إن القبور مليئة بالرجال الذين لا يمكن الاستغناء عنهم ...ِشارل ديغول ....
كان مسجى بالقرب من رصيف بناية شاهقة في برلين ، الدماء تشكل دائرة حول رأسه لم تتلوث ثيابه الأنيقة ، ولم يجتمع الناس حوله، لم يُسمع لا صراخ ولا عويل ،القليل من المارة نظروا اليه بأسف واضح أحدهم أخرج هاتفه وصوره وأتصل بأحدهم ، بقي سعد مفتوح العينين يحملق بالسماء البعيدة الملبدة بالغيوم ، حاول أن يسحب رجليه الممدتين دقق النظر إنهما بعيدتان جداً، - ما تزال فردتا حذائي نظيفتين لامعتين ، آه كم هما بعيدتان عني فقط لو أستطيع سحب إحداهما ، لو كنت هناك لكانتا الأن مغبرتين تماماً، حاول أن يتحرك لكنه عجز ، أن يسحب ذراعه دون جدوى ، -عيادتي الواسعة ذات الغرف المشمسة في الجهة الشمالية من المدينة وسط حارة هادئة ، ترى ماذا يفعلون الأن ؟ الألم يشًتد عليه ودائرة الدم تتسع ،نظر إلى الأبنية الشاهقة ذات الأشكال المختلفة ، تلك البناية ذات الطوابق الثلاث حيث عيادتي في الطابق الثاني والخالة فهيمة التي تسكن الطابق الأول ، - خالتي فهيمة أنا طبيب داخلية لكنها كانت تصرخ اقول لك أخلع لي هذا السن ولتكن طبيب خارجية لا يهمني ،لست غبية أعلم إنك لا تخلع للناس أسنانهم ولكن أنا خالتك فهيمة لستُ غريبة ،لولا هذا السن الخائن لما أحتجت لك رافقني اللعين سبعين سنة كان خلالها ثابتا واليوم يتحرك ناشراً حوله الألم ، أما كان باستطاعته البقاء ثابتاً؟ إنه يشبه الرجال ههه لا الحق يقال هو اكثر وفاءً ، -خلصني هيا خلصني منه وسأبلع الطعام دون طحنه ، - آه يا خالة فهيمة من يخلصني من وجع الندامة ؟ من يعيد الزمن للخلف حتى اصحح مساره ؟ من ينهي هذا الألم الرهيب والدم النازف من ؟ البرودة تعض جسده الممدود ، تجمد الدم وكفت الدائرة عن التوسع ،شوارع خالية نظيفة مشجرة ،واسعة الكثير من السيارات تمر ، - ليتني كنت الأن ممدداً على ذلك الشارع الذي يوصل منزلي بعيادتي ، في كل يوم كنت أقطعه ذهاباً واياباً لمرات عدةٍ ، وفي كل مرة كنت اتعثر بتلك الجورة وإن تفاديتها كانت رجلي تنغرس بالحفر حيث الأتربة والطين من أمطار الشتاء والمجاري المكسورة،، يسمع صوت سيارة إسعاف تقترب منه حاول أن يخمن مدى قربها حسب الصوت لعجزه عن التحرك ، - كانت نساء البناية تعقدن جلسات القهوة أمام الباب الرئيس وحين مروري بهنّ كنّ يطلبن وصفات لعوارض شتى ، لطالما حررت وصفات وأنا بوسط الشارع ! توقفت سيارة الإسعاف تقدم منه مسعفان إحداهما جلست بجانب رأسه وجست نبضه ، شعر بحرارة يدها ، - آه آه روزة ارجوكِ سامحيني انتبهي لأولادنا لقد خيبتّ ظنك ، أتعبكم الانتظار أعمل ثلاث سنوات ولم أستطع لمّ شملنا معاً ، حاولت المسعفة أن تجعله يتكلم ، سألته ما اسمك؟ ماذا حدث لك ؟ كان يريد أن يجيبها لكن لسانه خانه نظر في عينيها بحنان بالغ ، - روزة حبيبتي :أقسم بعينيك اللتين عشقتهما منذ أول نظرة على مدرج كلية الطب البشري هناك ولم اكف يوماً عن ذلك العشق ، ثمانية اشهر وأنا مشغول بهذه الأوراق وقد جهزتها تماماً، مررت المسعفة يدها أمام عينيه لكنه لم يبدِ اي حركة ، - روزة أخبرني الموظف الألماني بلزوم توقيع أخير وتكون الأوراق جاهزة أسرعت كي أوقعها وارسلها للسفارة لتكونوا هنا قريبا قريبا جداً، رفعه المسعفان وضعاه على النقالة مسحا الدماء المتجمدة عن رأسه ،بدت ملامحه الشرقية الساحرة ، العينان السوداوان والشعر الأسود وتلك الخصلة البيضاء التي زادت من جمال جبهته الواسعة ،شارب منسق زاد من ملاحة الوجه ، - روزة :حين سمعت الموظف يقول إن أوراقي جاهزة طرت نعم ما عادت قدماي تلامسان الأرض طرت إلى الشارع حيث أنتم نعم ، نعم كنتم هناك لقد رأيتكم سمعت صوت رزان تقول :بابا تعبنا هيا تعال ، بالمناسبة اما زال الاولاد يدرسون ؟ إلى أي مدرسة يذهبون ؟ العربية أم الكوردية ؟ آه حين ركضت اليكم ربما حضنت سامي لم أرى السيارة ألا وهي تصدمني ، يالعشوائية هذا العالم ! ضمد المسعف رأس سعد بعناية وجس نبضه ، بدا الأسف واضحاً على وجه المسعف ، حاول سعد أن ينظر لكن الحدقتين جمدتا ، سالت دمعة حرى من عيني الطبيبة المسعفة لتمتزج مع دموعه المنحدرة على جانبي وجه ،تأملت الطبيبة وجهه بحنان ومررت يدها على عينيه لتغلقهما للابد