بعد التحية والتقدير.. رسالة إلى الأخ الفاضل الأستاذ نور علي.. تعقيباً على ردكم الكريم حول حلقتي الثانية والعشرون، فقد أشرت حضرتك من خلالها إلى بعض الأحداث والمواقف والتي أود أن أوضح لحضرتك ما أستطعت من التوضيح وحسب معلوماتي المتواضعة..
نعم هناك العديد من المصادر الموثقة التي تثبت على صحة أقوال ومشاعر الزعيم ملا مصطفى البارزاني بصورة خاصة والشعب الكوردي بصورة عامة نحو الزعيم عبد الكريم قاسم (رحمهما الله) بعد إنقلاب ثورة 14 تموز 1958، والشواهد كثيرة وقد صرح البارزاني بعد عودته من المنفى ولقائه بالزعيم قاسم مراراً: أنا ورجالي جنود تحت قيادتك، وكانت فرحة الشعب الكوردي لا تقل عن فرحة الزعيم البارزاني بالزعيم قاسم، نظراً لتعاطف الزعيم قاسم لطبقة الفقراء.. ولم يكن حينها يقاسي تلك المرارة أكثر من الشعب الكوردي.. ولأثبت لك أكثر عن مشاعر والدي حينها فقد نظم هذه القصيدة (الحناجر الدامية) والتي نشرتها إحدى الصحف في فترة حكم الزعيم قاسم وأشاد والدي بالزعيم عبد الكريم قاسم في قصيدته، وهي باللغة العربية وهذه ثاني قصيدة لوالدي باللغة العربية بعد قصيدة (وسام العار) أيام الحكم الملكي وقد أشرت إليها ونشرت جزء منها خلال حلقاتي الماضية.
وقد كتبت نص القصيدة ونشر المقتطف الصحفي منها، كلمات ومشاعر والدي واضحة من خلال القصيدة الصادقة وأي شخص يقرأها يدرك ما كان يحمل والدي من مشاعر الفرحة بعد الثورة من أجل شعبه الكوردي والعراقيين برمتهم، بعد نهب خيراتها من قِبل الأستعمار البريطاني الذي كان يتحكم بالنظام الملكي، يأخذ خيرات العراق ويرمي الفتات للشعب..
كلنا نعرف لم يقصر الزعيم قاسم بعودة الزعيم البارزاني من المنفى، ونشر الحريات الحزبية ومنها الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. وحتى أنني قرأت من بعض المصادر أن الزعيم قاسم أختار إضافة أسم الكوردستاني على الحزب بدل الكوردي.. ولكن وللأسف شيئاً فشيئاً تغيرت سياسة الزعيم قاسم نحو الكورد من قِبل بعض المحرضين والمنتفعين والمنافقين، وبدأت تقريباً مع نهايات عام 1959 كما تشير المصادر وزدادت شيئاً فشيئاً خاصة بعد دعوة الأتحاد السوفيتي للزعيم البارزاني في أواخر عام 1960 لزيارة موسكو والمشاركة في مناسبة عسكرية ومع بدايات عام 1961 عندما عاد البارزاني وذهب لمقابلة الزعيم قاسم كان الأخير في غاية البرود بأستقباله فشعر الزعيم البارزاني بذلك بعد عدة لقاءات فأختار أن يترك بغداد ليعيش في مسقط رأسه في بارزان.. ومن جهة أخرى أشرت في حلقاتي السابقة كيف حصلت بعض الأعتداءات على بعض المخافر الحكومية في منطقة العمادية وكان الحزب الديمقراطي الكوردستاني بريء من تلك الأحداث (براءة الذئب من دم يوسف) وقد صرح والدي بذلك وأستاء جداً من ذلك التصرف العشوائي من قِبل بعض الغوغائيين وأبلغ حينها الأستاذ علي عبد الله.. وبإمكانك مراجعة الحلقات حول ذلك.. وهناك بعض الأحداث العشائرية الأخرى التي حصلت والتي أستاء منها الزعيم قاسم ولم تتطلب إلى ذلك فمثل هذه المشاكل تحدث بين العشائر ولحد يومنا هذا..
أما عن ثورة وإنقلاب 17 تموز عام 1968 فلا أريد الخوض في تلك التفاصيل لأنني لا أريد أن أسبق الحلقات وسوف أشرح ذلك بقدر ما أستطيع وما لدي من مصادر ومنها نقلاً عن والدي.. ولكن أود فقط أن أوضح لك أستاذ نور بأن فترة حكم عبد الرحمن عارف لم تكن بتلك الحرية والرفاهية التي يتصورها البعض فلو أطلعت على أفتتاحيات وزوايا جريدة التآخي حين كان والدي رئيساً لتحريرها ستدرك حينها فقط معاناة الشعب العراقي في تلك الفترة..! لأن جريدة التآخي كانت لسان الشعب العراقي كلهُ ومن ذلك المنطلق حرر والدي تلك الجريدة وقد أشرت سابقاً من خلال خواطري إلى أي مدى كان نظام عارف يراقب الجريدة بسبب حرية الرأي وبسبب شكاوي الشعب على صفحتها.. وذلك أما برفض أفتتاحيات والدي فكان والدي يضع في محل كلمته فراغاً (كما نشرت في الصورة) أو كانت الحكومة تقفل الجريدة لأشهر (كما أشرت أيضاً) وستأتي التفاصيل على الكثير من الأحداث في حينها، وسترى أيضاً مدى مماطلة النظام على أتفاقية 29 حزيران .
في الحقيقة لا أريد ان أسبق أحداث الحلقات لأن حلقاتي سوف تفقد طعمها التاريخي المتسلسل.. أما إن كنت تنتقد البعثيين بحد ذاتهم فبصراحة أستاذ نور وكما صرح الأستاذ أحمد فلم يكن كل البعثيين صداميين.. بل كانت هناك شخصيات بينهم في قمة الحكمة والنزاهة والوفاء وحسب معلوماتي البسيطة كان الأستاذ عبد الخالق السامرائي رأس القمة وهناك أيضاً محمد محجوب ومرتضى الحديثي وغيرهم وسيأتي الحديث في حينه.
كما أود أن أصحح عباراتك أستاذ نور الكورد لم يشاركوا في إنقلاب 63 كان من المؤمل أن يشاركوا بعلم وتخطيط القيادة.. وكان ذلك مقراراً في 10 شباط وقد أشار والدي إلى ذلك في مذكرته للبكر.. ولكن من حسن حظ الكورد أنهم لم يشاركوا لأن القوميين والبعثيين في الوقت الأخير رفضوا وعلى رأسهم المشير عبد السلام لأنه منذ البداية كان يحقد على الكورد ولم يرغب بمشاركتهم وقد صرح مراراً ومنذ ثورة 14 تموز علينا التخلص من ثلاثة في العراق (الكورد والشيعة والمسيحيين)، وفي الحلقة القادمة سوف أشير إلى ذلك الجدل الذي حصل ما بين والدي والمشير عبد السلام عارف ورده الصريح على والدي من خلال برقية التأييد.
أما إشارتك بأن الأكراد كانوا دائماً ورقة بيد القوى الخارجية، فهذا لا أستطيع أن أناقشك حولها لأسباب عديدة ربما حلقاتي القادمة توضح ذلك ولم أنكر ذلك أيضاً.. رغم أنني لا أؤيد تلك السياسية ولم يكن والدي يؤيد تلك السياسية وقد سبق وأن حضرتك أشرت لاحقاً من خلال موقف والدي في نهاية الستينيات في ظل تجمع الخيم الثلاثة (أمريكا وإيران وأسرائيل) بأن والدي حينها لم يكن راضياً وصرح بمقولته المشهورة ( طالما أجتمعت هذه الخيم فلن تفلح ثورتنا..) وكان يعمل والدي بكل جهده من أجل عدم تدخل على أي قوة خارجية أو الأعتماد عليها بل كان يطمح بكسب ثقة الأنظمة الداخلية في العراق ذاته والحوار معها بالتي هي أحسن.. وإلا ما قال عبثاً أثر عودته عام 1975 (مشكلتي ليست في طهران وأنقرة، مشكلتي هنا في بغداد، وأنا أتكلم بضمير أمتي ولايهمني مصيري كفرد..)، ولكن مع ذلك اقول حينما تكون هناك أمة مضطهدة تهضم حقوقها وتحت نير أمة أقوى منها يولد من خلالها ثوار يضطرون التعامل أحياناً بالخفاء ومع من يكون.. وإلا من أين وكيف سيحصلون على السلاح للمقاومة أو حتى المؤن..! فهل الحكومات نفسها ستمنحها السلاح وتقول لها هيا لنحارب..؟! فكما تعرف أستاذ نور حتى البساتين في كوردستان كانت تحرق والينابيع كانت تردم بسياسية مدروسة.. والحديث طويل وسأحاول مدى الإمكان في خوص التفاصيل من خلال الحلقات.. أكرر شكري لأهتمامك بسرد الحلقات وأرجو أن أكون وفقت ولو بجزء يسير ومتواضع في الرد على تعقيبك الكريم.. مع جزيل الشكر والتقدير..
زوزان صالح اليوسفي
القصيدة التي نشرت بعد ثورة 14 تموز في الصحف:
الحناجر الدامية
للشاعر الكردي صالح اليوسفي
في زاوية واحدة فقط
من كوخ وطني المظلم الكئيب
في عراقنا الحبيب فقط
ننعم بالدفء والنور وجمال الحرية
تحت وهج شمس الرابع عشر من تموز المجيدة
التي تزداد نورها وبها
فتهز أمس مهد طفلها الرضيع بنشوة وحبور
ويحرث أخي الكبير قطعة أرض طيبة بمحراثه الجديد بأبتسام
وأبي يحملق بعينيه الواسعتين المغمضتين بالإعجاب والحب والحنان إلى أغصان الأشجار المحملة المثقلة بالفواكه الدانية
وأخي الصغير يغرد كبلبل ولهان في الحديقة الزاهية بلباسه القشيب
وأختي الصغيرة تنظف محفظة كتبها الجديدة بفخر ومسرة
وزوجتي تضرم النار بلذة تحت القدر الحديث المليء بالطعام
وأنا أتحدث جهراً وبملئ الحرية والأعتزاز بلغتي العذب مع صديقي وفي الزوايا الثلاث(1) التعسة الأخرى
المفعمة بالصقيع والتعري والظلام والشقاء
أسمع بألم مرير همسة اللصوص وتهديدات السفاكين قطاع الطرق
وحفيف الخناجر الرهيفة الدامية الهاوية لتمزيق بني شعبي البوؤس
ودوي طلقات بنادق الصيد المنهمرة من كل حدب وصوب يصم الأذان والأجساد الهاوية والأشلاء الملطخة بالدماء
تؤجج سعير حقدي بالمزيد
وزمجرة الوحش الضارية المنقضة على الفرائس والضحايا
وضجيج عويل النساء الأليمة وصراخ الأطفال الشجى
وموكب الأسلاب والتشريد والسجون الرهيبة والعذاب والمشانق اللعينة
كلها توقظ أقصى ذرة من ذرات أشمئزازي وكراهيتي وحقدي
لهذه العصابات الإجرامية الثلاثة من الأشرار الملطخة بعار الدماء البريئة من أبناء شعبي المسكين
وملايين العيون البريئة تومضى بثأر المضطرم والدفاع الشرعي المقدس
وملايين السواعد الفولاذية تكون قلعة جبارة
تصون أنوار الرابع عشر من تموز الخالدة وقيادة الزعيم الأمين
عبد الكريم قاسم بحزم وعناد وتصميم
لتشيدو إكمال أمجاد شعبي العظيم
(1) تركيا وإيران وسوريا