1 قراءة دقيقة
كردستان... الجغرافيا المتوارية عن الأنظار

كردستان... الجغرافيا المتوارية عن الأنظار

  

   آزاد عنز 

أريد دولة. رددها الكردي بعد أن تنفس الصعداء من باطن رئته اليمنى. لم يُجهد رئته اليسرى لرشق المسامع الشريكة أو الجارة جملته المملوءة بالحسرات والنكبات. لا آذان شريكة ناصتة تسعف النطق المقذوف من الألسنة الكردية المطالبة بدولة كردية. لا آذان جارة صاغية دافئة تدفئ كلماتك المستورة بالبرودة. كلماتك المغطاة بالألم. برد لسانك المنطوق سيبقى أبداً ما لم يحظَ بآذان دافئة، أو عليك أن تستعير آذاناً ناصتة للشريك أو الجار. بل الصواب أن تستعير آذاناً صاغية للكون برمته كي يحيا النطق الكردي المنزلق من الألسنة الكردية. وكيف لك أن ترمّم الإصغاء برمته في هذا الكون الكلي؟

لا جدوى من صراخ يطلق العنان في الفراغ الشاغر، ذاك الفراغ الذي يبسط أنامله في الجغرافيا الكردية المملوءة بالمنافع. منافع ممتلئة يلتحفها فراغ شاغر. كردستان: الأرض الحلم، الأرض الخيال، الأرض الظلّ، الجغرافيا المتوارية عن الأنظار أبداً، الرقعة الكردية المهمشة، الأرض التي نُحرت بعد الخديعة في المطبخ البريطاني- الفرنسي وقُدمت وليمة عشاء للعربي والتركي والفارسي، فنهشوا اللحم الطازج وارتشفوا الدماء الكردية حد الارتواء. حتى شبعوا وبطروا بالنعمة وركلوا مؤخرتها بعيداً لتبقى جثة مرمية على قارعة الطريق. عظام غير مستورة لا تصلح إلا للكب. أي دفء سيكسيكِ أيتها العظام الباردة؟ وأي غطاء؟ كردستان التراب المخدوع المُلحق أبداً. ميراث الكردي وظلّ الكردي وظلّ أبيه وظلّ ظله. كردستان الأرض الحُبلى بالجبال، برهان الكردي على التشبث بيقين التراب. كردستان الأرض الخلاص التي أنجدت الكون برمته على كتفيها، بل الصواب على كتفيّ الجودي، الطور الشامخ أبداً. الطور الذي حمل السفينة وعبء السفينة أثناء غضب الله على ملّة نوح، فطغى السيل على الآدميّ ولم ينجيه إلا الجودي. الطور الكردي الشامخ، لكن من سينجيك أيها الكردي الغريق؟

دول رُمّمت على عجل. كيانات. رؤساء. وزراء. مواطنون. دساتير. قوانين زنازين لحجز الأفواه والأدمغة. حدود اصطناعية وغير اصطناعية، وغير ذلك من مستحضرات بناء الدولة، رُمّمت على عجل وبقيت كردياً تائهاً وحيداً، كجبالك الوحيدة، فكيف للشريك والجار العربي أن يجيز لنفسه دولة وللكردي لا؟

 كيف للشريك والجار التركي أن يجيز لنفسه دولة وللكردي لا؟ كيف للشريك والجار الفارسي أن يجيز لنفسه دولة وللكردي لا؟ أليس من الإنصاف والصواب أن تجيز لغيرك ما تجيزه لنفسك؟ أم أن القضية برمتها صواب ناقص في ما يتعلق بالكردي ورقعة الكردي؟ أم أن الكردي لا يليق به كيان دولة؟

أريد دولة: نطقها الكردي مجدداً من أسفل حنجرته، فتلقفتها أوتار كردية برؤوس أصابعها كي يحيا النطق بالعزف. عزف كردي يطارد المقام ولا يحيا إلا إذا تناولته أجساد الكرديات ليرقصن طرباً على ترانيمه وتراتيله، فالأكراد يرقعون الخيبات بالرقص، ويرقعون الانتصارات أيضاً بالرقص، ملّة لا تتقن إلا العزف والرقص، كوطنها الجريح الذي يرقص طرباً على أنغام المدافع. قطرات من البارود التركي في أسطوانة عربية، وصاعق فارسي، وهذا المزج لم ولن يتنفس الهواء إلا على تراب كردية مضيافة، فكيف للكردي أن يبقى وهو لا يستضيف إلا البارود.

تم عمل هذا الموقع بواسطة