تلك الليلة المشؤومة
لم أدر لماذا شعرت بالكآبة تلك الليلة وكأن يداً ثقيلة تخنقني وتقطع عني الأنفاس تنبؤني بالشؤوم والخيبة
وضعت رأسي المثقل على المخدة ونمت ضجرة وأنا أردد في داخلي كان علي أن أذهب لأسهرمع الأهل في بيت أبي لقد إجتمع جميع الأهل هناك لكنني كنت الوحيدة التي لم أذهب ، كنت متعبة ذاك اليوم ، آه ياوالدي لو عرفت ذلك لما توانيت في الذهاب إليك
لم أحس بأنفاسي المتعبة بعد أن غطت في نوم عميق لا أدري كم كان الوقت وإنما كان بعد منتصف الليل وبداية بزوغ الفجر ليوم جديد أيقظني بعدها
رنين التلفون اللعين ،يا ساتر تلفون الليل يخيفني مددت يدي وعينايا مغمضتين
صوت أخي آزاد كان يشق الحيرة في مسامعي وهو يقول أختاه لقد رحل وقبل أن يكمل
إنتفضت صارخة من فراشي وأنا أقول لا تقل إنه والدي لكنه قال نعم إنه والدي الذي رحل
تجمع الأولاد علي من غرفهم وهم مرتعبين يسألونني ماذا جرى
قلت جدكم وأنفاسي لا تسعفني على مواصلة الكلام كان الصراخ فقط هو أنيسي في تلك اللحظة
لا أدري كيف لبست وكيف حملتني قدماي
المرتجفتين الى الشارع لأقف مبهوتة مذعورة أجري أحياناً وأخرى تتراخى قدماي لأقف بعدها حائرة لا أعرف ماذا أفعل .
كانت البرودة تلسع مفاصلي وأنا أنظر إلى السماء التي خلت من النجوم كل شيء كان داكن حزين والليل قد فرش رداءه الحالك الظلام على كل المفارق
ظلام دامس يكبلني بالأحزان وخيال أبي يتراءى أمامي وهو يتحدث ,يشرح يحلل وهو يمرر بأصبعيه بين حاجبه المكثف باحثاً عن أجوبته المختزنة في خزانة فكره ,ياإلهي كيف لي أن أتدارك الأمر،هل صحيح صمت أبي لاأصدق ,ساعدني يارب كيف سأواجه الموقف
وإذ بإبن عمي زبير الذي كان جاري في الحارة وزوجته رحمهما الله يصرخان بي إلى أين قفي علينا أن نأخذ تاكسي
ولم أشعر بنفسي إلا ونحن أمام باب بيت أبي.
كان مفتوحاً هذه المرة لم يكن لنا حاجة في قرع الجرس لأن أخي كسرى كان قد سبقنا إلى الداخل ودون إذن من أحد إقتحمت الغرفة سائلة أين هو
منعوني في البداية من الدخول لكن إبن عمي قال دعوها تدخل لتتأكد بنفسها
دخلت وليتني لم أدخل لأرى ذاك العملاق الذي لاينثني ، تلك القامة التي لاتنحني لأحد ،البطل الجبار والجبل الأشم الذي لم تثنيه الأعصار قط مستلقياً على فراشه ملتفاً بجلباب الصمت والسكينة فألقيت بنفسي عليه صارخة أبي يا قرة عيني يا قمري يا كل وجودي ،إفتح عينيك فأنا لا أتحمل رؤيتك وأنت مغمض العينين صامت لا تتكلم
مررت بيدي على جبينه الذي أوحى لي أنه حي يتنفس أمسكت بيده وقبلتها قبلت وجهه الطاهر وأجهشت بالبكاء لا لا لا ترحل الآن لم ينتهي بنا المطاف بعد ، لكنه كان صامتاً لم يجبني بأي كلمة ولا حتى أمسك بيدي ولا مسح دموعي عندها تأكدت من الواقع الأليم , لقد رحل والدي، آه يا اأبي لو تدري كم آلمني رحيلك
ساعات مضت وتهافتت علينا الجماهير من كل الأنحاء، كان يوماً مميزاً حزيناً بعدها
أقاموا له أبناءه الكرد البررة في السويد عزاء يليق به ، بعد أيام رافقنا جثمانه أنا وأخواتي ووالدتي وممثل عن الفدراسيون الكردي في السويد الأخ حنفي جلبلي إلى قامشلو واستقبلتنا الجماهير الكردية على مفارق الطرق بحفاوة واحتضنت إبنها البار بكل حنان ودفن في حديقة داره في الحارة الغربية بناء لوصيته
وهكذا رحل أبي بصمت وقلبه مملوء صخب وثورة ، حب وإشتياق لضم عروسته كوردستان , وحسرة العودة الى مدينته المحببة قامشلو حياً بقيت غصة في قلبه
وهكذا ترجل الفارس المغوار عن صهوة حصانه
وبرحيله رحلت الأبتسامة عن شفاهي واحتضنتني الآلام
رحلت السعادة من بيتنا ، وإنطفأت الأنوار
نم قرير العين ياوالدي وتأكد إن بقيت حية سآتيك لأهمسك بأن كوردستان أصبحت حرة مستقلة
المجد والخلود لك ولجميع عظماء وطني والبقاء لكوردستان
سيبقى التاريخ يحتضنكم إلى الأبد
.