عفرينية...
في المركز الطبي، المتواجد بالقرب من معبر مرشد بينار في كوباني، حيث النقطة الحدودية بين سورية وتركيا , هناك مجموعة من الأسرة المتراصة بخجل ،ومعدات متواضعة وعدة كراسي مهترئة وأجهزة طبية خفيفة ، مع بعض المتطوعين والأطباء والكثير من الجرحى وأطنان من الألم وصرخا ت الموجوعين، وتراكض المسعفين ،والاضاءة الخفيفة التي تغيب طويلاً وتحضر قليلاً ، وكأننا في فلم رعب ، هناك فتاة متمددة على سرير بزاوية الغرفة الوحيدة الكبيرة التي تشبه خيمة ، لا تكف عن الهذيان بصوت مرتفع ,تحرك يديها وكأنها تريد إقناع جمهور ما بأدائها ,
- ليلى أنت من أهل المنطقة يجب أن تعرفي أين نحن ؟ هفال تكوشين أعتقد إننا في قرية (خراب عطو ) فقد كنت أزور خالتي هنا عندما كنا صغارا ’ يا رفيقاتي اعتقد إننا لم نبتعد كثيرا ,لقد اقتربوا منا البارحة ,أرأيتم كيف قبضوا على هفال منصور ؟ قالت نورا بحزن بالغ , آه لقد ذبحوه بطريقة بشعة هو ركض اليهم كي نستطيع نحن الفرار صدقتي نورا هؤلاء خنازير ,لكن لن نستسلم أخرجتُ قنينة صغيرة وبكم قميصي بدأتُ امسح بندقيتي وكأن ذلك سيشعرني بالدفء ,هفال تكوشين أتلاحظين أهل عفرين حتى في أرض المعركة لا ينسون الزيت قالت نورا ضاحكة وأسنانها تصطك ,الوقت عصيب وهذا البرد يشبههم لا أمان من هجوم مباغت ! ,ترى كم مضى علينا من الوقت ؟ قالت تكوشين ذلك بلهجة حادة فهي اكبرنا سنا ورتبة,ههههه أنظروا إلى ساعتي العجيبة !!! ,الوقت الأن الساعة 6 مساء يوم الجمعة 18 -1- 2015,قالت نورا ذلك وهي ترفع يدها اليسرى بفخر ,لله دركم أهل عاموده بلد المليون مجنون , قالت ليلى مازحة ,فغضبت نورا , لما لا تقولين بلد المليون شاعر,رفيقات أهذا وقت المناكفة ؟ الموت يحدق بنا قالت تكوشين ,هفال تكوشين لا خوف على كوباني بعد وصول البشمركة أنا متفائلة جدا وفجأة اهتزت الأرض من تحتنا وسمعنا اصوت انفجار صمت آذننا وتشكلت في السماء اشجار من الدخان حتى تحولت إلى غابة وانعدمت الرؤيا تماما وارتفع اللغط تتخلله ازيز الرصاص ,إنها قذائف هاون قالت تكوشين ذلك وصمتت وتلاش الدخان مع الأصوات رويدا ,رويدا الطلقات والشظايا توجهت إلى اجساد الصبايا اللواتي حافظن عليه زمنا ولم تسمحنّ حتى للحبيب بلمسه على أمل العودة يوما وممارسة الحب بلذة الانتصار مع الحبيب الذي لن تظفرنّ به بعد الان ,إنهن تعشن لحظة الحقيقة المؤكدة إنه النضال ,انبسطت اساريرهن من الحرارة التي كن بحاجة لها وها قد آمنتها لهن الجراح , بصوت خافت كانت تكوشين تهمس: أمي ناوليني رغيف خبز منذ سبعة عشرة سنة لم اتناول خبزك , مازلتُ اسمع صوتكِ وأنت تركضين خلفي في شوارع قامشلو , حاملة حقيبتي المدرسية ,بكائكِ لم يفارق أذني قط ,.عودي ناديا ....عودي ،مازلت صغيرة على حياة الجبال ادرسي تزوجي كوّني عائلة.....آه يا أمي أين أنت الأن ؟ ؟
هفال تكوشين :أسمك ناديا ؟ وأنت من قامشلو قالت ليلى وهي تضغط على بطنها بشدة ثم سكتت أنا لن أسكت ,سأتكلم عن كوباني نعم أنا قوية ما بالكن لماذا اصوتكن منخفضة سأغني نعم كانوا في المدرسة يقولون لي صوتك جميل , الدماء التي تسيل من فم تكوشين يا إلهي لا , لا تلك اليد المرمية هناك في معصمه ساعة تلمع ,يا إلهي لا ... نورا ,عاموده ستدّفن نورا بيد واحدة آه ..آه ياده ...ياده ربنه ياده .. ليلى أين انت ؟ ليلى , ليلى, ما هذا الشيء اللزج آه هي احشاء ليلى لقد اندلق منها , أنا لا استطيع الحراك احس بالخدر بساقي,..........
كيف حالها اليوم ؟ دكتور هي لم تتوقف عن الكلام منذ البارحة ,تكرر اسماء تكوشين ونورا وليلى , لابد بد إنهن كنّ رفيقاتها , أرى انكِ تلازمينها كثيرا ! قال الطبيب :
- نعم دكتور بصراحة لقد كتبتُ معظم حديثها فالتفاصيل التي ذكرتها تشكل قصة متكاملة ,حسنا لن امنعكِ ما دمت ترين قصتها جزء مما نعيشه ,نعم دكتور صحيح أنني مراسلة حربية لكن كتابة القصة تستهويني ,دكتور : هل تخدمني بأن تعطيني ملفها أريد أن اعرف تفاصيل عن حياتها ,
- أرجوكم خبروني ما هي الاخبار؟ تقول الجريحة بلهجة ترجي موجعة ,ارتاحي ,ستعرفين ,أريد أنا اعرف ....,أرجوك لا تقسي على نفسك لا تنهضي ,سأحكي لك ,بصراحة نصف كوباني تحت سيطرتنا بدأ من سوق الهال وجامع حاج شكري ,وحتى حي الصناعة شرقا ,و حاليا الأشتباكات قوية في دوار البلدية لقد سيطر الاوغاد على تلة مشتى النور ومبنى البلدية, الخنازير كيف تخطوا كل قواتنا ؟ لكن أين نحن الأن ؟ ومن أنت ؟
-أنا سلمى مراسلة حربية بصراحة أنت لفتي نظري فمنذ حوالي اسبوع آتي اليك كلما سنحت لي الفرصة كنت تتكلمين كثيرا ,تنهدت الجريحة وما فائدة الكلام ,لا أعلم شيئا عن رفاقي اذكر اننا كنا محاصرين ,...وفجأة دوي انفجار وهرج ومرج لم تقوى الجريحة على النهوض وبلحظات كانت الأسرة تتطاير مع النائمين عليها و الأشلاء تتناثر وصرخت سلمى، وركضت وهي تولول مصدومة مما تراه ثم جمدت لساعات، حتى وجدت نفسها ممدة على سرير مقضوم الأطراف والدماء منتشرة بشكل مقزز لم تتمالك نفسها، حاولت أن تنهض لتتقيء لكنها تراحعت عن الفكرة فأطرفها خانوها ,أيام وهي تسأل عن الجريحة ,لكنها لم تسمع عنها شيء ....
هاربة بنفسها في شبه عزلة حيث تجد الأنس، معها كتابها وأحيانا تشاهد الأخبار فرؤية التلفاز يوجع قلبها، يذكرها كيف كانت تركض في الجبهة لتسجل الأحداث وتنقل الأخبار وكيف اصبحت اليوم عاجزة ,مسند اليها عمل مكتبي تجده سجناً تسحب عصاها البديل عن رجلها , استوقفتها صورة لفتاة تتكلم ,اهدي هذه الجائزة لفتاة لا اعرف عنها سوى إن اسمها سلمى وكانت مراسلة حربية فهي كتبت اول فصول هذه القصة وأنا ختمتها فقط .......