلى إندلاع الحرب مرة أخرى خلال 1974 – 1975 .
ونظراً لظروف الشعب الكوردي حينها من نير الأستعمار البريطاني المسيطر على حكام العراق، كانوا يجابهون مثل هذه النشاطات السياسية والثورية للكورد بالقوة والتعسف، لذا تأكد لليوسفي حينها وعلى حد تصريحاته الدائمة وهو: (( لا يمكن الأستغناء عن وجود قوة عسكرية لأي أمة مضطهدة تطالب بحقوقها لتكون كورقة ضغط على الحكومة في الحالات التي تتطلب إلى ذلك، هذا بالإضافة إلى إيمانه بأن تكون تلك القوة العسكرية جنباً إلى جنب مع التنظيمات والأحزاب وفتح الحوارات والتفاوض مع الحكومة لنيل الحقوق المشروعة بالطرق السلمية، ومن غير وجود القوة العسكرية، سيكون الكورد حينها طوعاً للقرارات والأحكام التي تفرضها الحكومة العراقية بالقوة ودون إرادة أغلبية أبناء الشعب الكوردي..))، هذا ما كان يؤمن به المناضل صالح اليوسفي وما كان يراهُ حينها من القوة العسكرية في شخص الزعيم ملا مصطفى البارزاني في تلك المرحلة من تاريخ نضال الشعب الكوردي لتحقيق حقوق وغايات شعبه..

أما بالنسبة للزعيم ملا مصطفى البارزاني يذكر(9): (خلال فترة الخمسينيات، تغيرت حياة البارزانيين في الإتحاد السوفيتي بعد وفاة (ستالين) في آيار عام 1953، وفتحت أمام الزعيم البارزاني أبواباً عدة، حيث لم تمض فترة على التغيير السياسي حتى أعتزم البارزاني بالتوجه إلى موسكو، بعد أن خطط لهذه الخطة بشكل محكم بحيث لم يتم إيقافه إلا عِند بوابة الكرملين.. فهرع إليه عنصر الأمن وهو يصرخ: مَن أنت..؟!
فأجاب البارزاني: إنه الشعب الكوردي..
ثم توجه إلى مكتب الأستعلامات وكشف عن هويته، وجرى تحقيق دقيق مع البارزاني من قبل مسؤولين ونقل إلى فندق في موسكو، ودعي الى عِدة جلسات تحقيق، وبالأخير أدخِل الكريملين لمقابلة قادة الحزب ومن ثم مع خروشوف (الرئيس السوفيتي بعد ستالين)، لقد كانت مطاليب البارزاني هي إفساح المجال لأنصاره التعلم والدخول إلى المعاهد والجامعات السوفيتية، فوافقت السلطات على مطاليب البارزاني، وتوطدت علاقة البارزاني بالقيادة السوفيتية، وأوكلت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي السيد فولوشين(من العاملين في مكتب خروشوف) مسؤولية الأرتباط بالبارزاني.
فعاد البارزاني برفقة فولوشين في شهر آذار/ مارس عام 1954 إلى طشقند، وتفقد أحوال رفاقه ومكث عندهم فترة من الزمن وأبلغهم بنتائج رحلته إلى موسكو وقرار القيادة السوفيتية المزيد من الأهتمام بأوضاعهم.
رافق البارزاني عند عودته إلى موسكو كل من أسعد خوشفي، علي محمد صديق، علي خليل، سيد عزيز سيد عبدالله ومحمد امين ميرخان الذين كانوا يتلقون دراستهم العليا في معاهد موسكو، أدخل عدد من الشباب في جامعة طشقند وهكذا رفعت كل القيود عن البارزانيين ومنحوا كامل الحرية في التنقل، وسكن البارزاني موسكو، ورغم إن وضعهُ ووضع أنصاره قد تحسن بعد وفاة (ستالين) ولكن كان دائماً يفكر بالعودة إلى الوطن في سبيل قضية شعبه الكوردي)).
كما يذكر المناضل علي سنجاري عن تلك الحقبة الزمنية(10): ((كان الزعيم البارزاني حينها يحاول أن يعمق علاقاته مع الدول العربية، كرئيس حزب كوردي داخل العراق، ليكسب بعض السند في قضيته، ونظراً لموقع المهم للرئيس جمال عبد الناصر حينها في السياسة العربية، فقد أستغل البارزاني فرصة العدوان الثلاثي(11) على مصر وبعث ببرقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر)).
ويستمر الأستاذ المناضل علي سنجاري: (( أتذكر عندما تعرض الشعب المصري العظيم إلى العدوان الثلاثي في أواخر عام 1956 حيث هاجمت القوات البريطانية والفرنسية والأسرائيلية مدن مصر الواقعة على قناة السويس جواً وبحراً، حيث كنت آنذاك موظفاً في دائرة الهاتف الآلي في مدينة الموصل وأسكن في دار صغير في حي باب الجديد وكان من الأحياء المعروفة عند سكانه تأييدهم الزعيم القومي العربي جمال عبدالناصر، وبدوري كنت معجباً بالرئيس جمال عبدالناصر ودفاعه عن الأمة العربية والنضال من أجل توحيدها، لأني كنت أسمع بأن عبدالناصر كان ضد قيام ((حلف بغداد)) الأستعماري الذي ضم كل من حكومات العراق وتركيا وإيران وباكستان إلى جانب بريطانيا وأمريكا كمراقبين، وكان من أولى أهداف الحلف معاداة الأتحاد السوفيتي وقمع الحركة التحررية للشعب الكوردي في أنحاء وطنه المجزأ كوردستان وكان هذا مهم لي ككوردي، كنت أستمع إلى إذاعة صوت العرب التي تبث من القاهرة وكان صوت المذيع المعروف (أحمد سعيد) وتعليقاته السياسية كالنار في الهشيم توقظ المستمعين وتثير المشاعر والأحاسيس الوطنية على الرغم من التشويش الكبير من قبل الحكومة الملكية في العراق الذي كان يحاول منع سماع الأخبار والأناشيد الحماسية التي كانت أذاعة صوت العرب تبثها.
ويستمر الأستاذ سنجاري: في أحد الأيام وبينما كانت الحرب دائرة، أستمعت وبشكل ضعيف وعلى الرغم من التشويش بأن الزعيم الكوردي الملا مصطفى البارزاني الموجود في الأتحاد السوفيتي قد بعث ببرقية من موسكو إلى الرئيس جمال عبدالناصر من خلال السفارة المصرية يستنكر ويدين العدوان الثلاثي على الشعب المصري وأبدى البارزاني أستعداده للقدوم إلى مصر مع رفاقه المقاتلين للدفاع عن مصر وشعبها الشقيق المناضل.... لقد كان لهذا الخبر العظيم بالنسبة لي كالصاعقة هزّ مشاعري من الأعماق، كيف لا وأنا الشاب المتحمس وحديث الأنتماء إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وكنت قد أنتميت إلى هذا الحزب من خلال أستاذي المناضل الشهيد صالح اليوسفي لمجرد كون مصطفى البارزاني هو مؤسس الحزب ورئيسه وحتى قبل الأطلاع على المنهاج والنظام الداخلي للحزب... لقد كان لموقف البارزاني الخالد أتجاه عبدالناصر وشعب مصر فاتحة عهد من العلاقات النضالية بين الحركة التحررية الكوردية بقيادة البارزاني ومصر العربية بقيادة عبدالناصر، من ناحية آخرى أدى موقف البارزاني هذا إلى قيام المظاهرات في كافة مدن كوردستان العراق ضد العدوان الثلاثي على مصر، وقد شاركتُ شخصياً في المظاهرات في الموصل التي أنطلقت من منطقة سجن الموصل بأتجاه مستشفى الموصل عبر شارع الفاروق، وكانت مظاهرات صاخبة تندد بالعدوان الثلاثي على مصر وبالأستعمار وحلف بغداد وكان الحزب الشيوعي العراقي نشيطاً لقيادة المظاهرات وكذلك حركة القوميين العرب وهم في مقدمة المتظاهرين، وأشترك الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تلك المظاهرات أيضاً، حاصرت قوات الشعبة الخاصة، المتظاهرين من عدة جوانب وتم أعتقال العشرات وكنت واحداً منهم وبعد تعرضنا إلى الضرب والأهانات في التحقيق تم بعد أسبوع من الأعتقال إحالتنا جميعاً الى محكمة العرفي في كركوك وكان رئيس المحكمة العقيد (سعدي العمري) رجلاً محترماً وأخذ يسأل الموقوفين واحداً واحداً عن أسمه ومهنته ومحل سكناه ولما سألني عن أسمي..؟ فقلت علي قاسم سنجاري.
فقال: أنت كوردي..؟ فقلت نعم.
فقال: ماهي علاقات الكورد بعبد الناصر..؟ فقلت: نحب مصر وعبدالناصر يحب الكورد.
فقال: هل كنت مشتركاً في المظاهرات..؟ فقلت: كنت ماراً من هناك بالصدفة وألقت الشرطة القبض علينا. فقال: لا تمر عندما تكون هناك مظاهرات في المستقبل، وأفرج عني وبعد سنوات رآني وكان قد تقاعد وقال: بارك الله فيك وبالبارزاني وعبدالناصر)).

وبمبادرة من الرئيس جمال عبدالناصر رئيس جمهورية مصر العربية(12)، أفتتح في يوم 1/6/1957 القسم الكوردي في إذاعة القاهرة، وكان بث الإذاعة الكوردية ساعة واحدة يوميا، من الساعة الرابعة حتى الخامسة عصراً، كانت الإذاعة الكوردية تبث البرنامج التالية: الأدب والشعر الكوردي، تحليل الأحداث، طلبات المستمعين، أغاني كوردية، الأخبار السياسية، رسائل المستمعين، التاريخ الكوردي، الفن والثقافة الكوردية.. الخ، وكانت الإذاعة تفتتح بالقرآن الكريم، ثم النشيد القومي الكوردي (أي رقيب)، وكان بث الإذاعة الكوردية يغطي عموم العراق، وإيران، وسوريا، وأرمينيا، وقسم من الاتحاد السوفيتي، ولبنان، والأردن، وعموم مصر، وكانت الرسائل تصل بغزارة إلى القسم الكوردي في إذاعة القاهرة من كورد سوريا والعراق وايران وأرمينيا وجورجيا والأردن، ولبنان.
إفتتاح القسم الكوردي في إذاعة القاهرة أحدث ضجة إقليمية ودولية كبيرة، ولاقى أستنكاراً وغضباً من قبل الصحافة العراقية والتركية والإيرانية، ولكن صمود حكومة جمهورية مصر العربية برئاسة جمال عبدالناصر بوجه إحتجاجات صحافة تلك الدول أضطرت تلك الدول إلى الألتجاء إلى القنوات الرسمية والدبلوماسية للاستنكار، وعليه فقد زار سفراء العراق وإيران وتركيا (بإنفراد) وزارة الخارجية المصرية؛ للإعراب عن إستنكارهم الشديد بخصوص فعاليات القسم الكوردي في إذاعة القاهرة، وهذا يدلل بأن الإذاعة الكوردية كان لها الأثر الجيد في توعية الشعب الكوردي بالمشاعر القومية، وهذا ما أثار غضب الدول الإقليمية.
وفي عام 1963، أنتقل القسم الكوردي مع إذاعة القاهرة إلى مقرها الحالي في (ماسبيرو)، الموجود على كورنيش النيل، ولايزال أرشيف القسم الكوردي كاملاً من (أشرطة وكتابات) موجود في أرشيف إذاعة القاهرة، وبسبب الضغوطات الهائلة من قبل حكومة شاه إيران، محمد رضا بهلوي، والرئيس العراقي عبدالسلام عارف، والرئيس التركى جودت صوناي - تم غلق القسم الكوردي بإذاعة القاهرة، بعد أن خدمت الأخوة العربية الكردية، وخدمت الثقافة الكوردية، وخدمت الشعور القومي الكوردي خير خدمة.
في صبيحة 14 تموز/ يوليو 1958 حدث ما لم يكن بالحسبان من ثورة عارمة في العاصمة بغداد وإنقلاب على الحكومة الملكية في العراق، وقضي على العائلة المالكة بطريقة وحشية..!، وتحول العراق من الحكم الملكي إلى الحكم الجمهوري برئاسة عبد الكريم قاسم... (يتبع)

الهوامش والمصادر:
(1)زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 دراسة تاريخية في أوضاعها العامة – وصفية محمد شيخو السندي 524.
(2) زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 دراسة تاريخية في أوضاعها العامة – وصفية محمد شيخو السندي ص 523.
(3) زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 دراسة تاريخية في أوضاعها العامة – وصفية محمد شيخو السندي ص 522.
(4)مذكورة أسماء جميع المنتمين للبارتي في زاخو في كتاب: زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 دراسة تاريخية في أوضاعها العامة – وصفية محمد شيخو السندي ص 522، 523، 524، 525.
(5) زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 دراسة تاريخية في أوضاعها العامة – وصفية محمد شيخو السندي ص 526.
(6) مقابلة شخصية مع السيد طه محمد طه جقسي – وصفية محمد شيخو السندي، زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 ص 526.
(7) زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 دراسة تاريخية في أوضاعها العامة – وصفية محمد شيخو السندي ص 527.
(8) زاخو في عهد الملكي 1921 – 1958 دراسة تاريخية في أوضاعها العامة – وصفية محمد شيخو السندي ص 536.
(9)البارزاني يزور موسكو - نبذة عن نضال البارزاني في الاتحاد السوفيتي السابق (1947- 1958) يوسف بري.
(10)عاشت مصر العربية صفحات من العلاقات الكوردية المصرية (المركز الثقافي للبحوث والتوثيق – صيدا ) علي سنجاري.
(11) العدوان الثلاثي أو حرب 1956 وكانت أسبابها تأميم الرئيس جمال عبد الناصر لقناة السويس، ولدعم مصر لثوره الجزائر ضد فرنسا، وكذلك لتوقيع مصر أتفاقيه سلاح مع الإتحاد السوفيتي، وهذه الحرب تعرف بأزمة السويس، أو حرب سيناء أو العملية قادش كما تعرف في إسرائيل، وهي حرب شنتها كل من (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على مصر، وهي ثاني الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948، وتعد واحدة من أهم الأحداث العالمية التي ساهمت في تحديد مستقبل التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ومن نتائجها كانت:
- نسحاب القوات البريطانيه والفرنسيه من بورسعيد فى 23 ديسمبر 1956.
- هروب أسرائيل من سيناء ومن قطاع غزة التي سيطرة عليها مصر.
- وضع قوات طوارىء دوليه بين حدود مصر وأسرائيل.
- زيادة شعبيه جمال عبد الناصر في مصر والشرق الأوسط.
- سماح لإسرائيل بالعبور فى خليج تيران.
- أدركت الدول العربية الخطر الاسرائيلى فى السيطرة على العالم العربى... موسوعة ويكيبيديا
(12) القسـم الكـوردي فـي إذاعـة القـاهـرة.. نبــذة مختصـرة (صفحة الشعب الكوردي – الفيسبوك )العاملون في القسم الكوردي في اذاعة القاهرة هم كل من:
1. الشيخ عمر وجدي المارديني، مسؤول القسم الكوردي في إذاعة القاهرة.
2. هوشيار طاهر بابان من كوردستان العراق (السليمانية)، عمل فيها من عام 1957م إلى شباط 1959م.
3. محمد حسين الملا دزه من كوردستان العراق (أربيل)، عمل فيها من عام 1957 إلى شباط 1959م.
4. محمد كريم شيدا، من كوردستان العراق (السليمانية)، عمل فيها من عام 1957 إلى شباط 1959م.
ومن تموز 1959 إلى تشرين الأول 1961م عمل في الإذاعة الكوردية كل من:
1. عبدالله معروف، من مدينة (مريوان) بكوردستان إيران.
2. عدنان حقي قامشلو، من مدينة قامشلو بكوردستان سوريا.
3. عبدالوهاب الملا، من مدينة عامودا بكوردستان سوريا.
4. عوسمان نوغراني، من مدينة هولير بكوردستان العراق.
5. عاصم الحسيني، من مدينة عامودا بكوردستان سوريا.
ومن تشرين الأول عام 1961 إلى شباط 1968م عمل في الإذاعة كل من:
1. الدكتور: فؤاد معصوم، من مدينة كويه بكوردستان العراق. وهو رئيس الحالي لجمهورية العراق.
2. الدكتور: محمد رمضان عبداللة كركوكي، من مدينة كركوك بكوردستان العراق.
3. عبدالله معروف، من مدينة مريوان.... د.يوسف معروف زةندة
4. عوسمان نوغراني الأربيلي، إلى عام 1965م.
وكان للإذاعة الكوردية في القاهرة (فرقة للإنشاد)، كانت تزور مقر الإذاعة بين فترة وأخرى؛ لإعداد وتهيئة وإذاعة بعض الأناشيد القومية الكوردية، وكانت الفرقة تتألف من السادة: فاتح هموندي، عبدالحميد الإمام دهوكي، صفوت بابان (من السليمانية)، مصطفي شريف( من ماوت)، عادل صالح مختار أربيلي، كانبي أنور دزه يى أربيلى.

0:02 / 4:31







تم عمل هذا الموقع بواسطة